عندما يواجه النظام الرسمي العربي انتفاضات شعبية تطالب بالتغيير، وانهاء ديكتاتوريات القمع والفساد، فان علينا ان نتوقع اياماً صعبة قادمة للمؤسسة التي تمثله، والمقصود هنا جامعة الدول العربية. السيد عمرو موسى امين عام الجامعة اعلن امس اثناء افتتاح المجلس الوزاري العربي لمناقشة الاوضاع في ليبيا، ان هذا آخر اجتماع سيشارك فيه بصفته هذه، لان مدة توليه الامانة العامة للجامعة تنتهي رسمياً مع نهاية شهر آذار/مارس الحالي. رحيل السيد موسى عن الجامعة، وفي مثل هذا التوقيت، ودون وجود بدائل واضحة، سيضع مستقبل الجامعة، كمنظمة اقليمية، في مهب الريح، لان الحاجة اليها تتقلص بشكل متسارع. فمن غير المعقول ان تصل موجات التغيير الصاخبة الى الانظمة وتتوقف عند بوابتها. فمؤسسة القمة العربية التي تعتبر المؤسسة الاعلى رسمياً، وتمد الجامعة باسباب قوتها، بل واستمرار الحاجة اليها، تعاني من تآكل متسارع، فكل قمة عربية تعقد تأتي اضعف، واقل اهمية من سابقتها، ليس فقط بسبب انخفاض مستوى الحضور والمشاركة، وانما ايضاً بسبب ضعف القرارات وانفضاض الاهتمام الشعبي والاعلامي تجاهها. وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم المذكور قرروا تأجيل انعقاد القمة المقبلة المقررة في بغداد مع نهاية هذا الشهر لمدة شهرين، اي الى شهر ايار/مايو المقبل. ولكن من المشكوك فيه انعقادها في هذا التاريخ، لانه لا احد يستطيع ان يتنبأ بالشكل الذي ستكون عليه المنطقة والزعماء الذين سيشاركون فيها، وما اذا كانوا سيشاركون اساسا ام لا، لان الصحوة الشعبية قد تطيح بعدد منهم قبل حلول موعدها. نحن هنا لا نتحدث عن مدى صلاحية العاصمة العراقية لاستضافة القمة رغم اهمية هذه المسألة، وانما عن جدوى اجتماع هذه القمة، وطبيعة النظام العربي الجديد الذي يتبلور تدريجيا من وسط مظاهرات الاحتجاج الصاخبة في اكثر من عاصمة عربية. ومن المفارقة ان العاصمة العراقية نفسها تشهد ثورة شعبية صاخبة تريد تغيير النظام الحاكم والمنبثق من رحم الاحتلال الامريكي ومشروعه السياسي. فالشعب العراقي ادرك انه تعرض الى خديعة كبرى عندما رحب قطاع مهم منه بالاحتلال الامريكي ووعوده بالديمقراطية وحقوق الانسان والرخاء الاقتصادي، ليكتشف بعد ثماني سنوات ان هذه الوعود مجرد سراب، فقد تحول العراق الى دولة فاشلة تحكمها مجموعة طائفية، وينعدم فيها الامن وابسط انواع الخدمات الاساسية من تعليم وطبابة. السيد عمرو موسى سيترك جامعة عربية مهلهلة ليست لها علاقة باسمها، ولا حتى تاريخها، وربما يكون قد اختار الوقت المناسب للقفز من هذه السفينة الغارقة على امل خوض انتخابات الرئاسة المصرية والفوز فيها، وهو طموح مشروع ما كان يتحقق لولا الثورة الشعبية المصرية المباركة. تجربة السيد موسى في الجامعة كانت غير وردية على الاطلاق، تعرض خلالها لاهانات عديدة ابرزها واقعة السيجار المعروفة، وما رافقها من احراجات على يد امير الكويت الحالي الشيخ صباح الاحمد عندما كان وزيرا لخارجية بلاده. كما لا ننسى خلافه مع دولة الامارات لرفضه عرض قرار اماراتي على مؤتمر القمة الذي عقد في آذار/مارس عام 2003 برحيل الرئيس صدام حسين. هناك انجازات، ولكنها قليلة للغاية، ولابد ان السيد موسى سيتنفس الصعداء عندما يغادر مقر الجامعة للمرة الاخيرة في الايام القليلة المتبقية من فترة ولايته. |
ساحة النقاش