
جدتي وحفنة التراب
في كل مرة أمر بالقرب من حديقة معزوقة حديثا وأشم رائحة التراب الزكية أتذكر جدتي وردة. كانت جدتي تستيقظ صباحا باكرا, تشرب الحليب الساخن ثم تحمل
سلتها الكبيرة المصنوعة من القش وتغادر المنزل الى أرضنا حيث اعتادت قضاء كل صباح. كان "بيكو" كلبنا الامين ينتظرها خلف الباب وما أن تفتحه حتى يقترب منها بشغف يلحس أذيالها محركا ذيله وكأنه انتظرها دهرا.
أذكر جدتي وردة تخرج من فناء البيت يرافقها بيكو برشاقة فتارة يسبقها وتارة يتلكأ متلهّيا بمشاكسة النمل او الحشرات وما يلبث أن يندفع باتجاهها ويمشي بمحاذاتها.
كنت أراقب جدتي من خلف نافذة غرفتي والمطلة على األأرض (الحقل). كنت أراها تصل الأرض فتضع السلة جانبا", تشمر عن ساعديها ترفع قليلا أطراف سروالها ثم تطوي فستانها الخارجي وتعقده من الخلف مكونة جيبا حول خاصرتيها. تتجه الى جذع شجرة التين حيث خبأت معولها الصغيرفتتناوله ثم تبدا عملها. كانت تتفقد الزرع ثلما بعد الاخر. فتراها تنحني فوق كل نبتة متفحصة اياها بكل حنان. تقطف ما نضج من الثمار وتضعه في جيبها ثم تعزق الارض حول جذع النبتة بمعولها الصغير مقتلعة ما نما من الاعشاب البرية الطفيلية. كل هذا و"بيكو" يمر بين الاثلام بسرعة وكانه هو الاخر يتفقد بدوره الزرع وما أن ينتهي من جولته حتى يترك جدتى لعملها ويرجع الى
البيت ليلعب معنا في باحة البيت. وعندما ينتصف النهار وتنتصب الشمس عامودية في قبة السماء يرجع بيكو الى جدتي ليرافقها في عودتها الى البيت فتغتسل وتلعب معنا ألعاب الحصيرة أوتحكي لنا الحكايات الجميلة الى أن يحين وقت الغذاء.
في أحد ألأيام استيقظت جدتي متاخرة على غير عادتها ولم تشرب الحليب الساخن. طلبت من امي شايا. ثم خرجت ولم تاخذ معها سلة القش. وعندما انتصف النهار ظهرا عاد بيكو لوحده, وأخذ يدور حول البيت مخرجا أصواتا غريبة, انتبهنا إليه وصحنا منادين: أمي لقد عاد بيكو لوحده. كنت في حينه في الخامسة من عمري. طلبت أمي مني أن أذهب لأنادي جدتي. كانت أرضنا تبعد مسافة خمس دقائق مشياً على الأقدام. ناديت جدتي وناديت. دخلت بين ألاثلام التي غمرتني حتى قمة رأسي أنظر في كل مكان ولم أجد جدتي. لا أعرف ما خطر في بالي حينه لكني لم أكن أتوقع مكروها. وفجأة لمحت "بيكو" يحوم حول شيء تحت التينة البصاوية المحببة لجدتي والتي أحضرتها من قريتها السبية "البصة"(*) وزرعتها في حقلنا في كفرياسيف. لقد اعتادت جدتي الاستراحة تحتها. اقتربت من التينة ولهول ما رأيت. كانت جدتي مستلقية على الارض ناثرة على ركبتيها من تراب الارض الاحمر. ناديت عليها فحركت راسها قليلا وكانها تقول لي لا تقلقي انا ما زلت حية.
رجعت بسرعة الى البيت أصيح بأعلى صوتي: أمي جدتي مغمى عليها. خرجت امي وخرج الجيران وأحضروا جدتي الى البيت.
بعد ان ارتاحت جدتي وشربت من شوربة الخضار التي قطفتها في اليوم السابق أخذت تنقل نظرها بيننا. وما ان استقر نظرها عليّ, طلبت مني أن احضر حفنة من تراب الارض. أذكر كيف ركضت ولم اسال حتى لماذا. يكفي ان جدتي طلبت مني. أحضرت لجدتي ملء كفاي الصغيرتين من التراب الاحمر. أخذت جدتي التراب في كفيها , أطبقت عليه وكأنها تعانقه ثم نظرت الينا وحدقت في أعيننا واحدا واحدا ثم قالت باسطة يدها بحفنة التراب:
- انظروا هذا أغلى ما في الحياة. فيه الكثير من اسرارها. انه الارض التي بدونها لا حياة ولاكرامه لنا. الارض هي حياتنا ولا ينبغي ان نفرط بها. من يبيع الارض يبيع العرض. عدوني أن تحفظوا ما تبقى لديكم من ارض.
قالت هذا ثم اتكات الى الخلف وذهبت في سبات عميق. لم اعرف بعدها لماذا أخذوا جدتي الى بيت عمي الكبير. بعد ذلك اليوم كنا نجلس ومعنا بيكو حول سرير جدتي وننتظر في ساعات الظهر لتحكي لنا قصة او تلعب معنا لكنها لم تعد.
البصّه
قرية عربية فى الجليل بالقرب من رأس الناقوره ومحاذية للحدود مع لبنان.سكانها كانوا من المسيحيين والمسلمين. أحتلت فى حرب 48 فهجر معظم سكانها الى لبنان المجاورة . على ارض البصة اقيمت مستوطنة جديدة اسمها شلومى وبالقرب منها المستوطنة بيتسيت.
وجدت فى البصة بقايا قرية قديمة: لوحة من (الشايش) الصوان منقوشة باللغة اليونانية ولوحة مدفن كتب عليها باليونانية. من المعتقد انه فى مكان البصة كانت بيتسبت القرية القديمة التى ذكرت فى الادب القديم.
عند الحفر لاساسات مسجد اكتشفت مغارة قبور عتيقة محفورة فى الصخر للمسيحيين ايام البيزنطيين.ووجد بها عملات معدنية, قناديل فخارية وزجاجية مختلفة,كما وجد بها مجموعة من المجوهرات المختلفة.
كفر ياسيف التى سكن فيها المسلمون والمسيحيون واليهود بعلاقة طيبة
كفر ياسيف هي قرية عربية فى الجليل الغربي تقع على بعد 12كم شمال شرق عكا فى منطقة عكا وترتفع عن سطح البحر بمعدل 110 م. يمر فيها شارع رقم 70 الذي يربط بين شارع عكا صفد من الجنوب وبين مفرق الكابري في الشمال ويفصل هذا الشارع القرية الى شطرين كذلك تمر عدة طرقات في كفرياسيف تربطها بالقرى المجاورة مثل ابوسنان ويركا وجولس.
يعتبر موقع كفر ياسيف مركزيا ويذكر ان احد اسباب اختيار موقعها هو عين الماء التي كانت تجري في السابق بين ثلاث تلال والتي بنيت كفرياسيف عليها فيما بعد. لقد جفت العين سنة 1956 بعد أن حفرت شركة مكوروت البئر الذي يزود القري الاربعة بالمياه.
عدد سكانها حوالي 8200 نسمة. سكانها من المسيحين والمسلمين وعدد قليل من الدروز. 30% منهم من لاجئي حرب 1948 الذين نزحوا اليها من القرى عمكا, كويكات, كابري, سامرية, نهر, مرشية, بروة, غابسية, إقرث, البصّة وغيرها.
تشير اللائل الأثرية الى قدم القرية وتعود الى الفترة الفينيقية والكنعانية وهناك آثار اخرى من الفترات الرومانية والبيزنطية والصليبية لكنّ معظمها دمر.
حسب الاعتقاد الاول ياسيف هو الاسم العربى ليوسف وسميت القرية على اسم يوسف بن منتياهو الكاهن الذى وقف على رأس ثورة الجليل فى روما فى القرن الاول للميلاد.
اعتقاد اخر هو أنها كانت قرية السيف ولهذا سميت بكفر السيف مثل قرية أبوسنان أي الحربة. ذكرت كفر ياسيف في شهادة تركية من القرن السادس عشر.
في منتصف القرن الثامن عشر تمرد الشيخ ظاهر العمر فى الحكم التركى وجعل الجليل منطقة حكمه وشجع اليهود على الاستيطان فى بلاده وقد استجابوا لذلك.
فى 1745 استوطن فى كفر ياسيف الكاهن شلومو عبادين من كبار كهنة المدينة سلونيكى فى اليونان وتبعه كثيراً من اليهود. الظروف في كفر ياسيف وشروطها الحسنة والحكم الداعم لحاكمها شجعوا الكاهن عبادى على توسيع الاستيطان اليهودى فيها وتقويته فدعا اليهود الى الهجرة اليها وبنى كنيس ومدرسة.
فى 1824م سكنت 15 عائلة يهودية من سكان البلاد كفر ياسيف واشتغلوا بالارض. كان لهم كنيس ولغتهم العربية.
فى ايامنا لم يتبقى أثر للكنيس الا حجر صغير وعليه رسوم شعله ولازالت المقبرة موجودة.
(*) المعلومات مقتبسة من منشورات أصدرها المجلس المحلي إحتفالاً باليوبيل الذهبي لإقامة مدرسة "يني" الثانوية.















