ومن اسراري التي يعلمُها جميعُ من يعرفُني أني كثيرُ الاحلام. وأتعامل معها كأحداثٍ حقيقية. فإن زرتُ صديقا بالحلمِ أسقطه عن نفسي بالواقع. ومن أغرب ما حدث لي كان قبل أيام إذ زارتني عائلةٌ من صغار الماعز من العالم العلوي في بيتي. ما كنتُ من أحفاد سيدنا سليمان عليه السلام او من رفاق د. دولتل لكي اتحدث بلسانهم ولكنهم عُلِّموا منطق العرب وأجادوا لغتنا بصورة مذهلة رغم حداثة سنّهم، حتى أنهم يقرضون الشعر العربي مثل معظم الشعراء الأفاضل. (وسأطلعكم على فحوى الحديث في مناسبة اخرى). وقد انتهى اللقاء بطلب من صغيرهم "فحلون" تعذر عليّ رفضه ألا وهو نشر بلاغ له على حساب ألفيس خاصتي. 

قد قبلتُ فاشهدوا: 

 

بلاغُ الجَدْيٍ "فحلون" من العالمِ الآخرِ

 

يا نـفسُ صبـرًا يُـواري خَـيْـبَـةَ الأمَـلِ

مَتى سَأعلو وَيَخبو الجَمرُ في الـمُقَـلِ

 

يـا ليتَ حِضْـنـي تَـراءى ملجَـأً دَفِــئًــا

يُسلي مَشيـبًا كليلًا من دُجى الـوَجَـلِ

 

أو صارَ صدري جِنانًا من ثَـرى قُـدُسٍ

تُـؤوي صِغـارًا أُذيـقـوا عَـلـقـمَ الأكُـلِ

 

أمّــاهُ عُـذرًا فـعـارُ الـصَّـمـتِ زلـزَلـَنـي

وَصَمْـتُ عَـيْــنـيكِ زلـزالٌ مَـدى الأزَلِ

 

الضبعُ يَـغـزو حِمَى قَلبي ويَـمـحَـقُـهـا

فالـدّارُ زالتْ ومـا زالــتْ عُـرى الـنُـزُلِ

 

والجَـديُ يَرنو إلى القطعانِ يسـألُـهــا:

ما الذَّنبُ كي أسكنَ الأجداثَ في عَجَلِ؟

 

هل اشتـروني كما الأنـعامِ فـي بَخِـسٍ 

أم صارَ قَدْري لَـدى التجارِ كـالـدَّقَــلِ؟

 

ما نـمـتُ يومًـا قـريـرَ الـعينِ مبـتهـجًـا

فوقي شُواظٌ، عَوى، أعْتى مِنَ الجَـملِ

 

ومن نَواحي المَدى هَـولٌ يُـقـطِّـعُـنـي

إِرْبـاً على كـومـةِ الأنـقـاضِ والـكــتَـلِ

 

قد كنتُ أرجو بـنـاءَ المـجدِ من صِـغَـرٍ

وأمـتـطـي غيـمــةً تـجــري إلـى زُحَـلِ 

 

وجـالَ في الفــكـرِ أحـوالٌ بِـهـا نــظـرٌ

ما شكلُ أهلي وهلْ أدري لظى القُبَلِ؟

 

ومـا يــقـولُ رِفـاقـي إن عَــتـا قَـدَري

وصـارَ مَوطئ رِجـلـي ذُروةَ الــجـبَـلِ 

 

في بـَطـنِ أُمّي حياتـي عِـنوةً بُـتِـرت

والـمَـعزُ تَـجـثو بحُجْرِ الـذُلِّ والوَحَـلِ

 

ما جئتُ أشكو مخازي خِـصْيَةٍ كَـمَدًا

إذْ كيفَ أنـخو جُـموعَ الآبـقِ الـنَّـذِلِ؟

 

إنـي جَــحـيـمٌ لأهـلـيـكُـم ولَــعـنَـتُـكُـم 

يا وَيْـلَ مـن كانَ خَصمَ اللهِ والرُسـلِ!

 

لـولا قـضاءٌ مـن الـرحمـانِ يُـلـزمُــنـي

جَـفـوْتُ قُـطعـانَ قَومي غَيرَ مُنـفَـعـلِ

 

وتـبــتُ فــورًا إلى ربِّ الــسَّـمـــا ذلـلًا

قَـد يَـصفحُ الإنسُ عنّي سالفَ العَـمَـلِ

 

جمال اسدي

19-12-20232

حقا ،كما قال بعض اصدقاء ألفيس، إن "فحلونَ" مخلوق متحدث يبهر السامع بقصصه واسلوبه ولباقته. ولما سالتُه عن سرِّ إتقانه الأَخَّاذ لصنعة الشعر العربي الكلاسي وهو من جمهور الماعز، ابتسم واخبرني ان الأمر يجري في العائلة. إذ كان ابوه "كبشون ابن أم موزة عنزة بنت لوزة،" من فحولِ الشعراءِ في العصر الاخطل الأول. نعم! مثلكم اصدقائي، أعطيتُه نظرةَ المصدوم وأُذنَ المستغرب. فضحك وقال إنّ العرفَ لديهم ان ُتكنّى الأمُ (وهي رب البيت) على اسم ابنتِها البكر وإن الجميع يُدعَون لإمهم وليس لآبائهم على عكسِ عاداتِ العربِ. ولشدة حبهِم للشعبِ العربي خصوصا المعاصر ، كانوا يُسمون فتراتِهم التاريخيةِ باسمِ شعراء العرب الأفذاذ. فعصرُ الاخطل الأول لديهم من افضلِ العصور واكثرِها ازدهارًا. ولكن تاريخُهم حافلٌ بالمؤامرات والخداع والمكر. قال وكأني استمع لسيدنا جعفر عليه السلام وهو يحاجج إبن العاص في حضرة النجاشي : "على عكس العرب الان، نحن نعبد الكبش ، ونأكل اللحم ، ونفعل الفاحشة، ولا نصل الرحم، أو نحسن الجوار، ويأكل الذين استكبروا منا الضعفاء. وقد حاول والدي من خلال الشعر ان ينصح قومنا ليتّبعوا عادات العرب والمسلمين فلم يفلح." ثم تلا علي احداها فحفظتها عن ظهر قلب.وما كنت يوما فخورا بعروبتي واسلامي مثل ذلك اليوم. واستسمحته ان انشرها على الملا فقبل.

 

 

نصائح الحكيم "كبشون"

 

رُق لـحــالــي يــا أنــيـسـي إنَّ بـِـي

كُـربـةُ الـمُـضْـنى وبَـلـوى الـوَصِـبِ

 

هــاجَ شَـوقي لــريـــاضٍ أيـنَــعَــت

فـي نـواحــيـهـا غــراسُ الـعِـــنَـبِ

 

وتَـرى الــنّـخـلاتِ فــجَّ طَــلــعُــهــا

بـــثـــمـــارٍ أَبْــلَــجَــت كَــالـلـــهَـــبِ

 

ونَــســيــمٌ هــبَّ مــنــهـــا حــامِــلا

فـي ثـنــايــــاه عَـبِـيــرَ الـطـــِيــَبِ

 

تــمــطِــرُ الـمــزنُ عـلـيــهـــا رِقَّــة

فـاحــتَـفَـــتْـهــا رَوضــةٌ مــن أدَبِ

 

وَصـلاةُ الــطَّـيـرِ فــي أطـرافِــهـــا

تــســلــبُ الـلــبَّ بِــلــحْـــنٍ عــذبِ

 

خـَلِّ عـَنـكَ الغمَّ من خـطـبٍ مَضى

إنّ نـيـلَ الـشَّـدوِ صَعـبُ الـمطـلَـبِ

 

رافــقِ الــجـوادَ لَــــدِنًـــا تَــلــقَــــهُ

مُطعمَ الـجَوعى فـسيـحَ السَّـبـْسَبِ

 

ذو كــفــوف يــزخـرُ الــنَـفْــعُ بــهــا

بَـــيــرقٌ يـَسمو بصَــدْرِ الـــمَــوكِـبِ

 

لا تـُسِـىء للـجارِ واحفـظْ عـرضَـهُ

إنَّ حـــقَّ الــجــارِ عَــدلُ الــذَّهَــبِ

 

إنَّ مَــجْـدَ الــمـرءِ فـي أفــعــالِــهِ

لا لــعِـرقٍ يَــعـلـو أو مِـن نَــسَـــبِ

 

رفْــقـــةُ الــمَكَّــارِ إهـــمـــالاً كَــمَـن

يـولـجُ الــكَــفَّ بــجــحـرِ الــعَـقْـرَبِ

 

حَـبّــذا لو تَـسـمَـعوا مـا قَـد جَـرى

مـن حكـايـا لـم تـرد في الـكـتــبِ

 

عـن حـمـارٍ عـاشَ فـي بـحـبـوحـةٍ

يـَـتَـغَـــذَّى فــي مَــراحٍ مُــعـشِــبِ

 

فـأتـى الـثـعـلـبُ يــومّـا نــاصِـحًــا 

أوَمــا أضـنــاكَ حـمـــلُ الـحـطَــبِ

 

تــخــدمُ الأســيـادَ دونَ كَــرامــةٍ

تـخـشى ضَـبـعًـا رابِـضًا أو ذِئــبِ

 

فــأبــوكَ كـــانَ دَمِــثًـا خُــلــقُـــهُ

طـيّـبَ الأصـلِ عَظِيمَ الـمَـنـصبِ

 

أجـمَـعَ الأصحـابُ أنَّـكَ مُــنــشِــدٌ

صـوتـُك الصُدَّاحُ عـذبُ الـطّـربِ

 

فــغَــدًا تـــأوي إلــى قـصـرٍ بــــهِ

مـسـبـغُ الأُكُـلِ مـريءُ الـمَــشـربِ

 

ســارَ لـلـقصـرِ سَــعـيــدًا فَــبـــدا

أسَــدٌ يَــزهــو بــلَــبِــدٍ أَشـْــهَـــبِ

 

صـــاحَ : يــا ويــلاهُ هٰــذَا أسَــــدٌ

واخـتفَى ما بـين دغلِ الـقَــصَـبِ

 

لَــحِــقَ الـــثَّــعـلـبُ فـــيـهِ مُــنْـذِرًا

سـوف يـأتي الـذئـب إن لم تَــؤبِ

 

فــادنُ لا تَــخْــشَ فـهٰـذا شَيـخُُنـا

سـيّـدُ الــقـَـومِ الــكِــرامِ النـُجِـــبِ

 

قـفِـلَ المـسـكـيـنُ يـَعــدو راجِـعًـا

لـم يـكـنْ يَــدري بـمـكـرِ الـثَّـعـلـبُ

 

كَـشَّـــرَ الـضّـرغــامُ عــن أنـيـابـه

مـزَّقَ الأحـشـاءَ هَـتـكُ المــخـلَـبِ

 

ويــحَــهُـــم لـــمَّـــا رَأوه هــالِـكّــا

حــلـَّلــوا دمَــهُ بــدونِ مُـــسـبـِّـبِ

 

فـاتَّــقِ الــغَــدّارَ واحـــذرْ مـكـرَهُ

طَــبـعُــهُ الــلـؤمُ وقـبـحُ الـكَـذِبِ

 

 لا تُــؤَمِّـلْ مـن لـئـيمٍ نُـصـرةً 

غَـيـمُـهُ يَــزهـو بــبَـرقٍ خُـلَّـبٍ 

 

واهجُرْ ابنَ الـضَّبعِ دومًـا طَـبعُــهُ

سـيٌّءُ الـخُـلُـقِ وضـيـــعُ الــرُّتَــبِ

 

يضـمـرُ الـشـرَّ ويُـــبـدي ضِــدَّهُ

فـي نِـفــاقٍ يـا لــهُ مِـن وَغْــبِ

 

أيُّـهــا الـسّــاعـي إلـى ضَرّائِـنـا

عـنَّــا عَــيـنُ الـلـهِ لا لَـم تَــغِـبِ 

 

فــاتَّـقِ يَـومًـا عَــبُـوسًـا وارعَـوِ

فـي صِراطِ الـحـقِّ جدُّ الـطَّلَـب

 

جمال اسدي

28/12/23

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 199 مشاهدة
نشرت فى 3 يناير 2024 بواسطة Yasmenmostafa

عدد زيارات الموقع

88,304