لا أفهم «الصغار والهزل» الذى نتعامل به مع قضية الرئيس السابق وزوجته.. اختزلنا الأمر فى أموال أخذاها، ثم هبطنا بالقضية إلى نقل مبارك من شرم الشيخ إلى طرة، ونزلنا أكثر لتصبح مَنْ يدفع فاتورة المستشفى.. وزارة الصحة تقول إنها لن تدفع، ثم يقال لنا إن وزارة العدل هى التى يجب أن تتحمل الفاتورة، ورأى ثالث يخبرنا بأن مكتب النائب العام هو الذى ينبغى عليه أن يدفع.. المبلغ أيها السادة حوالى ١٣ ألف جنيه، وفى غمرة هذا الجدل حول صغائر الأمور نسينا الأهم، وهو أن مبارك لم يساءل إلى الآن حول أى قضية من القضايا الجوهرية، لقد أقسم مبارك اليمين الدستورية حين تولى الرئاسة، وأول جملة فى هذه اليمين تقول: «أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصاً على النظام الجمهورى، وأن أرعى مصالح البلاد»، وما يجب أن يحاسب عليه مبارك هو مدى التزامه بهذا القسم، الوقائع تقول إنه حنث باليمين، وإنه كان يخون النظام الجمهورى، وطبقاً لما قاله جمال مبارك فى التحقيقات، فقد كان ينوى خوض انتخابات الرئاسة هذا العام.
وحكى الزميل الأستاذ عبد القادر شهيب فى كتابه الذى صدر هذا الأسبوع أن مبارك أبلغ القذافى وبعض حكام الخليج بأنه سوف يتنحى عن الرئاسة فى شهر مايو ٢٠١١ لنجله جمال، لنلاحظ أنه لم يضع أى اعتبار للمؤسسات المصرية، ولا للشعب ليطلعهم على هذا الأمر، باختصار ملف التوريث كان مبارك يعمل عليه هو وزوجته، وقد خدع مبارك الشعب حين قال أكثر من مرة «مصر ليست سوريا»، وإذا لم نحاسب ونحاكم مبارك على الفساد السياسى، فلا معنى لأى محاسبة غير ذلك، لم يكن مبارك موظفاً صغيراً اختلس بعض الأموال، كبرت أو صغرت، لكنه كان رئيساً للجمهورية، خرق الدستور، وأراد الانقلاب على النظام الجمهورى. صحيح أن السيدة لعبت دور المحرض الرئيسى، وأن شبق التسلط داخلها طفا على كل شىء، ويتردد أنها بعد حادث أديس أبابا تخوفت من أن تلقى المصير الذى لقيته السيدة جيهان السادات بعد اختفاء زوجها، فأرادت أن تضمن السلطة والتسلط إلى آخر يوم فى حياتها، لكن القرار والفعل كان لمبارك، ويجب أن يحاسب ويساءل على هذا الملف، محاسبة سياسية ودستورية وقضائية.
وقد ذكرت إحدى وثائق ويكيليكس، التى تعود إلى السفيرة الأمريكية بالقاهرة سنة ٢٠٠٨، أن الرئيس مبارك «أصدر قراراً» بتعيين نائب لرئيس الجمهورية، وأن السيدة زوجته علمت بالقرار، وقامت بتمزيقه، ولم يتم إلى الآن التحقيق فى هذه الواقعة.. كيف كان للسيدة أن تطلع على القرارات الجمهورية، ومَنْ كان يطلعها، وبأى حق تمزق قراراً جمهورياً، وعلى أى أساس تراجع الرئيس عن القرار، وكيف كانت تدار رئاسة الجمهورية ومن ثم الدولة.. هل كانت جمهورية الأسرة بالمعنى الضيق جداً للكلمة، أى الزوج والزوجة والابن وحواشيهم..؟!
تركنا هذه القضية وغيرها من القضايا لم نسائل أحداً ولم نحاكم أحداً، وتوقفنا عند قضية «عايزين فلوسنا»، وننسى أن استعادة الأموال المهربة تقتضى إجراءات طويلة، هذا إذا لم تكن الأموال حُولت بأسماء أخرى، وربما إلى بنوك مجهولة، فضلاً عن أن هناك بعض البنوك تعمل فى الأموال القذرة والتفنن فى تهريبها، والحقيقة أن الفساد الاقتصادى كان نتيجة الفساد السياسى، الأخير أدى إلى الأول ونتج عنه، ففى إطار تحالفات التوريث تم تقديم المغانم والعمل على تكوين فئة تكون مستفيدة من الوريث والتوريث، فتتبنى المشروع وتدافع عنه، صحيح أن السنوات الأخيرة شهدت امتزاجاً بين الفسادين، وكان كل منهما ينتج الآخر ويدعمه.
يقول رجال القانون إن القضايا الاقتصادية تنتهى غالباً إلى التصالح ورد الأموال، وهنا يتعلق الأمر بالأموال التى فى الداخل، أما التى فى الخارج فلها مسارات أخرى، وبصراحة إذا كنا نريد محاكمة مبارك من أجل قصر فى شرم الشيخ وعشرات الملايين فى البنوك المصرية، فالأفضل ألا نحاكمه، ونكتفى بأنه خرج من السلطة، أما إذا كنا نريد العدالة والحق فيما يتعلق بكرامة المصريين وكبريائهم الإنسانى والوطنى، فلابد أن يفتح ملف الفساد السياسى للرئيس السابق، وهو متخم بالكثير والكثير، وهذا ضرورى لبناء الدولة فى المرحلة المقبلة والنهوض بهذا الوطن، الذى أرادوا وعملوا على تقزيمه ليكون فى قامة جمال مبارك وغلمان التوريث، والأهم من ذلك رد الاعتبار لدماء الشهداء، الذين خرجوا يرفعون شعار الحرية والكرامة قبل أى شىء آخر.

المصدر: حلمي النمنم/ جريدة المصري اليوم
  • Currently 229/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
80 تصويتات / 907 مشاهدة

ساحة النقاش

WafaaFarag
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

459,663