جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
.. قصة قصيرة ...
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
****************
أمل رئيس جمهورية
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
****************
بقلم الكاتب/ عبدالمجيد الديّهي
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
************************
***************** أمل رئيس جمهورية ******************
الســيارة تشـق الطــريـق بيــن المزارع في طـريقها الي القرية مسقط
رأسه مـد يده الي الكاسـيت وضغط بأصابعه علي ذر الجهاز المثبت في
تابلــوه السيارة الأمامي وانطلقت الـمــوسيقي الهادئه بإنسـياب كالماء
الـمـتـدفق تـذكــره بـصــور الماضي الـبـعـيـد التي رسمها القدر بأصابعه
السحرية تحت ظلال شمس عصاري أيام فصل الشتاء الذي يودع نهايته
في منتصف برمهات الفول الحراتي .. راح يتذكر لحظات اللقاء الأول الذي
جمعه وأمل بنت عـم ابراهيم .. فتاة جامعية .. جميلة .. قسمات وجهها
تـرسـم خطــوط الآصالة الــريفية الـبـسـيــطة .. مـن أســرة مـتــوسطة
الـحـال .. حـصلـت علي ليـســانــس آداب قـســم فـلـسـفة .. آهٍ .. من
الفلسفة .. هي السبب .. اوقـف الـسـيارة .. وامـتـــدت يــده الي علبة
السجائـر .. أشعل واحــدة .. واخــذ نفسا عميقا .. في الماضي .. منــذ
سبعة وثلاثون عاما .. كان يلتقي وأمل في هذا المكان .. كان دائما وأبدا
هو المتحدث الأول .. والأوحد .. وكانت هي تكتفي منه بالنظرات الحالمة
ولمسة الكف الحنــون .. تشعــر بنشوي لذيذة وهو يتكلم عن المسقبل
والبيت والأولاد .. حينما تـخــرجت كانت تــريد أن تعمل .. مُعَلِّمَة .. كانت
امنية لها كما كانت هي ليّ .. كنت احبها لدرجة الجنـون .. ياه .. مازلت
اخشي علي نفسي هذا الهدوء الذي يقتــرب من الـجـنـون .. أمل قالت
ليّ ذات مرة الهدوء نـوع من الجنــون .. لكنه جنون صامت .. تتصارع فيه
الأفكار وتتضارب وتـتـوهـج لحظات الغضب فيه عـنـدما احـس بثـورة الحزن
بداخلي .. يبدوا أنها قالت ذلك عندما استهــوتها معاني حــروف الكلمات
التي نتحدث فيها عن الحب والــزواج .. لـقد تكــونت بداخلها فكرة خاطئة
عن الحب الــذي كانت تـقــرأ عنه في كتب الـفـلـســفة .. كانت تظن ان
العواطف الانسانية خالية تماما من أي قيم ايمانية أو ايجابية .. علي حـد
قولها .. والحقيقة الوحيدة التي كانت تـعـتــرف بها هي لحظات السعادة
الغرامية .. العابرة .. التي تتجسد فيها المرأة عارية تماما . وتتوسد صدور
الرجال علي فـراش الحــريـر المصنوع من ريش النعام احلام كانت تعيش
فيها مع الواقع المادي الملموس الذي فرضته الظروف في عصـــر النهضة
الفكرية للحياة المعاصرة التي صعد فيها الانسان الي القمـــر الــذي كان
يتغني به الكتاب والشعراء والتي فسرتها ليّ ذات مـرة علي انها لحظات
عشق صادق مع النفس .. فلسفة .. امتزجت عندها نحو الارتباط المادي
للسلــوكيات الانسانية التي بطبيعتها تشتاق الي التوجهات التي يبينها
قول احد الشعراء العاشقين .. الذي يقول .
اعانقها والنفـس بـعــد مشـوقة ****** الـــيها بـعــد الـعـنـاقي تــــداني
والثــم فاها كي تـــزول صبابتي ****** فـيــزداد ما القي مــــن الهيمان
كأن فاها ليس يشــــفي غليله ****** سوي ان يري الروحين يمتزجان
عشق خالص مع النفس يساير ركب الحياة العصرية القائمة اليوم في كل
مـكـان علي كـوكب الكـــرة الأرضية التي تسبح في الفضاء الكوني كفتاة
عــذراء تـسـتـحـم بــوهج الشـمـس الحارقة التي تــذيب قمم جبال الثلج
الـمـتـجـمـد في القطب الشمالي لخط الاسـتــواء .. لـقد اظهرت قسمات
ملامح وجهها علامات الارتياح وهي تحـدثني عن التعديل الجديد في قيم
المجتمع .. كانت تقصد التغيير .. أو ربما الانقلاب والتبديل .. لا ادري .. انها
فلسفة .. درست مفــردات حــروفها داخل اســوار جامعتها وبـيـن ضـفـاف
مجلدات ابداعات اصحاب السفسطة الفلـسفية الجـــوارية لكتابها .. الحب
عـنـدها مـعـادلة حسـابية .. ارقام في ارقام . والمحصلة من وجهة نظــري
المتواضعة .. صفر بالعربي الصريح .. وربما كانت صائبة في تحليلها للأمـور
بحكم دراستها للفلسفة التي تجنب الدين والقيم . ولا تعترف بهما بــديلا
عن العقل حيث تكونت بداخلها فكرة .. ما .. عن العواطف الانسانيةتختلف
كليا عن ما اشـعــر به . وتـشـعــر انت به الآن . واصبحت تـعتـرف بالحقيقة
الواقعية المادية التي لاتـجــد لها بــديلا في حكمها علي الأشياء وتـشعـر
بزهوه النصر حينما تنجح في معاركها الحوارية التي تعيشها مع اقرانها من
المتعلمين والمثقفين والغير متخصصين في ثقافتها الفلسفية .. وانا .. كنت
اختلف معها كثيرا في اعتقادها المادي للأشياء .. صرحت ليّ اكثر من مرة
ان لحظات السعادة التي تـشـعــر بها اثناء لقائي معها خالية من أي فضيلة
وبـعيـدة عن أي قيمة .. واتهمتني ساعتها بالرومانسية الـزائفة .. والرجعية
المتخلفة .. واشارت الي الـقـمـر الـذي يـرسـل ضياءه فـــوق سنابل عيدان
القمح في الحـقـول وقالت ان ضياءه مستمد من من الإنعكاس الضوئي لنور
الـشـمـس الغائبة عـن هـذا الـمـكـان وشـبهته بالـمــرآة التي تـعـكس صور
الأشياء .. وجلست تـعـقــد مقارنة بـيــن الـعـقـل والعاطفة .. امتزجت فيها
الواقعية العقلانية مع لحظات السعادة العاطفية التي يجب ان يــرتـدي فيها
الحبيبان ثــوب الـعـشـق الخالــص لـيـذوقا نـشــوة الحب المادي عن طريق
ممارسة الجنس الصريح البعيد عن الأفلاطــونية الحالمة .. حينما تخـرجـت
امل وحصلت علي شهادتها الجامعية عـقـدت اجتماع لمجلس ادارة العائلة
بـمـا فـيـهم الأطفال الصغار وجلـس الجميع امامها علي الأرض مـتــوسدين
الحصير المصنـوع من نبات السمر الجاف .. وعم ابراهيم .. اخذ ركنا منــزويا
بـعـض الشيئ بـعيدا عن مشاغبة الأطفال وضجيجهم وصياحهم وصراخهم
مسندا ظهره الي جدار الدار الشرقي الذي يـخـتــزن حــرارة شمس النهار
منصتا لـــ أمل .. ابنته .. وهي تتحدث عن التطور الـتـكـنـولــوجي لــوسائل
الاعلام الـحــــديـثـة وكـيـف تـــــم للإنـسـان الــوصـــول الي صـنـاعة جهاز
يـسـمـي .. الـتـلـفـاز .. والـصـعـــود الي القـمـر الذي كان يتغني به الأدباء
والشعــراء .. وما زالــوا .. وهــو عبارة عن كتلة حجـرية من الصخـور الصماء
ولـيـس به حـيـاة بـسـبب عــدم وجـود المياه التي هي مصــدر النماء لكل
المخلــوقات .. وعم ابراهيم يسمع بشغف وينصت بإهتمام وتتــراقص بيـن
جوانحه فرحة غامرة وأمل تقول وتردد .. سامعين .. فاهميــن .. وسـعــدية
أمها .. تجلس بجانب الأطفال والسعادة تملأ قلبها .. وربـيــــع .. ابنها متكأً
علي ركبتيه بجـــوارها وينظر بعينين ملئهما العجب مما يحدث من حــــوله
وأمه سعدية تربت بيدها علي ظهره وتحثه علي ان يكون مثل اخته الكبري
أمـل التي ســتصبح .. معلمة .. أبلة .. وأستاذة في الـمـــدرسة تعلم ابناء
الـقــرية مــن الأطــفال والـتلامــيــذ .. الـفـسـفـسة ..التي تـعـلـمــتها في
الجامعة .. كان ربيع ابن الأربع سنوات يضحك لأمه ويـنـظـــر اليها ولا يــدري
ماذا تـقـصــد .. بـكـلـمة فـسـفـسة .. فيهز رأسه ضاحكا متبسما .. سائلا
أمه .. مستفسرا .. يعني ايه .. فزلون .. فترد امه عليه ضاحكة .. فــزلـون
ايه يا ربيع يا ابني .. الله يضحكك .. اسمه تفزيون اللي بيجيب صـورة رئيس
الـجـمـهـــورية وهــو .. يخطب .. فـيـرد عليها ربـيــع ابنها قائلا يعني يا أمي
أمــل .. أحتي .. حـتـبـكي رئـيـس دمـهــورية .. جائته زغــــدة من كوع أمه
سـعـدية .. رئـيس دمهورية .. رئيس دمهورية ايه يا ربيع يا ابني .. هوَّه فيه
نسـوان تبقي رئـيس جـمـــهـورية .. وتعالت ضحكات الجميع .. لم يكن احد
يـتــوقع النتيجة التي وصل اليها ربـيــع الطفل الصغير والتي استغلتها امــل
قائلة متفلسـفة .. أيوَّه .. فيه نسوان كانت رئيس جمهـورية .. وفيه توقعات
ان يـصبـح في المستقبل القريب سيدات يكونوا رئيس جمهــورية .. انا مثلا
مـمـكـن اكــون رئـيـس جـمـهـــورية .. ليه .. لأ .. وضــحـكـت سعــدية امها
قائلة .. ده يبقي يـــوم المني . ويــوم الهنا .. ياأمل يا بنت بطني لما تبقي
رئيس جمهورية .. يارب يا بنتي يسمــع منك ربنا .. وذاع الخبـر بين الأطفال
الصغار الجالسين فوق الحصير .. امل .. رئيــس دمهـــورية وتعالت الضحكات
بـيـن الـجـمـيـع .. الأطـفـال الـصـغـار وعـم ابـراهيم .. وسعدية .. امل رئيس
دمهورية .. وسخسخ وليد علي نفسه من الضحك بعدما لسعته نار سيجارته
وهــو يـتـذكر هتافات الأطفال في شوارع القرية .. أمل رئيس دمهورية .. أمل
رئيـس دمـهـــورية .. وهتفت مشاعــر الشــوق بـــداخله لأن يري أمل رئيس
جمهورية كما كان يتمني والدها عم ابراهيم ذلك .. لكن مات الأمـــل وماتت
معه أنفاس الذكريات الجميلة .
......................................... تـمت......................................
بقلم الكاتب / عبدالمجيد الديّهي
ساحة النقاش