قُطوفٌ من هامش السيرة { الفصل السابع عشر } المَراضِع
أقبلَ المَراضِعُ( جمع مُرْضع )وأزواجُهُنَّ من بادِيَةِ بنى سعد بن بكر إلى مكة. يلتمسون الرُّضَعاءَ أبناءَ السادَةِ والمُتْرَفين(الأغنياء)فى قُرَيْش ويبتغون بذلك فَضْلَ مالٍ ونافِلة(عطاء وزيادة)من نعيم. وأخذنَ يعْرضْنَ أنفُسَهُنَّ على دُور الأغنياءِ، وأهلِ الثراءِ ومنازل السادةِ وأصحابِ الشرَفِ. وما هى إلاَّ طَوْفَةٌ فى الضُّحَى على بعض المنازلِ والدور حتى وجَدَتْ كُلُّ واحدةٍ مِنهُنَّ َرضِيعا من أُسْرَةٍِ كريمةٍ مُوسَِرةٍِ. فامتلأتْ يَدُها بالمال ونفسُها بالأمَلِ والأمْنِ على قُوتِ عِيالِها. إلاَّ حَليْمة بنت أبى ذؤيْب(السعدية). فإنها عادتْ إلى زَوْجِها كئيبة مَحْزونة لا تحملُ إلاَّ ابنها الهزيلَ النحيلَ الذى يصيحُ فى غيرِ انقطاع لِشِدَّةِ ما مَسَّهُ من الظمَإ والجُوع.ـ.فكانَ زوْجُها أكثرَ منها حُزْنا أن ترْجِعَ بغير رَضِيْع..فقالتْ حَليْمَة لم أجدْ سِوَى رَضيْعٍ يتيم ليْسَ لهُ أبٌ يرْعاهُ فَصَدَدْتُ عنْهُ كبقِيَّةِ المُرْضعاتِ.ـ.(فهو إلى أُمِّهِ وجَدِّهِ) وما لإرْضاعِ اليتامَى والمساكين أقْبلنا مِنْ دِيارِ بنى سعد.ـ.وهَمَّت المراضِعُ بالعوْدَةِ إلى الدِّيارـ فحزنت حليمة إن ترْجِعَ بِغيْر رَضيْع. وقالت لَعَلِى أخْطَأتُ حينَ أعْرَضْتُ عن هذا اليتيم.وإنَّ قَلْبى لَيَعْطِفُنى عليه وأشْعُرُ كأنه يَدْعونى . فقال زوْجُها:: اذْهَبى إلى يَتيمِكِ فخُذِيْه فإنى أكْرَهُ أن يرْحَلَ القوْمُ ونَبْقى .ـ. فعادت حليمةُ إلى آمِنة وأخَذتْ ترْجوها، وآمِنَةُ تمْتنِعُ فقد آذاها إعْراضُ المَرَاضِعِ عن اليتيم.ـ.وأخيراً أسْرَعَتْ حَلِيْمة إلى اليتيم ترْفَعُهُ وتُدْنيْهِ من صَدْرها فإذا الطفلُ يلْتَمِسُ الثَّدْىَ كأنما كان مِنْهُ على مِيْعاد!!!! وتجِدُ حليمة مِنْ لبنها ما لم تجِد من قبل بما يكْفى الطِّفْلَيْن وأكثر
استجابت لها آمنةُ بعد أن رأت من حُبَّها للطفل ومن إقْبال الطفل عليها. وقالتْ آمنة لحليمة::إنى لأرْجو أن تَجِدى مِنْهُ خيرا كثيرا فلقد حَمَلْتُهُ فما وَجَدْتُ لهُ ثقلا وما أحْسَسْتُ مما يُحس النساءُ من آلام الحمل والولادة ولولا موْتُ أبيه لكانت أشْهُرُ حملِهِ أسْعَدَ أيامى .ـ.وعنْدَ ولادَتِهِ غَمَرَنى بَحْرٌ مِنَ النور كُلُّهُ رحْمَة وبِرٌ ورِضْوان.ـ.وعادت حليمة باليتيم وما إن رَآهُ زوْجُها حتى قال: ما رأيْتُ قبلَ اليوم وجْها يفيضُ مِنْهُ الِبشْرُ مثل هذا الصَّبى . وإنى لأرْجو أن يكونَ هذا الطفلُ بَشِيْرَ خَيْر .ـ.
ويجْرى اللبَنُ فى ضِرْع الشَّارف(الناقةـ أُنثى الجمل)فيشربُ الزوجُ وتشْرَبُ حليمة وكان ضِرْعُ الناقة قد جف. وهذه أولُ بَرََكاتِ اليتيم فقد كان اليتيمُ لهما نَسْمَة مُباركة.ـ.ثم تُسْرعُ الأتان(أنثى الِحمار)بحليمة والطفلين وتُسْرِعُ الشارفُ(أنثى البَعير)بالزوج ـ وكانتا قبْلُ ضعيفتين هزيلتين ـ كأنما تُطْوَى لهما الأرضُ طيْا ـ فتصِلَ حليمة وزوجُها إلى الدِيار قبْلِ الرَّكْبِ الذى سبقهما فى المَسِيْر .ـ.وتواصل حليمة حياتها فى دِيار بنى سعد المُجْدِبَةِ لكن الخيرَ يشملُ هذه الأرضَ التى لم تعرف إلاَّ الجدبَ وقِلَّة الماء، وكْثرُة البُؤسُ والشقاء فأغنامُ حليمة وزوجها تسمنُ ويكثُرُ لبنها ـ وحليمة تُرْضِعُ الطفلين ويفيضَ لبنها .ـ. ثم تعودُ حليمة إلى آمنة بالطفل ابن العامين وكأنه ابن أربع .ـ. ثم تبكى وتتوسل إلى آمنة أن تَرُدَّ الطفل معها إلى البادية لينشأ هناك حيْثُ الهواء النقى فلا مرض ولا وباء.
وتعودُ حليمة بالطفل إلى البادِيةِ راضيةً . وتبْقَى آمنة فى مكة محْزونةً لِفِراقِهِ وتنظُرُ (بَرَكَةُ) إلى حليمة حاسِدَةً . وتنْظُرُ إلى آمنة لائمة . فلم تَعُدْ تُطِيْقُ صَبْرا على فِــــــراق ابنهــــــا محمـــــــد... فماذا عن شــــأن جمــــاعة الزُّوار الذين هبطوا من الســـماء فشـــقوا صدره وغســـلوه بالثلج لا بالمـــــاء. لقاؤنا مع زُوَّار من الســــماء
عبد القدوس عبد السلام العبد .. موبايل 01092255676
ساحة النقاش