موقع الدكتور عباس علام

للبحوث والدراسات التربوية

دواعي تطوير المنهج

 

هناك مجموعتان من الأسباب تؤدي إلى تطوير المناهج و هي :

 

المجموعة الأولى - أسباب ترتبط بالماضي :

 

أولاً - سوء و قصور المناهج الحالية : عندما تجمع كل الآراء و التقارير على سوء المناهج الحالية فإن عملية تطوير المناهج تصبح أمراً ضرورياً . و يمكن الحكم على سوء و قصور المناهج الحالية من خلال : نتائج الامتحانات المختلفة التي يؤديها التلاميذ : و هذا يدل على نوعية و صلاحية المناهج المتبعة و كلما ساءت النتائج كلما استدعى ذلك تطوير هذه المناهج .

1)  تقارير الموجهين و الخبراء و الفنيين : فإذا أجمعت غالبية التقارير التي يعدها الموجهون على سوء جوانب المنهج المختلفة نتيجة للزيارات الميدانية التي يقومون بها في المدارس ، خاصة إذا تم صياغه التقارير بموضوعية تامة ، فإن ذلك يستدعي عملية التطوير .

2)  هبوط مستوى الخرجين بصفة عامة : إذا تبين هبوط مستوى الخرجين في كافة التخصصات فإن ذلك في حد ذاته يعتبر دافعاً قوياً لإعادة النظر في المناهج و تطويرها .

و إذا افترضنا مثلاً أن خريجي الجامعات ينبغي أن يكتسبوا مهارات بحثية معينة تسمح لهم بالتصدي لمواقف و مشكلات معينة و لم نجد ذلك ، فإنه ينبغي تطوير مناهج الإعداد الجامعي بما يؤدي إلى تحقيق المخرجات المطلوبة .

4)  نتائج البحوث : في حالة إجراء البحوث المختلفة على جوانب المنهج المتعدد فإن نتائج تلك البحوث و خاصة إذا أظهرت النتائج قصوراً جوهرياً في المنهج فإنها تؤدي إلى ضرورة تطوير هذا المنهج ، و يجب في هذه الحالة أن تكون هذه البحوث مبنية على أساس علمي ، متنوعة ومختارة وفقاً لخطة عامة مدروسة و متفق عليها من قبل المسئولين .

5)  الرأى العام : إذا ما ظهر أن الرأى العام بقطاعاته المختلفة يشكو مر الشكوى من المناهج الحالية ، و خاصة إذا ما دعمت هذه الشكوى بالحجج و الأسانيد و الأدلة و البراهين فإن ذلك يدفع إلى الإسراع بعملية التطوير ، و خاصة إذا دخلت وسائل الإعلام المختلفة مثل الإذاعة و التليفزيون و الصحافة ..... على شرط أن تدعم شكوى الرأي العام بآراء المتخصصين و ذوى الفكر المهتمين بالعمليه التربوية .

 

ثانياً - التغيرات التي تطرأ على التلميذ و البيئة و المجتمع و المعرفة و العلوم التربوية :

 

فالتلميذ يتغير و البيئة التي يعيش فيها التلميذ دائمة التغير ، و كل تغير في أحد عناصرها يؤدي إلى تغير في كافة الوسائل الأخرى ... إن التكنولوجيا الحديثة قد عملت على زيادة سرعة هذا التغير بدرجة لا يتصورها العقل ، و استطاعت المنجزات التكنولوجية أن تجعل الإنسان قادراً على تجاوز الحدود و العقبات التي لم تكن حواسه الطبيعية قادرة على تجاوزها من قبل ، و أصبح على الإنسان العصري أن يتفاعل مع بيئتة بالمعني الجديد و أفاقها المتجددة وفق مفاهيم جديدة ، ذلك أن التطور الهائل أوجد قنوات اتصال دائمة و أتاح انفتاحاً مستمراً على ثقافات الآخرين .

كما أن المجتمع الذي ينتمي إله التلميذ في تغير مستمر : من حيث النظم السياسية و الاقتصادية  و الاجتماعية ، و ما يعانيه من أزمات أو مشاكل أو حروب ، قيمه و اتجاهاته . كما أن المعرفة هي الأخرى تتغير ، فكل يوم يأتي إلينا بالجديد مما يبتكره الإنسان بفكره ، فالنظريات تتغير ، و المعلومات تتزايد ، و الاكتشافات تتلاحق و الابتكارات تتوالى و نحن نعيش عصر الانفجار المعرفي و الثقافي ، و هذا التطور الهائل من المعارف الإنسانية قد أجبرفكرة ثبات المعرفة على الاختفاء من قاموس التربية العصرية ، و من هنا أصبح تقديم كميات هائلة من المعارف على مدى سنوات للمتعلم على صور مواد دراسية دون مراجعة أو تطوير متناقض مع ما تتميز به المعرفة من تطوير واسع و شامل .

 و العلوم التربوية بدورها في تغير مستمر ، فهي تتغير وفق ما يطرأ على المجتمع من تغيير ، و نظريات التعلم تتغير وفقاً لما تقوده إلينا نتائج البحوث ، و طرق التدريس هي الأخرى تتأثر بهذا و ذلك فالمجتمع يتغير ... و التربية تجد نفسها في دوامة التغير ، لانها نشأت لكي تخدم المجتمع و تساهم في تحقيق أهدافه ، و من هنا فمفهوم التربية المستمرة من أبرز المفاهيم التي دخلت حديثاً إلى ميدان التربية بحيث تعتبر صيغة أساسية كفيلة بأن تقدم مبدءاً للتوجيه و التجديد الشمولي للتربية ، و يؤكد على استمرار تعليم الفرد طوال حياته ، و لا يستطبع ذلك دون أن يكون حريصاً على نموه الواعي الكامل ، و يشير أيضاً هذا المفهوم إلى أن العالم يعيش عصراً جديداً هو عصر التفكير المستقبلي الذي يستهدف نزع الشكلية عن المناهج ، و يدعوا هنا إلى الأخذ من مفهوم التربية بقدر ما يناسب الظروف و الإمكانيات الواقعية و تبعاً لمراحل تطورنا و ليس الأخذ به ككل و حدة متكاملة .

التغير في المنظومة الأكبر : كما نعمم أن منظومة الثقافات الإنسانية و الإقليمية و الثقافة القومية و النظام التعليمي في تغير مستمر ، و أن هذه التغيرات تستوجب إحداث تغيرات في المنهج حتي تستطيع أن يواكبها ، و من أمثلتها : نتائج البحوث في التربية و علم النفس ، ظهور نظريات علمية جديدة ، ظهور وسائط جديدة للتعلم ، ظهور صناعات جديدة ...

كما تناولها اللقاني تحت عنوان ( التجديدات التربوية ) ، و نتيجة للتطور الكمي و الكيفي للمعارف الإنسانية و الانفجار السكاني و انفجار الآمال و التطلعات و خاصة في الدول التي لا تزال تاخذ بالاتجاه ( الموسوعي ) في بناء و تطوير مناهجها ، و قد شمل التجديد أهداف ووظائف المؤسسات التعليمية و أساليب التنظيم .... و قد أسفر ذلك عن ظهور مفاهيم و تجديدات و ثيقة الصلة بالمناهج مثل : تفريد التعلم و التعلم الذاتي و التعليم الموازي و التعليم بالفريق و التعليم المبرمج و التعليم بالمراسلة ، و كلها تدور حول تركيز الاهتامام حول الفرد كمحور للنظام التعليمي من حيث علاقتة بعملية التجديد ، و كذلك الجماعات و علاقتها بهذه العملية ، و مع ذلك فمناهجنا بعيدة عن مثل هذه التجديدات .

 

ثالثاً : عدم اتساق مكونات المنهج ( المنظومات الفرعية للمنهج ) :

 

     لعلنا نجد أن محتوى المنهج أو طرق التدريس المتبعة في تنفيذه أو أساليب تقويم المنهج لا تتفق مع الأهداف الموضوعة له ، فقد يكون الهدف تنمية مهارة عملية بينما تعتمد طريقة التدريس على الدراسة النظرية ، و من هنا يستوجب التلاحم بين العلم النظري و التطبيقي ، و بين النظرية و التطبيق و ذلك من منطلق توظيف العلم في حل المشكلات التي تواجه الإنسان في الحياة اليومية ، و من هنا ينبغي أن يقيم الفرد عمله على أساس من التخصص العلمي مما يتيح له التعرف على كل مستحدث يمكن أن يثري العمل و يرفع مستوى الجودة و الكفاية فيه ، و في هذا الإطار يبدو أن كل متخلف عن متابعة التطورات العلمية و التكنولو جية سيصيبه نوع من العجز و التجمد المهني مهما كان مستواه .

و من هنا بدأت الدول المتقدمة في البحث عن أساليب و صيغ جديدة لمناهجها تربط فيها بين العلم و العمل و النظرية بالتطبيق .

 

رابعاً - سيادة المنهج العلمي في شتى مجالات الحياة :

 

     إن ما نلمسه من تطورات علمية كل يوم يرجع بالدرجة الأولى إلى التزام العلوم الطبيعية بالمنهج العلمي في البحث و الدراسة ، و تعداه إلى مجالات العلوم الأخرى ، و بالتالي ينبغي إكساب المواطن الاتجاه العلمي في النظر و التفكير في كل مشكلاته الحياتية علي المستويين الفردي و الاجتماعي و أصبح أمراً حتمياً ، و ذلك لأنه يشكل جانباً جوهرياً في التكوين النفسي للمواطن العادي ، و من هنا فإن ما تحتويه المناهج المدرسية من حقائق و معارف لم تعد غاية في حد ذاتها و إنما أصبحت سبيلاً لتكوين هذا الاتجاه العلمي .

 

 خامساً - زيادة التشكيك فيما درج عليه التعلم لفترة طويلة :

 

     لقد أدى تفجر المعرفة و الحاجة لبحوث متخصصة و عديدة حول بناء المنهج و تطويره ، و لعل أبرزها أثير حول جدوى الحقائق و المعارف المتناثرة و التي تحتويها المناهج و علاقتها بالتغير في الأداء في الإتجاه المطلوب ، و ما أثير حول مدى تنويع المناهج بحيث تواجه الأهداف المختلفة للتربية ....    ومن ثم أجريت دراسات و بحوث عديدة أسفرت عن إسقاط العديد من المناهج لوقت طويل ، و خاصة فيما يتعلق باختيار خبرات المنهج و مستواها و أسلوب تنظيمها و تقويم التعلم .

 

المصدر: كتاب تخطيط وتطوير المنهج للدكتور عباس علام
  • Currently 78/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
25 تصويتات / 1348 مشاهدة
نشرت فى 5 ديسمبر 2010 بواسطة abbasallam

ساحة النقاش

دكتور عباس راغب علام

abbasallam
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

368,168