مُعَلَّقَةُ الجُماعي
قِصَّةُ القلب
* بطلُ القصة: كلُّ قلبٍ صدوقٍ نابضٍ بالحُبِّ والمودةِ والرحمةِ, عامرٍ بالخير والصلاح, مشرقٍ بالإيمان والهدى والتقى والطهر والعفاف والنقاء ..
* عالي المقام الأول هو: العطف والرحمة.
* عالي المقام الثاني هو: الحب والصلاح والسلام.
* عدد الأبيات : 121 بيتا من بحر الخفيف ..
للشاعر: جمال الجُماعي
اليمن
18 يوليو 2023م..
* نَصُّ المُعَلَّقة :
ـــــــــــــــــــــــــ
قِصَّةُ القلبِ مُذْ رأى في المنامِ
أنَّ شمسَ الضحى وبدرَ التمامِ
في حناياهُ, والكواكبَ جمعًا
طائراتٌ من حولهِ كالحمامِ
قال مفتي القلوبِ: رؤياكَ حَقٌّ
فاكتُمِ الحُلمَ عن جميع الأنامِ
لا تقُصَّنَّ ما رأيتَ لقلبٍ
خيفةَ الكيد من قلوب اللئامِ
طِيبةُ القلبِ, نُبْلُهُ ليس يرضي
كلَّ قلبٍ مُمَرًّغٍ في السَّقامِ
حين يَلقَون طَيِّبَ النبضِ يحظى
كلَّ قدرٍ و رفعةٍ و احترامِ
يا كريمًا, حذارِ إنَّ زمانًا
أنت فيهِ زمانُ غير الكرامِ
للفؤادِ النبيلِ كادت قلوبٌ
وتنادت لهُ بجنح الظلامِ
قال جمعٌ من القلوبِ: اقتلوهُ
وأذيقوهُ من كؤوس الحِمامِ
قال قلبٌ هو الأحَنُّ: اهجروهُ
مِبضَعُ الهجرِ مثلُ حدِّ الحسامِ
ثُمَّ ألقَوهُ في غَيابَةِ هجرٍ
دون وصلٍ ولو بردِّ السلامِ
وهوَ في جُبِّ هجرِهِ دون صَحبٍ
مَرَّ عامٌ عليهِ أو بعضُ عامِ
دون عطفٍ ودون ذنبٍ جناهُ
يحتسي القهرَ وهوَ طاوٍ و ظامِ
في دجى الليلِ قام لله يدعو
ضارعًا في سجودهِ والقيامِ
رَبِّ صُنِّي وخذ بكفي, فأوحى
إن مولاكَ للمنيبينَ حامِ
ساقَ مولاهُ مَن حواهُ بعطفٍ
ذاتَ نبضٍ شدا بأحلى كلامِ
مَرَّ نبضانِ بالفتى وهوَ يشدو
يا لَإشراقةِ الفؤادِ الغلامِ !!
كيفَ يُلقَى غيابَةَ الهجرِ قلبٌ
طاهرٌ, نبضُهُ كشدوِ حَمامِ؟ !
أخرَجاهُ مِن جُبِّهِ وهوَ مضنىٌ
مُثقَلُ النبضِ بالجراحات دامِ
ثم قالا لهُ: نجوتَ, فهاجر
عن نفوسٍ وعن قلوبٍ لئامِ
لقلوبٍ تفيضُ حُبًّا وعطفا
وحياةٍ تعيشها في سلامِ
في مزاد القلوبِ باعوهُ بخسا
هاكمُ العرضَ, من لأحلى غلامِ؟
فتبارى لنيلِهِ كلُّ نبضٍ
وتلاقى عليه فوجُ الزحامِ
كلُّ نبضٍ يزيدُ شيئًا ليحظى
بفؤادٍ صفاؤهُ كالغمامٍ
ذاك ألفًا وذاك ألفينِ هذا
خمسةً زادَها لِفضِّ الخصامِ
إذ بعالي المقامِ نادى بحزمٍ
هاتِهِ تلك عشرةٌ بالتمامِ
خذهُ يا أيها العزيزُ هنيئا
لك أزكى تحيتي وسلامي
سار في رفقةِ العزيزِ عزيزًا
وعلى الثغر منهُ حلوُ ابتسامِ
قال عالي المقامِ: فلتكرموهُ
ولتنادوهُ بابنِ عالي المقامِ
شَبَّ في نعمةٍ وراحةِ نبضٍ
و هوتهُ القلوبُ حَدَّ الغرامِ
شاكرًا للإلهِ في كل نبضٍ
شُكرُ نُعمى الإلهِ سِرُّ الدوامِ
بعد ما كان فوق صخرةِ جُبٍّ
صار مثواهُ فوق ريش النعامِ
بعد هجرٍ من القلوبِ وصَدٍّ
نالَ بين القلوبِ أعلى مقامِ
لم يكدر صفاهُ غيرُ قلوبٍ
مشركاتٍ باللهِ رب الأنامِ
عن إلهِ السما تولّت سجودا
وانحنت عند صخرةٍ أو رخامِ
عن هدى اللهِ مدبراتٍ, لَواهـٍ
بمتاعٍ و زينةٍ و غرامِ
مقبلاتٍ على محبةِ دنيا
وهواها بنشوةٍ واهتمامِ
نبضُها الحقدُ, طبعُها الكبرُ, هذا
فوقَ عرشٍ, وذاك تحت الركامِ
ذاك عبدٌ حقيرُ شأنٍ, وهذا
سَيِّدٌ تنحني لهُ كُلُّ هامِ
ظلَّ يدعو للحب للخير فيهم
للمساواةِ, للهُدى, للسلامِ
و مُناهُ و هَمُّهُ أن يلاقي
مثلَ أهل القصورِ أهلَ الخيامِ
كم قلوبٍ من حُبهِ قد أجابت
دعوةَ الحُبِّ والصفا والوئامِ
وقلوبٌ تفيضُ حقدًا عليهِ
كيف يدعو لوحدةٍ والتحامِ؟!
وهمُ السادةُ العظامُ, عجيبٌ
أوَ قدرُ الصغارِ مثل العظامِ؟ !
تنفُثُ السحرَ والضلالاتِ, تنوي
شَرَّ غدرٍ بهِ, وشرَّ انتقامِ
حاربوهُ بكل جُهدٍ لتبقى
دولةُ التِّيْهِ والهوى في دوامِ
وقلوبٌ في حُبِّهِ هائماتٌ
راودتْهُ عن عشقهِ والهيامِ
غلَّقَت عن ملاذهِ كلَّ بابٍ
ورمت كلَّ هيبةٍ واحتشامِ
لكَ هيَّأتُ نبضَ حبي وعشقي
هيتَ يا قلبُ, زاد فيكَ غرامي
قال: حاشايَ, إنه اللهُ ربي
بين كل القلوبِ أعلى مقامي
صان نبضي من الهوى ووقاني
من طباع الخنا ونبضِ الحرامِ
ربِّ فاصرف عني هواهُنَّ وافتح
بسجودي وحق طول قيامي
سمِعَ اللهُ نبضَهُ فحماهُ
ساعةَ الكيدِ ساقَ عنهُ المحامي
حين ولَّى عن الهوى طاردَتْهُ
ثم نادت : هذا الفؤادُ حرامي
شاهدٌ قال: إنْ لهُ قُدَّ شوقٌ
من وراءٍ, فذاكَ محضُ اتهامِ
فرأَوا أنَّ ثوبَ حُبٍّ وشوقٍ
قُدَّ من خلف ظهرهِ لا الأمامِ
مثلما الأمسِ حِيكَ من خلف ظهرٍ
من وراءٍ قد قُدَّ لا من أمامِ
ثم قالت: ليُسجَنَنَّ بُعادًا
علَّ في سجنهِ بلوغُ المرامِ
قال: سجنُ البعادِ أهوَنُ مما
قد دعَوني لفعلهِ من حرامِ
بين من غُيِّبوا ولاقَوا هوانًا
كان سلوى الضعيفِ والمُستضامِ
قال قلبٌ: رأيتُ أنِّيَ أسقي
نبضَ شيخ القلوبِ كأسَ المُدامِ
فسِّرِ الحُلْمَ, قال ثانٍ: أراني
فوق رأسي للطير بعضَ الطعامِ
قال للأولِ: اغتنم ما تبقى
من حياةٍ, والصدقُ خيرُ اغتنامِ
سوف تنجو, فدع هواكَ,وحاذر
من خداعٍ ونشوةٍ من هيامِ
قال للآخَرِ: الخيانةُ شؤمٌ
خائنٌ أنت للعُرا والذمامِ
خُنتَ قلبًا لكَ اطمأنَّ وُثوقًا
سوف تُسقَى بذاك كأسَ الحِمامِ
بعد عامَينِ صار من أبعدوهُ
في مضيقٍ وشدةٍ واختصامِ
حين عالي المقامِ نادى: هلُمُّوا
فأجابوا نداءَ عالي المقامِ
قال: إني رأيتُ سبعًا سمانًا
ناحلاتٍ غدَونَ حتى العظامِ
أنَّ نجمًا نأى, وبالقرب مني
قام وحشٌ لمقتلي والتهامي
تلك رؤيايَ, فسِّروها فهذا
الأمرُ قد قضَّ مضجعي ومنامي
في صحيحِ الجوابِ أمسَوا حيارى
وغدوا في تشاجرٍ وخصامِ
ثم قالوا : في حلها قد عجزنا
تلك أضغاثُ ما يُرَى للنيامِ
وانبرى من نجا من الموت حالا
قال: فالحلُّ إن سمعتم كلامي
عند قلبٍ مطهرٍ و صدوقٍ
نبضُهُ الحب والصفا والتسامي
قام يدعو للحبِّ والطهرِ فيهم
فرمَوهُ بالإفكِ والاتهامِ
في سجون البعاد من دون ذنبٍ
دون إثمٍ عليه سوطُ الأثامِ
قال: حقا فعلتُمُ؟!, هل خرستم؟!
وأجابوهُ دون أدنى كلامِ
وتوالى الشهودُ: لم نلقَ منهُ
أيَّ سوءٍ أو نبضَ فعلٍ حرامِ
حاشَ للهِ, ما عهِدنا عليهِ
غيرَ تقوى وخشيةٍ والتزامِ
قد جنيتُم على الفؤادِ المُصَفَّى
والبراهينُ في سكوتِ الكلامِ
من رماهُ بالإفكِ سوف يلاقي
كلَّ بطشٍ وشدةٍ وانتقامِ
أحضِروه إلَيَّ حالًا فإني
في اشتياقٍ لنبضهِ واهتمامِ
جِيئَ بالقلبِ وهوَ ينبضُ نورًا
ونقاءً كقطرةٍ من غمامِ
قال عالي المقامِ لمَّا رآهُ
ادنُ مني, مقامُك اليومَ سامِ
قال: حمدًا للهِ من قد حباني
عزَّ قدرٍ هنا وأعلى سنامِ
قبل تفسيرِ ما رأيتَ رجائي
منكَ صفحًا لمن سعوا في اتهامي
لا تعاقب, فإن ربي غفورٌ
يقبلُ التوبَ من جميع الأنامِ
قال: بوركتَ من فؤادٍ كريمٍ
إنما الصفحُ من طباع الكرامِ
إنَّ رؤياكَ أنَّ سبعًا سمانًا
ناحلاتٍ غدَونَ حتى العظامِ
لم تكن قَطُّ منك أضغاثَ حُلْمٍ
واقعُ الحالِ رؤيةٌ في المنامِ
إنَّ أُولى السبعِ صِدقٌ توارى
ولهُ في القلوبِ حُكمُ انعدامِ
ثم حبٌّ في نبضها مضمحلٌّ
كاد يخفى من قبلِ عامٍ وعامِ
وصلاحُ القلوبِ ما عاد منهُ
بعد ذاك البناءِ غيرُ الحُطامِ
نبضُ عطفٍ ورحمةٍ قد تلاشى
وفسادُ القلوبِ شرُّ السَّقامِ
شوكةُ العدلِ والمساواةِ مالت
واستكانت لظالمٍ وظلامي
وانزوى الخيرُ بعد طغيانِ شَرٍّ
حين أضحى بدون راعٍ و حامِ
آخِرُ السبعِ والأمانةُ خارت
يوم نال الخؤونُ أرقى وسامِ
تلك سبعٌ ما عاد ما عاد منها
في حياةِ القلوبِ غير الأسامي
ذلك النجمُ لم يكن غيرَ قلبٍ
كان يرعاكَ تحت جنح الظلامِ
نابضٍ بالصلاحِ والحب دوما
وعن الطهر والعفافِ محامِ
بعدما غاب قام يدعو خبيثٌ
وينادي لفرقةٍ وانقسامِ
لفسادِ القلوبِ, للكُرهِ حتى
كاد يرديكَ باختلال النظامِ
قال: بوركتَ, كلُّ ما قلتَ حَقٌّ
لا ادِّعاءٌ أو رميةٌ دون رامِ
أنتَ أعلى مكانةً, فامضِ فيها
دعوة الحب والهدى والسلامِ
إنني الحبُّ والصلاحُ, هنيئًا
لقلوبٍ بيضاءَ مثل الغمامِ
نابضاتٍ بكل صدقٍ وحبٍّ
وحنانٍ ورحمةٍ ووئامِ
فانعموا بالسلامِ والحُبِّ واحيَوا
في وفاقٍ وألفةٍ وانسجامِ
وأضاءت شمسُ المحبةِ منا
كلَّ نبضٍ, وبدرُها في تمامِ
وقلوبٌ مُحَلِّقاتٌ جميعا
في سماها كمثل سرب الحمامِ
تلكَ رؤيايَ واقعا قد تجلت
مثلما قد رأيتُهُ بالتمامِ
عشتُ للحب والسلامِ وها قد
حقق اللهُ بُغيتي ومرامي
فطرةُ اللهِ في القلوبِ ستبقى
في سلامٍ ونبضُها في دوامِ
كلُّ قلبٍ بذكرهِ مطمئنٌّ
فيه نور الهدى وفصلُ الكلامِ
فاطمئنوا بذكرهِ, وتأسَّوا
بفؤادِ الحبيبِ خيرِ الأنامِ
ليس يلقاهُ غيرُ قلبٍ سليمٍ
من فسادٍ, مُبرَّئٍ من سقامِ
سامحَ اللهُ من أساءَ, لِيمضِ
دون أدنى عقوبةٍ أو ملامِ
يغفرُ اللهُ ما جنيتم فتوبوا
وإليكم محبتي وسلامي
الحنايا من كل وَجْدٍ تعافت
والجراحاتُ كلها في التئامِ
وعليكَ السلامُ من كل قلبٍ
يا شفيعَ القلوبِ يومَ الزحامِ
قلبَ طهَ يا خيرَ قلبٍ, صلاتي
وسلامي عليكَ مسكُ الختامِ
والحمدلله رب العالمين...