عنوان الكتاب:

تفسير أسماء الله الحسنى

تأليف:

عبد الرحمن بن ناصر السعدي

دراسة وتحقيق:

عبيد بن علي العبيد

الناشر:

الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

العدد 112 - السنة 33 -1421هـ

ص -147-    المقدمـــــة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}1.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}2.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}34.
أما بعـــــد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النّار.
اعلم - وفقني الله وإياك - أنّ الله أمر المؤمنين بالإيمان به في غير موضع





ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  
1 آل عمران (102).
2 النساء (1).
3 الأحزاب (70،71).
4 هذه خطبة الحاجة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه، وأخرج الحديث أبو داود في سننه (2/591) كتاب النكاح باب خطبة النكاح، والنسائي (6/89) كتاب النكاح باب مايستحب من الكلام عند النكاح، وابن ماجه في سننه (1/609) كتاب النكاح باب في خطبة النكاح، والترمذي وحسنه (3/404) كتاب النكاح باب ماجاء في خطبة النكاح، وقد توسع الألباني في تخريج الحديث في رسالته خطبة الحاجة.

 

ص -148-    في كتابه، فقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}1.
وإنّ من أهم مايتضمنّه الإيمان بالله تعالى -الذي هو أول أركان الإيمان- التعرف عليه سبحانه بأسمائه وصفاته معرفة تثمر الخشية والعمل بآثارها على منهاج أهل السنة والجماعة.
وإن مما يبين أهمّيّة موضوع أسماء الله الحسنى أموراً كثيرة منها:
1-إنّ العلم بالله، وأسمائه، وصفاته أشرف العلوم، وأجلها على الإطلاق لأنّ شرف العلم بشرف المعلوم، والمعلوم في هذا العلم هو الله سبحانه، وتعالى بأسمائه، وصفاته وأفعاله، فالاشتغال بفهم هذا العلم اشتغال بأعلى المطالب، وحصوله للعبد من أشرف المواهب2.
2-إن معرفة الله تعالى تدعو إلى محبته، وخشيته، وخوفه، ورجائه، ومراقبته، وإخلاص العمل له، وهذا هو عين سعادة العبد، ولا سبيل إلى معرفة الله إلا بمعرفة أسمائه الحسنى، والتفقه في معانيها.
3-إن معرفة الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسني مما يزيد الإيمان كما قال الشيّخ ابن سعدي رحمه الله: "أنّ الإيمان بأسماء الله الحسنى، ومعرفتها يتضمّن أنواع التوحيد الثلاثة، توحيد الربوبيّة، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء، والصفات، وهذه الأنواع هي رَوح الإيمان وروحه3، وأصله وغايته فكلّما ازداد العبد معرفة بأسماء الله، وصفاته ازداد إيمانه، وقوي يقينه4.





ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  
1 النساء (136).
2 درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/27،28) والفتوى الحموية له ضمن مجموع الفتوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (5/6) واعلام الموقعين لابن القيم (1/49) وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان السعدي (1/24).
3 الرَوّح: الفرح. انظر: لسان العرب (2/459).
4 التوضيح والبيان لشجرة الإيمان للسعدي (ص41).

 

ص -149-    أهم أسباب اختيار الموضوع:
1- عظم أمر الإيمان بأسماء الله الحسنى إذ إن معرفتها هو أصل الإيمان، والإيمان يرجع إليها. وذلك لشرف متعلقها، وعظمته، ووجوب معرفته تعالى كما وصف نفسه ووصفه نبيه صلى الله عليه وسلم  كما سبق.
2- ندرة الكتابة في هذا الموضوع على منهج سلف الأمة.
3- لما يتّسم به شرح الأسماء الحسنى للسّعديّ من شمول، ودقة في الفهم على منهج سلف الأمة، مع غوص في بيان المعاني الإيمانيّة للأسماء الحسنى، وبيان آثار الإيمان بها، قلّ أن تجده عند غيره رحمه الله تعالى.
4- من خلال مطالعتي لتفسير السعدي رحمه الله، وجدته عقد فصلاً في شرح الأسماء الحسنى بعد تفسيره لسورة النحل.
ووجدت في نفسي رغبة في إخراجه، وطباعته مستقلاً عن التفسير لتعمّ الفائدة ويسهل حصوله لمريده، حيث إن موضعه في التفسير ليس مظنّة لقاصده، وبعد العزم، والتصميم على ذلك، استشرت بعض المشايخ، والزملاء، فوجدت منهم استحساناً للأمر، وأشاروا عليَّ بأن أزيد على هذا الفصل كل ما يتعلق بشرح الأسماء الحسنى من كتب الشيخ عبد الرحمن السّعديّ - رحمه الله - وجمعها، وترتيبها، وإخراجها.
وكان ممن له أثر كبير في ذلك الأخ الدكتور/ عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد وفقه الله تعالى، حيث أتحفني بفهرس لمواطن الأسماء الحسنى من كتب ابن سعدي رحمه الله تعالى فجزاه الله خير الجزاء.
ولهذه الأسباب وغيرها رغبت في إخراج هذا المجموع، والله الهادي لسواء السبيل.

 

ص -150-                                                              خطة البحث:
وتشتمل على مقدمة وقسمين:
المقدمـــــة: وذكرت فيها:
1-أهمية الموضوع.
2-أسباب اختيار الموضوع.
3-خطة البحث.
4-منهجي في البحث.
القسم الأول: الدراسة وتشتمل على أربعة مباحث:
المبحث الأول: ترجمة موجزة للشيّخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله.
المبحث الثاني: منهج الشيخ ابن السعدي - رحمه الله تعالى - في الأسماء الحسنى.
المبحث الثالث: أسماء الله تعالى توقيفية.
المبحث الرابع: حديث لله  تسعة وتسعون اسما  والكلام عليه.
القسم الثاني: عرض شرح أسماء الله الحسنى للسعدي جمعاً ودراسة.
منهجي في البحث:
أولاً: جمع المادة العلمية من كتب الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله وهى من الكتب الآتيـــــة:
1-تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان.
2-تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن، وقد أشرت إليه في العزو باسم الخلاصة.
3-توضيح الكافية الشافية.
4-الحق الواضح المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين من الكافية الشافية.
5-المواهب الربانية من الآيات القرآنية.

ص -151-    6-بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار.
7-مجموع الفوائد واقتناص الأوابد.
ثانياً: النظر فيما قاله عن كل اسم من أسماء الله الحسنى، وتأليفه، وترتيبه، وحذف ما تكرر منه.
ثالثاً: ترتيب الأسماء الحسنى حسب حروف الهجاء مع ترقيمها ترقيماً تسلسلياً ثم عرض ما قاله الشيخ عن الاسم وجعله بين علامتي تنصيص.
رابعاً: الاستدلال للاسم الذي لم يستدل له الشيخ من الكتاب أو السنة إن وجد، وأجعله في الحاشية.
خامساً: أعلق على ما يحتاج إلى تعليق.
سادساً: عزو الآيات إلى سورها وأرقامها.
ســابعاً: تخريج الأحاديث.
ثامنـــاً: جعلت في خاتمة البحث ملخّصاً يبيّن أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال البحث.
تاسـعاً: وضع الفهارس اللازمة للبحث.
هذا وإن الحمد لله تعالى على التمام، وله الشكر على كل حال أحمده سبحانه أن يسر لي إخراج هذا المجموع عسى الله أن ينفع به جامعه، وقارئه، وكل من سمعه.
كما أسأله سبحانه أن يكون هذا العمل متقبلاً عنده وسائر أعمالي إنه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

ص -152-    القسم الأول: الدراسة وتشتمل على:
المبحث الأول

ترجمة موجزة عن الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله1
أولاً: اسمه ونسبه:
هو الشيخ العلامة أبو عبد الله عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر بن حمد آل سعدي، من بني تميم.
ثانياً: مولـــــده:
ولد في عنيزة في القصيم في الثاني عشر من محرم سنة ألف وثلاثمائة وسبع من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم.
ثالثاً: نشـــــأته:
نشأ الشيخ يتيماً فقد توفيت أمه وله أربع سنين، وتوفى والده وله سبع سنين، ولكنه نشأ نشأة صالحة وقد أثار الإعجاب فقد اشتهر منذ حداثته بفطنته، وذكائه، ورغبته الشديدة في طلب العلم وتحصيله، فحفظ القرآن عن ظهر قلب وعمره أحد عشر سنة ثم اشتغل بالعلم على يد علماء بلده فاجتهد في طلب العلم وجَدّ فيه وسهر الليالي وواصل الأيام حتى نال الحظ الأوفر من





ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  
1 انظر مصادر هذه الترجمة في:
1- روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوداث السنين للشيخ محمد بن عثمان القاضي (1/219).
2- علماء نجد خلال ثمان قرون للشيخ عبد الله البسام (3/218).
3- مشاهير علماء نجد وغيرهم للشيخ عبدالرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ (ص256).
4- مقدمة كتاب الرياض الناضرة لابن سعدي بقلم أحد تلاميذ الشيخ.
5- الشيخ عبد الرحمن بن سعدي وجهوده في توضيح العقيدة، رسالة ماجستير إعداد د/عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد (من ص13 إلى 61).

 

ص -153-    كل فن من فنون العلم ولما بلغ من العمر ثلاثاً وعشرين سنة جلس للتدريس فكان يَتَعلم ويُعلِّم.
رابعاً: نبذة من أخلاقه:
كان على جانب كبير من الأخلاق الفاضلة، متواضعاً للصغير، والكبير، والغني، والفقير، وكان يقضي بعض وقته بالاجتماع بمن يرغب حضوره فيكون مجلسهم مجلساً علمياً حيث إنه يحرص على أن يحتوي على البحوث العلمية، والاجتماعية، ويحصل لأهل المجلس فوائد عظمى من هذه البحوث، وكان يتكلم مع كل فرد بما يناسبه، وكان ذا شفقة على الفقراء، والمساكين، والغرباء مادًّا يد المساعدة لهم بحسب قدرته، ويستعطف لهم المحسنين ممن يُعْرف عنهم حب الخير في المناسبات.
وكان على جانب كبير من الأدب، والعفّة، والنّزاهة، والحزم في كل أعماله، وكان من أحسن الناس تعليماً، وأبلغهم تفهيماً.
خامساً: مكانته العلميّة:
كان رحمه الله ذا معرفة فائقة في الفقه وأصوله، وكان أول أمره متمسكاً بالمذهب الحنبليّ تبعاً لمشايخه، وحفظ بعض المتون من ذلك.
وكان أعظم اشتغاله وانتفاعه بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وحصل له خير كثير بسببهما في علم الأصول والتوحيد، والتفسير، ولغته، وغيرها من العلوم النافعة. وبسبب استنارته بكتب الشيخين المذكورين صار لا يتقيد بالمذهب الحنبلي، بل يرجح ما تَرَجّح عنده بالدليل الشرعي، ولا يطعن في علماء المذاهب. وله مكانة مرموقة في علم التفسير إذ قرأ عدة تفاسير وبرع فيه وألف تفسيراً جليلاً، في ثمان مجلدات، فسره بالبديهية من غير أن يكون عنده وقت لتصنيف كتاب تفسير ولا غيره.
دائماً يقرأ تلاميذه في القرآن الكريم ويفسره ارتجالاً، ويستطرد، ويبين

 

ص -154-    من معاني القرآن، وفوائده، ويستنبط منه الفوائد البديعة والمعاني الجليلة، حتى أن سامعه يودّ أن لا يسكت، لفصاحته، وجزالة لفظه، وتوسعه في سياق الأدلة، والقصص، ومن اجتمع به وقرأ عليه وبحث معه عرف مكانته العلمية، وكذلك من قرأ مصنفاته وفتاويه.
سادساً: مصنفاتـــه:
كان رحمه الله تعالى ذا عناية بالغة بالتأليف فشارك في كثير من فنون العلم فألّف في التوحيد، والتفسير، والفقه، والحديث، والأصول، والآداب، وغيرها، وأغلب مؤلفاته مطبوعة إلا اليسير منها، وإليك سرد لهذه المؤلفات:
1-الأدلة والقواطع والبراهين في إبطال أصول الملحدين.
2-الإرشاد إلى معرفة الأحكام.
3-انتصار الحق.
4-بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخيار.
5-التعليق وكشف النقاب على نظم قواعد الإعراب.
6-توضيح الكافية الشافية.
7-التوضيح والبيان لشجرة الإيمان.
8-التنبيهات اللطيفة فيما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة.
9-تنزيه الدين وحملته ورجاله مما افتراه القصيمي في أغلاله.
10-تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان.
11-تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن.
12-الجمع بين الإنصاف ونظم ابن عبد القوي.
13-الجهاد في سبيل الله، أو واجب المسلمين وما فرضه الله عليهم في كتابه نحو دينهم وهيئتهم الاجتماعية.

 

ص -155-    14-الحق الواضح المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين من الكافية الشافية.
15-حكم شرب الدخان.
16-الخطب المنبرية على المناسبات.
17-الدرة البهية شرح القصيدة التائية في حل المشكلة القدرية.
18-الدرة المختصرة في معان دين الإسلام.
19-الدلائل القرآنية في أن العلوم النافعة العصرية داخلة في الدين الإسلامي.
20-الدين الصحيح يحل جميع المشاكل.
21-رسالة في القواعد الفقهية.
22-رسالة لطيفة جامعة في أصول الفقه المهمة.
23-الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة.
24-سؤال وجواب في أهم المهمات.
25-طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول.
26-الفتاوى السعدية.
27-فتح الرب الحميد في أصول العقائد والتوحيد.
28-فوائد مستنبطة من قصة يوسف.
29-الفواكه الشهية في الخطب المنبرية.
30-القواعد الحسان لتفسير القرآن.
31-القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة.

 

ص -156-                                                              32-القول السديد في مقاصد التوحيد.
33-مجموع الخطب في المواضيع النافعة.
34-مجموع الفوائد واقتناص الأوابد.
35-المختارات الجلية من المسائل الفقهية.
36-المواهب الربانية من الآيات القرآنية.
37-منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين.
38-المناظرات الفقهية.
39-منظومة في أحكام الفقه.
40-منظومة في السير إلى الله والدار الآخرة.
41-وجوب التعاون بين المسلمين وموضوع الجهاد الديني وبيان كليات من براهين الدين.
42-الوسائل المفيدة للحياة السعيدة.
43-يأجوج ومأجوج. طبع دار لينا، مصر، دمنهور، الطبعة الأولى 1418هـ.
سابعاً: وبعد عمر دام تسعاً وستين سنة قضاها في التعلم والتعليم والتأليف وخدمة الأمة الإسلامية وافاه الأجل المحتوم فتوفى سنة 1376هـ في مدينة عنيزة من بلاد القصيم رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.

ص -157-    المبحث الثاني:
منهج الشيخ ابن السعدي رحمه الله في الأسماء الحسنى
من خلال مطالعتي، وجمعي للأسماء الحسنى للسعدي - رحمه الله - تبين لي من منهجه ما يأتي:
أولاً: بالنسبة لمنهجه في الأسماء الحسنى فإن السعدي - رحمه الله - لم يتقيّد بمن سبقه ممن ألف في الأسماء الحسنى. لأنني وجدت بعض الأسماء التي أوردها لا توجد في هذه الكتب فأحياناً يزيد عليها، وأحياناً ينقص عنها في بعض الأسماء.
كما أنه لم يعتمد على حديث أبي هريرة في سرد الأسماء الحسنى فمثلاً أورد اسم الله تعالى «الستار» وهذا الاسم لم يرد في حديث أبي هريرة ولا في أي رواية من رواياته الواردة، والله أعلم.
فقد يكون - رحمه الله - اعتمد على ما ظهر له أنها أسماء الله تعالى من نصوص الكتاب، والسنة، والله أعلم.
ثانياً: من الأمور الذي تميز بها هذا المجموع ما ظهر لي من منهج الشيخ - رحمه الله تعالى - من العناية، والاهتمام بقواعد الأسماء، والصفات كما يتبين ذلك من خلال إيراده لهذه القواعد في هذا المجموع ومن ذلك:
القاعدة الأولى: أسماء الله كلها حسنى1.
القاعدة الثانية: الإيمان بأسماء الله، وصفاته، وأحكام الصفات2.
القاعدة الثالثة: دلالة الأسماء على الذات، والصفات تكون بالمطابقة، والتضمن، والالتزام3.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  
1 انظر ص19.
2 انظر ص55.
3 انظر ص56.

ص -158-    القاعدة الرابعة: من أسماء الله ما يرد مفرداً، ومنها ما يرد مقروناً مع غيره لأن الكمال الحقيقي من اجتماعهما1.
ثالثاً: من منهج الشيخ رحمه الله أنه أدخل في الأسماء الحسنى الأسماء المضافة مثل «بديع السموات والأرض» و «ذو الجلال والإكرام» و«الفعال لما يريد» وغيرها.
وكذلك ما أخذ بطريق الإشتقاق ولم أقف على نص ينص على تسميته لله مثل «الستار» و«الهادي» و «الرشيد» وغيرها. وقد بينت في الدراسة ما ترجّح لي في الأسماء المضافة، والاشتقاق2.
رابعاً: اتسم منهج الشّيخ - رحمه الله تعالى - لشرحه أسماء الله الحسنى ببيان المعنى الظاهر للاسم مع الغوص في بيان المعاني الإيمانية للأسماء الحسنى، وبيان آثار الإيمان بها.
وهذه السمة مما ميّزت شرحه على كثير من شروح الأسماء الحسنى مع إغفاله للأوجه اللغوية للاسم، وهذا ظاهر في أغلب الأسماء التي شرحها رحمه الله تعالى.




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  
1 انظر: ص68.
2 انظر ص15.

 

ص -159-    المبحث الثالث: أسماء الله تعالى توقيفية
مذهب جمهور أهل السنة والجماعة أن أسماء الله تعالى توقيفية، فلا يجوز تسميته سبحانه بما لم يرد به السمع.
وذلك أن أسماء الله تعالى من الأمور الغيبية التي لا يمكن لنا معرفة شيء منها إلا عن طريق الرسل الذين يطلعهم الله على ما يشاء من الغيب ثم هم يبلغونه للناس فلا يجوز القياس فيها أو الإجتهاد لأن هذا الباب ليس من أبواب الاجتهاد.
قال أبو إسحاق الزجاج: "لا ينبغي لأحد أن يدعو الله بما لم يصف به نفسه"1.
وقال أبو إسحاق القشيري2: "الأسماء تؤخذ توقيفياً من الكتاب، والسنة، والإجماع، فكل اسم ورد فيهما وجب اطلاقه في وصفه، وما لم يرد لا يجوز ولو صح معناه".
وقال أبو سليمان الخطابي: "ومن علم هذا الباب؛ أعني الأسماء، والصفات، ومما يدخل في أحكامه، ويتعلق به من شرائط أنه لا يتجاوز فيها التوقيف، ولا يستعمل فيها القياس، فيلحق بالشيء نظيره في ظاهر، وضع اللغة، ومتعارف الكلام، فالجواد: لا يجوز أن يقاس عليه السخي، وإن كانا متقاربين في ظاهر الكلام، وذلك أن السخي لم يرد به التوقيف كما ورد بالجواد، ثم إن السخاوة موضوعة في باب الرخاوة واللين، يقال: أرض سخية وسخاوية إذا كان فيها لين ورخاوة، وكذلك لا يقاس عليه السمح لما يدخل السماحة من معنى اللين، والسهولة.




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  
1 انظر معاني القرآن وإعرابه 2/392.
2 الفتح (11/123) والمنهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى (ص 38).

 

ص -160-    وأما الجود فإنما هو سعة العطاء من قولك جاد السحاب إذا أمطر فأغزر، وفرس جواد إذا بذل ما في وسعه من الجري.
وقد جاء في الأسماء القوى، ولا يقاس عليه الجلد، وإن كان يتقاربان في نعوت الأدميين لأن باب التجلد يدخله التكلف، والإجتهاد.
ولا يقاس على القادر المطيق، ولا المستطيع لأن الطاقة، والاستطاعة إنما تطلقان على معنى قوة البنية، وتركيب الخلقة.
وفي أسمائه العليم، ومن صفته العلم فلا يجوز قياساً عليه أن يسمى عارفاً لما تقتضيه المعرفة من تقديم الأسباب التي بها يتوصل إلى علم الشيء وكذلك لا يوصف بالعاقل.
وهذا الباب يجب أن يراعى، ولا يغفل فإن عائدته عظيمة، والجهل به ضار، وبالله التوفيق.اهـ1.
وقال السفاريني في نظمه للعقيدة:

لكنها في الحق توقيفية                     لنا بذا أدلة وفية


ثم شرح البيت فقال:
لكنها: أي الأسماء الحسنى، في القول الحق المعتمد عند أهل الحق توقيفية بنص الشرع، وورود السمع بها.
ومما يجب أن يُعلم أنّ علماء السنة اتفقوا على جواز إطلاق الأسماء الحسنى، والصفات العلى على الباري جل وعلا إذا ورد بها الإذن من الشارع، وعلى امتناعه على ما ورد المنع عنه. اهـ2.




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  
1 شأن الدعاء (ص111-112).
2 لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية شرح الدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضية (1/124).

 

ص -161-    فالحق أن: أسماء الله تعالى توقيفية؛ لأنها من الأمور الغيبية التي لا تُعلم إلا بما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم.
فلا مجال للقياس، وإعمال العقل فيها إثباتاً أو نفياً لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه الله من الأسماء لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا نحصى ثناءاً عليك أنت كما أثنيت على نفسك"1.
فإذا تبين أنّ أسماء الله تعالى توقيفية فلا يجوز أن يشتق من الفعل أو من الصفة اسماً لله تعالى.
فباب الأفعال أوسع من باب الأسماء2.
وما ورد مقيداً أو مضافاً من الأسماء في القرآن أو السنة فلا يكون اسماً بهذا الورد مثل اسم (المنتقم) فلم يرد إلا مقيداً في قوله تعالى: {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ}3.
وما ورد مضافاً مثل: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ}4.
فلا يؤخذ هذا الاسم من هذا الورود المضاف لكن يؤخذ من آيات أُخر.
وإذا ورد في الكتاب، والسنة اسم فاعل يدل على نوع من الأفعال ليس بعام شامل فهذا لا يكون من الأسماء الحسنى لأن الأسماء الحسنى معانيها كاملة الحسن تدل على الذات، ولا تدل على معنى خاص مثل مجرى السحاب، هازم الأحزاب، الزارع، الذاري5.



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  
1 أخرجه مسلم في صحيحه (1/352) كتاب الصلاة باب مايقال في الركوع والسجود.
2 انظر مدارج السالكين لابن القيم (3/415) والقواعد المثلى لابن عثيمين (ص21).
3 السجدة (22).
4 الرعد (9).
5 انظر رسالة أقوم ما قيل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل لشيخ الإسلام ابن تيمية ضمن مجموع الفتاوي (8/196) ومعارج القبول للحكمي (1/72، 73) وشرح القواعد المثلى =لابن عثيمين شريط (2) وجه (1) وكتاب أسماء الله الحسنى للغصن (ص136).

 

ص -162-    المبحث الرابع: حديث "لله تسعة وتسعون اسماً"
أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لله تسعة وتسعون اسماً مائة إلا واحدة لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر"
 وفي رواية: "من أحصاها1 دخل الجنة" وهذا الحديث متفق على صحته2.
وقد وردت روايات أخرى للحديث بطرق أخرى مختلفة تزيد على الحديث السابق بذكر أسماء من أسماء الله تعالى، والحديث ورد بثلاث طرق عند الترمذي3 وابن ماجه4 والحاكم56، وهذه الطرق ضعفت من جهة الإسناد، ومن جهة المتن كما بينه جمع من العلماء، والمحققين، وإليك أقوالهم.
قال البيهقي رحمه الله في حديثه عن رواية عبد العزيز بن الحصين: يحتمل أن يكـون التفسـير وقـع من بعـض الـرواة، وكـذلك في حـديـث الـوليـد ابـن





ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  
1 اختلف العلماء في بيان المراد بالإحصاء على أقوال أظهرها والله أعلم ما ذكره ابن القيم في بدائع الفوائد 1/164 حيث قال: «واحصاؤها مراتب: المرتبة الأولى: احصاء الفاظها وعدها. والثانية: فهم معانيها ومدلولها. والثالثة: دعاؤه بها كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} الأعراف آية (180). وهو مرتبان: احدها: دعاء ثناء وعبادة. والثانية: «دعاء طلب ومسألة»أ.هـ. وهذا اختيار ابن سعدي رحمه الله.  انظر الحق الواضح المبين ص22، ولمزيد بيان لهذه المسألة  انظر فتح الباري 11/226، والنهج الأسمى 1/46.
2 صحيح البخاري (7/169) كتاب الدعوات، باب لله عز وجل مائة اسم غير واحد. ومسلم (4/2062و 2063) كتاب الذكر، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها.
3 سنن الترمذي (ح 3574).
4 سنن ابن ماجه (ح 3861).
5 مستدرك الحاكم (1/17).
6 وقد جمع هذه الطرق وبين أقوال أهل العلم عليها وحكم عليها الشيخ/ محمد بن حمد الحمود في كتابه النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى (1/50) وكذلك الشيخ/ عبد الله بن صالح الغصن في كتابه أسماء الله الحسنى (ص 155).

 

ص -163-    مسلم1.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "قد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن هاتين الروايتين - يعني روايتي الترمذي من طريق الوليد وابن ماجه من طريق عبد الملك بن محمد - ليستا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما كل منهما من كلام بعض السلف"2.
وقال أيضاً: أن التسعة والتسعين اسماً لم يرد في تعيينها حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأشهر ما عند الناس فيها حديث الترمذي الذي رواه الوليد بن مسلم عن شعيب بن أبي حمزة، وحفاظ أهل الحديث يقولون: هذه الزيادة مما جمعه الوليد بن مسلم عن شيوخه من أهل الحديث وفيها حديث ثان أضعف من هذا، رواه ابن ماجه، وقد روى في عددها غير هذين النوعين من جمع بعض السلف3.
وقال ابن كثير رحمه الله: "الذي عول عليه جماعة من الحفاظ أن سرد الأسماء في هذا الحديث - أي حديث الوليد عند الترمذي - مدرج فيه وإنما ذلك كما رواه الوليد بن سلم، وعبد الملك بن محمد الصنعاني عن زهير بن محمد أنه بلغه عن غير واحد من أهل العلم أنهم قالوا ذلك أي أنهم جمعوها من القرآن..."4.
وقال ابن حجر رحمه الله: "والتحقيق إنّ سردها إدراج من الرواة"5.
ونقل ابن حجر عن ابن عطية رحمهما الله قوله: "حديث الترمذي ليس بالمتواتر وبعض الأسماء التي فيه شذوذ"6 والله أعلم.





ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  
1 الأسماء والصفات للبيهقي (1/32).
2 مجموع فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية (6/379).
3 المرجع السابق (22/482).
4 تفسير القرآن العظيم (3/257).
5 بلوغ المرام (ص346) (ح 1396).
6 التلخيص الحبير (4/190).

 

ص -164-    1-الإلـــــه1:
قال رحمه الله تعالى:
"والإله هو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال، فقد دخل في هذا الاسم جميع الأسماء الحسنى، ولهذا كان القول الصحيح إن الله أصله الإله وأن اسم الله هو الجامع لجميع الأسماء الحسنى والصفات العلى والله أعلم"2.

2-الله3:
قال رحمه الله تعالى: "الله: هو المألوه المعبود، ذو الألوهية، والعبودية على خلقه أجمعين، لما اتصف به من صفات الألوهية التي هى صفات الكمال4، وأخبر أنه الله الذي له جميع معاني الألوهية وأنه هو المألوه المستحق لمعاني الألوهية كلها، التي توجب أن يكون المعبود وحده المحمود وحده المشكور وحده المعظم المقدس ذو الجلال والإكرام5.
واسم الله هو الجامع لجميع الأسماء الحسنى، والصفات العلى، والله أعلم6.
فإذا تدبر اسم الله عرف أن الله تعالى له جميع معاني الألوهية، وهي كمال الصفات والإنفراد بها، وعدم الشريك في الأفعال لأن المألوه إنما يؤله لما





ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  
1 ودليل هذا الاسم قال الله تعالى: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} (النساء : 171).
2 الحق الواضح المبين (ص104).
3 ودليل هذا الاسم قال الله تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (البقرة: 255).
4 التفسير (5/620).
5 المرجع السابق (1/33) الخلاصة (ص8،9) وبهجة قلوب الأبرار (ص165).
6 الحق الواضح المبين (ص104).

 

ص -165-    قام به من صفات الكمـال فيحب ويخضع له لأجلها، والباري جل جلاله لا يفوته من صفات الكمال شيء بوجه من الوجوه، أو يؤله أو بعبد لأجل نفعه وتوليه ونصره فيجلب النفع لمن عبده فيدفع عنه الضرر، ومن المعلوم أنَّ الله تعالى هو المالك لذلك كله، وأنَّ أحداً من الخلق لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشورا فإذا تقرر عنده أنَّ الله وحده المألوه أوجب له أن يعلق بربه حبه وخوفه ورجاءه، وأناب إليه في كل أموره، وقطع الإلتفات إلى غيره من المخلوقين ممن ليس له من نفسه كمال ولا له فعال ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم1.
وقد سئل الشيخ رحمه الله عن الاسم الأعظم من أسماء الله هل هو اسم معين معروف أو اسم غير معين ولا معروف.
فأجاب: "بعض الناس يظن أن الاسم الأعظم من أسماء الله الحسنى لا يعرفه إلا من خصه الله بكرامة خارقة للعادة، وهذا ظن خطأ، فإن الله تبارك وتعالى حثنا على معرفة أسمائه وصفاته، وأثنى على من عرفها، وتفقه فيها، ودعاء الله بها دعاء عبادة وتعبد ودعا مسألة، ولا ريب أنّ الاسم الأعظم منها أولاها بهذا الأمر، فإنه تعالى هو الجواد المطلق الذي لا منتهى لجوده وكرمه، وهو يحب الجود على عباده، ومن أعظم ما جاد به عليهم تعرفه لهم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، فالصواب أنّ الأسماء الحسنى كلها حسنى، وكل واحد منها عظيم، ولكن الاسم الأعظم منها كل اسم مفرد أو مقرون مع غيره إذا دل على جميع صفاته الذاتية والفعلية أو دل على معاني جميع الصفات مثل:
الله، فإنه الاسم الجامع لمعاني الألوهية كلها، وهي جميع أوصاف الكمال،



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  
1 المواهب الربانية من الآيات القرآنية (ص62).

 

ص -166-    ومثل الحميد المجيد، فإن الحميد الاسم الذي دل على جميع المحامد والكمالات  لله تعالى، والمجيد الذي دل على أوصاف العظمة والجلال ويقرب من ذلك الجليل الجميل الغني الكريم.
ومثل الحي القيوم، فإن الحي من له الحياة الكاملة العظيمة الجامعة لجميع معاني الذات، والقيوم الذي قام بنفسه، واستغنى عن جميع خلقه، وقام بجميع الموجودات، فهو الاسم الذي تدخل فيه صفات الأفعال كلها.
ومثل اسمه العظيم الكبير الذي له جميع معاني العظمة والكبرياء في ذاته وأسمائه وصفاته، وله جميع معاني التعظيم من خواص خلقه.
ومثل قولك: يا ذا الجلال والإكرام، فإن الجلال صفات العظمة، والكبرياء، والكمالات المتنوعة، والإكرام استحقاقه على عباده غاية الحب وغاية الذل وما أشبه ذلك.
فعلم بذلك أن الاسم الأعظم اسم جنس، وهذا هو الذي تدل عليه الأدلة الشرعية والاشتقاق1، كما في السنن2 أنه سمع رجلاً يقول: "اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، فقال: "والذي نفسي بيده، لقد سألت الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى".
وكذلك الحديث الآخر حين دعا الرجل، فقال: "اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت، المنان، بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام، ياحي! يا قيوم! فقال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لقد دعا الله باسمه الأعظم




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  
1 وبهذا القول تجتمع الأدلة في بيان معنى اسم الله الأعظم، والله أعلم.
2 أخرجه الترمذي (3475) وأبو داود (1493) وابن ماجه (3857) وأخرجه النسائي (3/52) بلفظ مغاير، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/163 ح(2763).

 

ص -167-    3-الأحــــد: (الواحد 6 الأحد)7
قال رحمه الله:
"الواحد الأحد هو الذي توحّد بجميع الكمالات، وتفرّد بكل كمال، ومجد وجلال، وجمال، وحمد، وحكمة، ورحمة، وغيرها من صفات الكمال فليس له فيها مثيل ولا نظير، ولا مناسب بوجه من الوجوه فهو الأحد في حياته، وقوميته، وعلمه، وقدرته، وعظمته، وجلاله، وجماله، وحمده، وحكمته، ورحمته، وغيرها من صفاته، موصوف بغاية الكمال، ونهايته من كل صفة من هذه الصفات فيجب على العبيد توحيده، عقداً، وقولاً، وعملاً، بأن يعترفوا بكماله المطلق، وتفرده بالوحدانية، ويفردوه بأنواع العبادة"8.





ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  
1 أخرجه أحمد (3/158) وأبو داود (1495) والنسائي (3/52) وابن ماجه (3858) والترمذي (3544) والحاكم (1/504) وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1/279 ح(1326).
2 البقرة (163).
3 البقرة (255).
4 أخرجه الإمام أحمد (6/461) والترمذي (3478) وقال: "هذا حديث حسن صحيح"وأبو داود (1496) وابن ماجه (3855) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (3109).
5 انظر مجموع الفوائد واقتناص الأوابد ص250، 251، 252 .
6 ودليل هذا الإسم قال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (الإخلاص: 1).
7 ودليل هذا الاسم قال تعالى: { قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} (الرعد: 16).
8 التفسير (5/620،621) وانظر بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع =الأخبار (ص165).

الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى"1.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}3 رواه أبو داود والترمذي4، فمتى دعا الله العبد باسم من هذه الأسماء العظيمة بحضور قلب ورقة وانكسار، لم تكد ترد له دعوة، والله الموفق"5.

 

ص -168-                                                              4-الأعلى: (العلي1 الأعلى)2
قال رحمه الله تعالى: "من أسمائه الحسنى (العلي الأعلى) وذلك دال على أن جميع معاني العلو ثابتة لله من كل وجه، فله علو الذات3.
وهو أنه مستو على عرشه، فوق جميع خلقه، مباين لهم، وهو مع هذا مطلع على أحوالهم، مشاهد لهم، مدبر لأمورهم الظاهرة والباطنة متكلم بأحكامه القدرية، وتدبيراته الكونية، وبأحكامه الشرعية4.
وأما علو القدر فهو علو صفاته، وعظمتها فلا يماثله صفة مخلوق، بل لا يقدر الخلائق كلهم أن يحيطوا ببعض معاني صفة واحدة من صفاته، قال تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً}5 وبذلك يعلم أنه ليس كمثله شيء في كل نعوته وله علو القهر فإنه الواحد القهار الذي قهر بعزته وعلوه الخلق كلّهم، فنواصيهم بيده، وما شاء كان لا يمانعه فيه ممانع، وما لم يشأ لم يكن فلو اجتمع الخلق على إيجاد ما لم يشأه الله لم يقدروا، ولو اجتمعوا على منع ما حكمت به مشيئته لم يمنعوه، وذلك لكمال اقتداره، ونفوذ مشيئته وشدة افتقار المخلوقات كلها إليه من كل وجه6.
فهو الذي على العرش استوى وعلى الملك احتوى، وبجميع صفات العظمة والكبرياء، والجلال والجمال وغاية الكمال اتصف وإليه فيها





ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  
1 ودليل هذا الاسم قال تعالى: {وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (البقرة: 255).
2 ودليل هذا الاسم قال تعالى: { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} (الأعلى: 1).
3 الحق الواضح المبين (ص26).
4 توضيح الكافية الشافية (ص116).
5 طه (110).
6 الحق الواضح المبين (ص26،27).

ص -169-    المنتهى"1.

5-الأول2: (الأول، والآخر، والظاهر، والباطن)
قال رحمه الله تعالى: "فسرها النبي صلى الله عليه وسلم تفسيراً كاملاً واضحاً فقال: "أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء"3 إلى آخر الحديث.
ففسر كل اسم بكل معناه، ونفى عنه كل ما يضاده وينافيه4 فمهما قدر المقدرون وفرض الفارضون من الأوقات السابقة المتسلسلة إلى غير نهاية فالله قبل ذلك، وكل وقت لاحق مهما قدر وفرض الله بعد ذلك.
ولهذا لا يستحق اسم واجب الوجود إلا هو5، فمن خصائصه أنه لا يكون إلا موجوداً كاملاً فلا يشاركه في وجوب الوجود أحد فوجوب وجوده بنعوته الكاملة في جميع الأوقات، وهو الذي أوجد الأوقات وجميع الموجودات، وكلها مستندة في وجودها وبقائها إلى الله6.
فالأول: يدل على أن كل ما سواه حادث كائن بعد أن لم يكن، ويوجب للعبـد أن يلحظ فضل ربه في كل نعمة دينية أو دنيوية، إذ السبب والمسبب منه تعالى.
والآخر: يدل على أنه هو الغاية، والصمد الذي تصمد إليه المخلوقات بتأهلها، ورغبتها، ورهبتها، وجميع مطالبها.





ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  
1 التفسير (5/623 و624) وانظر: الخلاصة (ص187).
2 ودليل هذا الاسم قال الله تعالى {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} (الحديد: 3).
3 أخرجه مسلم (4/2084) كتاب الذكر والدعاء باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع.
4 الحق الواضح المبين (ص25).
5 وهذا من باب الإخبار عنه سبحانه لا أنه اسماً يدعي به.  انظر: درء تعارض العقل والنقل (1/298).
6 توضيح الكافية الشافية (ص116، 117).

 

ص -170-    والظاهر: يدل على عظمة صفاته، واضمحلال كل شيء عند عظمته من ذوات وصفات وعلى علوه.
والباطن: يدل على اطلاعه على السرائر، والضمائر، والخبايا، والخفايا، ودقائق الأشياء، كما يدل على كمال قربه ودنوه، ولا يتنافى الظاهر، والباطن لأن الله ليس كمثله شيء في كل النعوت فهو العلي في دنوه القريب في علوه1.

6-الآخــر2:
7-الباري: (الخالق، الباري، المصور)3
قال رحمه الله تعالى: "الخالق، البارئ، المصور، الذي خلق جميع الموجودات وبرأها، وسواها بحكمته، وصورها بحمده وحكمته، وهو لم يزل ولا يزال على هذا الوصف العظيم"4.

8-الباسط: (القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعز، المذل، المانع، المعطي، الضار، النافـــع)5

 

ص -171-    قال رحمه الله تعالى : " القابض الباسط، الخافض الرافع، المعز المذل، المانع المعطي، الضار النافع".
"هذه الأسماء الكريمة من الأسماء المتقابلات التي لا ينبغي أن يُثنى على الله بها إلا كل واحد مع الآخر لأن الكمال المطلق من اجتماع الوصفين، فهو القابض للأرزاق والأرواح والنفوس، والباسط للأرزاق، والرحمة، والقلوب، وهو الرافع للأقوام القائمين بالعلم والإيمان الخافض لأعدائه، وهو المعز لأهل طاعته، وهذا عز حقيقي، فإن المطيع لله عزيز وإن كان فقيراً ليس له أعوان، المذل لأهل معصيته، وأعدائه ذلاً في الدنيا والآخرة فالعاصي وإن ظهر بمظاهر العز فقلبه حشوه الذل وإن لم يشعر به لانغماسه في الشهوات فإن العز كل العز بطاعة الله، والذل بمعصيته {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ}1 {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً}2 {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}3 وهو تعالى المانع المعطي فلا معطي لما منع ولا مانع لما أعطى4 وهو تعالى النافع لمن شاء من عباده بالمنافع




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  
1 الحج (18).
2 فاطر (10).
3 المنافقون (8).
4 الحق الواضح المبين (ص89).

 

ص -172-    الدينية والدنيوية، الضار لمن فعل الأسباب التي توجب ذلك1.
وهذه الأمور كلها تبع لعدله، وحكمته، وحمده، فإن له الحكمة في خفض من يخفضه، ويذله، ويحرمه، ولا حجة لأحد على الله، كما له الفضل الخفي على من رفعه وأعطاه ويبسط له الخيرات.
فعلى العبد أن يعترف بحكمة الله، كما عليه أن يعترف بفضله ويشكره بلسانه وجنانه وأركانه.
وكما أنه هو المنفرد بهذه الأمور كلها جارية تحت أقداره، فإن الله جعل لرفعه وعطائه وإكرامه أسباباً، ولضد ذلك أسباباً من قام بها ترتبت عليه مسبباتها، وكل ميسر لما خلق له أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، وهذا يوجب للعبد القيام بتوحيد الله، والاعتماد على ربه في حصول ما يحب، ويجتهد في فعل الأسباب النافعة فإنها محل حكمة الله"2.

9-الباطن3:
10- بديع السموات والأرض4:

قال رحمه الله تعالى: "بديع السموات والأرض: أي خالقها على وجه قد أتقنهما، وأحسنهما على غير مثال سبق5، ومبدعها في غاية ما يكون من الحسن، والخلق البديع، والنظام العجيب المحكـــــم"6.





ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  
1 توضيح الكافية الشافية (ص131).
2 الحق الواضح المبين (ص89 و90).
3 سبق الكلام على هذا الاسم مع اسم الله "الأول".
4 هذا الاسم من أسماء الله المضافة، وقد تقدم في الدراسة أنها لا تدخل ضمن أسماء الله الحسنى.
5 التفسير (1/130).
6 التفسير (5/628).

 

ص -173-    11- الــــبرّ: (البر، الوهاب، الكريم)1
قال رحمه الله تعالى: "من أسمائه تعالى: البر الوهاب الكريم الذي شمل الكائنات بأسرها ببره، وهباته، وكرمه، فهو مولى الجميل، ودائم الإحسان، وواسع المواهب، وصفه البر وآثار هذا الوصف جميع النعم الظاهرة، والباطنة، فلا يستغني مخلوق عن إحسانه وبره طرفة عين، وتدل هذه الأسماء على سعة رحمته، ومواهبه التي عم بها جميع الوجود بحسب ما تقتضيه حكمته. وإحسانه عام وخاص:
 فالعام المذكور في قوله: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً}2 و{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء}3 {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}4.
وهذا يشترك فيه البر، والفاجر، وأهل السماء، وأهل الأرض، والمكلفون، وغيرهم.
والخاص: رحمته ونعمه على المتقين حيث قال: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ} الآية5.
وقال: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}6.
وفي دعاء سليمان: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}7.







ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  
1 ودليل هذا الاسم قال الله تعالى: {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ}(الطور: 28).
وقال تعالى: {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} (النمل: 40).
وقال تعالى: { وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} (آل عمران: 8).
2 غافر (7).
3 الأعراف (156).
4 النحل (53).
5 الأعراف (156).
6 الأعراف (56).
7 النمل (19).

 

ص -174-    وهذه الرحمة الخاصة التي يطلبها الأنبياء وأتباعهم، تقتضي التوفيق للإيمان والعلم والعمل وصلاح الأحوال كلها، والسعادة الأبدية، والفلاح، والنجاح، وهي المقصود الأعظم لخواص الخلق1.

12- البصــير2:
قال المؤلف رحمه الله:
"البصير الذي أحاط بصره بجميع المبصرات في أقطار الأرض والسماوات، حتى أخفى ما يكون فيها فيرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، وجميع أعضائها الباطنة، والظاهرة، وسريان القوت في أعضائها الدقيقة، ويرى سريان الميــاه في أغصان الأشجار، وعروقها وجميع النباتات على اختلاف أنواعها، وصغرها، ودقتها، ويرى ني

المصدر: مجلة روح الاسلام
abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 123 مشاهدة
نشرت فى 5 مايو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

301,470