طه خليفة | 03-03-2012 14:22

كادت عبارة "مصر لن تركع" أن تكون مدخلاً لنشيد وطنى جديد من فرط استخدامها الفترة الأخيرة من جانب المجلس العسكرى والجنزورى، وفى الحقيقة أن مصر ركعت سريعًا فى قضية محاكمة الأمريكيين المتهمين بالتمويل غير الشرعى لمنظمات المجتمع المدنى. العسكرى وحكومته اتخذا موقفًا قلنا إنه وطنى وكريم ويؤكد معنى السيادة واستقلال القرار حتى لو كان فى مواجهة الأمريكان، وقلنا إننا نشعر لأول مرة- منذ أن قال السادات إن 99% من أوراق اللعبة بأيدى أمريكا- أننا لسنا تابعين للبيت الأبيض وأن مصيرنا لا يتم تقريره فى دهاليزه وأننا بدأنا نسير على الطريق الصحيح بعد ثورة 25 يناير، وحتى لو كانت تلك القضية سياسية ومفتعلة ومبالغ فيها واصطنعها المجلس العسكرى لنفسه لإشغالنا عن قضايا أخرى داخلية أهم ولجعل المصريين يصطفون وراءه، باعتباره يصحح أخطاءً كبيرةً وقع فيها النظام السابق وتتعلق بالسيادة والكرامة الوطنية، وأن مصر بعد ثورة يناير لن تكون قبلها أبدًا، وأن شعار المرحلة سيكون ليس "ارفع رأسك فوق أنت مصرى" فقط، بل ارفع رأسك فوق فأنت ند لأمريكا ولن تكون تابعًا لها، وأن المصالح المتبادلة والمتساوية والمتكافئة هى التى ستحكم العلاقات بين البلدين فى العهد المصرى الجديد، حتى لو كانت قضية التمويل أخذت أكبر من حجمها ووضعها مقابل ضبط العلاقة مع الأمريكان فلم يكن هناك مانع أن نساير المجلس العسكرى وندعمه فى هذا الطريق، لكن أن يتراجع المجلس سريعًا ولا يصمد فى موقفه وفى إكمال ملف القضية ويُصدَر قرارٌ بعد أول جلسة برفع حظر السفر عن الأمريكان الذين يحاكمون، فهذه خيبة أمل وطنية كبرى، لأن ذلك يعنى أن يغادر الأمريكان ولا يعودوا وتنتهى القضية إما بالحفظ أو تتحول إلى جنحة كما حصل.

من أصدر قرار رفع الحظر؟.

المفترض أن القضية فى أيدى القضاء وهو الوحيد صاحب الحق فى التصرف فيها ولا يمكن أن يتورط القضاء فى قرار كهذا بالمخالفة للقانون، بل إن هيئة المحكمة تنحت - قبل يومين من قرار رفع حظر السفر- عن نظر القضية وثبت بعد ذلك أن القضاة استشعروا حرجًا من ضغوط ستمارس أو مورست عليهم أو أن هناك تدخلات أو إملاءات ستفرض أو فرضت عليهم فأرادوا الاحتفاظ بكرامتهم وضميرهم المهنى وصون العدالة وقرروا التنحى.

قرار قضائى مغلف بالسياسى مثل هذا لا يملك إصداره إلا المجلس العسكرى فهو الذى يحكم البلد وهو صاحب الأمر والنهى، وثبت أن الحكومة بلا صلاحيات حقيقية وليس لديها اختصاصات رئيس الجمهورية كما سبق وقال الجنزورى عقب تكليفه رسميًا إنما كان ذلك مجرد كلام لتهدئة الرافضين له أو أن المجلس طمأنه ثم سحب منه الصلاحيات ولا أظن أن العسكرى بعقليته التى خبرناها فى إدارة البلاد لأكثر من عام يمكن أن يتنازل عن السلطة للحكومة ويظل هو متفرج، ولذلك فإن التخوفات من أن العسكرى لن يسلم السلطة كاملة أو أنه لن ينسحب تمامًا للثكنات بعد انتخاب الرئيس هى تخوفات فى مكانها ويؤكدها مسار الأحداث كما يؤكدها رفضه تكليف حزب الحرية والعدالة صاحب الأغلبية فى البرلمان بغرفتيه "الشعب والشورى" بتشكيل حكومة ائتلافية جديدة من الأحزاب الفائزة فى البرلمان لمحاولة إنقاذ البلاد التى تتدهور أوضاعها ولم تتحسن مع حكومة الجنزورى غير القادرة على الفعل والإنجاز فى ملفى الأمن والاقتصاد التى جاءت من أجلهما.

ليس مطلوبًا الدخول فى معارك مع أمريكا بل كسب ودها وتعميق الصداقة معها والاستفادة منها فهى القوى العظمى النافذة فى العالم، كما أنه ليس مطلوبًا فى نفس الوقت معاداتها لأن ذلك لن يفيد بقدر ما سيضر إنما مطلوب تصحيح العلاقة وضبط الكفتين المائلتين لتصبحا متوازنتين بين بلدين لكل واحد منهما مصالحه عند الآخر، فأصعب شىء على النفس أن نجد كمصريين قرارنا دومًا مرهونًا بالضوء الأمريكى سواء كان أخضرَ أم أحمرَ، وهذا ما كان يزعجنا منذ ألقت مصر نفسها فى الحضن الأمريكى وخصوصًا فى عهد مبارك.

كانت محاكمة الأمريكيين بنزاهة وعدالة مدخلاً للعلاقة الصحيحة الجديدة حيث يجب ألا يكون على رأس الأمريكى ريشة لو خالف القوانين المصرية مثلما أن المصرى يؤخذ بالشدة لو خالف القانون الأمريكى، لكن أداء المجلس العسكرى فى تلك القضية كان مخالفًا لكل الآمال ويكشف أنه وجه آخر لمبارك ونظامه مما يتطلب التعجيل برحيله وقطع الطريق عليه عن التدخل فى إدارة البلاد بعد استكمال التحول الديمقراطى وأن يكون دور الجيش هو الدفاع عن حدود وتراب البلاد فقط وأن يبقى مؤسسة وطنية حامية للبلاد دون التأثير فى صنع القرار أو التدخل فيه إلا ما يتعلق بدوره ووظيفته فقط وأن يكون تحت الرقابة البرلمانية.

لا أدرى كيف يفكر المجلس العسكرى وكأنه يتعمد حشر نفسه فى زوايا ضيقة وفقدان مؤيديه وداعميه وترجيح مواقف منتقديه بأنها كانت صائبة. كان يمكنه حل قضية الأمريكيين بشكل أفضل عن ذلك بأن تأخذ القضية مجراها ثم طرح فكرة التسوية على القوى الحزبية والسياسية والبرلمان ليكون قرار الخروج منها شعبيًا ومشرفًا ولا يتضمن ركوعًا أو سجودًا لأمريكا بهذا الشكل المهين.

[email protected]

 

اشتراكك في خدمة أخبار المصريون العاجلة على الموبايل يصلك بالأحداث على مدار الساعة

لمشتركي فودافون : أرسل حرفي mo إلى 9999 ـ الاشتراك 30 قرشا لليوم
لمشتركي اتصالات : أرسل mes إلى 1666 ـ الاشتراك 47 قرشا لكل يومين (23.5 قرشا لليوم)

 

 

اضف تعليقك
الاسم :

عنوان التعليق:

التعليق:

أرسل التعليق

تعليقات حول الموضوع

مصر تركع

يوسف محمد عيد | 04-03-2012 02:27

مصر لن تركع أبدا بفضل من الله تبارك وتعالي فهي في رباط الي يوم الدين وصاحب القرار هو الذي ركع -أقصد- أنبطح

 

 

مصر سجدت ولم تركع

مني يوسف | 04-03-2012 01:02

منهم لله كل من أعطى لنا بارقة امل علي اننا لن نركع . واستخفوا بنا وشحنونا علي ان القضاء لابد ان يأخذ مجراه وأسهموا في سرد الاتهامات سواء كانت حقيقة او افتراء حتي اصبحت لدينا رؤية ورأى علي اننا علي حق وأننا سنبدأ بأمريكا. ثم نصون كرامتنا مع دول الخليج . للأسف من سمح لنفسه كشف العذرية علي بناتنا قد سمح لأمريكا ان تكشف عذرية الشعب المصري كله بما فيها ولاة أمورها. ٥٠ مليار دولار دفعتها امريكا لتنقذ مواطنيها . وولاة أمورنا باعوا كرامة مصر كلها مقابل هذا المبلغ . لا حول ولا قوة الا بالله

 

 

لقد ظهر الامر واضحاً

واه مصراه | 03-03-2012 21:13

قد وضح الامر لماذا تأخر المحاكمات وترك العابثون فى هذا البلد وماذا قد يحدث فى المحاكمات النظام السابق

 

 

خيبة أمل

المهاجر | 03-03-2012 19:43

أشعر بالاحباط وخيبة الأمل .. اعتقدنا أن مصر بعد ثورتنا العظيمة ستنزع ثوب التبعية والخذلان الذي كساها به مبارك وعصابته ..وستشمخ برأسها في السماء وتعود لمكانتها الطبيعية قلب العروبة النابض ...ولكن واأسفاه ...موقف المجلس العسكري مخزي ومخجل في كثير من القضايا الداخلية والخارجية..

 

 

تصحيح العنوان

نانسي | 03-03-2012 17:20

بل مصر تنبطح و للأسف الشديد.نشعر بغصة في الحلق, و مهانة شديدة, كنا نشعر أن المجلس فعلا خيرا حين امتنع عن مهاجمة الثوار, و لكن بعد الموقف الأخير فقد كل رصيده في نفوسنا,و لابد من رحيله في الموعد المحدد دون تأخير يوم أو بعض يوم!أحسسنا-بإحساس كاذب-أننا إستردينا كرامتنا التي أهدرها الطاغوت,و لكن للأسف إكتشفنا أنه إحساس كاذب ؛و لهذا لابد من إيجاد جيل جديد ذي تفكير بناء لا ينتمي لشرق و لا لغرب, للأسف الشديد أن المجلس كان يمكنه الدخول إلى التاريخ من أوسع الأبواب , ولكن إنبطح و دفعنا للإنبطاح معهم.

 

 

مصر لن تركع ... ولكن لا مانع من السجود !!!!!!!

احمد محمود | 03-03-2012 16:56

طالما ان مصر ما زالت قابعه في قيود هؤلاء المتخلفين .. فلن يكون فقط ركوع وسجود .. ولكن ستقوم بعمل عجين الفلاحه ان طلب منها ذالك طالما بقي علي سدة الحكم فيها من كسرت اعينهم وكان بقائهم مرتبط برضاء المخلوع !! اللهم ولي امورنا خيارنا و طهرنا من المنافقين الخائنين الذين يعرفون الخوف من كل شئ الا الخوف منك يا عزيز ذو انتقام ...

 

 

كيف للجيش ان يحمى البلاد بدون سلاح

د/محمد فتح الله | 03-03-2012 16:35

ومعلوم للجميع ان تسليح الجيش المصرى من الالف للياء تسليحا وتدريبا وصيانة وقطع غيار وكل شئ يتعلق بالتسليح .وكان ذلك بسبب ان المخلوع وسلفه قتيل المنصة قد وضعوا جميع مقدرات مصر العلمية والاقتصادية وو....و...وكل شئ يتعلق بالأمن القومى للبلد فىحجر أمريكا .وأعتقد أن قرار المجلس العسكرى فى هذه القضية - بعيدا عن العواطف - هو قرار استراتيجى فى صالح أم مصر القومى.علينا أولا العمل بكل ما أوتينا من قوة للتخلص من تلك التبعية لأمريكا وبعدها نعاملها الند للند.

 

 

هذه الفضيحة يجب أن تطير فيها رؤوس كبيرة

أم رحــــــــاب | 03-03-2012 15:36

وليست المصيبة فيما حدث فقط ولكن في تجاهل الشعب وممثليه تماما حتى من شرح لماحدث. كأن البلد عزبة أبو من اتخذ هذا القرار أيا كان. والله زهقنا من الساقية القلابة النفسية دي

 

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 41 مشاهدة
نشرت فى 4 مارس 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

305,676