ثبت عن رسول الله أنه كان يبشر أصحابه بمجيء شهر رمضان،
ويخبرهم عليه الصلاة والسلام أنه شهر تفتح فيه أبواب الرحمة وأبواب الجنة وتغلق فيه أبواب جهنم،
وتغل فيه الشياطين ويقول :
((إذا كانت أول ليلة من رمضان فتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وغلقت أبواب جهنم فلم يفتح منها باب،
وصفدت الشياطين، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة)).
ويقول عليه الصلاة والسلام:
((جاءكم شهر رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا
ويستجيب الدعاء، ينظر الله إلى تنافسكم فيه فيباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم
خيراً فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله))،
ويقول عليه الصلاة والسلام:
((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً
واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)).
ويقول عليه الصلاة والسلام: يقول الله عز وجل:
((كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف
إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي. للصائم
فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)).
والأحاديث في فضل صيام رمضان وقيامه وفضل جنس الصوم كثيرة.
فينبغي للمؤمن أن ينتهز هذه الفرصة وهي ما منَّ الله به عليه من إدراك شهر رمضان
فيسارع إلى الطاعات، ويحذر السيئات ويجتهد في أداء ما افترض الله عليه
ولاسيما الصلوات الخمس فإنها عمود الإسلام وهي أعظم الفرائض بعد الشهادتين فالواجب
على كل مسلم ومسلمة المحافظة عليها وأداؤها في أوقاتها بخشوع وطمأنينة. ومن أهم واجباتها في حق
الرجال أداؤها في الجماعة في بيوت الله التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه كما
قال عز وجل:
(وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين)
وقال تعالى:
(حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين)،
وقال عز وجل:
((قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون)،
إلى أن قال عز وجل:
((والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون)،
وقال النبي
((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)).
وأهم الفرائض بعد الصلاة أداء الزكاة كما
قال عز وجل:
(وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة).
وقد دل كتاب الله العظيم وسنة رسوله الكريم على أن من لم يؤد زكاة ماله يعذب به يوم القيامة.
واهم الأمور بعد الصلاة والزكاة صيام رمضان وهو أحد أركان الإسلام الخمسة المذكورة في
قول النبي :
((بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله
و إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان وحج البيت)).
ويجب على المسلم أن يصون صيامه وقيامه عما حرَّم الله عليه من الأقوال والأعمال،
لأن المقصود بالصيام هو طاعة الله سبحانه وتعظيم حرماته وجهاد النفس على مخالفة
هواها في طاعة مولاها، وتعويدها الصبر عما حرَّم الله، وليس المقصود مجرد ترك الطعام
والشراب وسائر المفطرات، ولهذا صح
عن رسول الله أنه قال:
((الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم))
وصح عنه أنه قال:
((من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)).
فعلم بهذه النصوص وغيرها أن الواجب على الصائم الحذر من كل ما حرَّم الله عليه
والحافظة على كل ما أوجب الله عليه، وبذلك يرجى له المغفرة والعتق من النار وقبول الصيام والقيام.
وهناك أمور قد تخفى على بعض الناس: منها أن الواجب على المسلم أن يصوم إيماناً
واحتساباً لا رياءً ولا سمعةً ولا تقليداً للناس أو متابعة لأهله أو أهل بلده بل الواجب عليه
أن يكون الحامل له على الصوم هو إيماناً بأن الله قد فرض عليه ذلك، واحتسابه الأجر عند
ربه في ذلك، وهكذا قيام رمضان يجب أن يفعله المسلم إيماناً واحتساباً لا لسببٍ آخر ولهذا
قال عليه الصلاة والسلام:
((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه،
ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناًً
واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)).
ومن الأمور التي قد يخفى حكمها على بعض الناس: ما قد يعرض للصائم من
جراح أو رعاف أو قيء أو ذهاب الماء أو البنزين إلى حلقه بغير اختياره، فكل هذه الأمور
لا تفسد الصوم لكن من تعمد القيء فسد صومه
لقول النبي :
((من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء)).
ومن ذلك ما قد يعرض للصائم من تأخير غسل الجنابة إلى طلوع الفجر،
وما يعرض لبعض النساء من تأخير غسل الحيض أو النفاس إلى طلوع الفجر إذا رأت الطهر
قبل الفجر فإنه يلزمها الصوم ولا مانع من تأخيرها الغسل إلى ما بعد طلوع لفجر
ولكن ليس لها تأخيره إلى طلوع الشمس بل يجب عليها أن تغتسل وتصلي الفجر فبل طلوع الشمس،
وهكذا الجنب ليس له تأخير الغسل إلى ما بعد طلوع الشمس بل يجب عليه أن يغتسل ويصلي
الفجر قبل طلوع الشمس، ويجب على الرجل المبادرة بذلك حتى يدرك صلاة الفجر مع الجماعة ومن
الأمور التي لا تفسد الصوم: تحليل الدم، وضرب الإبر غير التي يقصد بها التغذية لكن تأخير
ذلك إلى الليل أولى وأحوط إذا تيسر ذلك
لقول النبي
((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك))
وقوله عليه الصلاة والسلام
((من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)).
ومن الأمور التي يخفى حكمها على بعض الناس عدم الاطمئنان في الصلاة سواء
كانت فريضة أو نافلة وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله الناس
يصلي في رمضان صلاة التراويح صلاة لا يعقلها ولا يطمئن فيها بل ينقرها نقراً، وهذه الصلاة على
هذا الوجه باطلة وصاحبها آثم غير مأجور. ومن الأمور التي قد يخفى حكمها على بعض الناس ظن
بعضهم أن التراويح لا يجوز نقصها عن عشرين ركعة، وظن بعضهم أنه لا يجوز أن يزاد فيها
على إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة، وهذا كله ظن في غير محله بل هو خطأ مخالف للأدلة.
وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله على أن صلاة الليل موسع فيها فليس
فيها حد محدود لا تجوز مخالفته، بل ثبت عن رسول الله أنه كان يصلي
من الليل إحدى عشرة ركعة وبما صلى ثلاثة عشرة ركعة وربما صلى
أقل من ذلك في رمضان وفي غيره،
ولما سئل عن صلاة الليل قال
((مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة توتر له ما قد صلى))
متفق على صحته.
ولم يحدد ركعات معينة لا في رمضان ولا في غيره،
ولهذا صلى الصحابة م في عهد عمر في بعض الأحيان
ثلاثاً وعشرين ركعة وفي بعضها إحدى عشرة ركعة، كل ذلك ثبت عن عمر
وعن الصحابة في عهده. وكان بعض السلف يصلي في رمضان ستاً وثلاثين ركعة ويوتر بثلاث،
وبعضهم يصلي إحدى وأربعين، ذكر ذلك عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ
أن الأمر في ذلك واسع، وذكر أيضاً أن الأفضل لم أطال القراءة والركوع والسجود
أن يقلل العدد ومن خفف القراءة والركوع والسجود زاد في العدد، هذا معنى كلامه ـ رحمه الله ـ.
ومن تأمل سنته علم أن الأفضل في هذا كله هو صلاة
إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة في رمضان
وغيره لكون ذلك هو الموافق لفعل النبي في غالب أحواله،
ولأنه أرفق بالمصلين وأقرب إلى الخشوع والطمأنينة ومن زاد فلا حرج ولا كراهية كما سبق.
والأفضل لمن صلى مع الإمام في قيام رمضان أن لا ينصرف إلا مع الإمام
لقول النبي
((إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة)).
ويشرع لجميع المسلمين الاجتهاد في أنواع العبادة في هذا الشهر الكريم من صلاة النافلة،
وقراءة القرآن بالتدبر والتعقل والإكثار من التسبيح والتهليل والتحميج والتكبير والاستغفار والدعوات الشرعية،
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله عز وجل ومواساة الفقراء والمساكين
والاجتهاد في بر الوالدين وصلة الحم وإكرام الجار وعيادة المريض وغير ذلك من أنواع الخير
لقوله في الحديث السابق
((ينظر الله إلى تنافسكم فيه فيباهي بكم ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيرا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله)).
ولما روين عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:
((من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه،
ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه))
ولقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح
((عمرة في رمضان تعدل حجة أو قال حجة معي)).
والأحاديث والآثار الدالة على شرعية المسابقة والمنافسة في أنواع الخير في خذا الشهر الكريم كثيرة
والله المسؤول أن يوفقنا سائر المسلين لكل ما فيه رضاه، وأن يتقبل صيامنا وقيامنا،
ويصلح أخوالنا ويعيذنا جميعاً من مضلات الفتن.
كما نسأله سبحانه أن يصلح قادة المسلمين ويجمع كلمتهم على الحق إنه ولي ذلك والقادر عليه،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المصدر: قناة الرحمة
نشرت فى 8 سبتمبر 2009
بواسطة abrihemnasser
ساحة النقاش