العالم و المفكر دكتور جمال مصطفى سعيد
يكتب : صحة فخامة رئيس مصر القادم ..!
المرحلة الانتقالية شارفت علي الأنتهاء وتسليم قيادة السلطة المؤقته مقاليد الحكم إلي رئيس الجمهورية الذي سيختاره الشعب أصبح علي بعد شهور.. ومرحلة جديدة ستبدأ، عنوانها المأمول هو الأستقرار والأمن والأمان والهدوء .
ورغم ذلك فأن غالبية المصريين في حالة قلق لأنهم لايريدون أن يمنحوا ثقتهم لمن لا يستحقها أو لمن قد يستغل هذه الثقة في غير موضعها - كما حدث - أو يعيد الي هذا المنصب الرفيع كل أو بعض عيوب الماضي التي عاني منها قديما من الدكتاتورية والأستغلال وعدم الأمانة ...الخ ولكنني كطبيب لدي قلق من نوع اخر يتعلق اساسا بصحة " فخامته" وعمره ، لأن هناك أرثا ثقيلا في انتظار رئيس مصر القادم لايستدعي فقط ان يكون الرئيس شابا ويتمتع بصحة جيدة ولكن يستدعي ايضا ان يحسن اختيار مساعديه علي ان يكونو ا ذوي صحة جيدة وطاقة كبيرة أيضا .
وقد شجعني علي كتابة هذا المقال ما أوصي به - ثم إعتذر عنه بعد ذلك ...! - مرشح سابق للرئاسة عن ضرورة كشف الحالة الصحية للمرشحين وأنه لا يمكن لمرشح يعاني من أمراض معينة أن يعمل كرئيس جمهورية, و إن من يقدم علي وظيفة حتي وان كانت درجة سابعة، يطلبون منه كشف صحي كامل للتأكد من كونه قادرا علي أداء المطلوب منه خلال وظيفته، فكيف لمن يقدم علي شغل وظيفة رئيس الجمهورية ألا يكشف عن حالته الصحية وخاصة أن هذه المهنة بها العديد من المهام الشاقة ، ولا يمكن لمن يكون مريضا ببعض الأمراض أن يقدر عليها. ومن المهازل التي تمت في الأنتخابات السابقة - لعنها الله - ما عرضه مرشح أخر في أحد برامج التليفزيون وعلي الهواء ما أسماه " تقرير" عن حالته هو الصحية أفاد فيه بأنه مريض ضغط وسكر " فقط" أصيب بهما بسبب نظام مبارك - أي والله - ، وانه الآن لا يعاني من أمراض أخري ولكنه تعرض سابقا لأزمات صحية وشفي منها ، أما الثالث فقد قرر أنه بصحة جيدة، وأنه لم يجر إلا عملية قلب مفتوح في أمريكا عام 2001، مشيرا إلي أنه منذ هذا التوقيت وحتي الآن هو علي ما يرام، قائلا "ملفي الصحي هو: عملت جراحة قلب مفتوح سنة 2002 وعدا ذلك معنديش حاجة".
وهذه ليست تقارير صحية ذات معني بل هو الهزل في موضع الجد، لأن باحثي العلوم السياسية في جامعة ايوا الأمريكية سبق وأن قرروا أن الصحة العامة للرئيس - ونائبه - هي أشياء في غاية الأهمية لان الرئيس سيصبح اهم مواطن في دولته بعد انتخابه.
وهنا علينا ان نذكر نقطتان مهمتان : هل يحق للناخب في مصر أن ينظر بأهمية الي سن الرئيس القادم وهل يجب عليه ان يريط الكفاءة بمرحلة الشباب؟ وهل ينظر هذا الناخب الذي يتطلع الي مستقبل جديد - قد يمتد الي ثمان سنوات - بأسي الي أعمار من سيرشح نفسه للرئاسة بعد شهور؟ أما السؤال الثاني : هل تهمنا الصحة " الأجمالية" للرئيس كما أشار بعض من رشح نفسه عقب ثورة يناير او يجب ان يكون لدينا سجلا أكثر تفصيلا من الوجهة الطبية الأحترافية؟. الأجابة القاطعة هي أننا لا يجب ان نربط بين كبر السن والشيخوخة..! وأويد هذا برأي باحثة أمريكية تدعي مارجريت حيث قالت انك اذا قارنت بين شابين في عمر 25 سنة فغالبا ماستجد صحتهما متماثلة .. ولكن اذا نظرت الي شخصين تعديا الثمانين مثلا فهما بالقطع مختلفان في حالتهما الصحية وقدرتهما علي الأداء واستخلص العديد من الأطباء الباحثين بعد ذلك ان السن لايجب اطلاقا ان يكون احد العوامل المهمة او المحددة التي ترجح كفة مرشح علي الأخر علي عكس اعتقاد غالبية الناس فالمرشح الأمريكي السابق ماكين رغم سنه الكبير كان يشتعل بالحماسه الواضحة التي تفوق حماسة الشباب كما انه يتميز باهتمامه بصحته علي المستوي الشخصي، واضيف انا الي ذلك اننا نعيش عصرا ارتفع فيه متوسط الأعمار الي حد كبير مع الأبقاء علي الحيوية والنشاط عند حدها الأعلي، ولا ادل علي ذلك من انك ربما تحصل علي مرشخ صغير السن في المفهوم العام يموت في العام التالي لولايته واخر كبير السن في المفهوم العام يستكمل دورتين رئاسيتين بنفس الهمة والنشاط اللتان بدأ بهما...!!! بل انني اري في حالتنا المصرية ان اكبر المرشحين ستا في الانتخابات الرئاسية السابقة وهو القدير عمرو موسي كان بالأجماع العام اكثرهم نشاطا، والأكثر من ذلك ان المرشحين اللذين تميزا بصغر السن لا يعرفهم الكثيرون من المصريين الناخبين ، بل ان واحدا منهم أعلن أن لا برنامجا إنتخابيا له وهذه كهولة وشيخوخة ذهنية تساوي القدرات الذهنية لمن هم في الثمانينات من العمر كما انها أستهتار بالناخب وثقة فارغة في غير موضعها.. فلا علاقة أذن بين السن والصحة والكفاءة ، وبناء الأختيار علي أساس سن الرئيس هوأهانة بالغة وخاطئة للعملية الديمقراطية التي نحمد الله ان مصر بدأت فيها.
أما أذا كان المرشح يريد أن يقدم تقريرا عن صحته فلكي يكون مفيدا يجب ان يكون" مفصلا" وليس أجماليا " كما ذكر المرشحان السابق ذكرهما خصوصا ان المرشحين الثلاثة الذين أفادوا بأصابتهم بمرض السكر قد أشاروا الي ذلك وكأن ذلك شيئا عاديا وربما تافها وهو طبيا غير ذلك بالطبع مع كل التقدير لمرضي السكر جميعا... فلا يوجد مرض في الطب له تأثير ضار ومباشر علي كل الأعضاء الداخلية - بلا أستثناء - كمرض السكر.
وأذا قدر لي - كطبيب محترف - ان أناقش المرشحين عن حالتهم الصحية فسوف اقوم يسؤالهم عدة أسئلة ذات دلالات مؤكدة نستطيع بعدها ان نحصل علي تقدير حقيقي (ربما بنسبة مئوية) عن حالته الصحية تفصيليا وليس أجماليا. فيهمني ان أعرف هل يعاني سيادته من نوبات دوار؟ أو يتعاطي ادوية بغرض زيادة انسياب الدم في الدورة الدموية للمخ ؟ هل يتوتر بسهولة ؟ وهل لديه رعشة في اليدين أو يعاني من صعوبة في النوم؟ هل يعاني من نوبات من الصداع المتقطع مصحوبة بتورم في الساقين وضعف تدريجي في الأبصار؟ اذا كان مريضا بالسكر فكيف يعالجه هل بالأقراص أم بالأنسولين وهل سبق دخوله في غيبوبة تسبب فيها زيادة او نقصان نسبة السكر في الدم ؟...وهل مرض السكر هذا من النوع الأول شديد المضاعفات أو من النوع الثاني الذي يمكن ترويضه بسهولة ، وهل أثر المرض علي قدميه أو علي وظيفة كليتيه؟ هل سبق واصيب بالألتهاب الكبدي بنوعيه المحددين " ب" و"سي " وهل تنتابه اغماءات غير مبررة أو ضعف في الذاكرة؟ هل أجري عمليات كبيرة في القلب أو المخ أو الكبد وماذا كانت اسباب ودواعي ذلك ....هذه أعراض مهمة تشير الي امراض مزمنة خافية سينعكس تأثيرها علي قرارات الرئيس ولا تمثل بالضرورة عائقا لتولي سدة الحكم ولكنها تحتاج الي ان نعرف ذلك من الآن لأن تأثيرها لايدركه عامة الناس ولكن يعرف الأطباء حطورته.
يجب أن نتعلم من الماضي القريب الذي عانينا منه ونأخذ منه عظة وعبرة .