طه خليفة | 22-02-2012 11:38

فقط، العصا هى التى كانت تنقص جودة عبد الخالق فى جلسة البرلمان مساء الأحد الماضى، ليؤدب بها أى نائب مشاغب لينصت لدرر الوزير الدكتور التى ستنسف قضية البطالة من جذورها حتى لو كان يتفلسف، ويستعرض عضلاته الاقتصادية فى حضرة المجلس الموقر.

الوزير"شخط" فى نائب حاول الرد عندما شعر باستعلائه عليه، وتسخيفه لما قاله، حول تقاعس الحكومة عن بذل الجهود لحل الأزمة، ولم يكتف سيادته بـ "الشخط"، إنما علا صوته وبلغة آمرة طلب من النائب أن يجلس فى مكانه، وأخذ يكررها عدة مرات مع ارتفاع فى الصوت.

فى تلك اللحظة تصورت "الخوجة" جودة عبد الخالق واقفا فى مدرج كلية الاقتصاد يلقى محاضرة، وأحد الطلاب يقاطعه، فيصرخ فيه طالبا منه الجلوس، مع ذلك لا أعتقد أنه سيكون بهذه الحدة، لأنه يدرك أنه يتعامل مع طلبة جامعيين من صفوة المتفوقين، وربما من يعنفه اليوم يكون زميله غدا فى هيئة التدريس.

الدكتور جودة نزل بأعضاء البرلمان درجة، أو درجتين، وتصورهم طلاب ثانوى صناعى مثلا - وهم من نجحوا بالكاد فى الإعدادية - فمارس عليهم دور"الخوجة" بامتياز بصوته العالى، لكن من دون العصا التى نسيها فى درج مكتبه.

ولما لا يكون هذا الأكاديمى اليسارى يفكر بهذه الطريقة؟ ربما يظن نفسه وريث كارل ماركس، أو فريدريك أنجلز، بينما معظم النواب الجالسين أمامه - الذين لا يكفون عن تقديم طلبات إحاطة وأسئلة تجلبه إلى البرلمان، ويستمع منهم لانتقادات عنيفة ضد إدارته لملف التموين - فهم من أصحاب اللحى من السلفيين، والإخوان ممن يراهم الدكتور مجرد دراويش، ودعاة، وخطباء مساجد، وعلى باب الله فى الاقتصاد، والفكر، والثقافة، فمن يكون هؤلاء - إذن - حتى يفعلوا به كل هذه الأفاعيل، وهو الذى تعود على التبجيل، باعتباره أعظم مفكر اقتصادى فى مصر.

استشعرت أن نظرته دونية لنواب برلمان الثورة لأن أغلبيتهم من الإسلاميين، بينما لو كانت الأغلبية يسارية، واشتراكية ثورية، وشيوعية من نفس عقيدته السياسية لكان ارتفع فى نظرته إليهم باعتبارهم من المنظرين الكبار، ومن الفلاسفة العظام، ومن الرفاق الحميمين، الذين يبنون المدينة الفاضلة فى تحليلاتهم، ومؤلفاتهم، واجتماعاتهم، ثم عندما يتولون المسئولية كحكام فى دول، أو وزراء فى حكومات، فإن المدينة الفاضلة تصبح صرحًا من خيال فهوى، والفقراء يزدادون فقرًا، والمحرومون يزدادون حرمانًا، والبؤساء يزدادون بؤسا. وكل التجارب الشيوعية التى يعتز بها، ويعتبرها النموذج الاقتصادى الاجتماعى الأمثل للبشرية قد فشلت فى البلدان التى طبقتها، وعلى رأسها الاتحاد السوفييتى المتفكك، ودول أوروبا الشرقية المتحولة، والآن فلول النظم الشيوعية الباقية مثل كوبا، وكوريا الشمالية التى لا يجد سكانها التعساء ما يأكلونه، أما الصين فقد نجت من مذبحة الفقر عندما لجأت للرأسمالية الاقتصادية، رغم أنها أبقت على الشمولية السياسية.

ماذا فعل الدكتور جودة عبد الخالق فى ملف التضامن الاجتماعى، ثم التموين، بعد نحو عام من جلوسه على مقعد الوزارة ؟ لا شىء.. فالمشاكل والأزمات هى نفسها منذ أيام الدكتور على المصيلحى آخر وزير لنفس الوزارة فى عهد النظام السابق.

إذن .. لا فارق بين عبد الخالق وزير الثورة، وبين المصيلحى وزير مبارك.

لا فارق بين عبد الخالق الوزير اليسارى، وبين المصيلحى الوزير اليمينى.

لا فارق بين عبد الخالق نصير الفقراء، وبين المصيلحى محامى رجال الأعمال.

لا فارق بين عبد الخالق الوزير الذى جاء فى عهد العدالة الاجتماعية، وبين المصيلحى الذى كان فى عهد الفكر الجديد.

كلام الكتب والبحوث والمحاضرات شىء والتطبيق على أرض الواقع شىء آخر.

يمكن أن ترفع ما شئت من شعارات تدغدغ بها مشاعر الجماهير، لكن عندما تجلس فى موقع المسئولية تفشل فى ترجمة شعار واحد منها إلى واقع.

جودة عبد الخالق ادعى الإنجاز، إلا أن النواب جاءوه من دوائرهم بما ينسف كل ما قاله، فهو فى مكتبه يحل المشاكل بالتصريحات، والوعود، والعهود.

وقع الوزير المستعلى مساء الأحد فى حفرة صنعها لنفسه وبنفسه.

نسى أنه فى برلمان الثورة والحرية، وليس فى برلمان الحزب الوطنى المنحل الذى كان أحد أباطرته يضبط حركة النواب صمتا وصياحا بمجرد إشارة منه.

كان برلمان كالقطيع يسوقه الراحل كمال الشاذلى، ومن بعده المسجون أحمد عز.

الآن كل نائب فى البرلمان يساوى مائة من عينة نواب الشاذلى وعز، لأنه جاء بإرادة شعبية حرة، وليس بالتزوير، فهو نائب حقيقى عن الشعب، وليس نائبا مفروضا على الشعب.

كان الفيلسوف يحتاج لتلك الهبة من النواب، والحسم المهذب من رئيس البرلمان سعد الكتاتنى حتى يفيق.

ويكفى إنزاله من على المنصة، ومنعه من إكمال كلامه، فهذا لم يحصل مع أى وزير خلال برلمانات زمن مبارك، لكنه حصل فى بداية برلمان الثورة، الذى يريد أن يكون برلمانا بجد.

هبط جودة عبد الخالق من عليائه.

وعاد إلى وزارته يجر أذيال الخيبة.

ولم يبق له إلا أن يفكر فى الرحيل.

[email protected]

 

 

اشتراكك في خدمة أخبار المصريون العاجلة على الموبايل يصلك بالأحداث على مدار الساعة

لمشتركي فودافون : أرسل حرفي mo إلى 9999 ـ الاشتراك 30 قرشا لليوم
لمشتركي اتصالات : أرسل mes إلى 1666 ـ الاشتراك 47 قرشا لكل يومين (23.5 قرشا لليوم)

 

 

اضف تعليقك
الاسم :

عنوان التعليق:

التعليق:

أرسل التعليق

تعليقات حول الموضوع

الى الاستاذ احمد أبو عمر

نجد متولي راشد | 23-02-2012 15:15

تتساءل سيادتكم لماذا يبقي الجنزوري على هذا الوزير حتى الآن ؟ ألا تعلم سيادتكم أن الجنزوري مثله مثل هذا الوزير ، فهو يرى نفسه في مرآة ، كما أن الجنزوري كل موهبه تكمن في طباشيرة وسبورة (والمعنى هو انه يدرس النظريات فقط ولا يستطيع تطبيقها )

 

 

النائب سيف رشاد

واحد | 23-02-2012 14:09

هومن فلول الوطنى السابقين وبيع من الوطنى لصالح فلول اخرين لا ثقافه ولا شىء سوى تأييد وشجب وهذا ناتج القوائم العجيبه

 

 

انجازات دكتور جوده كبيره جدا

عصام عباس | 23-02-2012 07:48

المدهش ان جوده هذا لم يترك برنامج على اي فضائيه الا وحل عليه ضيفا ثقيلا على المشاهدين يكرر نفس كلامه العقيم دون حلول فعليه على ارض الواقع .... وكأن هذا الرجل مازال يعيش بعقله في فترة الستينيات ... عندما كان يطل على الناس مسئول ما ليؤكد للشعب ان الحياه حلوه وانه كله تمام ياريس فيذهب الشعب لينام قرير العين مستبشرا بكلام المسئول ليصبح على احلك حال .... هولاء هم الاشتراكيون يحاكون تجربة ناصر الغبيه بكل سلبياتها ومنها رفض اي معارضه لانها عيب

 

 

معلش اعذره اصله تلاقيه كان يري مشهد السادات وابو الفتوح عندما قاطعه فاعجبه المقطع فحب ان يقلده بالنص المفروض ان نقول له برافوووووووا

ابو العتاهيه | 23-02-2012 04:49

اداء تمثيلي هايل يارجل من امن العقوبه اساء الادب مثل هؤلاء وزراء بالصدفه واخذوا المنصب تشريف لاتكليف المفروض انه خامد للناس بدلا من ان يركب اعناقهم

 

 

أين ا لرجالة

تامر عبده | 23-02-2012 00:52

عزيزى استاذ/طه.البلدبحاجة إلىوزراءرجالة على قدر المسؤولية مش وزراء,,,,,,,,,,,,,,

 

 

ليس كل النواب

د حسن احمد | 22-02-2012 23:47

ليس كل النواب فى البرلمان الواحد منهم يساوى مائه ففى البرلمان فلول الوطنى الواحد منهم لا يساوى خردله على سبيل المثال يوسف عبدالفتاح البدرى وفتحى عبده عضواحزب مصر القومى "الوطنى سابقا" وعادل شعلان عضو المواطن مصرى وقد كان يملا شوارع رشيد وادكو بلوحات المبايعه للمخلوع وهؤلاء عينه لا تملك اى ثقافه اوفكر او برنامج للنهوض بالوطن سوى الصراخ والصوت العالى ..رجاء النشر لتعريف الناس بالفلول

 

 

الشيوعيون لايصلحون وانما يخربون

كريم | 22-02-2012 15:31

ومن اهم مبادئ ايدلوجيتهم انضاج ازمات المجتمع للوصول بالصراع مع السلطة الى مداه لتحطيم المجتمعات وتحكيم الفوضى -الرجل متسق مع جوانيته-ولكن المضحك والمزري وشر البلية مايضحك هو كم الغطرسة التى تملاءه والتى يفتقد كثيرا من مؤهلاتها-فتراه فى كل احاديثه مصعرا خده للناس وللمشاهدين محركا راسه بطريقة ممسرحة ويضع ساقا على ساق بطريقة مستفزة-الاهم فى القضيه تصديه لقضية ليست قضيته-هيصة - والانكى تفاقم مشكلات وزارته الى الاسوا من الخبز الى الانبوبة-فكان بحق وزيرا لحزب التجمع احد اهم اركان ديكور مسرح المخلوع

 

 

مقال اكثر من رائع

احمد ابو عمر | 22-02-2012 14:09

يعلم الله كم اكره هذا الوزير الفاشل لا لشيء الا لكبره بالرغم من شده جهله، ولا ادري لماذا يسكت عليه الجنزوري حتي الآن

 

 

صح الصح

يحيى | 22-02-2012 14:08

أعجبتني الفقرة في المقال التي تقول ــ كان برلمان كالقطيع يسوقه الراحل كمال الشاذلى، ومن بعده المسجون أحمد عز ــ وبخصوص الفقرة الأخيرة ــ وعاد إلى وزارته يجر أذيال الخيبة ولم يبق له إلا أن يفكر فى الرحيل ــ أقول للكاتب المحترم لم يصل وزراؤنا إلى هذه الثقافة التي يحترم فيها المرء نفسه ويرحل بدلاً من أن يُرَحل

 

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 46 مشاهدة
نشرت فى 4 مارس 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

305,668