عَالَمٌ عَلَى صَفَحَاتِ الْوَرَقِ
للشاعرة المغربية
رحيمة بلقاس عبدالله
هَا أَنَذَا عُدْتُ لِلْمَيْدَان
الْهَجْسُ اتَّضَحَ وَ ظَهَر
اَلأَرْضُ الْهَجْهَجُ أَتْمَرَتْ
وَ الزَّهْرُ أَيْنَعَ
الْمَاءُ بِهَا مَا تَوَشَّنَ
صَوْتٌ غَرِيبٌ نَادَى الْبَشَر
اسْتَنْطَقَ الصَّخْرَ
فَبَكَتْ لَهُ الأَحْدَاقُ وَ الشَّجَر
سَجَمَتْ عُيُونُ الْحَجَر
هُدُبُ الْقَمَر
تَتَدَلَّى بِعَنَاقِيدِ الْعِنَبِ
غِرْبَانٌ تَلْتَهِمُ التَّمَرَ وَ الْوَرَقَ
أَحْلَى الأَوْرَاقِ وَ أَنْضر
أَلَذَّ التِّمَار وَ أَشْهَى
أَبْهَاهَا خُضْرَةً وَ نَظَر
الرِّيحُ غَصَّتْ بِسَقْسَقَاتِ السَّوَاقِي
حَطَّتْ الأَشْبَاحُ
غَطَّتْ جَمَالَ الأَغْصَان
الأَرْضُ عَطْشَى
لِيَدٍ تَمْحِي الضَّجَر
لِخُيُوطِ شَمْسٍ
تَلُفُّ دُجَى وَ غُسْمةَ السَّقَم
الْجُوعُ غُبَارُ السَّأَم
الظَّمَأ جَبَّارٌ أَلَم
اللَّيْلُ غُرْبَةُ الشَّجَن
النَّهَارُ لُؤْمُ اللَّهَب
أَثَرُ الْمِلْحِ وَ شُقُوقُ الْقَرَح
الحُبُّ فِي الأَنَامِلِ احْتَضَر
الْمَوْتُ عَلَى ضِفَافِ الأَوْطَانِ حَضَر
يَرْسُمُ خَرَائِطَ الرُّمْحِ الأَحْمَر
رَكَضَتْ جِيَّادُ السَّفَّاحِ بِالشَّفَق
تُبِيدُ ضَوْءَ فَجْرٍ سَطَع
بَيْنَ هَمْهَمَةِ السَّعَر
نَارٌ بَارِدَةٌ تَلْتَهِمُ الرَّمَق
خِفْيَةً تَشْنُقُ الْجَمْرَ
تَحْتَ رَمَادٍ رَقَد
فَسَادُ الْعَدْلِ
وَ اخْتِبَاءٌ خَلْفَ سِتَارِ حَقِّ زَهَق
تُنْشَرُ أَكَاذِيبُ الزَّيْفِ
ظُلْمَةُ الرَّدَهَاتِ أَحْلَك بِالنَّفَق
دَرْبٌ طَالَ وَ يَطُول
بِتَوَالِي أَرَاجِيز وَ بَهْلَوَانَات
تَآمَرُوا مَعَ الْقَدَر
ظِلاَلٌ وَ ضَلاَل
كَبَّلَ بَسْمَةَ الْفَرَح
جَلِيدٌ وَشَّحَ سَرَادِيبَ الْجَسَد
صَوْتٌ وَ صَمْتٌ
بَيْنَ السَّوَادِ وَ زُرْقَةٌ
تَعْلُو السَّمَاء
أَهَازِيجٌ عَلَى سَطْحِ الْقَمَر
تَبْعَثُ دَقَّاتَ الطُّبُولِ
تُنْذِرُ بِالْخَطَر
مَصْلُوبٌ الأَمَل
عَلَى عُنُقِ الشَّمْسِ ظَهَر
مُرَصَّعٌ جِيدُهَا
بَيَاضُ النُّورِ لَمَع
بِحُدُودِ خُطُوطِي انْتَحَر
أَسْتَنْشِقُ أَزْهَارَ جَهَنَّمَ وَهَج
تَمْتَدُّ عَبْرَ تَضَارِيسِي
تَرْسُمُ خَرَائِطَ الْغَضَب
لاَشَيْء يُشْفِي الْبُرَح
يُعِيدُ لِلْكِيَّانِ بَهْجَةَ الْمُهَج
يَمْحِي عَنِّي الْوَهَن
سِوَى دِفْءٌ
يُولَدُ بِجُمْجُمَةِ الْبَصَر
يُزْهِرُ فِي شَوَارِعِ الْهِمَم
يَلْتَحِفُ صَوْتَ الْعِشْقِ لِلْوَطَن
شُمُوخٌ وَ مَجْدٌ وَ مَرَح
غِطَاؤُهُ وِشَاحٌ عَبَقَ
عِطْرٌ مِنْ نُورِ الْوَعْيِ
يَتَحَدَّى النِّفَاقَ وَ الْجَهْل
يَرْتَدِي ثَوْبَ الْعِلْم
يُغَادِرُ التَّدْلِيسَ وَ الْوَ هْم
يُسَارِعُ لِدُرُوبِ النَّجْم
لاَ طَمَعاً وَ لاَ خَوْف
لاَ طُمُوحُ الْعَارِ وَ الْعُهْر
وَجَعٌ يَحْتَرِقُ بِشُعْلَةِ النَّهْر
أَهْوَى رَبَّ الْوُجُودِ وَ الشَّمْس
جَدَاوِلٌ خَضْرَاء تَرَقْرَقَتْ بِالْخَيْر
اَلْوَرَى عَطَشَى جَوْعَى
تَنْهَلُ مِنْ لَظَى الشُّؤْم
أُنَادِي بِأَعْلَى صَوْت
تَعَالُوا نُعِيدَ تَشْكِيلَ الْكَوْن
كَوْكَباً يُزْهِرُ بِالْوُجْد
يَنْهَمِرُ الْمَطَرُ بِالْحُبّ
وَ يَنْبُتُ الْوَرْدُ بِالْعَدْل
تَجْرِي الْمَجَارِي بِالْقَنَاعَةِ وَ الْوَرَع
نَزَاهَةٌ و قِيَم
لاَ سُجُودَ وَ لاَ خُنُوع
إِلاَّ لِرَبِّ السَّمَاءِ وَ الأَرْض
يَداً فِي يَدٍ
بِإِصْرَارٍ نَتَجَاوَزُ الآه وَ الدَّمْع
نَخُطُّ عَلَى الصَّفَحَاتِ
بَسْمَةَ الْوَلَعِ وَ الدَّلَع
وَ غَنَجُ الْعُيُونِ مُسْدَلُ الطَّرْف
يُقَامُ الْعُرْسُ
بِمَسَارِحِ الْعَيْن
تَعْلُو الْمُحَيَّى نَبَضَات الْحَيَاة
عَالَمٌ عَلَى الْوَرَق