ومضات عن أساليب الشّعريّة المعاصرة / قراءة في :(محضُ صداع) / د :سجال الركابي
(محضُ صداع) / د :سجال الركابي
كفكفتِ الملائكُ
انسيابَ الوخزِ على خدّي
لمّا تغشّاني السُهاد..............
نامي ... هَمَسَتْ
ما هُوَ إلّا صداع ...
أجل... إن هُوَ إلّا صُداع!!!
فما بال وجداني يئنّ؟
أيُّها الملاكُ هل جاءكَ حديثُ الوجد الكظيم !!!؟
كِسَفاً أتلاشى معَ اختناق الشموع
أتبرّجُ الصُبحَ أنغام شايٍ مع هيل
أُراقصُ حبّة باراسيتول!!!
17. 8.2016
- أردت أن تكون كلمتي اليوم بخصوص هذا النص الجميل محض ومضات أراعي فيها التّركيز زالأيجاز لسببين : أولهما الأبتعاد ماستطعت عن المصطلح النّقدي الذي قد لا يتيسّر إدراكه لكثير من غير المتخصّصين – مع أنّ هذا غير مستطاع على إطلاقه - وثانيهما لفت اِنتباه شعرائنا إلى بعض مسالك الحداثة الشعّرية من هنا ستكون كلمتي رؤوس أقلام يتضمّن كلٌّ منها جماليّة ما .
1-/ الدلالة :
- الدلالة في هذا النّص شيء ينماز بخاصيتين : "الإطلاق" و"المطّاطية" حيث نتمثّل هذا النص رمالًا متحرّكة تأخذ شكلًا معيّنًا في كلّ لحظة . من هنا يكون اِشتغالنا في تأويل هذا التّشكيل محض حدس وتخمين لأن كلًّا من الأنساق الكبرى والصّغرى تحيل على مكانات مختلفة ومتنافرة . يمكن أن يلبس هذا التّشكيل ثوبًا غزليًّا حيث الذّات تتوق إلى معشوق فقدته كما تحيل عليه الخبرات :(خدّي/ همس / السّهاد ...)، كما يمكن أن يلتحف هذا التّشكيل بلحاف رثائيّ وهو صِنْوُ أخيه الغزليّ مع فارق في حالة المعشوق ولانريد الدّخول في هذا من حيث أنّنا نفترض موت المؤلّف لنطرد بهذا سياقيّة النص مهما كانت كريمة معنا في الأبانة عن تمظهرات الدلالة .
ويمكن أن نلبس هذا التشكيل وشاحًا من الوطنيّة حين نجد أنفسنا مظطرّين إلى تصديق الأحالات التي تمدّنا بها هذه الأنساق مثلًا :(اختناق / الكظيم / كسفًا ....).
- من هنا نجد أنفسنا أمام أمر واقع من الحيرة والدهشة لا يسعنا فيه إلّا أن ننهج نهج الفقهاء حين يكون يعجزهم ظاهر التعارض في النصّ المقدّس فيكون توسّل الجمع عن طريق "لَيِّ "عنق الدلالة نحو الوعي و"تَذْيِيتِهَا" المخرج الآمن من رعب كلّ إشارة . من هنا نصنّف هذا التشكيل في دائرة السّؤال الوجودي والقلق من ذات تريد أن تفرح وتتسوّل بسمتها في خضمّ مأساة الفقد . هذا أحسن أحوالنا في تحديد حيّز الدلالة النصّية هنا . 
- لا يمكن أن أقول ماقلت قبل قليل دون أن أشير إلى "قصديّة"د: سجال لهذا النوع من "العنت" فهو سمة تميز غالب نصوصها ذات الشحنة العقلية الفكريّة ... فالحقّ أنّها تملك موهبة تغليف الفكرة بالبلاغة كما أشرت إليه بالتفصيل في غير هذا الموضع .
2-/ المعجم :
- في هذا التشكيل - وفي غيره من التشكيلات – نستشف "تطويع " د: سجال للمعجم من حيث أنّها توظفه وفق وعيها وإن فارقت جمع الشّعراء في هذا التوظيف فهي لا تقوم بعملية خرق وانتهاك للغة زفق ما تمليه لحظة القنص والغياب أنّما تعمد ألى اِستحداث دلالات ووظائف "خارجة عن قانون "الفعل اللغويّ . من أجل تبسيط هذا اضرب الأمثلة الآتية :
أ/ تشعير العلامات :
- لنتأمّل هذه العلامات : ( الهيل / البراسيتامول ) ، تكتسي هاتين العلامتين طابع العلمية ( البراسيتامول ) وطابع اليومي ( الشّاي ) أي تمثّلان الى حدًّ كبير جانبا من الوظيفة التّواصليّة للغة فالمفاجأة أن نجدهما في تشكيل شعري ؟ د: سجال هنا تمارس عمليّة " الخلق " حين تنفخ "الرّوح الشّعريّة" في هذه العلامات فتستيقظ من أجداثها لتمارس دورها ضمن مجتمع العلامات في التشكيل "مفتكّةً" بهذا مبرّر وجودها . يذكرني هذا باستخدامها لفظ " بتلّات في أحد نصوصها وهو مصطلح هي من الأوائل الذين قدّموه لنا على مائدة الشّعريّة .
ب / الاحالة :
- المتعامل مع نصوص د: سجال يدرك أن نظام الشّعريّة عندها قائم في أساسه على " الإشارة " و" التلميح " لاأريد هنا ضدّ "المباشرة " أنّما أقصد أن يببنى التشكيل وفق نمط "الغلق" مع ترك أثر لطيف يدلّ عليه وهو ما بسطت القول فيه حينما تعرضت للبساطة كجماليّة في النص المعاصر لنتأمّل العلامات الآتية وإشاراتها :
- الوخز /السّهاد /الصداع / الإختناق / يئنُّ : التي تحيل في وظيفتها التّواصليّة على الألم والحيرة و...... لتحيلنا هنا على القلق الوجودي 
- الملاك : التتي تحيل في وظيفتها التّواصلية على الطيبة والأنسانيّة في ذاكرتنا الدينيّة لتحيلنا هنا على اللاوعي الأنساني حين يجادل الوعي أي حين تتعرّى الذات أمام مرأتها في لحظات الصفاء فتقول كلّ شيء .
- الشموع : التي نعرف وظيفتها في لغة تواصلنا كأداة للنور فتحيلنا هنا على تهالك الذّات وذبولها وذبول أملها تحت وطأة القلق .
- هناك نوع آخر من الإحالة عند د: سجال يخصّ الأحالة على النصّ المقدّس لنتأمّل هذه العلامات : تغشّاني / كسفًا : من حيث هي علامات نصّيّة مقدّسة كونها مرتبطة أساسًا بالقرأن الكريم لتحيل هنا على القصص التي وردت في سياقها ( الأنتقام الإلهي ) لكن بتوظيف أخر فحواه الحيرة والقلق .
3-/ السّردية :
- غالبا ما يكون شعر د: سجال سردا وهذا ينافي الشعريّة - من حيث أن السرد يحيل التشكيل الى شيء مباشر فجّ – لكنّها في كلّ مغامرة تنجو من المباشرة الفجّة من خلال تضخيم الجرعة التكثيفيّة للعلامات ففي خضمّ حيرة المتلقي للدلالة النصّيّة و غياب أي أفق للإنتظار تنتهز الشاعرة هذه الفرصة لتمرّر "الكيانات " متخفيّة تحت جنح عتمة السّرد فيستحيل السرد جماليّة بعد أن كان عيبًا وهذا لا ينجو منه إلّا قلة قليلة من شعرائنا .
- فالنص الذي بين أيدينا سردُ باِمتياز من حيث هو ذات تشتكي وجعها وتحادث الملاك لكنّ السرديّة هنا مقبورة في بحر الشعريّة فلا نحسّها إلّا حين نفتح التشكيل بمشرط التخصّص
الحادّ.
4-/ اللّقطات البلاغية : جزءٌ من بريق د: سجال مردّه إلى تماهيها مع بلاغة الأنساق أقصد بذلك التّصوير . تؤمن الشاعرة أن وظيفة الإنزياح أن يضيء المكانات المظلمة داخل الذات فالكتابة الشّعريّة محض" تطهير "كما يقرّره أفلاطون في مثاليّته ... من هنا تنماز انزياحات الشاعرة بميزتين :
أ / ورودها وفق الوعي والفكرة المصاحبة للحظة القنص حيث تحسّ بالبصمة الخاصّة بها عند التذوّق الجمالي للصّور فهي لا تمارس "الخرق" على مستوى المعجم والبناء التركيبي فحسب أنّما تتعدّاه ألى خرق الصور محاولة إحداث أكبر شرخ في الوجدان .
ب/ التنويع : التّصوير عند د: سجال شيء شبيه بممارسة "المتعة " على "الجسد " حيث نتمثّل التّصوير طينة في يدها تنحت منها أشكالا مختلفة لتحصل على متعٍ مختلفةً في كلّ مرةٍ حيث نجد التشبيه العادي بأنواعه وبخاصّة التشبيه البليغ الذي توخّت منه رفع مشبّهها إلى درجة المشبّه به ، ثمّ تنتقل ألى أنواع الأستعارات وهي أبرع الشعراء في هذا . ولن أسهب في الكلام على رمزيّتها فهذا لا يسعه حديثنا القصير حيث نجد للرمز تمظهرات ولقطات بارعة لأنّها لاتستعمل الرمز لذاته كما هو متداول ولكنّها تستعمله بضدّه وظلّه وهذا ربما تكلّمنا عنه إذا أتيحت لنا فرصة الكلام عنه .
- كان ماسبق ومضات عابرة أردت منها الكشف عن بعض التمظهرات الحداثويّة لتكوين قدوة شعريّةً حقيقية من جهة ولفت انتباه شعرائنا إلى بعض مسالك الشّعر المعاصر التي تتغيّر كلّ حين وفق تغيّر الرّؤى الشّعريّة والنّقدية بفعل التجريب . 
شاهين دواجي / الجزائر

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 62 مشاهدة
نشرت فى 17 أغسطس 2016 بواسطة WWWkolElkhwater

مجلة كل الخواطر

WWWkolElkhwater
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

580,232