الشاعر اللبنانى
محمد إقبال حرب
============
الغَواية
خلف جدار الشمس
ولدت أسطورة
من كلمة مسحورة
أرضعتها عرافة
طلاسم مغمورة
وعند ضفاف نهر مبجل
بالقداسة مكلل
اشتعلت النيران...
وامتزجت رائحة الند بالصندل
تسارعت نواميس
تهافتت قداديس
بين أسفار وآيات
لتأبين ووداع
عند أحياء وأموات
في رباط وانقطاع
فالجمع إلى لقاء
في عود أو فناء
والأرواح في سبات
على قارب الفناء
تجرها الغَواية
إلى ما لا نهاية
قالت الأسطورة
بأن سِفر الغَواية هو النهاية
وقالت العرافة
بأن الغَواية ليست النهاية
بين هذه الألحان
ومداعبة الشيطان
يتساءل البشر
هل الغَواية قضاء أم قدر
------------------
*غَواية = الإنهماك في الغي
الغَي = الضلالة والخيبة
محمد إقبال حرب
=======
هل نحن مع نص عن فلسفة الوجود؟ هل ينقلنا أ. محمد بين يدي نصه لنناقش ما فطر الله الناس عليه، وما هم فيه من سقوط في براثن الغواية؟ وقد اختار شاعرنا لقصيدته عنوان (الغواية)، والغواية إمعان في الضلال والتضليل... فمن يغوي لا يكتفي بأن يضل بل يسعى لجذب الغير إلى الضلال، لكن الغواية مصدر تتحدث عن الحدث (الضلال)، دون أن تحدد فاعله.. يقول: (خلف جدار الشمس ولدت أسطورة من كلمة مسحورة، أرضعتها عرافة طلاسم مغمورة)، والشمس رمز للنور والوضوح وجلاء الرؤية والعطاء والقوة... وبعيد عن هذه الشمس، ولدت أسطورة، والأسطورة أحدوثة مختلقة غير حقيقية أو منطقية، وإمعانا في استبعاد صدقها، جعل من نماها وقواها ونشرها (عرافة) أرضعتها ما تريد منها أن تعرفه، والعراف في أصل الكلام العارف ببواطن الأمور، لكنها هنا بمعنى مدعية معرفة الغيب، فقد زودتها بالكثير من الحجب والكتابات غير المعروفة اللغة لتقويتها لدى السامعين غير المتعمقين في المعرفة، فهي أسطورة الغرض منها إتلاف عقول السامعين وإبعادهم عن الحق والصدق والعقل والمنطق... ويستمر أ. محمد في عرض طقوس الأسطورة، يقول: (وعند ضفاف نهر مبجل، بالقداسة مكلل، اشتعلت النيران... وامتزجت رائحة الند بالصندل)، واختار ضفاف النهر حيث الماء والزرع والخصب، وحيث يقيم الناس وتنشأ الحضارات، فهي قد أرادت لقصتها أن تنتشر وتشتهر... وهو نهر غير عادي، بل نهر معظم، والنهر ماء وعطاء وحياة وغد ومستقبل واعد... وهو نهر مقدس إذا العرافة تحيط الأسطورة بجو مقدس وتمنحها الخير الكثير ليكون تأثيرها أوضح والتعلق بها أقوى وأثبت، والأسطورة تحتاج إلى جو من السحر والشعوذة لتنمو فيه فكان اشتعال النيران، وامتزج دخانها برائحة العطر المنبعث من نباتي الند والصندل... ويكمل: (تسارعت نواميس، تهافتت قداديس، بين أسفار وآيات لتأبين ووداع، عند أحياء وأموات في رباط وانقطاع)، تجمعت بل تسارعت نواميس القوانين والشرائع لتحيطها بهالة من الضوابط والمعايير، وتساقطت قداديس الماء والحبوب، ليتوقف دوران النواعير، فيتوقف الزرع عن النمو، فتجف الحبوب... فتتساقط قداديس المطاحن.... في إشارة إلى فقر وجفاف يحىن تدريجيا ...وهي بيئة صالحة لنمو الأسطورة ، و(تهافتت) تعني جاءت مسرعة تعبة منهارة... جاءت الانهيارات الفكرية والأخلاقية لتأبين الخير والحق والعدل، والاعتراف بوداع لا لقاء بعده... بين الأحياء المتمسكين بالنور والحق والحقيقة، والذين ساقتهم الغواية فأصبحوا أحياء أموات مساقين إلى طريق لا عودة منه ... فالناس يسيرون إلى وعد موعود دون تفكير أو وضوح رأي ورؤية فهم ضائعون بين طريقين إما عودة عن طريق الغواية وإما فناء وضياع فيها، والأرواح مستسلمة لقدر غير قدرها تسير بها الغواية إلى الفناء واللا عودة والا نهاية ... ويعود شاعرنا ليأخذنا إلى الخلاف الواقع بين الأسطورة، والعرافة، فالأسطورة ترى بكل قناعة وثقة بأن الطريق والنهاية للغواية، بينما ترى العرافة عكس هذا ... والناس لا رأي لهم منساقين إلى طريق لا يدرون أين يقودهم... وكأن الأمر لا يعنيهم ولا علاقة لهم به... وفي هذا الصراع الذي تحركه أيادي الشر يختلف الناس لا حول كيفية مجابهة الواقع والتخلص منه ، كيف يعودون عن طريق الغواية إلى طريق النور ... يتركون هذا ليختلفوا حول هل الغواية قضاء دنيوي واختيار بشري، أم قدر رباني محكوم عليهم السير فيه ؟ هل هم مخيرين فيه، أم مسيرين وفق حكم إلهي يتجاوز قدراتهم