جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
قال لي المهرّج نص نثري بقلم: محمد بن يوسف كرزون قال لي المهرّج : "قد - والله - سئمتُ الناس. أهرّج لهم.. أُزيل الصدأ المتراكم على قلوبهم.. فيضحكون.. بل يتمايلون وأيديهم في خواصرهم مِنْ ! .. ثمّ تراهم ينصرفون عنّي بعد أن يرمي بعضهم دُريهماتٍ لا تسمن ولا تغني من جوع..". وقال لي : "إنّ التهريج ليس مهنة تعلّمتها من شيخ الصنعة.. إنّه كالحزن ، تلقّنهما مدرسة الحياة". وقال لي : "فما بالُ الناس لا يستطيعون إضحاكَ بعضهم بعضاً ولا يدركون إضحاكَ أنفسهم ؟ لعلّهم لم يجرِ عليهم الألـمَ العظيم الذي جرى عليّ !". وقال لي : "الهرج بضاعة ، وما هو ببضاعة. أُنتِجه ، فيحسبه الرائي بضاعة ، يتلقّفها منّي ، تدخل كيانه بدليل ما تُحدِثه من هزٍّ واهتزاز ، ثمّ يحاول إعادة إنتاجها ، وقلّما يفلح". وقال لي : "هَبْ أنّك صادفتَ مهرّجاً ، فلا تتّهمه بالخداع حتّى تخبرَ ما في نفسه ، فربّما كان أكثر انخداعاً ممّن يخدعهم". وقال لي : "مهرّج السلطان يشقى شقوتين ، الأولى : أنّه يريد أن يزرع البسمة في نفس السلطان ، ولكنّه لا يفعل أكثر من رسمها رسماً على شفتيه ، فما عرفتُ ، فيمن عرفتُ ، سلطاناً يعرف طعم البسمة. والثانية : أنّ الناس يظنّون أنّ له حظوة عند السلطان ومكانة ، وما يدرون أنّ السائس أوفر حظّاً منه عنده !". وقال لي : "مَلَكاتُ الضحك والهرج والابتسام كائنة أبداً في جوانح الإنسان ، فمهما عاد عليها الزمان وقلّمها تجدها تنبتُ في غمرة الأحزان وتتفرّع أفنانها ، لكأنّما هي روحه !". وقال لي : "مَنْ ذا الذي لا تفتِّق شفتيه ابتسامةُ طفل ؟ ومع ذلك ترى من الناس من يضحك للمال أكثر !". وقال لي : "لعلّك تنظر إلى الضحك نظرة ضَعَةٍ ، ولكنّه عندي كالصلاة قداسة وطهرا". وقال لي : "هرّج ما شئتَ لنفسكَ وأنت منفرد ، فلستَ بمستطيع أن تبلغ الضحك. فلا يضحك الرجل منزوياً إلاّ وفي عقله لوثة ، فالضحك لا تُدرَك لذّته بالانعزال". وقال لي : "كم من قارئ لكتاب هزليّ لا يخرج ضحكه إلاّ بعد أن ينقل للآخرين ما في ذلك الكتاب من مِلَح وفكاهات ، وإلاّ ، فكأنّه لم يقرأه ، فهو يصيب معرفة ولا يصيب لذّة". وقال لي : "كلّ امرئ مهرّج بقدْر !". وقال لي : "ربّ سائل يسأل : من أين أتتْكَ كلّ هذه البلاغة ؟ ألم يدرِ أنّ أبلغ البلاغة تكمن في القدرة على الإضحاك؟!".
ساحة النقاش