فهرس الحلقات

مقالات ولقاءات

   

1999/1/24م

  الشريعة والحياة - قناة الجزيرة الفضائية - الأحد الساعة السادسة بتوقيت غرينتش

الإسلام دين البشائر والمبشِّرات

 

مقدمة

المبشرات من السُنَّة

المبشرات وواقع الأمة

مبشرات السنة كثيرة

المبشرات من القرآن

الموازنة بين أحاديث المبشرات والفتن

صلة آيات البشرى بالواقع الذي نعيش فيه

إيجاز لقضية المبشرات

التغيير يحتاج إلى مغالبة الواقع

تساؤلات المشاهدين

الجماعات المتطرفة

مدى صحة الحديث

إفسادتي بني إسرائيل

أين علماؤنا؟

لماذا لا يتم تطبيق الآية الكريمة؟

حسن التخطيط والإخلاص في العمل

القوى غير متكافئة فكيف ندخل المنافسة؟

(لكم دينكم ولي دين)

العهود مع غير المسلمين

ينصحوننا بمغادرة هذه البلاد

تمسكنا بالدين يحقق المبشرات

تعدد الحركات الإسلامية

 

المقدمــة

رغم الواقع الذي يعيشه المسلمون من تمزق وتشرذم وضعف وتداعي من أمم الأرض عليهم، رغم هذا الواقع فإن الإسلام دين البشائر والمبشرات والوعد بالغلبة والنصر والتمكين وظهور المسلمين على العالمين، ويحفل القرآن الكريم بالحديث عن هذه المبشرات التي عادة ما تخرج من قلب اليأس (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنُجِّي من نشاء ولا يُرد بأسنا عن القوم المجرمين)، (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مسَّتهم البأساء والضراء وزُلزِلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب)، (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يُغلبون) أما السُنَّة النبوية فإنها مليئة بالأحاديث التي تبشِّر بالنصر والتمكين لهذا الدين، تساؤلات عديدة حول المبشرات بانتصار الإسلام أطرحها في حلقة اليوم على فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي.

المقدم
بعض الناس ينتقدون الحديث عن المبشرات في ظل الواقع الذي تعيشه الأمة ويعتبرون هذا خروجاً أو هروباً من هذا الواقع، هل يتفِّق هذا أو يختلف مع ما أوصى به الإسلام في ظل هذا الوضع وهذا الواقع الذي تعيشه الأمة؟

القرضاوي
أولاً نحن مأمورون بالتبشير، النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه عنه أنس بن مالك "بشِّروا ولا تنفِّروا ويسِّروا ولا تعسِّروا" نحن مأمورون بالتيسير في الفتوى والتبشير في الدعوة، وحينما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل إلى اليمن أوصاهما بهذه الوصية الجامعة الموجزة قال "يسِّرا ولا تعسِّرا وبشِّرا ولا تنفِّرا، وتطاوعا ولا تختلفا" فنحن نتبع النهج النبوي والهدي النبوي في التبشير.
الأمر الثاني أن الأمر الذي تقوله هو أدعى للتبشير، حينما يكون الواقع واقعاً مؤلماً وتحيط به الظلمات من كل جانب معناها أن هذا يجعل عوامل اليأس تغلب على الناس، نحن في حاجة إلى أن نغالب عوامل اليأس ببواعث الأمل، فمن أجل هذا نوحي إلى الناس بهذه المبشرات حتى لا يستيئسوا ولا يستسلموا للقنوط، فالقنوط من مظاهر الضلال واليأس من لوازم الكفر، الله تعالى يقول (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون)، (قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) فليس هذا هرباً من الواقع بل هو علاج لهذا الواقع، نعالج الواقع بهذه البشائر، في هذه الظلمات نشيع هذا الفجر من النور وأن بعد الظلمات دائماً يأتي الفجر، وأحلك ساعات الليل سواداً هي السويعات التي تسبق الفجر عادة.

المقدم
ألا يعتبر هذا هروباً من الواقع المليء بالمآسي بالابتلاءات بالتضييق على المسلمين في كل مكان، الحديث عن المبشرات عن واقع آخر لا يعيشه المسلمون؟

القرضاوي
نعم .. حتى لا يستسلم الناس لهذا الواقع ويظنون أن هذا الواقع دائم ولا تغيير فيه ولا خروج منه، لا .. هذا الواقع مؤقَّت لا يمكن أن يستمر، فعندنا من سنن الله ومن المبشرات ويحتم علينا هذا أكثر أن بعض الناس فهموا أفهاماً خاطئة من الأحاديث التي جاءت في أشراط الساعة وفي الملاحم وفي الفتن فهموا أن آخر الزمان هذا معناه أن الحالة سوف تزداد سوءاً من حسن إلى سيئ لو من سيئ إلى أسوأ ومن أسوأ إلى الأشد سوءاً وأن الإسلام في إدبار والكفر في إقبال، فهذه في الحقيقة فكرة سيئة ومعناها أنه لا أمل في إصلاح ولا رجاء في تغيير.

المقدم
هذا منتشر الآن على وجه الخصوص، يروِّج هؤلاء فعلاً أننا الآن نتجه إلى آخر الزمان وأن الوضع المأساوي الذي يعيشه المسلمون هو جزء من أحاديث الفتن وأيام الابتلاءات المليئة بالسواد التي تأتي على نهاية الزمان ومن ثم فيجب البعد عن هذه الأمور وأن ينكفئ كل إنسان لإصلاح حاله.

القرضاوي
ومن هنا يجب على هؤلاء الذين يذكرون الأحاديث التي توحي بما يفهمه بعض الناس منها من تشاؤم ومن ازدياد الشر وغلبته على الخير ..الخ، نريد أن نأتي بالأحاديث المناقضة لهذا، الأحاديث المبشرات وهي كثيرة جداً.

المقدم
طيب يا فضيلة الشيخ من خلال عملية التبشير، نحن الآن استشهدنا في المقدمة ببعض الآيات القرآنية، هل التبشير أيضاً أو البشرى بالإسلام وإشاعة عملية الاستبشار لدى المسلمين موجودة في مصادر عديدة غير ما ورد أيضاً في القرآن.

القرضاوي
أول مصدر مبشِّر للمسلمين أن الإسلام سيظهر وستعلو رايته وترتفع أعلامه في الآفاق هو القرآن، فأنت ذكرت بعض الآيات إنما هناك في القرآن (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليُظهره على الدين كله ولو كره المشركون) ذكر هذا في آيات ثلاث من القرآن الكريم، الظهور على الدين كله أي على كل الأديان، طبعاً في أيام ازدهار الإسلام والفتوح الإسلامية انتصر الإسلام على اليهودية وانتصر الإسلام على المجوسية، وانتصر الإسلام على المسيحية وأخذ منها عدد من البلاد، ولكن بقيت أيضاً للمسيحية بلاد أخرى وبقيت وثنيات كبرى في العالم منها البوذية والوثنيات الآسيوية والإفريقية موجودة إنما نحن عندنا بشرف القرآن يقول أن الإسلام سيظهر على الدين كله، على جميع الأديان ما هو من صنع البشر وما هو من الأديان الكتابية والأديان الوثنية والوضعية، وعندنا (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يُتِم نوره ولو كره الكافرون) وعندنا قول الله تعالى (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً) عندنا الآيات التي تتحدث عن المستقبل (وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها)، (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) والسين في (سنريهم) هي للمستقبل، بل القصص القرآني نفسه، الله سبحانه وتعالى يذكر لنا الأنبياء مع أقوامهم ثم في النتيجة يكون انتصار الرسول والمؤمنين معه وهلاك الكفار والمكذبين لماذا تُذكر هذه القصص، لكي تدلنا على أن الإيمان لابد أن ينتصر في النهاية وأهل الإيمان يجب أن ينتصروا، فهذه كلها مبشرات قرآنية، ومن قرأ القرآن وجد فيه هذا بوضوح، قد تأتي في الطريق محن أو فتن (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون) والآية التي ذكرتها أنت في المقدمة (مسَّتهم البأساء والضراء وزُلزلوا) البأساء في الأموال والضراء في الأبدان، جراحات وتعذيب، وزلزلة في النفوس ومع هذا (حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله) يستبطئون النصر طالت المدة، كان الصحابة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم جاءه الخباب بن الأرت وقال: يا رسول الله ألا تدعوا لنا ألا تستنصر لنا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم جالس بجوار الكعبة ومتوسداً رداءه فجلس محمراً وجهه وقال "إن من كان قبلكم كان يمشط أحدهم بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب وينشر أحدهم بالمنشار فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه، والذي نفسي بيده ليُظهرن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون".

المقدم
يعني العجلة هذه موجودة في الطبيعة البشرية حتى أيام الرسل وأيام الرسول صلى الله عليه وسلم وما نحن فيه هو امتداد لهذا.

القرضاوي
طبعاً (خلق الإنسان من عجل) فالإنسان يستعجل ويسأل متى نصر الله، فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يؤكد رغم هذا التعذيب ورغم هذا الإيذاء أن النصر قادم وظهور الدين آتٍ لا ريب فيه ولكن كل شيء بأوان، لكل شيء أجل مسمى والله لا يعجل بعجلة الناس فمن أجل هذا لابد أن يكون عندنا يقين أن نصر الله آتٍ لا ريب فيه.

المقدم
آيات النصر هذه حينما ننزلها الواقع الذي نحن فيه وآيات البشرى والآيات المستقبلية التي تبشر المسلمين بالغلبة وبالتمكين وغير ذلك، حينما ننزل هذا على الواقع الذي نعيش فيه هل هناك صلة يا فضيلة الدكتور ما بين الواقع الذي نحن نعيش فيه وما بين هذه الآيات أيضاً التي تبشر بالنصر والتمكين للمسلمين.

القرضاوي
الصلة هو أن هذا الواقع لا يدوم، أن هذا الواقع يحدث دائماً الأمة كالأفراد، الفرد يصيبه الصحة والمرض ويصيبه العُسر واليُسر وتصيبه الشدِّة والرخاء، فهذه سُنَّة الله في الحياة، الناس يقولون: دوام الحال من المحال، والقرآن عبَّر عن هذا وفي السُنَّة نسميها في السُنَّة "المداولة" مداولة الأيام بين الناس (وتلك الأيام نداولها بين الناس) العرب يقولون "الدهر قُلَّة، الدهر يومان، يوم لك ويوم عليك" فمعناها أن هذا التغيير لابد منه لا يمكن أن تستمر الحياة على وتيرة واحدة، الأمم يصيبها الضعف ثم تقوى، تصيبها الأمراض ثم تصح، يصيبها النوم ثم تستيقظ، فلابد أن يعرف الناس هذا ولولا هذا لما قام مصلِح ولا قام مجدِّد ولبقيت الحياة راكدة أبد الدهر، ولكن طبيعة الإسلام تأبى هذا، ولذلك جاء في الحديث "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدِّد لها دينها" كل قرن من الزمان يظهر من يجدِّد وبعض العلماء جعل المجدِّد واحداً وعدَّدوا المجدِّدين، ولكن هناك علماء من القدامى وأنا أؤيد هؤلاء أن التجديد قد يكون بفرد وقد يكون بجماعة قد تكون بمدرسة، بحركة، تقوم تجدِّد الإسلام، ونحن في عصرنا أحوج ما نكون إلى هذا التجديد الجماعي، لا يستطيع فرد واحد أن يجدِّد الأمة من 1300 مليون، لابد أن يقوم مجدِّدون من أنواع مختلفة، وقد يكونون أفراداً متناثرين وقد يكونون جماعات تعمل على تحريك الأمة وإيقاظها من سبات وجمعها من شتات بعمل جماعي منظَّم مرتَّب وهذا هو الواجب.

المقدم
يعني الأمر يحتاج إلى مغالبة وإلى عدم ركون إلى هذا الواقع والسعي بعملية التغيير وفي ظل هذه المغالبة حينما تصل موازين القوة إلى القدر الذي يقدره الله سبحانه وتعالى تحدث عملية التغيير.

القرضاوي
القرآن ذكر قانون التغيير، لكي تُغيِّر من أمة لا تكتفي بالتغيير السطحي، الأمة لا تُغيَّر من الظاهر إنما تُغيَّر من داخلها، الأمم تُقاد من داخلها تُقاد من عقولها وضمائرها، فلابد أن تُجدَّد العقول بالتفكير وتُجدَّد القلوب بالإيمان وتُجدَّد العزائم بحيث يترك الناس الاسترخاء واليأس وينهضوا من جديد، عملية إيقاظ من الداخل لكي تقود الأمة من داخلها، ومن هذا عبَّر عنه القرآن بقوله (إن الله لا يغيِّر ما بقوم حتى يغيِّروا ما بأنفسهم) الجماعة الماركسيين عندهم قاعدة أنه إذا تغير الاقتصاد وتغير علاقات الإنتاج يتغير التاريخ، ونحن عندنا: غيِّر نفسك يتغير التاريخ، أو بتعبير القرآن: غير ما بنفسك من الشر إلى الخير ومن الضلال إلى الهدى ومن الضعف إلى القوة ومن الانحراف إلى الاستقامة، ومن الركود إلى الحركة، ومن التبعية إلى الاستقلال؛ الاستقلال في الفكر والاستقلال في الإرادة والاستقلال في العمل، غير ما بنفس الأمة تتغير الأمة كلها، (إن الله لا يغيِّر ما بقوم حتى يغيِّروا ما بأنفسهم).

المقدم
قبل أن تصل إلى الشواهد التاريخية التي ربما تصل أيضاً في قضية التبشير، بالنسبة للسُنَّة النبوية حضرتك الآن ذكرت لنا بعض الأشياء التي وردت في القرآن الكريم والسُنَّة النبوية باعتبارها أيضاً مكمل لهذا الأمر، أهم المبشرات التي وردت في السُنَّة النبوية والتي يمكن أن يركن لها المسلم للخروج أيضاً من هذا الواقع الذي يعيشونه.

القرضاوي
السُنَّة حافلة بالمبشرات للأسف الناس فهموا من بعض أحاديث السُنَّة أننا في آخر الزمان والفتن عمَّت والبلايا طمَّت وما عاد هناك سبيل لتجديد أو تغيير أو إصلاح، لا .. السُنَّة مليئة بالمبشرات هناك مبشرات بانتشار الإسلام في العالم، الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن الداري "ليبلغن هذا الأمر ـ أي أمر الإسلام ـ ما بلغ الليل والنهار ـ حيث ينتشر الليل والنهار سينتشر الإسلام ـ ولا يبقى بيت مدر أو وبر ـ بيت مدر أي المبني بالحجارة وبيت وبر أي بيت الشعر يعني في الحضر أو البوادي ـ إلا أدخله الله هذا الدين بعِزِّ عزيز أو بذُل ذليل، عز يعز الله به الإسلام وذل يذل الله به الكفر" وهذا معقول جداً أن البشرية بعد أن تذوق المر والصاب والعلقم من جراء المادية المُجحِفة والإباحية المسرفة، لم تجلب عليها هذه المادية والإباحية إلا الشقاء والتعاسة، فتبحث عن هذا وفي عصرنا إمكانية نشر الدين متاحة بهذه القنوات الفضائية بالإذاعات الموجهة بالإنترنت بالصحف بالكلمة المكتوبة، تستطيع أن تغزو العالم، فأنا أتصور أنه من الممكن فعلاً أن يأتي وقت ينتشر الإسلام في العالم كله، عندنا أيضاً اتساع ملك الأمة، جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن الله زوى لي الأرض ـ يعني ضمها وجمعها ـ فأوريت مشارقها ومغاربها وإن ملك أمتي سيبلغ لي ما زوي لي منها" الأمة الإسلامية ملكت معظم الأراضي القديمة إنما هذه الأرض كلها فالحديث الأول يتحدث عن اتساع الدين وهذا الحديث يتحدث عن اتساع الدولة، وجاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل: أي المدينتين تفتح أولاً رومية أو قسطنطينية، فقال صلى الله عليه وسلم "مدينة هرقل تفتح أولاً" ومعنى هذا أن الصحابة كانوا قد سمعوا أن المدينتين ستُفتحان بالإسلام رومية وهي روما عاصمة إيطاليا، وقسطنطينية التي كانت عاصمة الدولة الرومانية البيزنطية، والتي مكانها الآن استنبول فقال أن عاصمة هرقل وهي القسطنطينية ستفتح أولاً وهذا قد حدث فقد فتحها ذلك الشاب العثماني الطموح محمد بن مراد الشهير بمحمد الفاتح فتحها وهو في الثالثة والعشرين من عمره.

المقدم
هل هذا هو الذي دفع الصحابة لكي يسعوا فسيدنا أبو أيوب الأنصاري من البداية أن يكون لهم شرف الفتح.

القرضاوي
نعم من عهد الصحابة ذهبوا لفتح القسطنطينية ولم يُكتب لهم هذا، واستشهد أبو أيوب الأنصاري على أسوار القسطنطينية ودُفن هناك وادَّخر الله الفضل لهذا الشاب الذي قرأ في كتب الحديث "لتُفتحن القسطنطينية فلنِعم الأمير أميرها ولنِعم الجيش ذلك الجيش" فتطلعت نفسه أن يكون هو هذا الأمير، وأن يكون جيشه هو هذا الجيش، ومن زار استنبول وزار جامع محمد الفاتح يجد هذا الحديث مكتوباً فهو فكَّر وهو عمره 19 سنة في فتح القسطنطينية ولازال يفكر حتى وصل الملك إليه وهيأ له أن يفتح القسطنطينية في 20 جمادى الأولى سنة 857هـ في 29 مايو 1453م إخواننا في حزب الرفاه ـ فلقد حضرت مرتين هناك ـ يحتفلون بذكرى فتح القسطنطينية، الدولة العثمانية أرادت أن تغطي على الذكرى وتنساها مع أنها هي التي جلبت لهم المجد فهم أرادوا أن يذكِّروا الناس بفتح القسطنطينية، هذا بالنسبة لفتح القسطنطينية، بقي الشق الثاني من البشرى وهو فتح رومية ومعنى هذا أن الإسلام سيعود إلى أوروبا مرة أخرى.

المقدم
ولذلك أوروبا الآن تحاول أن تقضي عليه في البوسنة والهرسك وغيرها.

القرضاوي
طبعاً هم لا يريدون أن يكون للإسلام وجود ولكن الإسلام موجود في أوروبا الآن، في أوروبا الغربية وفي أوروبا الشرقية.

المقدم
حتى أن رئيس يوغوسلافيا يعلن لأوروبا أنه هو يحميها من المد الإسلامي بما يفعله في كوسوفو وفي البوسنة والهرسك.

القرضاوي
هم قالوا في أيام البوسنة والهرسك قالوا: نحن فرسان الصليب نحن نقوم للأوروبيين الآن بما قام به الفرسان الصليبيين في العصور الوسطى، وربما يكون الفتح القادم هو فتح الدعوة والفكر ليس من الضروري أن يكون الفتح بالسيف، القرآن قال (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً) وهذا الفتح المبين لم يكن فتحاً بالسيف ولا بالحرب بل بالصلح وبالسلام ولذلك الصحابة قالوا: أَفَتحٌ هو يا رسول الله؟ قال: نعم هو فتح، فالفتح السلمي له أصل في القرآن وفي السُنَّة فنحن قد نفتح هذه البلاد بدون جيوش فنحن نريد جيوش من الدُعاة والمعلِّمين والذين يعرضون الإسلام بشتى اللغات وشتى اللهجات وعلى شتى المستويات من الناس نحن مقصرون في هذا جداً جداً جداً.

المقدم
ربما أيضاً قضية الحوار القائمة الآن يكون لها دور كبير في عملية الفتح التي أشرت إليها من فتح الدعوة والفكر.

المقدم
يبدو أن هناك أشياء حضرتك تود أن تضيفها إلى ما سبق.

القرضاوي
نعم والمبشرات في السُنَّة كثيرة ـ كما قلت ـ لا يمكن أن نحيط بها، إنما أنا أشير إشارات فمثلاً هناك مبشرات أن أرض العرب ستعود مروجاً وأنهاراً وأن الرخاء الاقتصادي سيعم حتى أن الإنسان لا يهمه أين يجد من يقبل صدقته، يمر بصدقته ومعه القطع من الذهب ويذهب إلى الرجل فيقول له: والله لو جئتني بالأمس لقبلتها منك أما الآن فلا حاجة لي فيها يعني رخاء هائل.

المقدم
يعني ليس رخاء النفط؟

القرضاوي
لا بل هو أكثر من هذا، النفط هذا يشتروه منا بأرخص الأسعار، بل هذا الرخاء لا حد له، وورد من المبشرات أنه ستعود خلافة على منهاج النبوة، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن هناك نبوة ثم خلافة على منهاج النبوة وتبقى ما شاء الله ثم ترفع ثم تأتي ملك عاض كأن له أنياب تعض من العسف والظلم الذي يقع منه، ثم يأتي ملك جبرية ـ جبروت ـ أشبه بالحكم العسكري الطاغي المستبد ثم تأتي خلافة على منهاج النبوة فهذه كلها من المبشرات، ومن المبشرات المهمة الانتصار على اليهود، النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر: يا عبد الله يا مسلم هذا يهودي ورائي فتعال فاقتله، إلا شجر الغرقد فإنه من شجر اليهود" كان الناس قديماً يعجبون من هذا الحديث كيف يقاتل المسلمون اليهود واليهود يعيشون في ذمة المسلمين وفي حماية المسلمين فكيف يقاتلون المسلمين، بل بالعكس اليهود طُرِدوا من أنحاء العالم ولم يجدوا لهم كهفاً يأويهم إلا دار الإسلام وبلاد المسلمين في إسبانيا وفي غيرها طردهم الناس، لفظوهم لفظ النواة، وجاءوا من الآفاق المختلفة لم يجدوا إلا الوطن الإسلامي ودار الإسلام تحميهم، فكان الناس يسألوا كيف هذا حتى وجدنا مصداق ذلك في عصرنا أن اليهود قلبوا ظهر المِجَنّ للأمة الإسلامية وأقاموا دولتهم في قلب بلاد العرب والمسلمين وأصبحوا هم العدو الأول للأمة الإسلامية وهم الآن طبعاً منتصرون، وهم الذين فرضوا وجودهم بالحديد والنار وبالعنف وبالدم، لم يكن لهم أي وجود في فلسطين، كانوا أفراد عادية لا يصلون إلى 5% الآن وصلوا إلى عدة ملايين وهم يتحدون العرب والمسلمين في أنحاء العالم، أكثر من 250 مليون من العرب وأكثر من 1000 مليون من ورائهم من المسلمين فالحديث يقول أنه سينتصر المسلمون، فكل شيء مع المسلمين ضد اليهود، حتى الحجر والشجر لأنه في حالة الغلبة حينما تُخذَل يكون كل شيء ضدك حتى السلاح الذي في يدك لا تستطيع أن تستعمله كما حدث لنا للأسف سنة 67 وحينما يأتيك النصر يكون كل شيء معك وضد عدوك ففي حالة النصر هذه سيكون الحجر والشجر كل شيء مع المسلمين، هل ينطق الحجر والشجر بلسان الحال أو بلسان المقال، بعض العرب يقولون لسان الحال أبلغ من لسان المقال، أو ينطق بالفعل، كل هذا جائز إنما النتيجة واحدة وهو أن كل شيء سيكون في صف المسلمين، وسينتصر المسلمون على اليهود الذين يتبجحون الآن بما لديهم من قوة ومن ترسانة عسكرية ومن أسلحة نووية ..الخ.

المقدم
لكن كأن حديث "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود" إشارة إلى أن هذا سيكون في آخر الزمان وفي نهاية الدنيا والواقع الذي يعيش فيه الناس لا يحمل الكثير من هذا، فمعنى ذلك أن هذا الأمل سيطول على الناس.

القرضاوي
كلمة "لا تقوم الساعة" ليس من الضروري أن تكون الساعة في أعقابها إنما يدل على أن هذا أمر واقع لابد منه هناك أشياء قيل عنها "لا تقوم الساعة" وحصلت، فهذا دليل على أنه أمر لابد أن يقع قبل أن ينفض سرادق هذا الكون.

المقدم
فضيلة الدكتور كيف نوازن ما بين هذه الأحاديث التي تحمل هذه المبشرات التي تصل في بعضها إلى حد رخاء يصل إلى أن الإنسان يحمل الذهب ولا يجد من يقبله منه كصدقة وبين أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي جاء في بعضها "بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ"، "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم" وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه" وأحاديث الفتن هناك من يمسك بها الآن وليس له حديث أو كلام إلا فيها ويحاول حتى أن ينزلها أو يسقطها على الواقع الذي تعيشه الأمة، كيف يوازن المسلم بين أحاديث المبشرات وبين أحاديث الفتن؟

القرضاوي
لو أحسنا فهم أحاديث الفتن لم نجد أي تناقض، يعني خذ مثلا حديث "بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ" بعض الناس يفهم أن الإسلام سيعود غريباً وستظل غربته إلى الأبد، الإمام ابن القيم يقول: هذه دورات أو موجات يعني قد تأتي غربة الإسلام في مكان دون مكان، وفي زمان دون زمان وعند قوم دون قوم، وهذا ما جربناه في التاريخ، يعني تغرب شمس الإسلام من بلد وتظهر في بلد، يعني الإسلام غربت شمسه من الأندلس وقامت الدولة العثمانية وفتحت القسطنطينية ودخلت أوروبا واحتلت البلقان وطرقت أبواب فيينا أربع مرات فهي موجة تأتي من هنا وأخرى من هناك إنما ليس هناك غربة دائمة وعامة وشاملة، الإسلام دائماً لابد أن يظهر ولذلك الأحاديث الأخرى تؤكد على أن هناك طائفة منصورة، حديث أنه "لا تزال طائفة من أمتي قائمين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك" ومن ذلك الحديث الذي رواه الإمام أحمد والطبراني ورواته الثقات في أنه "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من جابههم ـ أو من خالفهم ـ إلا ما أصابهم من لئواء ـ أي من أذى في الطريق ـ حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس" فلماذا ننسى هذا، فالغربة ليست غربة شاملة وعامة، بل غربة في مكان دون مكان، وزمان دون زمان، ثم بالنسبة لحديث "لا يأتي عليكم زمان والذي بعده شر منه" المحققون من العلماء قالوا أن هذا خطاباً للصحابة، فالذي روى هذا أنس بن مالك، صحيح أن أنس فهم منه أن هذا أمر عام إنما لا .. الرسول يقصد يقول لهم لا يأتي عليكم زمان أنتم أيها الصحابة، أن زمن النبوة أفضل من زمن أبو بكر وعمر، وزمن أبو بكر وعمر أفضل من زمن عثمان وعلي، وزمن عثمان وعلي أفضل من زمن بني أمية، وزمن بني أمية أفضل من الأزمان التي بعدها، فهذا هو المقصود وإلا لا يقول أحد أن زمن عمر بن عبد العزيز شر من زمن الحجاج قبله، ثم الأحاديث التي جاءت بظهور المهدي وظهور المسيح في آخر الزمان وأن الناس كلها ستدخل في الإسلام، هل هذا الزمن يكون شر مما قبله؟! مستحيل هذا فلابد أن نوفق بين الأحاديث ثم أن هناك شيء مهم جداً وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها" لو الساعة ستقوم وإسرافيل سينفخ في الصور وستنهد الدنيا وإذا كانت في يدك شتلة أو نخلة صغيرة تريد أن تغرسها والساعة ستقوم، اغرسها، ولكن لماذا يغرسها؟ إعمار الكون واستمرار العطاء، فإذا كان هذا في أمر الدنيا فهل الدين أهون من الدنيا، إن مطلوب الإنسان في أمر دنياه أن يظل منتجاً وعاملاً معطاءً للحياة إلى أن تلفظ الحياة آخر أنفاسها ولو لم ينتفع هو من هذه الغرسة ولو لم ينتفع أولاده لأنه لا يوجد أولاد، المثل المشهور لما قيل للرجل الشيخ الكبير: أنت تغرس شجرة الزيتون ولن تثمر إلا بعد كذا سنة، وأنت على حافة القبر، فقال لهم: غرس لنا من قبلنا فأكلنا ونغرس ليأكل من بعدنا، هذا إذا كان هناك من بعدنا ولكن في هذه الحالة الساعة قائمة فهذا استمرار أن الإنسان يجب أن يعمل ويتفاعل مع الكون حتى آخر لحظة، حتى ولو لم ينتفع بذلك أحد، فإذا كان هذا في أمر الدنيا في أمر الغرس والزرع فما بالك في أمر الدين، يجب أن يظل الإنسان عاملاً ولا يلقي سلاحه ويظل يعمل ويدعو إلى الله يصلح نفسه ويدعو غيره (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) إلى الموت وهذا هو المطلوب من المسلم.

مشاهد من الأردن
لدي سؤال ما مدى صحة الحديث الشريف "بارك الله في شامنا ويمننا" قالوا له: ونجد يا رسول الله؟ قال: يخرج منها قرن الشيطان، السؤال الثاني: هل مقاتلة الأمريكان والبريطانيين الذين يأتون لبلادنا وهم رؤوس قيادات اليهود، هل مقاتلتهم في بلادنا حلال أم حرام؟

القرضاوي
الحديث صحيح ولكن ما المقصود من كلمة "نجد" فهي المرتفع، ليس "نجد" هي موقع جغرافي هو أشار إلى جهة الشرق بصفة عامة قال أن الإسلام سينتصر من ناحية الغرب فهذه موجودة.

المقدم
يطرح المشاهد أيضاً سؤال جاء على بعض رسائل الفاكس من قبل وهو عملية مقاتلة الأمريكان ومقاتلة بعض الأجانب الموجودين في بلاد المسلمين.

القرضاوي
لقد تحدثنا عن هذا في حلقة كاملة وهذا أمر سنعرض له في حلقة كاملة ولقد عرضنا لهذا في أول رمضان حينما تحدثنا عن موضوع العراق.

مشاهد من بولونيا
أود أن أشير إلى حقيقة يتجاهلها البعض، وهي أن سقوط النظام الشيوعي في بولونيا وفي بقية الدول الشيوعية السابقة بما فيها الاتحاد السوفيتي، يعود الفضل في ذلك لكنيسة بولونيا وبالذات من البابا وقد ضحوا بالكثير من القساوسة والرهبان في سبيل تحقيق ذلك وسؤالي لماذا يسكت الأئمة والشيوخ في بلداننا عن كل ما يجري حولنا، مقدساتنا مهانة ابتداء من مكة والمدينة إلى مسرى الرسول والأقصى، نعيش ذلاً لم تشعه أمة من قبلنا، الحكام استبدوا وأباحوا كل شيء لقوى الكفر، سؤالي هل تجرأ أحد من رجال الدين علناً وجهراً في قول كلمة الحق ولو على قطع رقبته كما أمره بها ديننا الحنيف، الجواب طبعاً لا.

المقدم
يعني أنت تسأل وتجيب، هل تتابع يا أخي ما يحدث وما يدور وأن القضية ليست قضية أن يخرج أحد شاهراً سيفه وإنما هناك طرق ووسائل كثيرة يقوم بها الفقهاء وأنت بذلك ألغيت أدوار مئات أو آلاف من الناس أو عشرات الآلاف من العلماء الذين يقومون بدورهم.

المشاهد
يا أخي نحن أمة مسلمة نسمع لإمامنا وخطيبنا قبل أن نسمع لحاكمنا، نحن إذا رأينا أن الشيخ لا يجرؤ على قول كلمة الحق فما بال الرجل العادي، نحن نحتاج إلى رجال دين يبثون الهمة والعزيمة فينا لننفض أنفسنا عن هذا الذل الذي نعيشه، وبدون ذلك لن تقوم لنا قائمة إذا لم يكن لنا رجال دين شجعان وينذرون حياتهم في سبيل الدين، التي نذرها من قبلهم رجال دين أوفياء أوصلوا الأمة إلى ما في ذلك من عز بين الأمم.

القرضاوي
بالنسبة لمن يتكلم عن دور العلماء وهذا كلام يكثر دائماً وأنا أرى أن هذا من الظواهر السلبية أن كل فئة تريد أن تلقي العبء عن نفسها لتحمِّله غيرها، فالأخ يتكلم عن المشايخ، المشايخ لم يعودوا هم المؤثرين الوحيدين في العالم، الآن هناك الإعلاميون أهم من المشايخ هم الذين يصنعون الرأي العام ويوجهون الناس ويصنعون العقول والأفكار والأذواق والميول، المعلمون أساتذة الجامعات أين هؤلاء فلابد أن نشرك الأمة كلها، إنما نقول المشايخ هم المسؤولون، والمشايخ يقولوا الحكام، والحكام يقولوا الاستعمار، وكل فئة تريد أن تتنصل من التبعة، النبي صلى الله عليه وسلم يقول "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" يعني جميع الأمة عليها مسؤولية، صحيح أن المسؤولية تتفاوت ليست متساوية لأن المسؤولية أيضاً على قدر المُكنة، وعلى قدر ما عند الإنسان من سلطة ومن إمكانات، إنما الجميع مسؤولون، أما إننا نقول أن المشايخ لا يتكلمون، نحن نتكلم ونقول ما علينا وفي حدود ما نقدر عليه أيضاً فلا نملك كل شيء، فأنا أدعو الأمة أن يقوم كل واحد بدوره ولو أن كل إنسان قام بواجبه ما وصلنا إلى ما وصلنا إليه.

مشاهد من ألمانيا
لدي سؤال .. من أخذ بسنن الله في الكون من حسن التخطيط وإخلاص العمل للمبدأ والعمل على تطبيق هذا المبدأ كان له النجاح والتمكين ونرى ذلك في واقع التاريخ حيث استطاع اليهود سنة 1897م في بازل من التخطيط لدولة اليهود وتم تحقيق ذلك بعد 50 سنة بدقة، فهم أناس خططوا وأخلصوا لمبدئهم وعملوا من أجله، ولكن ما نراه من الحركات الإسلامية منذ 70 سنة وهي تعمل وحتى الآن نرى الأمة ليست بالمستوى المطلوب، فهل هذا التأخر في جني الثمار نتيجة لسوء التخطيط وعدم الإخلاص للعمل لكثير من القادة وأفراد الجماعات الإسلامية.
ولدي مداخلة بسيطة .. إني أرى من تحقيق هذه المبشرات بما أن التزام المسلمين لهذا الدين بمدى الإخلاص في العمل لله تعالى ومدى احترام الكفاءات وللأسف ما أرى في المحيط من حولي ما عليه من الجماعات الإسلامية أو المراكز الإسلامية من قادتها أنهم يتسارعون إلى المناصب وحب الجاه والمصلحة الذاتية حتى تم في بعض المراكز التآمر على شيخ المركز وإخراجه وذلك حتى يتسنى لهم أن يكونوا قادة هذا المركز وحتى تتاح لهم الفرصة بأن يفعلوا ويقولوا ما يحلو لهم بدون محاسبة وإذا وجِّه لهم نقد من غير التابعين قالوا النقد فقط من الداخل، وهذا ما نسمعه من الحركات الإسلامية للأسف.

المقدم
المشاهد يسأل عمن أخذ بسنن الله في الكون واستشهد بما فعل اليهود في مؤتمر بازل في عام 1897 وأنهم تمكنوا من تحقيق الدولة في الوقت الذي صار للحركات الإسلامية عشرات السنوات ولم تحقق شيئاً.

القرضاوي
هذا لا يدل على أن الحركات الإسلامية غلط، إنما اليهود قاموا في وقت كان المسلمون ضعفاء والدولة العثمانية التي تحكم المسلمين كانت في أواخر عهدها وكانوا يسمونها الرجل المريض وتآمر عليها المتآمرون، وحاول هيرتز أن يكتسب من السلطان عبد الحميد صكاً بأن يعطيه شيئاً من أرض فلسطين فلم يستجب له وكان موقفه في غاية القوة وتآمر اليهود حتى أسقطوا الدولة العثمانية وكان العالم الغربي معهم، الغرب كان في أوج قوته وكان مؤيداً لليهود والغرب من عهد نابليون كانت الحركة الصهيونية وقضية اليهود متبنيها، المسلمون يعملوا في وسط معاكس لهم تماماً، ليس معنى هذا أن عمل المسلمين سليم 100% هو فيه ثغرات، وأنا كتبت هذا في عدد من كتبي فيها نقد للحركة الإسلامية ونقد للأمة الإسلامية وخصوصاً في كتابي "أين الخلل" فهناك خلل في الأمة وهناك خلل في الحركات الإسلامية ولكن ليس معنى هذا أن الحركة غلط، هناك بعض الناس كانوا يقولون أن الدعوة أو الحركة التي لا تنتصر في ثلاثة عشر عاماً وبعضهم قال في ثلاثة وعشرين عاماً تكون غلطاً، ويكون طريقها طريق غير سليم، هذا غير صحيح، وأناناقشت هؤلاء وقلت لهم ما رأيكم في دعوة سيدنا نوح، سيدنا نوح هل كان على حق أم لا؟ قالوا: على حق، طيب سيدنا نوح عاش ألف سنة إلا خمسين عاماً وما آمن معه إلا قليل حتى زوجته لم تؤمن به وحتى ابنه لم يؤمن به، وقال هو (قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً * فلم يزدهم دعائي إلا فراراً) الداعية عليه أن يبذل الجهد ويخطط فيحسن التخطيط ويدبر فيحسن التدبير ويتعاون مع غيره ويتبع سنن الله ولكن ليست النتيجة عليه، النتيجة لله عز وجل، ابذر الحب وأرجو الثمار من الرب، والقرآن ذكر لنا قصة قال (وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون) أنتم تعملوا في جماعة لا يجدي العمل معهم، تعظونهم وهم لا يتعظون قالوا: نعمل هذا لأمرين: إعذاراً إلى الله بأداء الواجب وتبليغ الدعوة ثم لعلهم يتقون لا نيأس من إصلاحهم، فهذا هو الواجب على أهل الدعوة والذين يعملون لخدمة الإسلام.

المقدم
كما أن هناك ظروف كثيرة منها الظروف التاريخية والآنية والواقع يخدم أيضاً تحقيق هذه الفكرة.

القرضاوي
كذلك ينبغي أن ننصف الحركات الإسلامية فبعض الناس يريد أن يقول أن الحركات الإسلامية لم تنتج إطلاقاً وليس لها أي أثر إيجابي وهذا غير صحيح لأن ما نشاهده في العالم الإسلامي من آثار الصحوة الإسلامية وهي صحوة عقول وصحوة قلوب ومشاعر وصحوة إرادة والتزام وصحوة سلوك وصحوة لها آثارها في كل جنبات الحياة، هذا من آثار الحركات الإسلامية، فلو تُرِك المسلمون للغزو الفكري والاستعمار الثقافي وللكيد الذي كان يكيده المعادون للإسلام لضاع الإسلام الآن والحمد لله هناك صحوة إسلامية يشهد بها الأصدقاء والأعداء على السواء، وهذا كله من آثار الحركات والجماعات الإسلامية فلكي نكون منصفين يجب أن نذكر الإيجابيات والسلبيات.

مشاهد من ألمانيا
أنا أرى أن حالة المسلمين بخير والحمد لله وأن العلاقات الأسرية بيننا على ما يرام وأن الأمراض ومشاكل الإدمان المتواجدة في أوروبا ليست عندنا، وأن الإيمان والقناعة التي توجد عند الشعوب العربية لا توجد عند الشعوب الأخرى. أما سؤالي فهو بخصوص سورة الكافرون فيها آية (لكم دينكم ولي دين) هل تعني أن نترك المسيحيين واليهود على دينهم أم أن نحاول أن نعرِّفهم بالإسلام؟

القرضاوي
(لكم دينكم ولي دين) ليس معناها أن نتركهم وشأنهم .. لا، هذه السورة في الحقيقة تمثل قوة الاعتزاز بالإسلام وتمثل أيضاً الحرية التي جعلها الإسلام. فمن ناحية الاعتزاز (لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد) يعني أعتز بعقيدتي ولا أتنازل عنها أبداً، لأنهم كانوا يعرضون على سيدنا محمد أن اعبد آلهتنا فترة ونحن نعبد إلهك فترة ونتبادل الأدوار، فقال لهم أنه لا يمكن أن يحدث هذا، ولا يوجد لقاء في منتصف الطريق بيننا في هذه الناحية، العقيدة عقيدة، وليس معنى هذا أن نكرهكم على الدخول في عقيدتنا وإنما لكن دينكم ولنا ديننا، وكما قال في آية أخرى (لي عملي ولكم عملكم) المشكل أنهم قالوا: لنا ديننا وليس لك دينك، ولنا عملنا وليس لك عملك، فالإسلام يقول لهم لكلٍّ دينه مع وجوب الدعوة، الدعوة مستمرة وكل مسلم داعية لدينه (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) فكل من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن يدعو إلى الله، ويدعو على بصيرة.

مشاهد من ألمانيا
سؤالي كالتالي: بعض الدعاة يأتون من بلدان مختلفة بقصد الدعوة خصوصاً في شهر رمضان والملاحظ أنهم عندما يقدِّمون مواعظ ومحاضرات أنهم بدلاً من أن يحثون المسلمين هنا على العمل والدعوة وتربية الأجيال القادمة ينصحونهم بمغادرة هذه البلاد مستعينين بأحاديث لا تخص المقام فهل يجوز هذا النوع من الخطاب هنا في أوروبا وإلى أي حد ينطبق هذا الطرح على المسلمين؟

القرضاوي
هل يذهب الدعاة لهم ليقولوا لهم اتركوا هذه البلاد! بالعكس، فالناس الذين يذهبون إلى أوروبا هناك من يذهب فراراً من بلده للأسف، فكثير من هؤلاء مضطهدون في ديارهم فهم يلجأون إلى البلاد يطلبون فيها الأمن وبعضهم لا يجدون عملاً في ديارهم فيطلبون الرزق، وبعضهم راح من عشرات السنين واستقر بعضهم أخذ الجنسية، وبعضهم أخذ إقامة طويلة ولا حرج في بقاء المسلم هناك إذا كان متمسكاً بدينه وقادراً على أداء الواجب فأنا ذكرت هناك واجبات خمسة لمن يقيم في هذه البلاد: واجبه نحو نفسه، واجبه نحو أسرته، واجبه نحو إخوانه المسلمين، واجبه نحو المجتمع غير المسلم الذي يعيش فيه، واجبه نحو قضايا أمته الإسلامية، خمس واجبات وأهم هذه الواجبات واجبه نحو نفسه وأسرته، هل يحافظ على دينه ويحافظ على ذريَّته في هذه البلاد أم يترك ذريَّته يبتلعها اليم ولا يستطيع أن يربي أولاده، ففي هذه الحالة أنا قلت للأخوة منذ ربع قرن في أمريكا: إذا لم تستطيعوا أن تحافظوا على أبنائكم وبناتكم في هذه البلاد فابدؤوا رحلة العودة من الغد، إنما تَجمع الأموال وتُضيِّع الأولاد، تجمع الدنيا وتضيع الدين هذا ما لا يجوز، أما من يستطيع إذا كان المسلمون بالتعاون ـ وهذا أمر لا يمكن أن يحدث بعمل الأفراد ـ إنما بالتعاون فيما بينهم ينشئوا مساجد يصلّون فيها، مدارس يعلِّمون فيها أولادهم، أندية للترفيه، أماكن للاجتماعات، يعملوا مجتمع إسلامي صغير داخل المجتمع الكبير، بحيث لا يذوبون في المجتمع ولا ينفصلون عنه أيضاً، يكونوا مؤثرين في هذا المجتمع دون الذوبان في المجتمع، وهذا هو المطلوب.

المقدم
مشاهد من سلطنة عمان يسأل بالنسبة لما يتعلق بالحركات الإسلامية يقول هل تعدد الحركات الإسلامية والصراعات والخلافات القائمة بينها يمكن أن تقود إلى أي شكل من أشكال البشرى أو التبشير بانتصار الإسلام أو المبشرات بانتصار الإسلام؟‍‍!

القرضاوي
التعدد لا بأس به إذا كان تعدد تخصص وتنوُّع، يعني جماعة يعملوا في التربية وعمل مدارس إسلامية ومهتمين بالأمر التربوي، وجماعة مهتمين بإصلاح العقيدة ومحاربة الخرافات والشركيات والقبوريات وكذا، وجماعة آخرين مهتمين بإصلاح العبادة وإقامة المساجد للصلاة بعيداً عن المبتدعات ويحيون السُنَّة النبوية، وكذا وجماعة يشتغلون في الاقتصاد الإسلامي ويقاومون الربا وينشئون بنوك إسلامية ومؤسسات إسلامية، وجماعة يخوضون المعترك السياسي ويدخلون الانتخابات ويقفون ضد العلمانية، وجماعة يخوضون الجهاد عندما يأتي وقت الجهاد، لا مانع من تعدُّد الجماعات إذا كان تعدُّد تخصُّص وتنوُّع إنما إذا كان تعدُّد تناقض وصراع فهذا هو الذي نرفضه، لا مانع أن تتعدَّد هذه الجماعات ولكن بشرطين:
الشرط الأول: ألا يحاول بعضها هدم بعض، ولا أن يمتد الواحد على حساب الآخر وأن يبني نفسه بهدم غيره.
الشرط الثاني: أن يقفوا في القضايا المصيرية صفاً واحداً، عند المعركة تُنسى الخلافات كما قال الله تعالى (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص) إنما صراع الجماعات بعضها لبعض لا يمكن أن يؤدي إلى خير (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) كما قال الله تعالى.

مشاهد من أبو ظبي
سؤالي حول الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تنتهج بعض الأساليب المخالفة للدين ولقد ق

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 146 مشاهدة
نشرت فى 14 مايو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

296,814