طالب موريتاني

مدونة.. منوعات.. طبية.. أدبية.. واكاديمية...وجامعـــــــــية.شروحات متميزة في عالم الموبايلات والكومبيوترات.مقالات متنوعة

تاريخ الإسلام في موريتانيا


1-دخول الإسلام إلى شنقيط (موريتانيا):
كان ما يعرف اليوم ببلاد موريتانيا ( شنقيط) جزءا مغمورا من الدولة الإسلامية منذ العهد الأموي ، ولم يعتن به المؤرخون كثيرا رغم أهميته ، ولعل السبب هو البعد وضعف عناية أهل البلد بالكتابة عن أنفسهم،وهي سمة عامة في أهل المغرب شكى منها الثعالبي صاحب كتاب الفكر السامي –رحمه الله- ولا سيما أهل بلاد السيبة أو المنكب مع أن الإسلام وصل إلى تلك البلاد في أواخر القرن الأول الهجري على الأظهر، ويحدد بعضهم ذلك ا لتاريخ بسنة 63هـ، وقيل كان في بداية القرن الثاني على رأي من يحدده بسنة 112هـ، ومهما يكن من أمر فإن ابن خلدون يقول : في كتابه العبر متحدثا عن القائد المسلم المظفر عقبة بن نافع وفتحاته -رضي الله عنه-: ودخل المغرب الأقصى وأثخن في المصادمة ودوخ بلادهم حتى حملهم على الإسلام ثم جاز إلى السوس لقتال من بها من صنهاجة أهل اللثام فأثخن فيهم وقاتل مسوفة وراء السوس وقفل راجعــــا ( 6/608)، والسوس مكان معروف يقع وراء : (تارودانت) ويصب في الأطلس من بلاد موريتانيا حاليا.
وعقبة –رحمه الله -هو الذي وقف على شاطئ المحيط الأطلسي وأدخل جواده حتى بلغ الماء نحره ثم قال : اللهم إني أشهدك أن لا مجاز ولو وجدت مجازا لأجزت(
تاريخ المغرب والأندلس لمحمد المختار العبادي ص35)، وظل أهل تلك البلاد من ذلك التاريخ مسلمين ، وإن مرت بهم فترات يحملون فيها الإسلام بضعف ، وكانت أول دولة إ سلامية قامت على جزء من هذه الأرض هي دولة (غانا-في القرن الرابع الهجري) التي كانت عاصمتها (كومبي صالح)في شرق موريتانيا خاليا،وكان للمسلمين العرب صلة بها ، يقول محمود شاكر : ويبدو أن أحد الأشراف قد وصل إلى إمبراطورية غانا ، وأسس مدينة كومي صالح التي أصبحت عاصمة تلك الإمبراطورية …. وكانت قد توسعت هذه الإمبراطورية حتى شملت أراضي موريتانيا اليوم (التاريخ الإسلام لأحمد شاكر (14/459)، ثم دولة مالي التي قامت سنة 638والتي شملت الأجزاء الشرقية من موريتانيا الحالية.
(وفي عام 427هـ خرج يحي بن إبراهيم الكدالي حاجا في طائفة من قومه وفي طريق عودته مر على القيروان – وهو معقل معروف من معاقل العلم والتقى والمعرفة-فالتقى بشيخ المالكية بها عمران الفاسي وبعد مناقشة بينهما تبين للفقيه أن الأمير فيه خير كثير ومحبة للعلم ؛ فقال له الشيخ : ما يمنعكم من تعلم الشرع على وجهه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟فقال له : لا يصل إلينا إلا معلمون لا ورع لهم ولا علم بالسنة عندهم (البكري ص 165)وطلب يحي من الفقيه أن يرسل معه مستشارا ومعلما من خيرة تلاميذته فكلف الفقيه بذلك وجاج بن زلوم اللمطي الذي وقع اختياره على عبد الله بن ياسين الجزولي وكان رجلا ورعا حازما مشاركا في جميع العلوم عالما بالسياسة (ابن أبي زرع ص123).
2-قيام الدولة الإسلامية:
وبعودة يحي ومعه هذا العالم الجليل والداعية الكبير عبد الله دخلت هذه البلاد بداية جديدة كان لها ما بعدها ، بدأت بالتعليم والدعوة فوجد الرجلان نفرة وعدم استجابة من الناس فاتخاذا معسكرا أطلق عليه اسم ( الرباط) لما حصل فيه من مرابطة على العبادة والتدريــب ، وكان في جزيرة على البحر بين نواكشوط وانواذيبو في مكان معروف اليوم باسم: (تيدرة)ووضعا نظاما تدريبا قويا،وظل أنصارهم يتزايدون ، وبعد عشر سنوات تكونت لديهما جماعة قوية في دينها وعلمها وطار صيتها فعم الأرجاء وكثر أتباعها والمعجبون بها ، عند ذلك أعلنوا الجهاد، وفتحوا المدن وأخضعوا القبائل ،وأقاموا العدل بين الناس وفرضوا إخراج الزكاة، وظل نفوذهم يمتد ويتسع ؛ ففتحوا درعة وسجلماسة ، واودغست، وفي أثناء فتح هذه المدينة استشهد يحي بن إبراهيم ، فعينوا بعده يحي بن عمر اللمتوني،ثم استشهد عبد الله بن ياسين في المعركة التي دارت بينهم وبين قبيلة (برغوطة) ثم بنوا مراكش فجعلوها عاصمة لهم ، ووجهوا قوتهم إلى الشمال بعد ما ضعف نفوذهم في الجنوب حتى وصلوا إلى الأندلس مما جعلهم يؤخـرون -بإذن الله - سقوط الأندلس قرابة أربعة قرون من الزمن ، وكان لهذه الدولة الإسلامية صلات قوية بالدول والمماليك الإفريقية ، يقول الدكتور أحمد شلبي : إن هذه البلاد كانت المركز الذي تربت فيه حركة المرابطين واندفعت منه تنشر الإسلام في نواحي كثيرة وتحمي الإسلام بالأندلس من زحف الفرنجة…ويقول : وعندما جاء الإسلام إلى هذه المنطقة قدر لها أن تلعب دورا كبيرا في تاريخ الإسلام ، وأن تصبح مركزا وهاجا ينشر هذا الدين ويذود عنه في الشمال والجنوب ، ومن أجل هذا ينبغي أن نفسح المجال لدراسة تاريخ الإسلام في هذه المنطقة المهمة..(موسوعة التاريخ الإسلامي ص،503502)، وفي ص 506يقول إن عبد الله بن ياسين لما أنهى استعداده خطب في جيشه قائلا: إنكم لن تغلبوا عن قلة ، وقد تعين علينا القيام بالحق والدعاء إليه …) ثم خرج المرابطون بقيادة يحي بن عمر ، ولما توفي يحي خلفه أخوه أبو بكر وابن عمه يوسف بن تاشفين ، وبدأ بهما ملك المرابطين الذي اتجه نحو الجنوب حتى بلاد السنغال ، كما اتجه نحو الشمال حتى ضم اسبانيا.
وهكذا تتضح لنا أهمية
موريتانيا في التاريخ الإسلامي والقوى العظيمة التي نشأت بها ودفعت الإسلام إلى الجنوب مساحات واسعة ، كما حمت الإسلام فترة طويلة عندما تعرض لضغط الفرنجة في أسبانيا ، ولم يكن المرابطون وحدهم هم الذين نشؤا في منطقة (موريتانيا) وما حولها وإنما نشأ بها الموحدون وبنوا مرين مما يوضح لنا أن لهذه البلاد في التاريخ الإسلامي دورا حافلا  .
ثم أصبحت هذه الصحراء البعيدة عن دار الخلافة في بغداد، وعن جزيرة العرب تمثل موئلا للقبائل العربية التي تعودت على القوة والسطو فاتجه إليها قبائل المعقل ( بني سليم وبني هلال ) المهاجرة أو المبعدة لأسباب سياسية على يد الفاطميين من أجل الثأر من المعز بن باديس ثم طردهم السلطان المريني ، وكان ذلك خلال القرنين(11،12)
الميلاديين(قصة و
تاريخ الحضارات العربية ص162) مما مكن لهذه القبائل أن تجد ساحات جديدة للعيش في أرض لا تكاد تختلف كثيرا عن مواطنها الأصلية في جزيرة العرب والحجاز خاصة (ابن خلدون6/،27، وقصة تاريخ الحضارات ..بين الأمس واليوم ص162)،وقد انتشرت هذه القبائل داخل بلاد موريتانيا من تشيت وودان إلى ولاتة جنوبا (انظر : الزوايا في بلاد شنقيط في مواجهة الاستعمار الفرنسي ليزيد به ولد محمد محمود ص 103) ، وأهم ما لهذه القبائل من فضل أنها نشرت لغة القرآن في هذه البلاد، ولكنها دخلت في صراعات طويلة حتى تغلبت على القبائل الأخرى وفرضت نفوذها ، وبذلك ضعف الإسلام ، وظهرت إمارات مستقلة كإمارة الترارزة ، والبراكنة ، وتكانت، وأولاد أمبارك،.ومشظوف..إمارة أدوعيش، وهل يحي بن عثمان….ويمكن أن يعتبر تاريخ الإمارات من القرن التاسع إلى الحادي عشر (التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر ص 461)،.ومع ذلك لم تخل البلاد عبر تاريخها الطويل من ظهور علماء ومصلحين ودعاة مجددين إما على مستوى جهة أو قبيلة أو إمارة يقع تحت نفوذها مناطق مجاورة ، هنا وهناك ويلتف حول ذلك الشيخ أو الأمير جماعة تناصره ، أمثال الإمام ناصر الدين ،والشيخ عمر فوته، والشيخ المامي ، والشيخ سيديا ، والشيخ، سيد المختار الكنتي ،و الشيخ ماء العينين ، ولم تخل فترة زمنية من ظهور عالم أو داعية أو مصلح اجتماعي وإن لم تقم في هذه البلاد على عرضها المعروف اليوم دولة إسلامية تحكم جميع أطرافها بعد دولة غانا،ودولة المرابطين ، حتى دخل المستعمر  الفرنسي ، فدخل وهي بلاد تنتشر فيها قبائل وإمارات يشيع بينها -في بعض الأحيان - الخصام والنزاع والفتن ، مما سوغ لبعض الناس التعاون مع العدو الخارجي في مرحلة لاحقة أملا في إنهاء ذلك ، وربما طمعا لدى بعضهـم في عرض من الدنيا!يقول الدكتور شلبي : وبعد هذا التاريخ الناصع انحلت البلاد ، وتقطعت أوصالها ، وقام بها حكم قبلي مهد الطريق للاستعمار الأوربي (الموسوعة ص507) واشتهرت في أفريقيا والشمال الأفريقي بتجارها الذين يحملون العلم والدعوة ويقضون حوائج الناس بالتعليم والفتوى وبتوفير البضائع من الذهب إلى الملح في حركة إيجابية فريدة أزعجت المنصرين وكتبوا عنها كثيرا
3-دخول النصارى المستعمرين إلى بلاد شنقيط:
كانت بداية دخول الأعداء الصليبين الغربيين إلى بلاد شنقيط (موريتانيا) الجولة الاستطلاعية التي قام بها (جاليان) العامل لهنري الملاح عام 1434م الموافق 837هـ ، ثم تمركز البرتغاليون سنة 852هـ الموافق 1448م، في منطقة تعرف باسم (أغادير دومة ) على شاطئ المحيط الأطلسي، ثم أرسلوا بعض أفرادهم إلى (أدرار)،وتنافست على هذه البلاد كل من إبريطانيا وهولندا واسبانيا ، ثم أقام الفرنسيون مركزا آخر على نهر السنغال وظل هذا التسابق والتنافس بين البرتغاليين والهولنديين والفرنسيين يتزايد على أساس التنافس التجاري حتى سنة 1815م فتحول إلى تدخل مباشر في حياة السكان وفرض الهيمنة عليهم بعد معاهدة (باريس في هذه السنة 1815هـ حيث جعلت تلك المعاهدة لفرنسا امتلاك الأراضي التي تتم فيها المبادلات التجارية ، وكان الأوروبيون يدفعون لأمراء القبائل نسبة على تلك البضائع تصل إلى حوالي 3%100، ولذلك كان بعضهم –جهلا منهم- يعتبرونها غرما كما تفعل القبائل الخاضعة لهم ، لكن من سنة 1850م إلى سنة 1900م ( وهي الفترة التي يسمها بعضهم بفترة حرية التجارة وبداية التدخل الفرنسي) تغير الأمر فلم يقبل الفرنسيون أن يدفعوا تلك النسبة التي كانوا يدفعونها بناء على اتفاقات مسبقة بموجبها يسمح لهم بالشراء والبيع ، ويحمون من النهب والاعتداء ، ثم في المقابل قام الأمراء بسياسة النهب وفي سنة 1864تم إلغاء آخر اتفاق بين الفرنسيين وإمارات البيظان ، استجابة للخطة التي اقترحهـــا: (كافيركبولاني )وهو مستشرق تربى في الجزائر وأتقن الحسانية والعربية والعلوم الإسلامية ، وهو الذي توصل في دارسة كتبها عن البلاد عامة وعن التصوف والصوفية خاصة وتوصل فيها إلى نتائج من أهمها أن فرنسا يمكن أن تبسط نفوذها وتخضع القبائل عن طريق سياسة الاحتواء السلمي دون أن تطلق رصاصة واحدة ، إذا ما طبقت خطته من خلال :الاتصال بمشايخ الصوفية الذين يسميهم : ( أصحاب السلم والآداب والتجارة والتأثير المعنوي)من خلال إقناعهم وإغرائهم معا وكتب تقريرا سريا مفصلا بذلك إلى فرنسا ، لاقى استحسانها .
وفي 27/12/1899م أصدرت فرنسا مرسوما يقضي بإنشاء مستعمرة جديدة تحت اسم (
موريتانيا)
وجعلوا عاصمة هذا الدولة المصطنعة ( سان الويس )،وهي التي يطلق عليها الموريتانيون (اندر).
ولا شك أن خطة هذا المستشرق الصليبي الماكر كان لها أثرها البالغ فقد قامت الإرادة الفرنسية بتنفيذها في جانبيها السلمي والحربي؛ كما تنكرت لتلك الاتفاقات السابقة ، وبدأ الغزاة يغيرون بأسلحتهم المتطورة ويغرون من يستجيب لهم بالمال والمعاهدات الجانبية ، ويتلقــون في المقابل الضربات الشجاعة القوية التي ينقصها التنظيم والقيادة الموحدة مما يمكن أن يسمى حركات الجهاد والمقاومة، التي من أبرز رموزها : ( الشيخ ماء العينين، وابنه هبة الله الذي هزم الفرنسيين في معارك كثيرة وكان ينوي توحيد المغرب لذلك دخل مراكش عنوة وسيطر عليها ، وأمير البراكنة أحمد بن سيدي أعلي ، وأمير تاغانت بكار ولد اسويد أحمد الذي استشهد في موقعة تنقادوم عام 1323هـ، وأمير أدرار سيدي أحمد بن سيدي أحمد بن عيدة الذي استشهد في وديان الخروب عام 1350هـ ،وغيرهم كثير، وفي سنة 1890خضعت لهم منطقة النهر وفرضوا نفوذهم عليها ، وأنشئوا تلك المستعمرة التي طال ما خططوا لها وقد شملت الحدود الحالية ل
موريتانيا تقريبا بعد كثير من الحروب في كافة البلاد وقدم هذا الشعب تضحيات جسام رغم ما وقع من تخاذل وخيانة وتفرق.
وكان أقوى عامل في انتصار الفرنسيين وهزيمة المدافعين المجاهدين هو تفرق الشناقطة ، وكونهم ليس لهم أمير واحد يقاتلون تحت إمرته ، ولو مرحليا ، واستخدام العدو لسياسة التفرقة حتى بين أهل العلم والدين في بعض الأحيان ،وقد أثار ذلك خلافا طويلا في شرعية الجهاد مما كان له الأثر السلبي على معنويات كثير من المقاتلين ، ودفع ببعض أهل المعلم إلى الدعوة إلى الهجرة عن البلاد ،ودعا آخرون للانزواء والانقطاع وهو صنيع يشبه إلى حد كبير ما فعله الإنجليز في المشرق الإسلامي وإن لم يصل إليه ، حيث إن الإنجليز أوجدوا بخبثهم من يقول بإلغاء الجهاد أصلا ‍، ولم تأت سنة 1900م إلا وجميع البلاد خاضعة للمستعمر الصليبي الفرنسي على يد قائد الحملة الفرنسية الأخيرة (كبولاني)
لكنه لم يكن في حسبانه أن هذا الشعب الأعزل –في نظره- سيتولى قتله وقتل كثير من قادته وجنده ، وهو الذي تمرس في مناطق كثيرة من العالم الإسلامي وأسهم في بسط نفوذ فرنسا على كثير من البلاد ، من خلال الجمع بين الدهاء والمكر والقوة ، فقد لقي حتفه على يد الشريف المجاهد سيدي ولد مولاي الزين في مدينة تجكجكة في يوم 12/مايو1905م.
ولم تصل فرنسا إلى هذه السيطرة إلا بشق الأنفس مستخدمة سياسة الاحتواء السلمي التي رسمها هذا الصليبي الماكر،مع استخدام القوة والبطش في كثير من الأحيان.
ويمكن أن ألخص أهم وسائلها المباشرة فيما يأتي :
1- البحث والدراسة والتعرف على العقلية الموريتانية ونقاط قوتها وضعفها وما يكن أن يؤثر عليها .
2- الاتصال بالأعيان من مشايخ الصوفية وأمراء القبائل والتجار وإقناعهم بما في النفوذ الفرنسي من مصالح اقتصادية وأمنية ، وتخويفهم بما لديها من قوة عسكرية ضاربة ، وإطلاع بعضهم على بعض تلك الأسلحة ،وتقديم الأموال والميزات لبعضهم .
3- إقناع ، وإشاعة أن فرنسا إنما تريد نشر العدل وحماية الضعفاء وتبجيل العلماء وعدم التعرض لأي أحد في دينه أو عادتــه.، .
4- إشاعة النزاع والحروب بين القبائل من خلال دس ا لعملاء واصطناع الفتن، مستفيدين في ذلك من معرفتهم لأحوال الأمراء وما بنهم في الأصل من نزاعات وثارات قديمة ، ثم إذكائها ودعم كل طرف ، دون أن يطلعوا المشايخ والمصلحين على ذلك ، وإنما ينبهونهم على خطر هذه الفتن وأنهم يريدون القضاء عليها وإحلال الأمن بين الناس ، مما دفع ببعض المشايخ حرصا منه على حقن الدماء وإحلال السلم إلى كتابة فتاوى في هذا الخصوص، وهي خطة لا يزال الغرب يطبقها إلى اليوم..
(راجع: إمارتا إدوعيش ومشظوف تأليف الشيخ سيدي بابه ولد الشيخ سيدي ، وكتاب : الزوايا في بلاد شنقيط في مواجهة الاستعمار الفرنسي_فصول في ال
تاريخ السياسي الموريتاني الحديث للدكتور محمد المختار ولد اباه،وكتاب موريتانيا عبر العصور تأليف الأستاذ محمد عبد الهادي ، وكتاب: ميراث السيبة لأحمد محفوظ مناه).
4-قيام الدولة الموريتانية المعاصرة :
قامت الدولة الموريتانية الحديثة سنة 1960م وتولى المحتل الفرنسي تسميتها بهذا الاسم من أجل أن يقطع صلتها بماضيها المشرق لذا لم يختر لها مثلا : (دولة المرابطين الإسلامية ، ولا دولة كونبي صالح ، ولا دولة شنقيط ، ولا دولة بني حسان ….إلخ.) واستخرج لها هذا الاسم متخطيا كل ذلك ذلك التاريخ والحافل من أجل ربطها بالأوربيين من خلال هذا الاسم الذي لم يكن يعرفه أكثر الشناقطة قبل إعلانه ، يقول أحد السياسيين الموريتانيين المعاصرين لقيام الدولة: إنهم بذلوا جهودا مضنية من أجل إضافة قيد (الإسلامية )بعد أن لم يتمكنوا من تغييره.
وتقع هذه الدولة في الجهة الغربية من القارة الإفريقية ، وتقع غربا على شواطئ المحيط الأطلسي ، ويحدها من الشرق مالي ،ومن الجنوب مالي والسنغال ، ومن الشمال الجزائر والمغرب، وتبلغ مساحتها 1,030,700كلم2، ويقدر عدد سكانها بحوالي ثلاثة ملايين نسمة ونسبة الإسلام فيهم 100%100 .، ولغة أغلب الشعب الرسمية هي اللغة العربية ، وهناك لغات وطنية أخرى لا سيما في الجنوب ، بينما لغة الدولة الأولى هي الفرنسية والثانية العربية!
وينص المادة الثانية من دستورها : على أن الدين الإسلامي هو الدين الرسمي للشعب ، وأن رئيسها يجب أن يكون مسلما.(قصة و
تاريخ الحضارات العربية بين الأمس واليوم لجوزيف صفر (23-24/159-173، وموسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية للدكتور أحمد شلبي ص500).
5-الرحلة الشنقطية إلى الحج وآثارها في سمعة الشناقطة (الموريتانين):
كان ذلك عرضا سريعا مقتضبا لمراحل زمنية تحتاج إلى الكثير من الكتابة والتحليل لتاريـخ ( شنقيط وأهليها وآثارهم الإيجابية في المغرب والأندلس) ليس هذا مكانه ، ولا شك أن فيه جوانب مضيئة كثيرة تركت ءاثارا إيجابية عميقة على سمعة هذه البلاد في الداخل والخارج ، ولو لم يكن من ذلك سوى المحافظة على العلم والدين وخاصة اللغة العربية ، وتأخير سقوط الأندلس أكثر من أربعة قرون والوقوف في وجه الغزو الفكري الصليبي مما جعله يخرج من البلاد دون أن يترك أثرا سلبيا يذكر ، بخلاف ما فعله في جميع (مستخرباته)، مما جعله يركز على ما فاته بعد ما عرف بالاستقلال!!
أما في المشرق : فقد عرف أهل تلك البلاد بالشناقطة لأنهم كانوا ينطلقون في رحلاتهم إلى الحج من شنقيط في قوافل كبيرة تتخذ محطات محددة إلى أن تصل إلى بلاد الحرمين ، في رحلة علمية إيمانية فريدة ، دونها كثير منهم في مذكراته ، كالرحلة التركزية ، ورحلة ولد اطوير الجنة ، ورحلة الولاتي، ورحلة الشيخ محمد الأمين ، وما سجله ال
تاريخ مما ارتبط في أذهان كل من مروا عليه عبر تلك الرحلة بأنهم كما قال العلامة المختار بن بونة –رحمه الله- :
ونحن ركـب من الأشراف منتظم أجل ذا العصر قدرا دون أدنانا
قد اتخذنا ظهور العيـس مدرسـة بهـا نبين ديـن اللـه تبيـانا
فهم لم يكونوا مجرد حجاج وإنما كانوا دعاة علماء لا ينزل أحدهم في مكان إلا حلت به البركة وسطع به نور العلم لما يسمع فيه من تلاوة القرآن والتطبيق الحي لما جاء فيه من صلاة وذكر وكرم وحسن خلق واستعفاف عما في أيد الناس ، مما جعل القلوب تحبهم وتجلهم وتكبرهم ، حتى وجه أحد المعجبين بهؤلاء الصالحين سؤالا عجيبا غريبا لأحدهم ، وهو قوله: يا شيخنا هل يوجد شنقيطي يعصي الله تعالى ؟! طبعا أجابه الشيخ بأنهم بشر ويوجد فيهم من يعص الله تعالى ، لكن السبب في السؤال أن السائل لم ير منهم من يعصي الله فظن أنهم كلهم كذلك ..
لقد كانت هناك سمات واضحة يشترك فيها أغلب الشناقطة وخاصة الذين يأتون إلى هذه البلاد المقدسة وهي العلم والتقوى إلا أن هناك مصابيح في دجى الليل المظلم يحملون هم الدعوة وإبلاغها للناس على بصيرة، بالحكمة والموعظة الحسنة ويحرصون على ما ينفع الناس وهم بحمد الله كثيرون وإنما أقتصر هنا على بعض أمثلتهم ، ( والشأن ألا يعترض المثال )فمن هؤلاء:
1- الشيخ محمد الأمين الحسني الذي حج وذهب إلى الأحساء والقصيم والكويت ووقف في وجه الانجليز الماكرين وتآمرهم على الخلافة الإسلامية وحرض وأفتى على وجوب مناصرة العثمانيين وعدم جواز الخروج عليهم ، ثم استقر به المقام في العراق فأنشأ مدرسة الشنقيطي في زبير ولا زالت معروفة إلى اليوم، وبذلك عد علما من أعيان الكويت والعراق و
موريتانيا .
2-وكذلك العلامة اللغوي محمد محمود ولد التلاميد التركزي الذي اشتهر أمره حتى على المستوى الدولي في ذلك الوقت ؛ رغم ضعف الاتصالات وندرتها، ولا زالت بصماته ظاهرة في المصادر اللغوية من نحو وبلاغة وصرف وشعر، أما القاموس فالنسخة الموجودة منه اليوم فمصححة على نسخته وتحرص المطابع على ذكر ذلك ، ويكفي في الدلالة على أهميته في هذا الجانب قول الشيخ المحقق محمود محمد شاكر-رحمه الله- في مقدمة كتاب (أسرار البلاغة )لعبد القاهر الجرجاني :[وقد أوقع في قلبي الريبة من هذه التصحيحات ما أعلمه من تسرع الشيخ عبده وطغيانه في التصحيح بغير دليل اعتمادا على ذكائه ، وحبه الظهور على أقرانه، ولكن سكن من ريبتي استعانة رشيد رضا بالشيخ محمد محمود الشنقيطي لما أعرفه عنه من التثبت وحسن بصره بلغة القوم في عصورهم المختلفة]ص8، وهو الذي طلب ملك السويد والنرويج (اوسكار الثاني)عام 1306هـ من الخليفة العثماني أن يرسله إليه ليحضر المجمع الشرقي الثامن المنعقد في (استوكهلم) وكان سبب ذلك أن المستشرقين اتفقوا على أنه أعلم شخص بالعربية في زمنه شعرا ونثرا، وأنه يتكلم بها كما كان العرب يتكلمون بها،كما أرادوا أن يتسفيدوا من خلاصة ما توصل إليه من نتائج لغوية انفرد بها في هذا الفن إلى غير ذلك .
وقد أشار إمام اللغة محمد محمود التركزي إلى ذلك في قصيدته التي مطلعها :
ألا طرقت مي فتى مطلع النجم غريبا عن الأوطان في أمم العجم
وفيها يقول عن نفسه:
أأنت الـذي اختـارتك من أهل طيبة ملوك السـويد في مجادها الشم
فرامت من السلطان بعثك وافـدا عليهم خصوصا أجل مجمعها العلمي
وفيها يقول:
عن العرب العرباء آتيك نائبا وعن أمة الإسلام في العلم والفهم
وفي اللغة الفصحى القريشية التي بها أثبت القرآن في الصحف بالرسم
وفيها قوله:
أنا المغـربي المشرقي حميــة أذب عن القطرين بالسيف والسهم
وهو الذي كان يحمل هم وقف الشناقطة ونزعه من يد المفسدين ووضعه في موضعه الصحيح مما يجعله يسافر إلى دار الخلافة من أجل هذا الأمر ، ويجعل ذلك شرطا أساسيا من شروطه على الخليفة العثماني .
(الحماسة السنية الكاملة المزية في الرحلة العلمية –الشنقطية التركزية للتركزي)
4-وكذلك الشيخ محمد أمين صاحب الوسيط الذي كتب هذا الكتاب الذي يعد من أهم مراجع
تاريخ وأدب هذا البلد من حفظه ، وله جهوده العلمية المعروفة.(يراجع الوسيط).
4-أما العلامة سيدي عبد الله العلوي فقد طاف ببلاد المغرب والمشرق وترك آثارا حسنة مع كل من قابله في تلك الرحلة المباركة ثم جمع خلاصة علمه وفكره في فنون عديدة ورجع إلى بلاده ثم نظمها وشرحها وقدمها لأهل تلك البلاد عن طريق التدريس والتأليف وفي ذلك يقول –رحمه الله في آخر ألفيته الأصولية (مراقي السعود):
أنهيت ما جمعه اجتهادي *****وضرب الأغوار مع الأنجاد
مما أفادنيه درس البررة *****مما انطوت عليه كتب المهرة
وهكذا فعل في الفنون الأخرى حتى غدت كتبه من أهم المراجع التي يعتمد علها، وبذلك لقب:بمجدد العلم في زمنه في بلاد شنقيط.
5-ثم جاء من بعدهم العلامة محمد حبيب الله ولد ما يابى الجكني الذي علم في هذه البلاد المقدسة حيث كان يدرس في المسجد الحرام والمسجد النبوي ، وفي المدرسة الصولتية بمكة المكرمة وخرج أجيالا أمثال العلامة الشيخ حسن بن محمد المشاط ولم يقبل أن يضام أو أن يعيش في هذه البلاد المقدسة دون أن يعلم ويدعو إلى الله تعالى ، مما جعله يرضى بالذهاب والهجرة منها رغم شوقه وحبه وتمنيه على الله أن يموت بها وإنما فعل ذلك حفاظا على علمه ودعوته وسمعته،يقول الأستاذ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان – حفظه الله: (هاجر الشيخ محمد حبيب الله إلى مصر ودرس علم الحديث بالأزهر الشريف وأفاد منه كثير من علمائها واشتهر بين أفاضلهم وعرفوا له منزلته ، ومؤلفاته كثيرة مفيـدة في فروع متنوعة من علوم الشريعة والعربية)الجواهر الثمينة في أدلة عالم المدينة ص 74.
6-وكذلك أخوه العلامة محمد الخضر بن ما يابي الجكني الذي كان قاضي المالكية في المدينة المنورة ثم رحل مع الأشراف إلى الأردن وهو صاحب كــــوثر المعاني الدراري في شــرح خبايا صحيـــح البخاري.
7-أما العلامة الشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي فهو العلم الذي ليس منكم أحد إلا ويعرف عنه الكثير لما شاع عنه من علم وورع ودعوة ونصح للمسلمين عامة وقد استفادت منه كثيرا في جوانب عديدة لذا أرى أن الحديث عنه بين يديكم قد لا يكون مناسبا لأن منكم من يرجع إليه في الكتابة عنه ، ولا يزال ذكره يدوي في مسمعنا جميعا إلى اليوم في مجالس العلم والفضل ، ولقد سمعت شيخنا عطية بن سالم – رحمه الله- يقول إنه لا يوجد في هذه البلاد أحد يشار إليه في العلم بعده إلا وقد تعلم عليه أو على من تعلم عليه.
ومن غرائب وفرائد هذا القطر التي يجب أن يفخر بها ويعتز أبناء شنقيط في كل مكــان ولا أظنها وجدت لغيره ، هي أنه اشترك في اجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي الأول بجدة خمسة من أعيان شنقيط كل واحد منهم يرأس وفدا أو عضو فيه يمثلون خمس دول هي : (
موريتانيا، المغرب، المملكة العربية السعودية ، الأردن ، اليمن ) كما حدثني بذلك الشيخ أحمد ولد أحمد بابا-حفظه الله – بمكة المكرمة عام 1419م ، وهو يعرف أسماءهم، وقبائلهم ، فليراجع في ذلك .
أولئك أعلام شنقيط وسفراؤها الحقيقيون الذين رفعوا سمعة هذه القطر  فرحمهم الله وجزاهم عنا خير الجزاء .
لقد حدثنا شيخنا الجليل الشيخ عطية رحمه الله ذات مرة عن والده وشيخه محمد الأمين رحمه وأنه قال له يوما وقد دعاه الملك وأظنه الملك سعود – رحمهم الله جميعا- إني أخاف من هذه الزيارة أو المقابلة على كنز عظيم لدي ! فتعجب الشيخ عطية وقال شيخي وهل لديك كنز؟ قال : نعم ، إنه كنز القناعة .
هذا ما جعل آباءنا وأمهاتنا يخرجون إلى الشوارع في جميع البلاد وهم بلابسهم اللافت للنظر (الدراعة والملحفة )-وربما يكون في بعض الأحيان غير جديد ولا جميل، لكنه كان ملتزما بحدود الشرع -والجميع يتطلع إليهم بالمحبة والتقدير ، ويحرص على الفائدة منهم

 

المصدر: مدونات مكتوب
abdsalam

كل ماعندي بلا قيمة إذا لم تعلقوا أوتصوتو عليه الإنسان يستفيد من الأخطاء

  • Currently 55/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
17 تصويتات / 6192 مشاهدة
نشرت فى 29 مايو 2010 بواسطة abdsalam

ساحة النقاش

malainine

اسلام عليكم و رحمة الله و براكته اخي اريد ان اصحح بعض الاخطاء التاريخية لديك و هي ان بلاد مو ريتا نيا كانت عند دخول الاسلام مسكونة من قبائل بربرية كا بافور في ادرار و غيرها و الجنوب مسكون من قبائل السودان اما لمتونة فكانة تسكن اقصي الشمال الموريتاني كا وادي الذهب و شمال تريس الزمور هذه النقطة الاولي و المسئلة الثانية ان عقبة ابن نافع رضي الله عنه توقف شرق الجزائر و هناك قتل علي يد كسيلة ملك زناة والفتوحات الاسلامية بلغت اقصاها عند مدينة سبتة شمال و بلاد مصمودة جنوبا حيث رفضة هذه القبيلة الفتاحون الجدد و تحصنت بجبال الاطلس و ظلت معنادة حتي قضت علي الدولة الاسلامية في اخبار طويلة اما عن ادرار المذكور عند المؤرخين ان حفيد عقبة ابن نافع غزاه فهو في الجزائر الان فلا يختلط عليك المواضع ، النقطة الثلاثة هي ان الاسلام دخل الي لمتونة عن الطريق التجار الامازيغ الذين كان يعبرون الطرق الي السودان و هؤلائ اساسا من قبيلة زناة و ظل الاسلام ضعيفا حتي قيام دولة الموريباطين التي فرضت الاسلام في ارجاء المغرب و الجزائر و فتحت بلاد السودان و اهزمت النصاري في اسبنيا و يعود لها الفضل في انتشار الاسلام في مالي و نجيريا و غيرها ... شكرا

medouhamed

جزاك الله خير الجزاء و جعلك من أيناء أمتك البررة

عبد السلام ولد عبد الله

abdsalam
عبد السلام ولد عبد الله من موريتانيا السن 22 سنة طالب في جامعة انوكشوط يمكنكم مراسلتي على الايميل [email protected] او www.abdsalam.fr.gd »

إبحث من هنا

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

106,803

إتصل بنا