فأولاً: القول بأن التبرك ما كان الصحابة يقصدون به النفع ، هو قول باطل ، فقد قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (الجزء12 صفحة 599(:
"والماء الذي توضأ به النبي صلى الله عليه وسلم هو أيضاً ماء مبارك ، صب منه على جابر وهو مريض ، وكان الصحابة يتبركون به."
ثانياً: إن المخالف الذي يقول بأن التبرك مخصوص بحياة النبي صلى الله عليه وسلم فقط وأن التبرك بعد مماته شرك إنما هو يكفر الصحابة وهو لا يدري ، ففي صحيح مسلم أن الصحابية الجليلة أسماء بنت أبي بكر قالت لعبدالله بن كيسان:
"هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأخرجت إلى جبة طيالسة كسروانية . لها لبنة ديباج . وفرجيها مكفوفين بالديباج . فقالت : هذه كانت عند عائشة حتى قبضت . فلما قبضت قبضتها . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبسها . فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها."
ويعلق على هذا الحديث الإمام النووي (صاحب الكتاب الشهير رياض الصالحين) في شرحه على صحيح مسلم بقوله:
"وفي هذا الحديث دليلٌ على استحباب التبرك بآثار الصالحين وثيابهم."
وهاهي أم المؤمنين أم سلمة تعالج الناس من العين والأمراض بماء يلامس شعرات النبي صلى الله عليه وسلم ففي الصحيحين (البخاري ومسلم) عن عثمان بن عبدالله بن موهب قال:
"أرسلني أهلي إلى أم سلمة بقدح من ماء ، فجاءت بجلجل من فضة فيه شعر من شعر النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان إذا أصاب الإنسان عين أو شيء بعث إليها مِخضَبة. قال: فاطلعت في الجلجل فرأيت شعرات حمراء."
لقد كان التبرك بعد ممات النبي صلى الله عليه وسلم من عادة الصحابة والسلف الصالح رضوان الله عليهم ، فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم يتمسحون ويتبركون بكل ما يتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ففي طبقات ابن سعد عن يزيد بن عبدالله بن قسيط:
"كان أصحاب رسول الله إذا خلا المسجد جسوا رمانة المنبر التي تلي القبر بميامنهم ثم استقبلوا القبلة يدعون".
وكان ابن عمر رضي الله عنه يضع يده على مقعد منبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم يضعها على وجهه ، كما ذكره ابن سعد في طبقاته عن عبدالرحمن بن عبدالقادر.
ولم يكن هذا التبرك مخصوصاً بالصحابة فقط وإنما لكل مسلم ، قال ابن تيميّة في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم (الجزء 1،صفحة 367):
"فقد رخص أحمد [ابن حنبل] وغيره في التمسح بالمنبر والرمانة التي هي موضع مقعد النبي صلى الله عليه وسلم ويده."
وسيف الله المسلول خالد بن الوليد كان يفتخر بحفظه لشعرات النبي صلى الله عليه وسلم في مقدمة خوذته والتي بها كان ينتصر في المعارك ، فقد روى الحافظ ابن حجر في المطالب العالية عن خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه قال:
"اعتمرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة اعتمرها فحلق شعره فسبقت إلى الناصية فاتخذت قلنسوة فجعلتها في مقدمة القلنسوة فما وجهت في وجه إلا فُتح لي." وفي رواية: "فلم أشهد قتالاً وهي معي إلا رزقت النصر." (ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (18/79))
وحينما جاء التابعون كانوا على قدم صدق في اتباع الصحابة رضوان الله عليهم ، فكانوا يتبركون بالصحابة وأماكن ملامستهم للنبي صلى الله عليه وسلم بل ويقبلون الأعين التي رأت الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فقد روى أبو يعلى (وأخرجه الحافظ ابن حجر في المطالب العالية (2/111)) عن ثابت البناني قال:
"كنت إذا أتيت أنسًا يخبر بمكاني فأدخل عليه فآخذ بيديه فأقبلهما وأقول: بأبي هاتان اليدان اللتان مسّتا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقبّل عينيه وأقول: بأبي هاتان العينان اللتان رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم."
 


ويستدل الإمام الحافظ الذهبي - وهو أحد تلاميذةالشيخ ابن تيمية – بهذه القصة على جواز التبرك بأي شيء يتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى ولو كان تراب قبره صلى الله عليه وسلم ، فقد قال في معجم شيوخه (في ترجمة شيخه أحمد بن عبدالمنعم بن أحمد أبو العباس القزويني الطاوسي):
"وقد سئل أحمد بن حنبل عن مس القبر النبوي وتقبيله فلم ير بذلك بأساً ، رواه عنه ولده عبد الله بن أحمد . فإن قيل : فهل فعل ذلك الصحابة؟؟ قيل: لأنهم عاينوه حياً ، وتملوا به وقبلوا يده ، وكادوا يقتتلون على وضوءه ، واقتسموا شعره المطهر يوم الحج الأكبر ، وكان إذا تنخم لا تكاد تقع إلا في يد رجل فيدلك بها وجهه ، ونحن لما لم يصح لنا مثل هذا النصيب الأوفر ترامينا على قبره بالالتزام والتبجيل ، والاستلام والتقبيل ، ألا ترى كيف فعل ثابت البناني؟! كان يقبل يد أنس بن مالك ويضعها على وجهه ويقول: يد مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ هو مأمور بأن يحب الله ورسوله أشد من حبه لنفسه وولده والناس أجمعين ، ومن أمواله ومن الجنة وحورها . . ."
نعم لقد كان التبرك بكل ما اتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم عند التابعين أحب إليهم من الدنيا ومافيها ، ففي صحيح البخاري عن ابن سيرين قال:
"قلت لعبيدة [السليماني – هو أحد كبار التابعين-] عندنا من شعر النبي صلى الله عليه وسلم أصبناه من قِبل أنس أو من قِبل أهل أنس فقال: لأن تكون عندي شعرة منه أحب إليّ من الدنيا وما فيها."
وقد كان إمام السنة أحمد بن حنبل وغيره من السلف الصالح من شدة محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم كان كل همهم التبرك بكل ما ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويستنفعون ويتداوون به ، فقد ذكر الإمام الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء (11 / 212) مانصه بأن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال:
"رأيت أبي –أي أحمد بن حنبل- يأخذ شعرة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فيضعها على فيه يقبلها وأحسب أني رأيته يضعها على عينه ويغمسها في الماء ويشربه يستشفي به ورأيته أخذ قصعة النبي صلى الله عليه وسلم فغسلها في حب الماء ثم شرب فيها ورأيته يشرب من ماء زمزم يستشفي به ويمسح به يديه ووجهه ".
ثم يعلق الإمام الذهبي على هذا الكلام متهماً أولئك الذين ينكرون التبرك بأنهم متنطعة وخوارج ومبتدعة ، حيث يقول:
"قلت: أين المتنطع المنكر على أحمد وقد ثبت أن عبد الله سأل أباه عمن يلمس رمانة منبر النبي صلى الله عليه وسلم ويمس الحجرة النبوية فقال: ((لا أرى بذلك بأسا)) ، أعاذنا الله وإياكم من رأي الخوارج ومن البدع ."
هذا عن التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ماذا عن صالحي المسلمين؟ هل يجوز التبرك بهم أم لا؟ إن التبرك ليس مخصوصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم وإنما بكل مسلم صالح ، فالنبي صلى الله عليه وسلم نفسه الذي هو كله بركة كان يتبرك بما لامسته أيدي الصحابة ، فقد روى الطبراني في الأوسط -وذكره الشيخ الألباني في سلسلته الصحيحة (5/154) برقم ( 2118) وحسّنه- عن ابن عمر أنه قال:
"قلت يا رسول الله, أتوضأ من جرّ جديد مخمّر أحبّ إليك, أم من المطاهر؟ قال: "لا, بل من المطاهر, إن دين الله يسّر الحنيفية السمحة". قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث إلى المطاهر فيؤتى بالماء فيشربه , يرجو بركة أيدي المسلمين".
وقد قال الإمام النووي في شرحه على حديث تبرك الصحابة بوضوء النبي صلى الله عليه وسلم (وذلك في شرحه على صحيح مسلم 14/44):
"ففيه التبرك بآثار الصالحين واستعمال فضل طهورهم وطعامهم وشرابهم ولباسهم."



"باب ذِكْر ما يُستحبُّ للمِرء التَّبركُ بالصالحينَ وأشباهِهم"
وقد بَوّبَ الحافظ ابن حبان في صحيحه باباً بعنوان:إن المنكر للتبرك إنما هو يظن بأن التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بغيره إنما هي عبادة لهم وغلو فيهم ، ولم يفرق هذا بين مجرد التبرك والعبادة ، فلو كان التبرك عبادة لمنع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه من التبرك ولما شجعهم على ذلك ، ومن يظن بأن مجرد التبرك أو التشفي عبادة فإنه يطعن في إيمان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين بل ويطعن في صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم ، فالعبادة هي الاعتقاد بألوهية من تعبده ، وأما التبرك فإنه مجرد طلب النفع مع الاستشعار والاعتقاد بأن المعطي والمانح في الحقيقة هو الله تعالى ، وهذا مثله مثل شخص يذهب إلى الطبيب ليشفى من المرض ، فإن المريض إنما يكون اعتقاده بأن الطبيب نفعه إنما هو من الله في الحقيقة ، وأما إذا اعتقد المريض الشفاء من الطبيب على وجه الحقيقة فإنه بذلك أشرك ، وهذا بالضبط هو مفهوم النبي صلى الله عليه وسلم و صحابته ومن تبعهم في التبرك ، مثله مثل الاستشفاء بالطبيب أو الدواء والتي كلها مخلوقات ، فمن أنكر النفع والضر من المخلوق (فكلنا مخلوقات ننفع بعضنا بعضاً بإذن الله) فإنما هو مبتدع مخالف لمنهج السلف ، وما أقول هنا إلا ما قاله الإمام الذهبي: أعاذنا الله وإياكم من رأي الخوارج و من البدع ، آمين.
وصلى الله على حبيبنا وسيدنا وشفيعنا محمد وآله وصحبه وسلم
الحافظ ابن كثير والتبرك بذات الصالحين
قال ابن كثير في البداية والنهاية
(فيها نفذ الشيخ أبو إسحاق الشيرازي رسولا إلى السلطان ملكشاه والوزير نظام الملك، وكان أبو إسحاق كلما مر على بلدة خرج أهلها يتلقونه بأولادهم ونسائهم، يتبركون به
ويتمسحون بركابه، وربما أخذوا من تراب حافر بغلته، ولما وصل إلى ساوة خرج إليه أهلها، وما مر بسوق منها إلا نثروا عليه من لطيف ما عندهم، حتى اجتاز بسوق الاساكفة، فلم يكن عندهم إلا مداساة الصغار فنثروها عليه، ف قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في حديث عتبان بن مالك الانصاري رضي الله عنه:
"وفيه التبرك بالمواضع التي صلى فيها النبي –صلى الله عليه وسلم- أو وطئها. قال: ويستفاد منه أن من دُعي من الصالحين ليُتبرك به أنه يجيبُ إذا أمن الفتنة" .
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله-:
"والمراد أنه كان من اشتكى أرسل إناء إلى أم سلمة، فتجعل فيه تلك الشعرات وتغسلها فيه، وتعيده، فيشربه صاحب الإناء، أو يغتسل به استشفاء بها فتحصل له بركتها". "فتح الباري" (١٠/٣٠٣))
يقول ابن الحافظ ابن حجر العسقلاني رأيت سالم بن عبد الله يتحرى أماكن من الطريق ويصلي فيها ويحدث أن أباه كان يصلي فيها قال ابن تيميّة في كتابه المسمّى اقتضاءالصراط المستقيم،الجزء 1،صفحة 367.
فقد رخص أحمد وغيره في التمسح بالمنبر والرمانة التي هي موضعمقعدالنبي صلى الله عليه وسلم ويده  مجموع فتاوي ابن تيمية : (الجزء12 صفحة 599)
واذا كتب شيئ من القران أوالذكر في إناء أولوح ومحي بالماء وغيره , وشرب ذلك فلا بأس به – نص عليه أحمد وغيره , ونقلواعن ابن عباس رضي الله عنهماأنه كان يكتب كلمات من القران والذكر ويأمر بأنتسقىلمن به داء وهذايقتضي أن لذلك بركة .
والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 110 مشاهدة
نشرت فى 26 يناير 2016 بواسطة abdelfatahdroes

عبدالفتاح درويش

abdelfatahdroes
»

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

6,783