قراءة في

البداية والنهاية

للشيخ خالد الراشد حفظه الله

- الجزء الثاني -  

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول أحد مغسلي الموتى : جيء بميت فلما ابتدأنا بتغسيله انقلب لونه كأنه فحمة سوداء ، وكان قبل ذلك أبيض البشرة ، فخرجت من مكان التغسيل وأنا خائف فوجدت رجلاً واقفاً فقلت:ما هذا..هذا الميت لكم ؟ قال : نعم ، قلت : أنت أبوه ، قال : نعم ، قلت : فما شأن ميتكم ؟! قال الأب : إنه لم يك من المصلين ..إنه لم يك من المصلين ..فقلت له : خذ ميتك فغسله أنت ..أما حكم الله ورسوله في مثل هذا فهو لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يحمل على الأكتاف بل يجر على وجهه وتحفر له حفرة في الصحراء يكب فيها على وجهه ( وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) .. فهل ترضى أن تكون مثل هذا ؟؟؟!!! فهل ترضى أن تكون مثل هذا ؟؟؟!!!

هذا من أخبار أولئك الذين سلكوا طريق الغواية ..

أما من أخبار أولئك الذين سلكوا طريق الهداية.. فيقول أحد مشايخنا : دفنا شاباً بعد صلاة الظهر .. كان داعية ..كان شاباً مواظباً ومحافظاً على الصلاة في المسجد .. لما غسلناه وكفّناه استنار وجهه وأشرق ..فلما أتينا القبر وكنت ممن نزل في قبره لإنزاله .. قلت: بسم الله وعلى ملة رسول الله .. فإذا به أُخذ مني واستقبل القبلة قبل أن أنزله ..قلت لصاحبي : شعرت بما شعرت أنا ، قال : سبحان الله .. أُنزل من يدي قبل ان أُنزله أنا في القبر .. فلما كشفت عن وجهه وجدته يضحك .. فلما كشفت عن وجهه وجدته يضحك ..فداخلني الخوف بأن يكون حياً وأنا الذي غسلته وكفنته .. فسبحان من وفق لحسن الختام أقواماً وخذل أقواماً .. ( ولا يظلم ربك أحداً )

قال ثابت البناني : كنا نشهد الجنائز فلا نرى إلا متقنعاً باكياً ..

واليوم اشهد الجنائز ترى عجب العجاب ..

قال الأعمش : كنا نشهد الجنازة ولا ندري من المُعزى فيها لكثرة الباكين ، وإنما كان بكاءهم على أنفسهم لا على الميت..

واليوم نشهد الجنائز وكثير من الناس يضحكون ويتحدثون ونداء ربهم يقرع مسامعهم ( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون )

اعلم رعاك الله أن من حمل الجنازة اليوم سيُحمل غداً .. وأن من رجع من المقبرة إلى بيته اليوم سيرجع إليها غداً ..

اللهم لا تدعنا في غمرة ، ولا تأخذنا في غرة ، ولا تجعلنا من الغافلين ..

لا تظن أن الأمر بالموت قد انتهى بل هناك بداية ونهاية أخرى ..

ولو أنّا إذا متنا تُركنا                     ولكنّا إذا متنا بُعثنا

لكان الموت راحة كل حي        ونُسأل بعدها عن كل شيء

نعم ..سيبعثر ما في القبور ، وسيحصل ما في الصدور ..

فهيا ننتقل من خبر إلى خبر .. تعال ننتقل إلى موقف عظيم ألا هو موقف الحشر .. والحشر هو جمع الخلائق يوم القيامة لحسابهم والقضاء بينهم .. الحشر هو جمع الناس أولهم وآخرهم ليوم لا ريب فيه ...سماه الله يوم الجمع ( يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ) ..

وقال سبحانه : ( ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره إلا لأجل معدود ).

وقال جل في علاه : ( إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ) ..

تأمل حالهم ( يوم يخرجون من الأجداث سراعاً كأنهم إلى نُصب يوفضون ، خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون ) .. فلا إله إلا الله على يوم مثل هذا .. قدرة الله أحاطت بهم فلا يعجزه شيء حيثما هلك العباد فإن الله قادر على الإتيان بهم ..إن هلكوا في أجواء الفضاء ، أو غاروا في أعماق الأرض ، إن أكلتهم الطيور الجارحة ،أو الحيوانات المفترسة ،أو أسماك البحار ، أو غيبوا في قبورهم في الأرض ..تأمل في قوله (أينما تكونوا يأت بكم الله جميعاً إن الله على كل شيء قدير ) .

وكما ان قدرة الله محيطة بعباده يأتي بهم حيثما كانوا فكذلك علمه محيط بهم فلا ينسى منهم أحداً ولا يضل منهم أحد ولا يشذ منهم أحد ..لقد أحصاهم ولن يغادر منهم أحد ( إن كل من السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً ، لقد أحصاهم وعدهم عداً ، وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً ) ،( وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً )

الناس فيه سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد.. أسكرتهم الشدائد والأهوال ..

قال قتادة : ( يوم يقوم الناس لرب العالمين ) قال سمعت الحسن يقول : ما ظنك بأقوام قاموا لله عز وجل  على أقدامهم مقدار خمسين ألف سنة لم يأكلوا منها أكلة ولم يشربوا فيها شربه تدنى الشمس من رؤوسهم مقدار ميل فيغرقون في عرقهم ..

فقل لي بالله العظيم كيف سيكون الحال؟!!..

عن عبد الله بن عمر مرفوعاً : إن الكافر يلجم يوم القيامة بعرقه من طول ذلك اليوم .. وقال علي رضي الله عنه : من طول القيام حتى يقول ربي أرحني ولو إلى النار ..

فلك أن تتخيل أنت وأنا لا محالة من بينهم . لك أن تتخيل لا محالة أنا وأنت من بينهم.. فتوهم نفسك وتخيل قد علاك العرق وأطبق عليك الغم وضاقت نفسك في صدرك من شدة العرق والفزع والرعب والناس معك منتظرون لفصل  القضاء إلى دار السعادة أو إلى دار الشقاء حتى إذا بلغ منك المجهود ومن الخلائق منتهاه وطال وقوفهم لا يُكلمون ولا يُنظرون في أمورهم .. فلما بلغ المجهود منهم ما لا طاقة لهم به كلم بعضهم بعضاً في طلب من يكرم على مولاه أن يشفع لهم في الراحة من مقامهم وموقفهم لينصرفوا إلى الجنة أو إلى النار .. ففزعوا إلى آدم ونوح ومن بعده إبراهيم وموسى وعيسى كلهم يقول : إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله .. فكلهم يذكر شدة غضب ربه عز وجل وينادي بالشغل بنفسه فيقول نفسي نفسي .. فيشتغل بنفسه عن الشفاعة لهم إلى ربهم لاهتمامه بنفسه وخلاصها ، وصدق الله حين قال ( يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها ) ، قال سبحانه ( ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً ، فيذرها قاعاً صفصفاً، لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً ، يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً ، يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علماً ، وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلماً) فلا إله إلا الله على أهوال يشيب له الولدان وتذهل المرضعات عن الأطفال وتضع الأمهات الأحمال ..

كيف سيكون حالي وحالك (إذا دكت الأرض دكاً دكاً ، وجاء ربك والملك صفاً صفاً ، وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنّى له الذكرى ) لا إله إلا الله يؤتي بجهنم لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها ، لو تركت على أهل المحشر لأتت على برهم وفاجرهم (إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيراً ) فإذا نظرت إلى الخلائق فارت وثارت وشهقت وزفرت نحوهم وتوثبت عليهم غضباً لغضب ربهم (إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقاً وهي تفور ، تكاد تميّز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير ، قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزّل الله من شيء إن أنتم في ضلال كبير ، وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ) فتتساقط الخلائق حينئذ على ركبهم جثاة حولها قد أسبلوا الدموع ، ونادى الظالمون بالويل والثبور ( لا تدعو اليوم ثبوراً واحداً وادعو ثبوراً كثيراً ) ثم تزفر ثانية فيزداد الرعب والخوف في القلوب ، ثم تزفر الثالثة فتتساقط الخلائق على وجوههم ويشخصون بأبصارهم وهم ينظرون من طرف خفي خوفاً أن تبلغهم أو يأخذهم حريقها .. أجارنا الله منها ..

أيا من ليس لي منه مجير
أنا العبد المقر بكل ذنب
إن تعذبني فبسوء فعلي
<!--

 

بعفوك من عذابك أستجير
وأنت الفرد الواحد القدير
وإن تعفو فأنت به جدير
<!--

فتصور وتخيل أصوات الخلائق وهم ينادون بأجمعهم منفرد كل واحد منهم بنفسه يقول : نفسي نفسي فلا تسمع إلا قول نفسي نفسي .. فيا هول ذلك وأنت تنادي معهم بالشغل بنفسك والاهتمام بخلاصها من عذاب ربك وعقابه ..

إنه يوم قد بدأ وسوف ينتهي لكن قل لي بالله العظيم كيف ستكون النهايات وإلى أين المصير؟!

ما ظنك بيوم ينادي فيه المصطفى آدم والشكور نوح والخليل إبراهيم والكليم موسى والروح والكلمة عيسى مع كرامتهم على الله وعظم قدر منازلهم عند ربهم ..كل ينادي نفسي نفسي .. هذا حال أتقى البشر ، فكيف سيكون حالي وحالك !!! وكيف يكون خوفي وخوفك!!! ..

حتى إذا آيس الخلائق من شفاعتهم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه الشفاعة إلى ربهم فأجابهم لها وقال : أنا لها .. أنا لها ..

عند الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبي يومئذ آدم وما سواه إلا تحت لوائي " .

وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه انه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تبارك وتعالى ( عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ) سُئل عنها فقال : " هي الشفاعة " فينطلق صلى الله عليه وسلم إلى العرش فيخر ساجداً فيفتح الله عليه من محامده والثناء عليه ما هو أهله ..ذلك كله بمسمعي ومسمعك وأسماع الخلائق أجمعين .. فيقال : يا محمد ارفع رأسك وسل تعطَ واشفع تشفع ..فيقول يا رب : أمتي أمتي .. فيجيبه ربه عز وجل إلى تعجيل عرضهم والنظر في أمورهم..( يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية) (وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ) ( إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون ) ( أزفت الآزفة، ليس لها من دون الله كاشفة ، أفمن هذا الحديث تعجبون،وتضحكون ولا تبكون،وأنتم سامدون ، فاسجدوا لله واعبدوا ).

 

Ÿ إلا إنها شدة قد بدأت وانتهت وبدأت بعدها عقبة كؤود .. إنها الحساب وشدته وهو أعظم موقف وأشد عقبة ، فعلى ضوئها ونهايتها ستحدد البداية التي لا نهاية لها .. إما يقال : يا أهل الجنة خلود فلا موت ، وإما يقال : يا أهل النار خلود فلا موت ..

فهيا نتابع الأحداث والأخبار .. تعال نتابع بداية حساب ونهايته ، لكن كيف ستكون البداية وكيف ستكون النهاية .. تعال نسمع رعاك الله ..

حسبك أن تعلم .. حسبك أن تعلم .. أن القاضي والمحاسب في ذلك اليوم هو الحكم العدل قيوم السماوات والأراضين ليتبين لك عظم هذا المشهد وجلالته ومهابته (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور ) .. نعم سيجيء الرحمن مجيئاً الله أعلم بكيفيته .. نؤمن به ونعلم أنه حق ولا نؤوله ولا نحرّفه ولا نكذب به .. وستجيء الملائكة في هذا الموقف الجليل .. ستجيء ومعها كتب الأعمال التي أحصت على الخلق أعمالهم وتصرفاتهم وأقوالهم ليكون حجة على العباد ..( ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ربنا يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً ) ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد )

ومعنى الحساب أن يوقف الحق تبارك وتعالى عباده بين يديه .. يعرفهم بأعمالهم التي عملوها أقوالهم التي قالوها وما كانوا عليه في حياتهم من إيمان او كفر أو استقامة او انحراف أو طاعة أو عصيان ..

فمن سلك طريق الهداية فيُعطى كتابه بيمينه ويحاسب حساباً يسيراً وينقلب إلى أهله مسروراً ..

ومن سلك طريق الغواية فيُعطى كتابه بشماله ويحاسب حساباً عسيراً ويدعو ثبورا

ستقام محكمة قاضيها الملك الديان ، شعارها : (لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب ). شعارها : " إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً " .

ستقوم المحاكمة على قواعد وأصول بينّها الله جل في علاه ..

منها : العدل التام الذي لا يشوبه ظلم . قال جل في علاه ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) .

ومنها : لا يُخذ أحد بجريره غيره . قال سبحانه ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) .

ومنها: إطلاع العباد على ما قدموه من أعمال ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً ) .

ومنها: إقامة الشهود . قال سبحانه ( اليوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما يعملون ، يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين )

عن ماذا سيكون السؤال ؟!! سيكون السؤال عن خمس  فاستعد للجواب :

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تزول – أي إلى الجنة أو إلى النار – لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يُسأل عن خمس :

عن عمره فيما أفناه .. اسمع.. أيها الشاب .. عن عمره فيما أفناه ..وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه ،وماذا عمل فيما علم ..

الحساب فيه بالذرة ووالله إنه لحساب شديد ذلك الذي سنحاسب فيه بالذرة ( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ) ..

فتأمل عبد الله .. تأمل عبد الله موقفك غداً بين يدي العزيز القهار تنظر أيمن منك فلا ترى إلا ما قدمت .. تنظر أشأم منك فلا ترى إلا ما قدمت .. تنظر امامك فلا ترى إلا النار ..

إنها والله ساعة لا يخفى على الموقنين رهبتها ولا على المتقين شدتها

 

تذكر وقوفك يوم العرض عرياناً
والنار تلهب من غيظ ومن غضب
المشركون غداً في النار يلتهبون
<!--

 

مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا
على العصاة وربّ العرش غضبانا
والموحدون بدار الخلد سكانا
<!--

فتخيل نفسك عبد الله إذا تطايرت الكتب ، ونُصبت الموازين ، وعُرضوا على ربك صفاً ( لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعداً )..

فتخيل نفسك عبدالله إذا نوديت باسمك على رؤوس الخلائق : أين فلان ابن فلان ! .. فلان ابن فلان..استعد للعرض والوقوف بين يدي الله ! وقد وُكلت الملائكة بأخذك فساقتك إلى الله لا يمنعها اشتباه الأسماء باسمك واسم أبيك إذا عرفت أنك المراد بالدعاء .. تخيل إذا قرع النداء قلبك فعلمت أنك أنت المطلوب فارتعدت فرائصك واضطربت جوارحك وتغير لونك وطار قلبك .. تُخطى بك الصفوف إلى ربك للعرض عليه والوقوف بين يديه وقد رفع الخلائق إليك أبصارهم وأنت في أيدي الملائكة قد طار قلبك واشتد رعبك لعلمك أين يراد بك .. فلا إله إلا الله إذا وقفت بين يدي ربك ليس بينك وبينه ترجمان ، في يدك صحيفة مخبرة بعملك لا تغادر بلية كتمتها ولامخبأة أسررتها وأنت تقرأ ما فيها بلسان كليل وقلب منكسر والأهوال محيطة بك من بين يديك ومن خلفك .. فكم من بلية قد كنت نسيتها ذكركها ، وكم من سيئة قد كنت أخفيتها أبداها وأظهرها ، وكم من عمل ظننت أنه سلم لك وخلص فرده عليك في ذلك الموقف وأحبطه بعد أن كان أمَلك فيه عظيماً .. فيا حسرة قلبك ويا أسفك على ما فرطت في طاعة ربك .

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال صلى الله عليه عليه وسلم :  يدني الله العبد منه يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه – يعني ستره – فيقرره بذنوبه حتى إذا ظن العبد أنه هلك ..اسمع بارك الله فيك ..اسمع رعاك الله .. فإذا كان ممن تاب وسلك طريق الهداية قال الله له بعد أن قرره بذنوبه : فإني قد سترتها عليك  في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم ، فيُعطى كتابه بيمينه ، فينطلق بين الملأ فرحاً مسروراً ضاحكاً مستبشراً يقول بأعلى صوته ( هاؤم اقرأوا كتابيه ، إني ظننت أني ملاق حسابيه ، فهو في عيشة راضيه ، في جنة عاليه ، قطوفها دانيه، كلوا واشربوا هنئياً بما أسلفتم في الأيام الخاليه ) ( وجوه يومئذ مسفرة ، ضاحكة مستبشرة ) ..

لكن قل لي بالله العظيم كيف لو كان ممن سلك طريق الغواية وجاءته النهاية بلا توبة ولا أوبة .. يقرره الله بذنوبه ثم يقول الجبار :يا ملائكتي خذوه ومن عذابي أذيقوه فلقد اشتد غضبي على من قل حياءه معي .. فيؤتي كتابه بشماله ،فيخرج إلى الملأ وهو يقول : ( يا ليتني لم أوت كتابيه ، ولم أدر ما حسابيه ، يا ليتها كانت القاضيه ، ما أغنى عني ماليه ، هلك عني سلطانيه ) ( ووجوه يومئذ عليها غبرة ، ترهقها قترة ، أولئك هم الكفرة الفجرة )

 --فأي مصير تريد ؟! ..أي مصير تريد ؟! ..

اسلك طريق الهداية وتجنب طريق الغواية .. استعن بالصبر والصلاة .. اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم .. لا تحزن لقلة السالكين ولا تغتر بكثرة الهالكين .. أسهر ليلك بالقرآن والقيام .. واقطع نهارك بالظمأ والصيام .. صم في دنياك عن الشهوات والمعاصي والمنكرات ، وأفطر يوم تلقى الله وتنادى إلى جنة عرضها الأرض والسماوات ..

قال إبراهيم بن أدهم لأخ له في الله : إنه بلغني أن الله تعالى أوحى إلى يحيى بن زكريا عليهما السلام يا يحيى إني قضيت على نفسي أنه لا يحبني عبد من عبادي أعلم ذلك منه إلا كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي يتكلم به ، وقلبه الذي يفهم به ،فإذا كان عبدي كذلك بغّضت إليه الاشتغال بغيري ، وأدمت فكرته ، وأسهرت ليله ، وأظمأت نهاره .. يا يحيى أنا جليس قلبه وغاية أمنيته وأمله ، أهبُّ له كل يوم وساعة فيتقرب مني وأتقرب منه .. أسمع كلامه وأجيب تضرعه ودعاءه فوعزتي وجلالي لأبعثنه مبعثاً يغبطه به النبيون والمرسلون ، ثم آمر منادياً ينادي : هذا فلان بن فلان ولي الله وصفيه وخيرته من خلقه دعاه إلى زيارته ليشفي صدره من النظر إلى وجهه الكريم ، فإذا جاءني رفعت الحجاب فيما بيني وبينه فنظر إلي كيف شاء وأقول له أبشر فوعزتي وجلالي لأشفينّ صدرك من النظر إلي ولأجددن كرامتك في كل يوم وليلة وساعة..

سبحانك سبحانك يا علي يا عظيم ، يا باري يا رحيم ،يا عزيز يا جبّار ، يا حي يا حليم ..

سبحان من سبحت له السماوات بأكنافها..

سبحان من سبحت له الجبال بأصواتها..

سبحان من سبحت له البحار بأمواجها..

سبحان من سبحت له الحيتان بلغاتها ..

سبحان من سبحت له النجوم بأبراقها ..

سبحان من سبحت له الأشجار بأصولها..

سبحان من  ( يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال )

سبحانك لا إله إلا أنت وحدك ..

اللهم صلي على محمد في الأولين ..

اللهم صلي على محمد في الآخرين ..

اللهم صلي على محمد في الملأ الأعلى إلى يوم الدين ..

اللهم اعصمنا من فتن الدنيا ووفقنا لما تحب من العمل وترضى وأصلح لنا شأننا كله وثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ..

اللهم اجمع شملنا ،وحد صفنا وأصلح ولاة امورنا وانصرنا يا قوي يا عزيز على القوم الكافرين

اللهم أصلح الشباب والشيب واحفظ النساء والبنين ..

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا يا ربنا من الراشدين ..

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ..

اللهم صلي على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..

أستغفر الله العظيم ..سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسل

والحمد لله رب العالمين

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 837 مشاهدة

عدد زيارات الموقع

74,959

ابحث

     لا اله الا الله 

   محمد رسول الله