جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
قصة قصيرة (( حلم )) الجزء الثالث // بقلم رداء الحداد
...............................................
(( أحمــد )) من أبناء الجنوب المصرى ...
فى ليلة مليئة بالحنين سفحتها دموع الألم همًّ أحمد لينام قائلاً : يا رب يا رب .. حتى غفا
أحمد شاب فى بداية الأربعين من العمر
فى الطفولـة شـرس ... متمرد قليلاً .. تكسو قلبه أوردة الحنان
فى الصبــا غير مبــالٍ ... أنيق متـزن .. فى بداية عمـر الشبـاب
...........................................................................................
استيقظ أحمد مبكراً كعادته ..
قام ليتوضأ ليصلى الصبح .. فإذ به يتذكر والده المتوفى
تبسم أحمد وأكمل وضوءه ..
ثم صلى وجلس لحظات على سجادة الصلاة ليتدبر أمره ويفكر لماذا تذكر والده ... ؟؟
راودته أفكاره ربما لأنك لم تزر أختك " مقيمة بالقاهرة " منذ فترة
توقف ( أحمد لحظات ) وهم لينظر فى ساعة الحائط ببهو منزله
وأيقن أن هناك متسع للحاق بالقطار المتجه للقاهرة الساعة العاشرة صباحاً
قرر أحمد أن يدخل غرفة مكتبه التى تحتوى على كتبه القديمة
وبعــض مـــن شرائــــط الكاسيــت التـــى عفـا عليهـــا الزمــــن
*امتدت يده لملف مكتظ ببعض من أوراقه القديمة التى كان يدونها عليها خواطره وملاحظاته
فوقعت يده على ورقه مدون عليها أغنيته :
غصب عنى هسامحك لأنك حبيبتى
فشرد بخياله لرحلة سفر أصرَّ على ارتيادها حيث الجانب الآخر من الحياة
أدخل الملف فى موضوعه وهمَّ ليستعد للسفر
* مشهد آخـــر
أحمد بمحطة القطار يسأل الاستعلامات : أريد حجز تذكرة بالقطار المتجه للقاهرة بعد نصف ساعة
موظف الاستعلامات : عفواً يا سيدى .. لا يوجد مكان شاغر
غادر أحمد غرفة الاستعلامات شاعراً ببعض من الإحباط .. وفجأة بصوت ينادى ويشير له .. هو أحد المسافرين
سيدى هل تريد تذكرة سفر للقاهرة ..؟
أحمد : نعم
المسافر : معى تذكرة وحصلت لى ظروف خاصة منعتنى من السفر اليوم .. فهل من الممكن أن تأخذ تذكرتى
أحمد : هذا يسعدنى .. وأشكرك من كل قلبى .. فأنى أحتاج إلى تلك الرحلة
هما المسافر وأحمد وذهبا لمكتب استعلامات المحطة ليتأكد أحمد من صلاحية التذكرة
فأكد له موظف محطة القطار أنها صحيحة .. دفع أحمد ثمنها للمسافر .. وتركه مسرعاً لأن القطار أطلق صافرة الانطلاق
* هرول أحمد حيث بدأ القطار يتحرك .. وبصعبة ركب من آخر باب بآخر عربة. . ثم بدأ بالبحث عن مقعده
حتى وجده ... جلس وبدأ يلتقط أنفاسه .. أغمض عينيه لحظات .. وبعد ذلك بدأ يتفحص بعينه العربة والجلوس
وإذ يجد أمامه سيدة جميلة .. بوعيه أدرك أنها فى منتصف الأربعينيات .. وجدها منهمكة فى جهاز كمبيوتر محمول تتصفح بعض من المعلومات
نظر إليها بعمق .. مما جعل السيدة تنظر إليه فى دهشة
أصابه الحياء فأغمض عينيه
بدأ أحمد يهذب نفسه بالنوم ويتذكر صوراً من حياته ليقف أمام لحظات ميلاده
فاستعاده خياله لصورة صرخة طفل فى أول خروج للحياة ووالديه من حوله يبتسمون لحضور الغائب منذ تسعة أشهر
يبتسم الأب ويخاطب زوجته : نسميه مصطفى
الزوجة : لأ نسميه أحمد بدل أخوه أحمد الذى مات منذ سنتين
الـــزوج : اللى ح يريد به ربنا هيكون بإذن الله
غفت الزوجة بحجرتها ثم استيقظت على صراخ وليدها .. وإذ بها ترضعه لكنه لم يتوقف عن الصراخ ووجدت رعشه بجسده الضئيل
فأيقظت زوجها .. وفكرا بالأمر .. وذهبا به إلى الطبيب
الطبيب : وليدكم به ثقب بالقلب .. وفى حالة سيئة
الزوج والزوجة انزعجا وهمت الأم بالبكاء
أخذا وليدهما وعادا لمنزلهما... كانت ليلة حزينة على كلاهما
وما أن بزغ صبح جديد حتى عاودا للذهاب لطبيب آخر.. ليبحثان عن أمل جديد لوليدهما
ألهمهما الله ليذهبا لطبيب متميز.. وما أن دخلا غرفة الكشف
الطبيب : طفل جميل الله يجعله ذرية صالحة
الزوجين : طمنا أيها الطبيب
الطبيب : إن شاء الله خير .. لا تقلقوا دى حاجه عادية .. تفضلا هذا الدواء وعودا بعد أسبوع
دبت الطمأنينة فى قلبيهما .. وعادا لمنزلها
ومع مرور الأسبوع تحسنت حالة الطفل .. وأكمل الزوجين ودعيا الأهل للاحتفال بأسبوع وليدهما
وعادا للطبيب وقدما له الشكر... وعادت الابتسامة
...........................................................................................
* بدأ يظهر على أحمد فى أثناء استيقاظه من نومه ابتسامة رقيقة وما أن فتح عينيه حتى وجد السيدة التى أمامه تنظر إليه بعمق ..فبدأ يعدل أحمد من جلسته ونظر بنافذة القطار ويحملق فى الأشجار والحقول الخضراء التى تجرى مع جريان القطار
وفجـــأة .. !!
تقطع تلك السيدة شروده قائلة : سيدى هل لى أن أخبرك شئ
أحمد : تفضلى سيدتى
السيدة:لا تغضب منى لكنى أسألك هل قمت بعمل تحليل فيروس(C)
أحمد فى انزعاج : لا .. وما الداعى لكلامك ..؟
السيدة : عفواً سيدى إنى طبيبة وملامحك استوقفتنى وواجبى المهنى أن أخبرك .. فلتُخضع نفسك سيدى للتحليل اللازم
أحمد : بإذن الله سأفعل .. أشكرك دكتور
ردت السيدة قائلة : إسمى هدى
أحمد : تشرفت بمعرفتك دكتور هدى
هدى : ممكن أتعرف باسمك
أحمد : أحمد
أحمد : مهنة الطب مهنة شاقة .. الله يكون فى عونك
هدى : الله المستعان..لكنى بآخر عودتى للمنزل أخرج منها وأستغرق بالشعر .. فأنا أحب الشعر
أحمد : الشعر مدرسة لتهذيب النفس .. وجزيرة تملأها الأشجان حينٌ والابتسامات حين آخر
هدى : صدقت سيدى .. فأنا اختلى بنفسى معها هروباً من زحمة الحياة قسوتها
أحمد : لمن تقرأين ..؟
هدى : أحب فاروق جويدة ومحمود درويش .. ولا أميل لمدرسة الشعر القديمة كـ عنتر العبسى أو قيس .. لكن ربما يبهرنى الشاعر الأندلسى : ابن زيدون
أحمد : عظيم .. وأنا كذلك لا أميل للقديم مع إنى كنت دارس له
قاطعت هدى حديث أحمد
وقالت : أتصدقنى إن قلت لك إنى أقرأ بعض الأحيان خواطر من مرتادى مواقع التواصل الاجتماعى
أحمد : جميل ..
هدى : أشعر أن منهم الكثير من الطاقات الإبداعية
أحمد : معك حق
هدى : هل لديك حساب على الفيسبوك
أحمد : نعم .. ولكننى قمت بإهماله
هدى : لماذا ..؟ هل أنت لا تحب تلك المواقع
أحمد : لا .. لكننى أحببت أن أخرج فترة لاستعادة ذاكرتى
هدى : عفواً سيدى .. فلتسامحنى على إرهاقك وإزعاجك
أحمد : لا أبداً دكتور .. أنا سعيد بحوارك وتشرفت بمعرفتك
هدى : أشكرك
ليبدأ فاصل من الصمت بين الطرفين
وليتكئ أحمد بظهره إلى الوراء ليعود فى نوبة هدوء يعقبها غلق الجفنين بدمعة أبت أن لا تسقط
لتستحضر ذاكرته صورة من العمر مضت
تذكر أحمد حينما كان يبلغ من العمر العاشرة حين كان يذهب إلى الحقل فى موسم جنى القطن
استحضر صورة صديق الطفولة " أشرف "
وعلى الجانب الشرقى من الترعة يسيران
أشرف يقول : أحمد
أحمد : نعم يا صديقى
أشرف : أنا أكبر منك سناً .. لديّ من العمر أحد عشر .. وأنت فقط عشر سنين
أحمد بإنفعال : لا .. أنا الأكبر.. لا تثير جنونى يا صديقى
وبعد مشادة كلامية بينهما .. لم يتمالك أحمد أعصابه وبطفولية قذف صديقه أشرف بالترعة التى لم تكن عميقة لكنها بالمقارنة بحجم جسديهما كانت كافية بالقدر التى تُغرق جسد الطفل " أشرف "
*استغاث أحمد بالمارة .. فهمَّ الجميع حتى أقدم رجلين وأنقذا أشرف من الغرق... واستفاقوه
حتى أدركوا أنه لم يصبه أى مكروه فأعطوه لصديقه أحمد ... ناهرين إياهما وقالا : فلتعلبا مع بعضكما بطريقة عقلانية.. وانصرفا الرجلان
جلس أحمد مع صديقه أشرف على كومه من البوص والقش مستقبلين آشعة الشمس وسارع أحمد فى خلع ملابسه ليرتديها صديقه بدلاً من ثيابه المبللة حتى لا يتعرض لنوبة برد
واستلقيا معاً على كومة القش .. وما إن مرت بسمائهما طائرة رش البودرة والمبيدات الزراعية الخاصة بحقول القطن فرحا وهرولا ورائها متناسين ما حدث .. هكذا كان صور الطفولة البريئة..
* بدأ أحمد يستفيق من هذا المشهد ليجد هدى تحدثه
هدى : سيدى هل لى أن أقطع صمتك لدقائق
أحمد : بكل امتنان دكتور
هدى : إنى كنت أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي ..فاستوقفتنى تلك الخاطرة ..
أحمد : لو تسمحى الجهاز لأرى
هدى : تفضل فلتقرأها ولتقل لى رأيك
أخذ أحمد جهاز الكمبيوتر المحمول منها وإذ بصفحة فيسبوك .. فبدأ تبدو على معالم وجه أحمد بعض من التوتر محملقاً بالصفحة
الصفحة لشخص بها منشور خاطرة يحمل عنوان ( ورحلنا أنا أونتِ )
ورحلنا أنا وأنت
ها أنا سيدتى قد لملمت أوراقى واحتضنتها بين يدى
واستبقنى قلبى ليراكِ فى السماء
جلست وحيداً
أراقب السماء .. أرى النجوم وقد انتابها بعض من الحزن العميق
تسبح فى مدار الكون تنشد من أناشيد الأنين
وتتيه عيونى تطالع السماء .. فلا تجد فيها القمر .. فقد غاب فى زحام
الليل وخفتت أضواء الأمل فى رحايا الزمن
أنظر بعمق إلى تلك البقعة التى كانت منازلنا وموطننا
لا أرى شيئاً .. قد غادرها المحبين
أصبحنا يا سيدتى أنا وأنتِ غربــة تطل برأسها بين ممالك العاشقين
ورحلنا أنا وأنتِ .. وارتدينا السواد…فتجددت معاناتى .. بذكريات ألم
..............................................................................
قرأ أحمد الخاطرة بصمت .. ثم أعطى الجهاز لـ هدى قائلاً : حرفها منضبط .. لكن ليس بالقدر اللغوى الكامل
ابتسمت هدى لأحمد ثم قالت بخبث الأنثى :
" ألم يلفت انتباهك شئ بالصفحة " ..؟
أحمد : لا قرأتها متعجلاً
هدى : أرى أن بروفايل صاحب الصفحة هذه به شبه كبير منك ..يكاد يكون أنت !!
رد أحمد بابتسامة شاردة : تشابهت صورنا .. وإن اختلفت حياتنا ..
ثم حاول صرف نظرها عن موضوع الشعر وصاحب البروفايل فسألها :
أين نحن الآن ..؟
هدى : نحن تخطينا محافظة بنى سويف
أحمد : عظيم .. اقتربنا من القاهرة والوصول
هدى : وأنت نائم كتبت بعض الحروف على صفحتى.. هل من الممكن أن تقرأها لتقيمها
أحمد : أعطينى لأقرأ ما كتبتى
هدى : تفضل
وإذ بحروف قليلة كتبت هدى :
أيا بحر في أعماقك الــدر كامــــن..
وفي أعماقي يرقــد الألم الدفيـن
تثور أمواجــك أعاصيراً مزمجـــــرة..
وفي قلبي تثور أمــــواج الحنيـــن
أيا بحر مالي أراك لا متناهيــــــــــا..
كما جرحي الذي لا تنهكه السنين
* ثم أسفلها منشور مدون عليه خاطرة :
سآلني هل تحبي القمرفآجبته نعم كم أحبه
فقال وهل يحب أحد نفسه
ألا يعلم اني أعشقه لأنه مثله ان غاب عني اظلم الكون بعيوني
وان كان معي أصبح طفلته المدللة لقلبه الحنون
أرفرف واضحك وأحب الكون لأكن فراشه جميله تهواها كل العيون
بعدما فرغ من قراءتهما أحمد قال :
رائع هو حسك .. وإنى لأحسدك على وجود وقت لكِ بعد عملك لكتابة الشعر
هدى : أشكرك سيدى على مجاملتك
أحمد : حروفك تستحق التشجيع
تبسمت هدى ثانية بخبث النساء وقاطعته فى استطراد كلامه قائلة :
وقت ما سأكملهم وأشارك بهم مع صاحب الحساب الذى قلتك لك عليه من دقائق
فابتسم أحمد ........ ثم صمت ع الكلام
فقطعت صمت قائلة :
تذكر حسابى .. لربما يوم ما التقينا
والآن سأنهض أنا فمحطة وصولى " الجيزة " وهى على بعد دقائق
* لملمت هدى احتياجاتها وأخذت شنطتها وجهازها ومجلة طبية كانت معها وهمت بالقيام
فقام أحمد ليودعها
فمدت يداها .. ومد يده قائلة له : أرى وجهك بخير.. كن بخير أيها العابر
أحمد : فرصة سعيدة دكتور .. إن شاء الله لنلتقى
هدى : مع السلامة
أحمد : مع السلامة
فتوقف القطار .. ونزلت هدى
ثم عاود القطار فى مواصلة رحلته
أخرج أحمد من حافظته بعض الأوراق وليتأكد من النقود.. وإذ بورقة تقع بالأرض منها
همَّ أحمد ليلتقطها فإذ هى تذكرة السفر .. وبدافع التسلية بدأ يقرأ المكتوب عليها
فوجد :
المقعد رقم : 20
العربـة رقم : 3
فاستوفقه هذا التاريخ....... فقد كان على موعد منذ عامين فى نفس التاريخ
دمعت عيناه لرحلة كان قد ساقه القدر إليها منذ عامين
استجمع نشاطه ثانية
ودقائق معدودة وقام أحمد ورتب حاله استعداد لنزول محطة مصر
وبالفعل .. أنهى القطار رحلته لمحطة مصر
وأعلنت استعلامات المحطة بوصول القطار القادم من الجنوب.. فنزل المسافرين ومن بينهم أحمد
ثم خرج أحمد خارج نطاق المحطة
تذكر ثانية ما كان مدوناً على تذكرة السفر .. فأبصر الساعة فإذ بها لم تتجاوز الثالثة والنصف عصراً .. فوجد أن هناك متسعاً للسفر إلى إحدى مدن الدلتا .. وهى مدينة ( المنصورة )
وما أن مرت دقائق حتى وجد شخص ينادى مواطن
( ميت غمر ـ المنصورة ) يا باشا
فترجل إليه أحمد قائلاً : ( المنصورة )
أجابه السائق : نعم يا باشا .. هيا سنمضى الآن
فركب أحمد السيارة .. ثم مضت إلى رحلتها فى اتجاه مدينة المنصورة
وفى أثناء رحلته تذكر أحمد كل رحلته من الجنوب للقاهرة وتذكر الدكتورة " هدى " وحديثه معها وتشككها فى صاحب الحساب ..
وما إن مضت ساعتين حتى وصل أحمد إلى مدينة المنصورة
ووقف فى نفس المكان الذى وقف فيها منذ عامين
ثم ذهب لقهوة صغيرة تملكها سيدة فقيرة وسألها :
أنا غريب لست من هنا .. فما اسم هذا المكان ..؟
ردت السيدة : هذا المكان اسمه " الدولية " يا بنى
السيدة : إلى أين تود الذهاب
أحمد : لا أعرف
السيدة : لقد رأيتك قبل ذلك !!
أحمد : أتذكر ذلك قبل عامين
السيدة : هلم بنى تعالى أعد لك طعاماً
أحمد : أشكرك يا أمى.. يكفينى بعض من الشاى.. فإنى مرهق
السيدة : لك ما تريد ضيفنا ..
قاطع أحمد السيدة قائلاً : هل لى بمكان أتوضأ وسجادة صلاة
فأحضرت له السيدة ما طلبه .. وهم بصلاته التى حالت عنها ظروف السفر .. ثم أنهاها بصلاة المغرب
ثم جلس على مقعد قد أعدته له السيدة وأمامه كوب من الشاى
شرب الشاى ثم استئذنها.. وشكرها على كرم الضيافة
انتقل أحمد للجانب الآخر من مجرى الشارع حيث يوجد بعض المقاعد الحجرية واستراحات للمواطنين.. فجلس قائلاً :
عامين مضيا على موعدنا
أتذكرى حينما كنت ترتعديــن وقـت اللقاء
أتذكرى كيف كنت أخفف عنكِ فوضى الحواس
لقد كانت بيننا أعوام .. وأعوام ..
والآن عام آخر مضى ....
ولا زلنا فى حضن الغياب
الآن وقد عاد الشتاء ...
عاد ..ولم تعد معه تلك الغيمة التى كانت تفيض رخاءً على قلبينا ..
أتذكرى رذاز المطر !!..
أتذكرى حيث كنا بزخاتها نسترسل القبلات فى عناق مجنون...
عاد وغابت عن سماء قلبى شمس الأمل
تلك الشمس التى لطالماأرسلت آشعتها
ليستدفئ قلب المكسور فى خبايا السكوت ..
عامٌ آخر يمضى وكلانا يحتسى مرارة الرحيل فى كؤوس العذاب .......
مضى عام ونحن على قيد الحياة بلا لقاء
ففى أى مساءٍ أبحــثُ عنـــكِ .. وقــد أعيـــت جفونى أنات السهر
أنى لى النوم وما زلتِ أعانى .. بين سطور الغيـاب وحمى السفر
...................................
ثم سكت أحمد عن النحيب والأنين .. وتذكر ما حدثته به الدكتورة " هدى " عن المرض وأشعل سيجارته فى تهكم على الحياة ثم استطرد قائلاً :
أيا زورق الحياة ... وروح الضمير ...
أتُراكِ تذكرى أحاديث الهوى بيننا ..
أم تناسيت روح بكِ قديما قد هامت .. وقلب لجفاكِ تحجر ...
قد كان هذيانى تراتيل عاشق فى حضن الأنين يتمزق ...
لما كل هذا الغياب .. لما كل هذه القسوة ..
أتتركنى فى زحمة الأشواق وحدى أصارع اللهيب..
رفقاً بى .. فاليوم ذكرى لقائنا ...
حبيبتى ... كاد الشتاء أن ينحسر .. وأذن مجدداً فجرالخريف ...
فمتى تعودى كى يعود الربيع
..................
انتابته نوبة صمت وتذكر بكائها له يوماً .. فهب بنفسه قائلاً :
دموعك زائفة ... فلتحتفظى بها لنفسك
كيـــف تقاسمينى البكاء ...
لا يليق هذا وقـــد كنت رقـم مجهول الهوية عبـر حياتــك
هنا مساء آخر يجمعنى بك تنفيذاً لأحكام القدر
أرى الحروف صامتــة ... لهــــذا الغيـــاب
أأيقظنى الوجع ... !!
أم تكسرت أقــلامــى ... فوق صخر السراب
راقبينى كيفما شئتى.. لم أعد أبالى
ولتتحملى نظراتـــــى الصامتـــــــــة
.......................................
نعم اليوم أتعمد إجهادك
حتى حروفى نائمة فى بحر من الألم
أى حديث سيكون بعد الآن ...
وقـــد بدأت رائحـة المــوت ... تخـرج مـن بيـن أنفاســــى
أبتلــع العمـر فى صــــدرى ... وأُنهـى معـكِ حُلـم الحيـــاة
لقـــد أوصيتـك منـــذ زمـنٍ ... أما الآن فقد أوصيتهــم عليــكِ
............................................
لقد جاء أحمد لهذا المكان ليرثى ذكرى الرحيل
فى نفس الموعد الذى كان إيذاناً للقاء
* بدأ أحمد يعد نفسه للعودة إلى القاهرة من جديد .. فركب سيارة متجهة للقاهرة
وما إن تحركت السيارة حتى أغمضى عينيه لكن لم تحمل عينيه وابل من سيول الدموع التى اخترقت قلبه .. فظل مغلق الجفنين وما انقطعت عنه الدموع
ليتذكر فى نوبة نوم بألم الكثير والكثر من صور عمره
حنين
اشتياق
قسوة
حب
حرمان
طفولة
شباب
كل ما مضى من عمرة هرول مسرعاً أمام عينه بصورة باسمة تارة وحزينة مؤلمة تارة أخرى
ألم شكوى أب أم إخوة أصدقاء مرض ابتسامة دمعة ترعة طائرة صرخة حداد أمل شمس منى هدى
تذكر الكثير
صفاء أحمد مصطفى رباب يحيي نور عتمه ملاك عبد الله حنان شعبان زوزا حدوته إيناس
غادة ذكرى رحاب بسيونى فارس كريم محمد عمرو
إلهام عبلة ضياء حادثة جامعة طريق سيارة ملامح مآذن طوق ورده ياسر سفر حنين
نانو فوضى منيرة محمود هدى ياسمين ورده بيضا عبير نونا ياسمينا
رسالة قلب حروف أقلام شعراء أقدار ذكريات داليا حبر غصون وطن شهيد جروح لجين ثورة مؤامرات تاريخ
وحاجات كتير
نهى إنسانة إنسان عوبد ليالى مرمر فراشة حياة رداء عذاب رحيل فراق لقاء نجود فاطمة
كتير من الصور مرت عليه وجسده يرتعش
مقابر ........... مووووووووووووت
فجأة يستيقظ ليجد أحمد نفسه وحيداً بالسيارة ومتوقفة على قضبان سكة حديد " ميت غمر " وقادم إليها قطاراً مسرعاً نحوها ومن حول السيارة كثير من الناس ودنا القطار من السيارة واصطدم بها
ليصرخ أحمد فجأة صرخة كبيرة
فينتفض من نومه الأول ليجد نفسه كان فى حُلمٍ .. وأنه لم يغادر بلدته بجنوب مصر
فاسترد أحمد وعيه من الحلم قائلاً بكلمات عميقة رددها
كن لازم أموت
لازم أموت
لازم أموت
أنا وأنت ............ حلم لم يكتمل
***************************************
بقلم // رداء الحداد " يحيي "