تعاتبني الأحبة والغوالي
معاتبة الأوائـل للأوالي
ولي روحٌ تهيم بكل أرضٍ
ولي جسمٌ يؤول إى زوال
وقالوا أين ظلكَ لا نـراه
كأن النورَ ينفذُ من خلالي!
فقلتُ لهم تقابلني بحلـمي
وعدتًُّ ولم يعدْ ظلي كحالي
وقالوا لم تعدْ يابن الكرامِ
كأنك في غرامكَ لا تبالـي
يلاقي نقدهمْ قلبي بصبـرٍ
ملاقاةَ الفوارسِ للنبــال
ويجهلُ من يخادعه سكوتي
ولا يسلو وقلبي غير سـال ِ
بعين لا ترى شوقا بعيني
كأن العين منه في قذال1
ولو أنّي عددت حروف لومي
لماثل عدّ حبات الرمـــال
كأن العشقَ مولودٌ جديــدٌ
وقبل الآن لم يخطرْ ببــال!
ولم تسهدْ قلوب قبل قلبـي
ولم تعشق أحبتها الخـوالي!
وهل ترقى الحياةُ بلا حنينٍ
وعشقٍ يبتلي صبرَ الرجـال
ونجمٌ يستمعْ أنات قلــبٍ
لصبٍ هائم فوق التـلال2
وحلمُ قدْ يؤولُ إلى محـالٍ
ودمعٌ قدْ يسيلُ علي طلال3
فمن عاشَ الحياة بلا حبيبٍ
كمن لاقى العدو بلا نصـال
أطاوع كل ظني في هواها
إلى أن صار كوني في خيالي
لأني كلما فكرت فيهـــا
أرى نفسي أفكر في الجمال
أقلبُ طرفي المأسور منها
بطرفٍ مالكٍ سر الــدلال
فإن طلعتْ نظرتُ إلى ذكاء
وإن نظرتْ نظرتُ إلى غزال
وإن صفنتْ نظرتُ إلى ملاك
وإن ضحكتْ نظرتُ إلى لآلي
وأعشقُ صدها وسهاد قلبي
كأن الصدّ من لغة الوصال
بدتْ لي أحرفا في كل همسي
وقافيتي ونثري في مقــال
وساكنة البحور وكل شـعري
وباعثة الخيال إلى الخـيـال
وتسأل نبضتي عنها فـؤادي
وإن سـكتتْ يحنّ إلى السؤال
ألاقيها بليلي طول ليلـــي
كأن الدهر يمضي في ليـال
فلا شمسا ترى في أي أرض
كأن الشمس ترقى في حجال4
إذا غاب الهلال وجاء بــدرا
ترى بدرين في يوم الكمــال
أيا نبضي وملهمتي وبـوحـي
وساحرة بدتْ في كل حـــال
أحبك مذ بـدا في الكون حبٌ
وأعشق وصـل قاطعة الوصال
أحبك قبل خلق الناس طـرّا
أحبك قبل تكوين الجــبـال
وقبل النور في وجـه الذكاء
بأولِ مشرقٍ في ذا الجـلال
وقالوا كالنساء بكل جـهـلٍ
كأن البدر في وجه الهـلال!
ومثلك لا يرى قلبي وعقـلي
كأنك سر تكوين المحــال
ومثلك في الورى لا ليـس إلا
مثال بان مفقود المثـــال
-------------
(1) قذال/ مؤخرة الرأس.
(2) صب/ العاشق الذي صابه وجد.
(3) طلال/ طلّ الرجل علي حبيته أي أتاها . وهنا بمعنى البكاء علي لقاء.
(4) حجال/ بيت صغير داخل البيت تستر فيه النساء.