أولا وبدون أدنى تردد أكره كل كلمة سوء تطال نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم فداه أبي وأمي, وأؤيد وبدون تردد الغضبة الشعبية في كل الدول الإسلامية على كل ما يمس رموز الإسلام بسوء , وهذا موقف غير قابل للتغير لأنه ينبع من إنسانيتي قبل أن ينبع من إسلامي .
ولكن ينبغي أن ندرس ما الذي يدفع البعض للتعرض للإسلام في العصر الحديث , وإذا ذكرنا أهمها والذي تعرض لها الإعلام المحلي والعالمي فنجدها كثيرة ولكن سأطرح أهمها.
نقف أولا أمام حادثة كتاب آيات شيطانية لكاتبه سلمان رشدي , والهبّة الشعبية الكبيرة , وقد قرأت الكتاب , فوجدته كتابا سيئا بكل معنى الكلمة , أدبا وعرضا وموضوعا , ولكن بسبب ما صاحب إصدارة من حوادث نال شهرة عريضة وحقق مبيعات كبيرة , والمؤذي في هذا الموضوع هو حصول سلمان رشدي على جائزة "ويتبيرد" وحصوله على جائزتين أخريين هما منحة "توغولوسكي" للآداب السويدية حصل عليها سنة 1992 و جائزة "آريستون" عن المفوضية الأوربية حصل عليها سنة 1996 . والمحزن اكثر هو حصوله على لقب " فارس " عام 2007 من ملكة بريطانيا .
ثم جاءت أزمة الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم في 30 سبتمبر 2005 حيث قامت صحيفة "يولاندس بوستن" الدانمركية بنشر 12 صورة كاريكاتيرية للرسول صلى الله عليه وسلم وبعد أقل من أسبوعين وفي 10 يناير 2006 قامت الصحيفة النرويجية " ماجانيزت" والصحيفة الألمانية "دي فيلت" والصحيفة الفرنسية "فرانس سوار" وصحف أخرى في أوروبا بإعادة نشر الصور الكاريكاتيرية , وهي رسوم سخيفة لا ترقى لفن الكاريكاتير ولكن أن يتوالى نشر الرسوم القبيحة والتي لا تنتمي لفن الكاريكاتير في عشرات الصحف الدانيمركية والأوربية تضامنا مع الصحيفة والرسام بالرغم من غضب الشعب العربي والمسلم في كل انحاء العالم يستحق الوقوف أمامها ودراستها.
ثم جاءت محاضرة البابا "بنديكت" السادس عشر والتي كانت ضد الإسلام وضد نبي الإسلام في بداية تنصيبه قال البابا فيها مستشهدا بحادثة تاريخية بين الإمبراطور البيزنطي المسيحي "مانويل باليولوجوس الثاني" وأحد المثقفين الفارسيين حول حقائق المسيحية والإسلام في القرن الرابع عشر."وتحدث الإمبراطور عن موضوع الجهاد، الحرب المقدسة. وقال الإمبراطور - وأنا هنا أقتبس مما قاله - أرني شيئا جديدا جاء به محمد، وهنا لن تجد إلا كل ما هو شر ولا إنساني، مثل أوامره بنشر الإسلام بحد السيف". وثارت ثائرة الدول الإسلامية , اصدر بعدها البابا بيانا ان محاضرته فهمت خطأ .
ولا ننسى ذكر ما حدث عندما هدد القس" تيري جونز" بحرق نسخ من القرآن الكريم , وحدوث الهبة الشعبية للوقوف ضد مثل التصرف , وهو قسيس لكنيسة الصغيرة في مقاطعة "الاشوا" في ولاية فلوريدا لا يزيد عدد أعضائها على خمسين شخصاً. ولم يكن احد يعرفه إلا في محيط كنسيته ولكن بعد حادثة 9/11 ,وضع إعلانا بجانب كنيسته "الإسلام هو الشيطان" ونشر كتابا بنفس هذا العنوان ولم يحقق أي مبيعات , ولكن تفتق ذهنه عن إعلانه عن حملة لحرق القرآن الكريم وثارت ثائرة الشعوب المسلمة , نتج عنها العديد من القتلى مما دفع الحكومة الأمريكية إلى عقد صفقة معه بغض النظر عن مخالفات ضريبية وتحقيقات حول العديد من القضايا منها تأجير أرض الكنيسة كموقف للسيارات , وجمع تبرعات في ألمانيا , وهكذا نجا هذا القس المغمور من السجن ونجح في تسويق كتابه وأصبح نجما إعلاميا في العالم .
ثم آخرها ما يحدث هذه الأيام من إشهار مجاني للفلم السيئ إخراجا ومادة وعرضا يسيء لنبي الإسلام عليه الصلاة والسلام . والذي تم نشره في موقع يوتيوب في أخر شهر يوليو الماضي و لم يحقق مشاهدة تذكر مند نشره إلى حين وقوع الاحتجاجات , إذ حقق اقل من 5 الآلاف مشاهدة وهي نسبة بسيطة , وبعدها بدأ يحقق الملايين , وهذا الفيلم أنتجه عصمت زقلمة، رئيس ما يُسمى بـ«الدولة القبطية»، والمحامي موريس صادق، أحد قيادات أقباط المهجر، والقس القبطي مرقص خليل عزيز كاهن الكنيسة المعلقة وكان القس الأمريكي المتطرف" تيرى جونز" وهنالك احد اليهود الإسرائيليون قد ساهم به , وقصته تافهة حيث انه يبدأ بعرض قصة قبطي صاحب صيدلية وزوجته طبيبة فتحت عيادة في الدور الثاني من الصيدلية ويهجم عليهم مجموعة من الأشرار ملتحون ويخربون الصيدلية والعيادة ويهرب الصيدلي وزوجته وابنته التي تسأله :- من هؤلاء فيقول لهم أنهم أتباع النبي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ويبدأ في الخوض المسيء للنبي عليه الصلاة والسلام , وقد رفضت كل دور العرض في أمريكا عرض الفيلم, وفشل فشلا ذريعا , ولكن تم استغلاله لإثارة الشعوب المسلمة وخصوصا في ذكري 11/9 وما صاحب الاحتجاجات من ظهور الرايات السود للقاعدة تجعلنا نتوقف كثيرا , ونسأل عن هذه الظاهرة , فلقد تعودنا دائما أن تظهر الاحتجاجات الشعبية وهي تحمل أعلام دول أو إعلام أحزاب وطنية ولكن ظهور رايات القاعدة تجعلنا نتوقف ونتساءل . ولكن نتركها الآن .
كما قلت أولا , أؤيد الاحتجاج الشعبي على أي مادة إعلامية أو تصريحات تسيء للإسلام أو رموزه , ولكن يجب التفكير في نقطة هامة , ما هو المطلوب ؟ هل نطالب أمريكا مثلا بالاعتذار ؟ وماذا نستفيد من ألاعتذار اليوم وفي غد تظهر لنا حادثة جديدة ؟ تؤثر في مجتمعاتنا , وتحقق شهرة لمن نقف ضده , ونضار نحن ويستفيد المجرمون من أمثال سلمان رشدي أو "تيري جونز أو "موريس صادق" أو غيرهم , ويصبحون نجوم إعلام تتناقل الصحف والقنوات أخبارهم وتصريحاتهم ومقالاتهم وأراءهم .
لم أجد من كل النخب الإعلامية أو السياسية من يطالب الدول حول العالم بتجريم المساس برموز الإسلام , كما أن ألمانيا تجرم كل من يمتدح هتلر والنازية , وفرنسا وغيرها تحاكم كل من يتعرض للسامية ( والمقصود فيها اليهودية ) أو للمحرقة النازية لليهود وتعاقبه وتسجنه , فيجب أن نطالب نحن باحترام مشاعر أكثر من مليار مسلم وعدم التعرض بسوء لرموز دينهم من قرآن ورسول , نقبل من يناقش ويناظر ولكن نرفض الإساءة الفجة .
يجب أن تكون مطالبنا بتجريم ازدراء الأديان . والإساءة لرموزها , حتى لا نكون وسيلة دعاية وإشهار وإعلان لكل طالب بطولة مزيفة أو شهرة إعلامية على حساب حياة شبابنا واستقرار مجتمعاتنا . وأن لا يكون هذا مطلبا رسميا فقط تقوم به حكومات , بل يجب أن يكون مطلبا شعبيا , ويكون هو الهدف من هذه المظاهرات التي تعم العالم الإسلام .
نحن لسنا ضد حرية الرأي , ولكن الإساءة لرموز الإسلام ليس رأيا بل هو موقف ضد مشاعر أكثر من مليار إنسان يعيش على هذه الأرض . ومعاقبة أي إنسان يقف موقفا أو يفعل فعلا يعرّض مجتمعاتنا لمثل هذه الحوادث , فنحن لا نحاسب على رأي ولكن نحاسب على أفعال لا تنتمي على حرية رأي , فكما يحق لكل شخص أسيئ لسمعته أن يأخذ حقه عبر القانون ويحق لكل من تعرض للازدراء و الإهانة المطالبة بالقصاص ممن تعرض له , يجب أن يكون لرموز الأديان مثل هذه الحصانة .
ليكن هذا هو هدفنا , وليكن هذا هو مطلبنا , ولنطالب به عبر مظاهرات واحتجاجات و اعتصامات , ولكن أيضا لا ننسى احترام العهود والمواثيق وأن تكون حركتنا الشعبية سلمية , لا نعتدي ولا نحرق ولا تقتل .