طه خليفة | 29-02-2012 12:20

عدوى اتهام الطرف الثالث، أو اللهو الخفى، انتقلت من المجلس العسكرى، إلى رئيس الحكومة كمال الجنزورى.. فى بيانه أمام البرلمان يوم الأحد، ألقى بمسئولية تأزم الوضع الاقتصادى بمصر، وضعف إنجاز حكومته على طرف خفى خارجى.. هى ملهاة إذن من العسكرى، ومن حكومته.. يريدون إشغالنا بهذا اللهو، وأخذنا إلى زوايا مظلمة حتى ننهش فى جسد لا نعرفه، ولا نقترب من الجسد المسئول عن إدارة البلد، ووصوله إلى حالته المزرية. يصعب الاقتناع بأن العالم يستهدف مصر، ويريد إجهاض ثورتها، هى أسطوانة مملة، كأن الخارج عقد اتفاقًا مع من يريدون إجهاض الثورة من الداخل وعلى رأسهم مبارك، ورجاله، وحزبه المنحل، وفلوله فى كل مكان، هكذا يقول لنا العسكرى، والجنزورى، وكل المسكونين بنظرية المؤامرة من السياسيين، والمثقفين، والحزبيين، وهى كلها اتهامات على عواهنها من دون أدلة وإثباتات حتى الآن، إلا إذا اعتبروا مثلاً أن "جرابيل" الإسرائيلى الأمريكى الساذج هو دليلهم على التآمر على الثورة، وإجهاضها، رغم أنهم أفرجوا عنه، واستبدلوه بمساجين جنائيين كانوا فى إسرائيل. كيف لهذا العالم الذى دعم الثورة، بما فيه أمريكا، عندما قال أوباما لمبارك الرحيل الآن يعنى الآن، وليس فى سبتمبر، أن نتهمه هكذا بأنه ضد الثورة المصرية؟. بالمناسبة هو نفسه العالم الذى حارب القذافى لحماية الشعب الليبى من مجازره، وتحريره من طغيانه، وهو نفس العالم الذى خاصم بن على فى تونس عندما أيقن أن ما يجرى ثورة شعبية حقيقية، وأن نظامه يتهاوى، ورفضت صديقته فرنسا استقباله فى رحلة هروبه، وهو نفسه العالم الذى ضغط على صالح لتوقيع المبادرة الخليجية، والخروج من السلطة فى اليمن، وهو نفسه العالم الذى بما يشبه الإجماع يقف ضد الأسد، ويدعم الشعب السورى فى ثورته وتحرره من طاغية ستالينى، فى مجلس الأمن، والجمعية العامة، ومؤتمر أصدقاء سوريا.. والعالم هنا يضم العجم، والعرب، بما فيه السعودية صاحبة أقوى صوت ضد الأسد، ووقفت ضد القذافي، وحسمت تنحى صالح، وهى من نتهمها بأنها تناوئ الثورات العربية.. علينا أن نتوقف عن حديث المؤامرة، وعن الطرف الثالث، واللهو الخفي، لأن ذلك كله أوهام موروثة نتخلص بها من عبء المسئولية، ونلقيها على الآخرين المجهولين.

العسكرى فى هروبه الدائم للأمام، واستمتاعه بلعبة المؤامرة عليه، وعلى البلد، والثورة، لا يريد الكشف عمن يرتكبون الجرائم المتسلسلة، ويكدرون الأمن، وينشرون الفوضى، فهل هو لا يعرفهم فعلاً، أم أنه يعرفهم ولا يريد الإشارة إليهم؟ وفى الحالتين فهى مصيبة تتطلب محاسبته، ورحليه سريعًا جدًا.. والجنزورى بعد أكثر من شهرين على توليه المسئولية تعود البلاد معه إلى الخلف، ويشهد عهده مجزرة بورسعيد، ويتدهور الأمن، ولا تتحسن الأوضاع الاقتصادية، والمعيشية، ويحاول إخفاء عجزه فى الأداء، وفى كبر سنه، باتهام أطراف خارجية مجهولة لا يفصح عنها بأنها تعاقب مصر على القيام بالثورة، وكانت أدلته هى: خروج 10 مليارات دولار بعد الثورة وحتى الآن، ووجود تعليمات للبنوك الأجنبية العاملة فى مصر بعدم تحويل أى عملة صعبة إليها من الخارج، ومنع استيراد الموالح والبطاطس، وعدم الالتزام بوعود المساعدة من العرب، والغرب.

والحقيقة أنه كلام لا يليق، ولا يعد دليلاً على معاداة العالم المزعومة لنا، والمفارقة أن فلاديمير بوتين، رئيس حكومة روسيا، الذى سيصبح الرئيس قريبًا أجاب مسبقًا قبل أيام على الجنزورى عندما قال: لا ندرى مع من نتعامل فى مصر، إن وضعها معقد؟ وهو محق، فمن يحكم، ومن يدير، ومن هو صاحب القرار فى مصر؟ بل نحن المصريين لا ندرى كيف يدار البلد، ومن يعبث فيه، رغم أن العسكرى يملك الأجهزة، التى يفترض أن يكون لديها كافة المعلومات والإجابات.

الـ 10 مليارات.. كيف خرجت يادكتور جنزورى؟ أنا أعلم أن الاقتصاد الحر الذى تتبناه مصر يتيح لأى مستثمر أن يحول ما يشاء من أموال.. فهل الأموال تم تحويلها قانونًا خوفًا من انهيار الأوضاع، أم ماهى وسيلة خروجها بالضبط، ولماذا؟.عليك أن تشرح ولا تترك الأمر غامضًا.

أما منع استيراد الموالح والبطاطس، فأنا لم أتوقف عن التهام البرتقال والليمون المصرى فى بلد خليجي، ولا أطمئن لمبالغات الجنزورى، وغالبًا فإن المصدر المصرى لا يحترم اشتراطات التصدير من جودة المنتج، والتغليف، وخلافه، لذلك ترفض رسائله، أو يحظر التعامل معه، وفى عهد مبارك كانت أوروبا تمنع استيراد البطاطس بسبب مرض العفن البنى.

وبالنسبة للمساعدات، فمن هو العاقل الذى يرمى أمواله فى بحر هائج مثل مصر الآن، عندما تهدأ، وتظهر ملامح نظامها السياسى الجديد، ويكون هناك أمن، ورئيس وحكومة منتخبين فإن الاستثمار سيأتى وهو مطمئن.. المصرى نفسه يهرب من الاستثمار فى بلده، فهل يتوقع أن يفعلها العربى، أو الأجنبى؟

الجنزورى يقول إن مصر لن تركع أبدًا مهما كان الأمر وسوف تعبر مصر من عثرتها المالية.. شكرًا يا دكتور.. لكن كفى ابتزازًا للمشاعر الشعبية، أنت عدت إلى الحكومة واستعدت كرامتك، وتحدثت حتى الملل عن الظلم الذى تعرضت له فى عهد مبارك، وأظنك قمت بتصفية كل حساباتك القديمة، فماذا تريد أكثر من ذلك؟ لكنك للأسف تتبع نفس منطق مبارك الذى تهاجمه وهو أنك تعتبر الحياة فى مصر توقفت فى أكتوبر 99 بعد خروجك الحكومة، مثلما كان مبارك يعتبر أن الحياة كانت متوقفة قبل أن يأتى للحكم فى أكتوبر 1981.

يئسنا منكم جميعًا، لا صحة، ولاتعليم، ولا وظائف، ولا أمن، ولا محاربة فساد، ولا صراحة، ولا أمل فى الغد، فارحلوا جميعًا، واتركوا البلد لمن يريد أن يعمل من دون نظرية المؤامرة اللعينة من عبد الناصر، إلى العسكري، والجنزورى.!

[email protected]

 

 

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 29 مشاهدة
نشرت فى 4 مارس 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

305,673