القرد السعيد

 

قفصي كالقصر

فيه قضبان من رخام

وأخرى من ذهب

هو خلوتي

وسط الزحام،

ومكان شغلي والطرب

 ومقر إقامتي، 

ومسالك الترحال

في البر والبحر

في عالم الحقيقة

والخيال.

 

 

كل يوم يحل

تغمرني السعادة

سعادةٌ ربانية

فيما الحاسد يطل

من نوافذ قرمزية

ويصيح بلا هوادة :

"أنت في قفص مُذل

تنقصك السيادة

لا أرض تُداس

ولا سقف يظل.

ولست أبا فراس

أو نلسون مندليه

تطأ عنق العبودية

وما أرى على صدرك قلادة

تُنيرُ شمسَ الحرية!"

 

هذه أحكامٌ غيرُ بريئة

أَن ترى الباطنَ من سلوكٍ ظَهَر

أو تسوّي أخلاقَ القرود 

بما يليقُ بالبشر!

أليست هذه خطيئة!

فهذه القضبان لنا نادٍ مثالي

تفصيلُها وأحجامُها تروق لي،

والسعر غير موجود

والوقت ممدود.

طعامي ما لذّ من الخضار وطاب 

والفاكهة سائِغة هنيئة

ومن المُعصرات الشراب.

حياتي كما رسمها الطبيب.

 

هنا في شعاع الشمس أتنعّم،

أرقدُ وأضطجعُ وأقومُ في دلال 

وفي خاطري تترسّم

شواطئُ أُحضرت من هواي

وبعضُها من جُزر القمر

فما حاجتي للشاطئ والرّمال

كُفيتُ وعثاء البحث والسفر.

وفي الشتاءِ أفرحُ بالمطر، 

ماء من السماء

عذبٌ نقي

وأنتشي في حمام الطبيعة كما أشاء.

وأمام ناظري

ترقصُ الحريةُ في سرور

وتنسجُ مع العدل 

حلةً يلبسُها التاريخُ ويبتسم:

ما أحلى عيشَ القرود!

 

 نعم تزأر الأسود قربي بلكنة ملكيّة،

 أصداؤها تهز قاعات الخلائق.

 والنسور تحلق بأسرابٍ بهيّة،

 ترسم في الفضاء أصناف البيارق.

لكن

هل لديهم، مثلي، راعٍ ذو بصيرة؟

يراقبني بالليل والنهار ويُحصي

لي كلَّ صغيرةٍ وكبيرة

بقصدِ حفظي من شرِّ نفسي!

أراني على سلّمِ الكائنات فوقهم.

وهل يعذرُني البشر 

إن أسمعتُ همسي:

 مكاني على السلمِ دونهم!

 ربّما في قولي هذا تَمختُر.

 

وماذا علينا إن كُمِّمتِ الأفواه؟!

فالسيدُ أدرى بحالنا

ونثقُ جدا بمبتغاه 

 في لبسِ الكمامةِ حماية،

 إذ أكون معافى من الأمراض،

فلا أستنشقُ أنفاسَ جلّاسي

ولا يُجبرُ أحدٌ أن يحتملَ أنفاسي .

 وشرعا سأغدو بريئا من النميمة،

 شعاري الصمتُ كنز من ذهب.

 

  فأنا يا سادة

قرد متواضع ومبارك

وزيادة،

لا أشكو، ولا أتكبر

رغم امتيازاتي العديدة:

فأنا سليل كليلة ودمنة. 

زارني السادات وكيسنجر

وعشت مع مجموعة فريدة

إذ طارت إلى مدغشقر

ويقال في كتبنا في النبوءة 

 إن أولادي كانوا في الطليعة

عندما رفضوا حكم البشر

وأسسوا كوكب القرود،

وأنا المقصود

عندما الأمهات السعيدة

يفخرن بينهن إن أتى المولود 

فيقلن: ابنك أشبه بالقرود!

 

بلسان طلق اسمحوا لي أن أعترف،

 أن تلك نبوءة كاذبة في كتاب مزيف،

 وهذا ما يسميه الإغريق

 الخطأ المأساوي.

 

في هذا العالم الجميل 

حيث يختفي الزيف والتقليد،

ويتقاسم الجمهور الأمل النبيل، 

 أجد نفسي، أنا القرد السعيد،

أهيم بالتحليق،

 هذه قضبان الرخام تزيح وتكشف عن ضوء في الأفق الفسيح.

 أفرد جناحي، لتطير الروح،

 وفوق الغيوم سماء ليس لها حدود.

 

جمال اسدي

                              ١٥/١٢/٢٠٢٣

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 76 مشاهدة
نشرت فى 3 يناير 2024 بواسطة Yasmenmostafa

عدد زيارات الموقع

88,346