إن التقدم الذي حصل تدريجياً منذ البدايات ، وتسارعه في القرنين الماضيين خاصةً ، جعل علاقة الإنسان بالإنسان ، وعلاقات المجتمعات ، والدول فيما بينها من أقصى مشارق الأرض إلى مغاربه تزداد تعقيداً ، ويأخذ طابعاً يومياً مع أنهم جميعاً يعيشون في بقعة صغيرة من الأرض - بتلاشي الأبعاد والمسافات بين البلدان- أدت الى تشابك المصالح والاشتراك العالمي في الحضارة والثقافة وامتزاجها. كما أن التقدم الصناعي والتقني ، والاكتشافات العلمية ، والتقنية الحديثة في الاتصالات، والقدرة السريعة على البيع والشراء ـ أسهماً كانت أم أرصدة أم مواداً- جعل التوجه نحوالإستقرارفي العلاقات ، والتعاون ، والهدوء في الأنظمة السياسية أكثرإهتماماً ، ولم يعد الهدوء الداخلي وحده في دولة بعينه كافياً لتحسين العلاقات فيما بين الدول ، فما يحدث في دولة ما من منازعات داخلية قد يهدد السلم ، والأمن في دول أخرى . لذلك كان لا بد للقانون الذي ينظم العلاقات فيما بين الدول من أن يتطور، وينظم تلك العلاقات طرداً مع ما يتناسب من التطوروالتقدم الحاصل في المجتمع البشري.
إن التطورالذي حصل في المجتمع البشري الذي كان من نتيجته نشوء الدول كارقى شكل من أشكال التنظيم في المجتمعات . والدولة - بين جماعة الدول- كالفرد بين باقي أبناء جنسه ، حيث لم تقتصر
الحاجة إلى التعاون بين الأفراد ضمن الدولة ، بل الدول أيضاً فيما بينها هي أحوج إلى التعاون المتبادل ، حيث يصعب عليها البقاء في عزلة عن بقية الدول ، فقد يتوفرلديها من الحاجيات أكثرمما يلزمها ، في حين قد تنقصها بعض الحاجيات الأخرى مما هو متوفر لدى غيرها من الدول ، وهذا الإحتياج يدفعها أن تدخل مع غيرها من الدول في علاقات التبادل والتعاون ، ولابد أن يكون لعلاقة التبادل والتعاون هذه من منظومة ينظمها ، وتتمثل تلك المنظومة في القانون الدولي العام ، شأنه في ذلك شأن القانون الداخلي في تنظيم العلاقات بين هيئات الدولة الواحدة وبين أفرادها. وعلى ذلك يمكن تعريف القانون الدولي العام بأنه : "مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات بين الدول، وتحدد حقوق كل منها وواجباتها" (1) .
ساحة النقاش