لماذا لا يغادرون إلاّ في قوارب تطفو على الدم وتنشر أشرعة الآلام التي تعصف بها رياح اللعنة تنطلق من أفواه المساكين، المواطنين البائسين؟
ما جنس هذا الوحش الكامن في الوجه الآخر من السلطة؟ ما جنس هذا النهم الشرير الى تأليه الأنا في السلطان؟ وما نوع ستائر العمى التي تنزل على أعين الذين يجلسون في الطبقة العليا من الدول والمجتمعات، فلا ينزلون لمعاينة ما يجري في الطبقات السفلى. ولا تتجاسر سعادتهم على "التسلل" الى تحت لمعاينة آلام الآخرين، آلام الناس، التي منها وحدها تنبع سعادة الحكام؟!
يستطيع المرء أن يطرح طوفاناً من الأسئلة حول هذا الموضوع، لكنه لن يحصل في غالب الاحيان على أجوبة شافية. ففي مكان ما السلطة عمياء والسلطان أعمى، سواء كان ذلك في السياسة أو في الاقتصاد او حتى إدارة شركة أو مؤسسة صغيرة!
ها هو الرئيس علي عبد الله صالح يوافق على التنحي عن السلطة أخيرا، بعد مرور ثلاثة أشهر من الاعتصامات والتظاهرات وسقوط القتلى والجرحى. يوافق على مغادرة الكرسي في مقابل عدم محاكمته عن مساوئ حكمه يوم كان يحكم سعيداً لمدة تتجاوز ثلاثة عقود من الزمن، وعن سوء أعماله العنيفة والدموية يوم قال له اليمنيون التعساء: إرحل.
ها هو أخيرا يقبل الرحيل، لكن شرط الحصول على ضمان بأن يخرج الى الظل الوارف بالثروة والبحبوحة وراحة البال... نعم راحة البال، ولكن كيف ومن أين تأتي راحة البال؟!
وها هو حسني مبارك، تجاوز الفرعونية في وقت من الأوقات، وكاد أن يطير فوق قوانين الجاذبية وهو يمشي بخيلاء العظماء، يعرض الاعتذار من المصريين كي لا يقف أمام المحكمة.
وها هي أسرة مبارك تعلم ضمناً الآن كما أعلن، بأن تكسب إسقاط التهم عنها. تهم الكسب غير المشروع وتكديس الثروات في بلد عانى أهله من الفقر ويعانون، وذلك في مقابل التنازل عن ممتلكاتها وثرواتها... هكذا ببساطة سامحوني؟!
وها هو القذافي الذي قال إنه سيحارب الى آخر نقطة من دمه، يتقلب الآن من "زنقة إلى زنقة" اخرى، وقد بدأت تتسرب الى مخيلته المريضة بالتأكيد، مشاعر الحسد حتى مما آل إليه وضع علي عبد الله صالح وحسني مبارك، اللذين قد "يفوزان" بنهاية هادئة في الظل، في مقابل التنازل عما سلبوه من الناس، بينما قد لا يحظى العقيد الذي ذبح شعبه ولم يتوان عن استعمال الطيران ضده، بمثل هذا "الحظ السعيد؟!
لقد خرج زين العابدين بن علي من تونس مع زوجته التي لا تشبع، لكن كل ما في يديهما من الثروة لن يدفع عنهما عويل محمد البوعزيزي يخرج اليهما من النار التي تشتعل يومياً تحت وسادتهما.
فعلاً لماذا لا يخرجون إلاّ بالدم وعلى كف الدم وفي بحور من الدم، وما هو الشيطان الكامن احياناً في السلطة والسلطان، ليصنع هذه التراجيديا السوداء؟!
المصدر: راجح الخوري، النهار اللبنانية
نشرت فى 19 مايو 2011
بواسطة WafaaFarag
ساحة النقاش