علي مبروك محمد سيدأحمد الفقي

موقع مصري إسلامي تعليمي إخباري هادف من العبد الفقير لله

بسم الله الرحمن الرحيم
د.أحمد زويل..

رؤية العالم المصري الأمريكي لمشروع النهضة

فيما يلي مقتطفات من الكتاب القيم "عصر العلم" للدكتور أحمد زويل (الفائز بجائزة نوبل للكيمياء عام 1999), تم اختيارها بعناية, لتنقل لكم رؤية شخص فذ عاش في الشرق وفي الغرب, وفهم وهضم وشارك في العملية النهضوية. هذه الفقرات تنقل لكم ملاحظات شديدة الأهمية وذات فائدة عظيمة لكل من يهتم بمشروع النهضة, تنقل لكم رؤية د.زويل لمشروع النهضة العربية, وتعرض تحليله لتجارب نهضوية خاصة ببلدان مثل الهند وماليزيا وأيرلندا, وكيف يمكننا الإستفادة من دروس هذا الصعود.




يمكن القول أن للنهضة مستلزمان, وأنها شروط لازمة للتحقيق... وهي في المستوى العام مستلزمات ثلاث... ثقافية واقتصادية وسيساسية.

فعلى صعيد الثقافة... تتطلب النهضة إصلاحا ثقافيا واسعا, وأعني هنا بالإصلاح الثقافي... إصلاح حالة النفس والعقل, أي ترميم الضمير العربي مع ترميم العقل العربي سواء بسواء.



فالعالم العربي يحتاج إلى نقلة, وإلى استعادة الثقة بالنفس, واستعادة الثقة في المجتمع. وهنا نأتي إلى قضية الإنتماء, فالإنتماء في الأصل شعور, ثم هو من بعد ذلك فعل وسلوك. واستعادة الإنتماء جزء أساسي في ملف الإصلاح الثقافي. وما لم يوجد ذلك الإحساس بأهمية الوطن والمجتمع في الضمير الخاص, يصبح الحديث عن النهضة حديثا بلا عائد.


التربية الجيدة والتعليم الكفء يعني إعادة الإعتبار للذات , ويعني أيضا إعادة الاعتبار للمجتمع, ومن ثم رفع كفاءة الفرد ودعم انتمائه لوطنه. كما أن التعليم الجيد يدفع الإعلام بالضرورة إلى أن يكون جيدا, فالإعلام السطحي الذي يرسخ خطابا إعلاميا ركيكا إنما يطيح بجهود القطاعات الأخرى


يشغلني أكثر في هذا المقام –والحديث عن الشرط الإقتصادي للنهضة- هو اقتصاديات العصر التي تعتمد على التكنولوجيا الحديثة. فهذه الاقتصاديات هي التي أطلقت النمور في آسيا وهي التي أبقت الأسود في الغرب وهي التي تمنع دخول العالم العربي إلى حلبة المنافسة

ومن غير المتوقع إحداث نهضة اقتصادية دون القضاء على النظام الإداري المعقد وقتل الفيل الأبيض.. تلك البيروقراطية التي لا يمكنها البقاء في ظل نظم الإدارة الحديثة.

الولايات المتتحدة الأمريكية لا يمكن اختصارها في بعض ساستها, أو بعض سياساتها, فأمريكا تجربة عملاقة في العلم والتكنولوجيا, ولديها نموذج باهر في الإدارة وطرق العمل, كما أنها تقدم سياسيا الكثير من الإيجابيات المتعلقة بالحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان, وإن بقيت لها مصالحها الخاصة التي لا تلتقي بالضرورة مع مصالح الآخرين.


الطريق ليس طويلا كما يصور للبعض, إنك لا تحتاج إلى عشرات السنين حتى تحدث نقلة من التخلف إلى التقدم, كما أن الفرصة لم تفت كما يحلو لليائسين أن يصوروا الأمر, لقد فعلت اليابان والصين ذلك في سنوات, وفعلتها النمور الأسيوية وأيرلندا في سنوات. وحيث سألت مهاتير محمد –الرئيس الماليزي السابق- عن السر قال: أن تجل الشعب كله يفكر في المستقبل, وحيث وجهت السؤال نفسه للسيدة روبنسون رئيسة أيرلندا السابقة قالت إنه شئ واحد.. التعليم.

ومن هذه التجارب أعتقد أنه لابد من إعادة النظر في الفكر السياسي والإجتماعي القائم في العالم العربي, وتجاوز تلك المقولة الرائجة حول الإصلاح التدريجي والتطور البطئ, فالمعنى الوحيد لذلك هو عدم الإصلاح وعدم التطور, وما أعتقده أن الأمر ينبغي أن يأخذ شكل القفزة الواحدة, لا بد من نقلة كبرى, ذلك أن البطئ في الحركة يدع الفرصة لعوامل الإحتكاك والإيقاف لتعمل بقوة, وحينئذ يزداد البطء, وهو ما يعني التراجع والفشل في ظل الحركة السريعة لعالم اليو

وقد جاء الدكتور مهاتير محمد إلى السلطة عام 1981 في بلد زراعي يعتمد على تصدير القصدير والمطاط ليبدأ تجربة ثرية امتدت 22 عاما, ترك بعدها السلطة وقد أصبحت ماليزيا بلدا صناعيا متقدما, يشارك القطاع الصناعي والخدمي في اقتصادها بنسبة 90%, وتصنع 80% من السيارات التي تجري في شوارعها, ولا تزيد البطالة فيها على 3%, وأما متوسط دخل الفرد فقد زاد 7 مرات, كما أصبحت كوالالمبور نموذجا رائعا في هندسة العمارة وتميز البناء حيث ترتفع فيها أعلى أبراج العالم.




التقيته –مهاتير- في مدينة جديدة تدعى بوتراجايه, وهي مدينة بنيت بالكامل في عهد مهاتير, لتكون مقرا للمصالح الحكومية والجهاز الإداري, وتكفي زيارة هذه المدينة لنكتشف طبيعة الرجل وطبيعة تجربته, فهي مدينة منظمة وأنيقة, وقد بنيت جميع منشآتها لأهداف ووظائف محددة, وجرى تنظيمها لتسهيل عمل الدولة وأجهزتها المركزية. ويتوسط المدينة مسجد رائع يمثل بحث تحفة في العمارة الإسلامية.



ومن هذه المدينة يمكن فهم ماليزيا, فهي دولة عصرية تساير التقدم العالمي ومع ذلك تجد الإسلام فيها قويا وحاضرا دون تعارض بينهما.

وربما يكون هذا أهم ما قدمت ماليزيا للعالم الإسلامي المعاصر, التقدم والتدين معا, ذلك أن التدين الماليزي يتسم بالتسامح والاستنارة. وقد استمتعت بزيارة المساجد والخطاب الديني المستنير.

حين زرت ماليزيا كانت تتبعني مرافقتان, واحدة مسلمة محجبة والثانية هندوسية.. كانت كلتاهما نموذجا للكفاءة والانضباط. ويتعايش المسلمون في ماليزيا مع البوذيين والهندوس في درجة عالية من التسامح, وهم في هذا التسامح لا ينطلقون من موقف أخلاقي فقط, بل هم يدركون تماما أن عدم التسامح سوف يؤدي إلى هزيمة الجميع

وقد قال لي مهاتير محمد: كان لا بد من خلق حركة في هذا البلد, وقد استلزم ذلك تغيير عقلية المواطن الماليزي, وقد فعلت ذلك من خلال أمرين: الأول تغيير نظام التعليم حتى يعادل التعليم المتقدم في العالم ويتفاعل مع الثورات العلمية المعاصرة.

والثاني تصحيح الوضع الإجتماعي والإقتصادي للملايو الذين يشكلون أغلبية السكان لكنهم يحتلون الدرجة الثانية من المجتمع بعد الصينيين الذين يمتلكون ويديرون معظم الأعمال الإقتصادية. فمنحنا لهم القروض والتسهيلات ودفعنا الطبقة الوسطى المالاوية إلى الأمام. وقد مثل هذا التصحيح ركيزة أساسية في عملية النهوض.



وفكرنا في أن يساعدنا العالم من أجل النهوض, ولكننا رأينا أن الولايات المتحدة ليست الأنسب لذلك, واخترنا النظر إلى الشرق, وذهبنا إلى اليابان. ذلك أن قيم العمل في اليابان وكوريا هي الأنسب لبلادنا وشعبنا. وقلنا لليابانيين: نحن نريد دعمكم لنا, ونريد تحقيقة نهضة في بلادنا بالمشاركة معكم. وقد كان ذلك اتجاها صائبا, واليوم فإن علاقات ماليزيا باليابان استراتيجية, واليابان هي أكبر حلفائنا في مشروع التنمية والتقدم.

كنت قد زرت (مدينة) بنجالور قبل لقائي (الرئيس الهندي) عبد الكلام, وشاهدت بنفسي ما جرى هناك, شاهدت كيفية اقتطاع مساحة من الفقر وإطلاق الحركة للبحث العلمي فيها لتكون قاطرة تجر البلاد إلى الأمام.

وخرجت من ذلك الخاطر بسؤال مكرر إلى عبد الكلام... كيف فعلتم ذلك؟

فأجاب: إنه التعليم والبحث العلمي الذي يعتمد على فكرة المراكز المضيئة. وضرب لي مثلا بمعهد الهند للتكنولوجيا في نيودلهي, وهو يشبه في طريقة عمله جامعتي كالتك و MIT في الولايات المتحدة. ومثل آخر: معهد الهند للعلوم في بنجالور, وكذلك معهد "رامان" وهو عالم هندي مشهور حصل على جائزة نوبل.




وعادة ما يتم قبول خريجي هذه المعاهد بسهولة داخل الجامعات الأمريكية الكبرى وفي مقدمتها كالتك نظرا لكفاءة خريجيها الذين تلقوا أعلى المستويات التعليمية.


والأمر الثاني- بعد التعليم- الذي يراه عبد الكلام من أسس النهضة الاقتصادية في الهندس هو إتقان اللغة الإنجليزية, والتي ساعدت في التواصل مع لغة العلم في العالم.


ومن اللافت للنظر أن الأمر الثالث يعود إلى طبيعة التوقيت الزمني في الهند, إذ أن فارق التوقيت بين الهند والولايات المتحدة يصلى إلى 12 ساعة, أي أن الليل الهندي هو نهار أمريكي وبالعكس. ومن ثم فإن الشركات الأمريكية والعالمية عليها أن تعمل بلا انقطاع. وهو ما ضاعف من إنتاجية هذه المؤسسات

وبعد أن طاف بنا الحوار جنبات العالم المختلفة, عدت لأسأل عن سر النقلة التي حققتها أيرلندا في عهد روبنسون –الحديث عن السيدة ماري روبنسون, رئيسة أيرلندا السابقة-, وكانت إجابتها في كلمة واحدة كررتها ثلاثا.. "التعليم". "فبفضل التعليم يقف الخريجون في الجامعات الأيرلندية اليوم على أحدث ما وصل إليه العلم الحديث. ومع العلم لم نغفل عامل الخبرة والتكوين المهني, ونجحنا في بناء الإنسان الحديث على قيم الإنضباط والعمل الجماعي".




خلاصة هذا الحكي.. أنني لمست من مشاهداتي ومن لقاءاتي أن إمكانية النهوض ممكنة, وأن النهضة السريعة التي يمكن للشعب أن يدرك آثارها وينعم بنتائجها هي أيضا ممكنة. ولكن ذلك يتطلب إرادة قوية وتقديرا للعمل ولمكانته, وحرية للفكر وإمكاناته, وكفاءة في السياسة والإدارة, وقد فعلتها ماليزيا كما فعلتها الهند وأيرلندا, وهناك تجارب أخرى لم نتطرق إليها هنا وقد قمت بزيارتها وشاهدت مراحل تطورها... في اليابان والصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة, وتمضى دول في أوربا الشرقية وأمريكا اللاتينية على الدرب ذاته


وفي ندوة بالصالون الثقافي بدار الأوبرا المصرية –عقدت فبراير الماضي-, ذكر العالم الكبير د.زويل أنه عندما جاء لمصر في المرة الأخيرة, ذهب إلي مكتبة مدبولي ليعزي أبناء الحاج محمد مدبولي في وفاة والدهم الرجل العظيم و أثناء كلامه معهم, سألهم عن نوعية الكتب الأكثر مبيعا ..و كان يتوقع مثلا رواية مشهورة أو كتابه عصر العلم و لكن فوجئ بالرد بأن الكتب الأكثر مبيعا الآن هي كتب الطبخ و كتب الأبراج!!!

يحكي زويل هذا ليوضح الظلام الحالك الذي وصلت إليه الأمة, ثم يواصل أنه و على الرغم من هذا الظلام, فإنه مؤمن بأن النهضة تتطلب فقط شمعة صغيرة وسط كل هذا الظلام ليلتف الجميع حولها حتى نخرج من هذه الظلمة, و هذه الشمعة من وجهة نظره هي مشروع قومي, أي مشروع يلتف الناس حوله لننهض بالأمة.

يا ترى ما هي هذه الشمعة..؟ السؤال قائم..مع احترامي..

المصدر: علي الفقي
aboelfeky

علي مبروك الفقي يرحب بالجميع

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 407 مشاهدة
نشرت فى 20 إبريل 2011 بواسطة aboelfeky

ساحة النقاش

علي مبروك محمد سيدأحمد الفقي

aboelfeky
علي مبروك محمد الفقي يرحب بكل الناس »

إبحث عن

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

88,930

علي الفقي

قال تعالي ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين) صدق الله العظيم