جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
(طــقـــوسٌ صـــــارمــــة!!)قـصـة
***********************
بقلم الأديب:أحمدعفيفى
*******************
باغتتها قشعريرةٌ في وجهها , لمْلمَتْ شعرها وخبّأته تحت قلنسوةٍ صوفيةٍ , حدّقَتْ في الأفق , أطلقتْ زفرةً طويلةً..ثم أجهشت باكيةً..
سحبت كرسيها الهزاز العتيق وجلست مستسلمةً لأرجحةٍ رتيبةٍ ,قفزتْ هِرّتُها الكثُّة الشعر فوق ركبتيها ,أخذتْ تتمطى بين كفيها, بشرودٍ أعمَلتْ أنامِلها فى رقبة الهـِرة وفجأةً دفعتها بعيداً مُتمتمةٌ:لا شئ يستحقٌّ!
حدّثت نفسها:لأجله غنّيتُ ,وغني الكون معي , لأجله إنتحب قلبٌ وحيدٌ , قلبي أنا..وكأنها قد ثمِلتْ من الهواء الرطب , فأرجعت الكرسيّ مسافهً,وراحت تجتُّر الذكريات!
*شغوفةً كانت تتعجّل لحظة الفرْح , ترنو بلهفٍ للأمنيات , تعتمل الأحاسيس داخلها آملةً أن ينتهي القلق نهايةً سعيدة..وحين رأته أمامها وكأنه هبط من بين السحب , كان يتفحصها بنعومةٍ وإمعان , متأنِّقاً كان , وفخورا ً يقفُ بخيلاءٍ بين شجيرات الأزهار في حديقة منزله..كانت مشدوهة ً غير عابئةٍ بالرياح المدعومة برمالٍ زجاجيةٍ تنغزُ يديها وخدّيها بشراسة..وكانت أنذاك تُسرعُ الخُطيَ في عامها العشرين , وتُبطئُ الخُطي في المسافة مابين منزله وبيتها , تستعرض وسامته وجسده الممشوق.. كانت تحس خطواته وهو يهرولُ في إثرها , ومسافة ٌ لاتزال إلى بيتها..شعُرتْ أنها مَشتْ ألف ميلٍ , وهي تلمحُ من ركن عينها ظلّه يدنـو منها مصحوبا ً بعبيره الذكوريِّ!
*والتَقيـَا , وتعانق القلبان , وتراقصا عشقا ً وهياما ً , وعاشا سنينا ً في جنتهما..حتي باغتها "القاهر" وأختَطفْ حبيبها وحُلمها بلا رحمةٍ
*مع الأيام شاخَ قلبُها وهي تتفاني وتحرص علي إرتداء ثيابا ً غامقةً, وسرعان ما تعود إلي كرسيها العتيق , تمارسُ آلامها , وتستجلبُ صورته , وصوته حين كان يقرأ لها..كان يروقَها أن يحكى عن بعض الطقوس في البلدان البعيدة التي تنظر إلي بلادهم بمسافةٍ قدرها "قرونٍ" من التحضّر , وكان كثيرا ً ما يباغتهُ الحُنق والغيظ خاصة ً-في المناسبات- فيصرخُ:النقاء..الشفافية..الحقيقة , لماذا لا نقول الحقيقة كاملةً؟لماذا نحرص علي مجاملة المشوّهين الذين يـُعربدون في أخيلتِنا؟..وكان يروقها أن تجلس طويلا ً أمام الإطار الكبير الذي يتوسط الصالة , والذي يحوي صورةً كبيرة الحجم له , ولبعض رفاقه وهم يصوبون أسلحتهم نحو العدو وخلفهم جيشٌ من الملائكة يحمي ظهورهم..كانت تودُّ أن تري الجيش الملائكي راجلا ً, لكنها تراجعت لما في ذلك من صعوبةٍ , حيثُ الملائكة لا أرجل لها , هكذا أخبروها إبّان الطفولة !
*أما الان , فثمّةُ أشواكٍ في القلب , وأشياءٌ مفتقدةٌ , ووحشةٌ قاتلة..لقد تناسَيتْ شيئاً فشيأ ً هذى الكينونةُ المُركّبةُ:أنها تجاوزت الأربعين من العمر..فهل ستتهيأ لفارسٍ جديدٍ , أمْ ستظلُّ متكأهً علي ذكرياتها , تشاهد الطيور الشفقيه والملائكة الصغيرة الشقيّة المُنفلتهُ من أفلاكها لتمرحُ , بين أترابها البشريِّين الصغار الفرحين بأعياد ميلادهم , تُضئُ لهم أعينهم الضيّقة التي أختفتْ مؤقتا ً بفعل انطفاء الشموع!
*وهي في أوجِ هذا , تبتسمُ بشحوبٍ مُجاملة ً أقاربها , تزرع المكانَ بصُحبةِ طقوسِها وثوبِها الغامق الصارم , تصنعُ حدادا ً هادئا ً صامتا ً , يتواءم مع الصخب المُقام في تضادٍ مقبول@
********************************
@القضة عُنوان المجموعة
{نشرت بالاهرام المسائى9/6/2006}
ساحة النقاش