WA-WEEKLY

 

 

إن سبب ذلك قد يعود إلى ما أصاب العقل المسلم في العصر الحديث من اختلالات وبدع فكرية وفلسفية لم يكن لها سابق وجود لا في عهد السلف ولا في عصر الخلف، والتي حصلت بموجب عوامل ذاتية وموضوعية لعل أهمها غياب الكدح، وقلة اقتحام العقبات، وتفشي ظاهرة الوهن، والإخلاد إلى الأرض، وحب الدنيا وكراهية الموت، وكذلك التحامل المستميت لأعداء الأمة وتلاحق سلسلة تآمرها وكيفيات وأشكال استعمارها، من الاستيطان إلى تغيير العقليات وتشويه الذهنية العربية والإسلامية العامة، حتى تتهيأ للصيغ الفكرية الوافدة والرؤى الأيديولوجية والتيارات الهدامة المتعددة. فإعادة بناء العقل العربي الإسلامي وتجديد صياغته وفق منهج الإصلاح الإسلامي، يعد من أعظم المهام الاجتهادية المنوطة بدور الخاصة من الأمة، مجتهدين ومصلحين، وقادة ودعاة وخبراء وغيرهم، بل إنه الهدف الأكبر والإطار الأجمع الذي ستؤول إليه كافة الإصلاحات والاجتهادات، العامة والخاصة، الكلية والجزئية.
وليس هذا بدعًا، فهو متوارث نقلاً وعقلاً، فمن جهة النقل نلحظه في الخطاب المكي كما ذكرنا، حيث عمل في تلك الفترة على صياغة العقول، وتزويدها بالعقيدة الإسلامية الصحيحة المخالفة للبدع والهفوات الفكرية الموجودة عصرنا على نحو الشرك وعبادة الأوثان، والاستقسام بالأزلام، والتطير، والتعصب للقبيلة، والتشفي والثأر، والتنابز بالألقاب، وغير ذلك من النعرات الجاهلية والممارسات الشركية والعرفية والسلوكية، التي خالفت في طبيعتها ومنهجها وكيفيتها طبيعة الاعتقاد السماوي السليم وخاصية التعبد الإسلامي الموزون. أما من جهة العقل، فهو معلوم ومعقول أن تكليف مَن ليس له عقل أو من لم يتهيأ عقله بعد، سواء بعدم نضجه بتمام البلوغ أو بتمام الاستعداد والاقتناع، هو في حكم تكليف المجانين والبله الذين وإن كان لهم عقل فهو في عالم المادة أو الحس، المتمثل في كتلة المخ المحفوظة في الدماغ، وليس عقلاً يتمثل في ملكة الفهم والاستيعاب والتمييز والتفكي .
إن هذه الصياغة الجديدة للعقل لها مهمتان اثنتان:
_ إعادة التأصيل للعملية العقلية، حتى لا ينظر إلى القواطع والثوابت على أنها مما يعاد فيه النظر تحت ضغط الواقع وتأثير المتغيرات ومواكبة الحضارات والتطورات، فواجب العقل الخاص والعام التحرك في إطار المنظومة الشرعية والأبعاد الدينية والاعتقادية والأخلاقية، وفي اتجاه تقرير حق الخالق في العبودية والإلوهية الحاكمية والتصرف.
_ إعادة المعاصرة ، وتأكيد واقعية العقل وتفاعله مع الظنيات الاجتهادية المحكومة بالمقاصد الشرعية المنضبطة، ومناظرته للمستجدات والتطورات، واتسامه بالنزوع نحو العلمية والتخصصية والعملية والتجاوب مع فوائد الحضارة المعاصرة، والأخذ منها بأقدار مصلحية تستجيب للضوابط الشرعية والأخلاقية والحضارية .
ولعل من ضروب ذلك، الاستفادة مما توصلت إليه الحضارة المعاصرة من معارف ومعلومات عقلية يقينية أو قريبة من اليقين، يستعان بها خصوصًا في الترجيح والتغليب، شريطة أن لا تزل بها الأقلام والأقدام، وأن لا تبنى المقاصد فيها على المزاعم والأوهام.في ظل هذه الحالة كان التوق لعقلانية إسلامية عربية راشدة تنقل الشعوب من مصاف الانفعال الفوضوي إلي مصاف الانفعال النهضوي، فالإنسان كائن عقلي والعقل لديه هو سلطان وجوده كما قال الإمام محمد عبده-رحمه الله..وبدون العقل يفني الإنسان بفنائه لنفسه..فهو ميزانه ودليله..وليس أسلم للإنسان من حِكمة بالغة ووعي راشد خاصة في هذا الوقت..ليس هذا تأليها للعقل..فالعقل مرتبط بمصادره المعرفية التي تضم مصادر أخري كالنقل والوحي..وعليه فبرهان العقل ليس شرطا أن يُحمل علي تصور ذِهني تنظيري غير تجريبي..فكفاية الوحي والنقل تجعله متحد مع نفسه وبالتالي يَخلُص إلي نتائج –في هذه الحالة- هي عبارة عن حلول عملية لمشكلة ظن البعض أن لا ملجأ منها إلا إليها... المبدأ في هذه الحالة يتطلب الوقوف علي مقدسات لا يَخرقها انفعال أو فِعل أيا كان مصدره..وأري أن أولي واجبات النُخبة هو الوقوف علي ماهية تلك المقدسات وإعادة صياغتها وطرحها علي الشعوب بشكل يتناسب مع طبائع الشعوب وثقافتهم..فعلي سبيل المثال هناك بعض المقدسات كالإصلاح والوسطية وقضيتي فلسطين والمقاومة وقضية التعايش وقضية السلام وقضية الوحدة وما إلي ذلك من قضايا جوهرية لا خِلاف علي قًُدسيتها بين جميع الفُرقاء...فالبرجماتية النفعية والميكافيللية التبريرية قد تقضي علي بعض هذه المقدسات فيما لو تم التعامل مع هذه المقدسات كفكرة جامدة معروفة الأبعاد والثوابت فكان العجز عن مطابقتها مع الواقع والفشل الذريع بتكييفها مع المستجدات..
إذا كان التغيير ينصب على الذات فالإعداد ينصب على الجماعة المسلمة بالدرجة الأولى لكي يحمي من ثم الذات المؤمنة من التضييق في العالم ..
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُم... ْ﴾ الأنفال:60والعلم الحديث ليس ابن الحضارة الغربية وحدها , لكي نتردد في احتضانه و تنشئته .. ولكنه تمخض أبدي لتراكم في الخبرة البشرية .. وكان لحضارة الإسلام نصيب وافر في وضع دعائمه , وتصحيح مناهجه .. إننا نجد العديد من المبادئ الأساسية للحياة الإسلامية من مثل الاستخلاف و التسخير و التوازن و الارتباط المحتوم بين معجزة الخلق ووجود الخالق .. لا يمكن تنفيذها و تعزيزها دون الاعتماد على العلم أداة لتحقيق هذه الأهداف .. ونجذ القرآن الكريم يطرح لأول مرة منهجا حسيا تجريبيا للنشاط المعرفي , هو نفسه الذي يعتمده اليوم العلم الحديث .. يذكر القرآن قصة نبي الله داوود و سليمان عليهما السلام ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ . أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ . وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ. يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ سبأ:10-13


WA-WEEKLY

صحيفة " الوطن العربى الأسبوعية " المستقلة الشاملة - لندن ، المملكة المتحدة .. رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير : د. علاء الدين سعيد

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 228 مشاهدة

رئـيـــــــس مـجــلـــــــس الإدارة و رئـيــــــس الـتـحـــــــــريــــــر د. عـــلاء الـديــــن ســــــعــيــد

WA-WEEKLY
* السـنة الرابعة * العدد رقم ( 208 ) - ************ الخميس الموافق 27 نوفمبر 2014 تصــدر مـن الـقـاهـرة - جمهـورية مصــر العربيـة ====================== ALWATANULARABY JOURNAL ********* Chairman and Editor in Chief : ALAUDDIN SAID ====================== No. 208 - 27 of Nov 2014 ====================== CAIRO - ARAB REPUBLIC OF EGYPT »

ابحث

إشترك فى قائمتنا البريدية ليصلك كل جديدنا ضع ايميلك هنا ثم اضغط للإشتراك

Delivered by FeedBurner

لا تنسَ الرجوع إلى أيميلك لتفعيل الإشتراك

لمراسـلتنا بأعمالكم و أخبارِكم و آراءِكم .. إيميلات إدارة النشر بالصحيفة 

  [email protected]
أو إلى
[email protected]
أو إلى
[email protected]

 برسـالة متضمنة السيرة الذاتية الموجزة موضحة بها بياناتكم وعنوانكم وجنسيتكم وصورة شخصية مختارة للنشر مع موضوعاتكم ، مع خالص تحياتنا وتمنياتنا 

  

أهم و آخر الأخبار

================================

  •   مفتي تونس: 16 تونسية سافرن الى سوريا ل"جهاد النكاح" الذي اعتبره "بغاء"
  •  طلاب إماراتيون يصممون سيارة تقطع ألف كم بلتر واحد من الوقود
  •  طيران الامارات يرعى بطولة فرنسا المفتوحة للتنس خمسة أعوام ..
  •  الأمم المتحدة تطلق تقريرها السنوي للتنمية البشرية لعام 2013
  • عاطف عبدالعزيز وقراءة في" الحياة السرية للآباء " للشاعر صلاح فاروق
  • أقـلامٌ و آراءٌ حُـرّة

    =================================

  • الكاتب العراقى دكتور : عزيز العلي ، يكتب : ثورة ربيع العراق ، والمعركة الاستخبارية الدبلوماسية
  •  الكاتب السورى دكتور غسان شحرور ، يكتب : لغتنا الجميلة في عيدها .. هل اقترب نعيها ؟!
  •  الكاتب السورى دكتور غسان شحرور ، يكتب : في يوم "داون" العالمي ، دعوة إلى مواجهة التحديات
  • حينما توشك الدولة على الافلاس ، هل يمكن انقاذها - بقلم الكاتب المصرى دكتور : حسين الكاشف

  • كُتـَّاب ٌ و أعمـِدَةٌ و أقلام

    ============================
     

    ضع هنا التعليق المناسب

    ضع هنا التعليق المناسب

    ضع هنا التعليق المناسب

    ضع هنا التعليق المناسب

    ضع هنا التعليق المناسب

    ضع هنا التعليق المناسب

          

      شاركونـا صفحاتنـا 
    على المواقع الأخرى

    مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  /// مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  /// مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  /// مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///  
    مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///  مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  /// مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  /// 
    مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///  مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///  مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///  مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  /// 
    مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///  مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///  مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  /// مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///  

    تقارير و دراسات

    =========================

  • مصر- نقيب عمال مصانع الطوب:اصحاب مصانع الطوب اعلنوا توقف المصانع نهائيا بعد ان فوجئوا بان التفاوض كان حبرا على ورق ...
  • خاص " الوطن العربى "- اليمن : قضية صعده من وجهة نظر(الحوثيين) في ورشة عمل بصنعاء  
  • ننشر القائمة الأُولى لأسماء افراد جماعة الاخوان الذين إحتلّوا مناصب الدولة خلال 7 أشهر فقط 
  •  تقرير لـ"سي آي إيه" يُلمح إلى استخدام إسرائيل السلاح النووي في حرب 1973 ضد مصر وسوريا
  •  إسرائيل خططت لقتل خال صدام لنصب فخ لاغتياله خلال جنازته