لم يمضِ وقت طويل حتى استجابت المحكمة الجنائية الدولية سريعاً الى قرار مجلس الأمن، الذي أحال اليها قضية العنف والقتل المتنقل على الأراضي الليبية يرعاه العقيد معمر القذافي المعتصم في عزيزيته وسط العاصمة طرابلس التي باتت شبه متفردة بسيطرة "الزعيم" الذي توعد الليبيين بإفنائهم عن بكرة أبيهم دفاعاً عن نظامه، عارضاً صلحاً منفرداً مع تنظيم القاعدة الذي طالما زعم أنه يحمي حمى التراب الليبي ومنه إلى أوروبا، من إرهابييه.
فقد أعلنت المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق يبدأ اليوم بنشر أسماء الأشخاص الذين يمكن أن يكونوا موضع تحقيقات للاشتباه بارتكابهم جرائم ضد الإنسانية، في وقت بلغ عدد القتلى منذ بدء الانتفاضة في ليبيا حسب "الرابطة الليبية لحقوق الإنسان" في باريس، ستة آلاف قتيل بينهم ثلاثة آلاف في طرابلس وحدها.
المحكمة الجنائية الدولية قالت أمس إن مدعي عام المحكمة لويس مورينو أوكامبو سيعلن فتح تحقيق في أعمال العنف في ليبيا وأسماء الأشخاص والكيانات التي يمكن أن تخضع للملاحقة بعد قرار صدر عن مجلس الأمن الدولي فجر الأحد قضى بإحالة الملف إليها.
وقالت المحكمة في بيان "سيعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو فتح تحقيق في ليبيا وفقاً للشروط المنصوص عليها في نظام روما الأساسي". وأوضح البيان أنه بعد "فحص أولي للمعلومات المتاحة، توصل المدعي العام إلى استنتاج يفيد بضرورة فتح تحقيق في الوضع" بليبيا.
وأفاد أن المدعي العام سيعقد اليوم مؤتمراً صحافياً في لاهاي يقدم فيه "لمحة عامة عن مزاعم الجرائم المرتكبة في ليبيا منذ 15 شباط (فبراير) 2011 والمعلومات الأولية المتعلقة بالكيانات والأشخاص الذين يمكن ملاحقتهم قضائياً والإشعار عنهم لتجنب جرائم في المستقبل".
وأوضح البيان أن مكتب المدعي العام يجري اتصالات مع الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية وبعض الدول، كما سيطلب معلومات من مصادر أخرى بما في ذلك الإنتربول و"سيعمل المدعي العام بصفة مستقلة وغير منحازة".
وسيعرض المدعي العام قضيته على قضاة المحكمة الجنائية الدولية ليقرروا ما إذا كان يجب إصدار مذكرات اعتقال بناء على الأدلة المقدمة أم لا.
وكان مجلس الأمن الدولي أقر فجر الأحد عقوبات شملت تجميد أرصدة ومنع سفر القذافي ومقربين منه وأحال قضية العنف في البلاد إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وقال علي زيدان المتحدث باسم الرابطة الليبية لحقوق الإنسان في باريس أمس، إن ستة آلاف قتيل سقطوا منذ بدء الانتفاضة في ليبيا بينهم ثلاثة آلاف في طرابلس العاصمة وحدها.
وقال المتحدث خلال مؤتمر صحافي نُظم في مقر الاتحاد الدولي لرابطة حقوق الإنسان في باريس، إن "عدد الضحايا في كافة أنحاء البلاد ستة آلاف قتيل بينهم ثلاثة آلاف في طرابلس وألفان في بنغازي وألف في مدن أخرى" مثل الزاوية. وأضاف أن هذه الحصيلة منذ بدء الانتفاضة أعلى بكثير من الأرقام التي كان يتم التداول بها حتى الآن وهي مرشحة للارتفاع. وأوضح "هذه المعلومات التي وردتنا، لكن حصيلة الضحايا قد تكون أكبر".
كما اتهم المسؤول عن الرابطة الليبية لحقوق الإنسان تشاد بلعب دور في عمليات المرتزقة الأجانب الذين يدافعون عن نظام العقيد الليبي، وقدر عدد المرتزقة في طرابلس بثلاثة آلاف وثلاثة آلاف آخرين في ضواحيها. وأفاد "يقود جنرالان تشاديان قوات المرتزقة".
كما أعلن الناطق باسم المجلس الوطني الليبي المعارض عبدالحفيظ غوقة، أنه يعتقد أن النيجر ومالي وكينيا ترسل قوات لدعم القذافي في معركته. وقال في مؤتمر صحافي إن هناك أدلة على أن حكومة الجزائر مشاركة في هذا أيضاً. ودعا الأمم المتحدة الى السماح بتوجيه ضربات جوية للمرتزقة الذين يحاربون الى جانب العقيد الذي دعا المجتمع الدولي إلى تشكيل لجنة لتقصي الحقائق لمعرفة عدد القتلى في الاضطرابات.
وقال "لا أميركا ولا فرنسا ولا روسيا ولا أي دولة تسمح لناس يهجموا على ثكنة عسكرية ومركز شرطة ويأخذوا سلاحهم ويطلعوا بيه في الشارع وما تقاتلهمش.. هتقاتلهم." وأعلن القذافي الذي قال يوماً إن الديموقراطية للحمير، أن العالم لا يفهم النظام الليبي الذي يضع السلطة في أيدي الشعب.
وأضاف في احتفال بمناسبة إعلان ليبيا جماهيرية في العام 1977 أن معمر القذافي "لا عنده سلطة ولا هو رئيس يستقيل ولا عنده برلمان يحله"، مشيراً إلى من يشكك في أن ليبيا لا يحكمها الشعب "نحن نتحداه ونضع أصابعنا في عيونه بقوة".
وألقى الزعيم الليبي باللوم على تنظيم "القاعدة" في إثارة الاضطرابات، وقال لمؤيديه إن هناك مؤامرة للسيطرة على ليبيا وعلى نفطها.
وقال القذافي إنه مستعد حتى للتحدث مع "القاعدة"، معلناً "أنا مستعد أناقش أي واحد منهم أي أمير من الأمراء بتاعتهم. لكن هو ما يناقش.. ما عندهمش مطالب أبداً.. قتال وخلاص.. في مؤامرة للسيطرة على النفط الليبي.. على الأرض الليبية.. لاستعمار ليبيا مرة أخرى. وهذا مستحيل.. مستحيل. هنقاتل إلى آخر رجل وآخر امرأة للدفاع عن ليبيا من أقصاها إلى أقصاها.. من شمالها إلى جنوبها".
أضاف متحدثاً لأنصاره الذين قاطعوا خطابه بشعارات الدعم والولاء، أن حرباً دامية ستدور وأن الآلاف من الليبيين سيموتون إذا تدخلت الولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي. وقال إن الليبيين لن يقبلوا أن يصبحوا عبيداً مرة أخرى مثلما كانوا عبيداً للاستعمار الايطالي.
وقال إن عدد قتلى الاضطرابات التي أثارها "إرهابيون" لا يتجاوز 150 شخصاً. وأكد أنه لن يغادر ليبيا "حتى لو غادرها جميع الليبيين".
وبشأن تسلسل الأحداث التي أشعلت الاضطرابات قال القذافي "خلايا صغيرة نائمة تبع القاعدة تسلل أفرادها من الخارج تدريجياً".
وقال القذافي الذي كان يرتدي ثياباً بيضاء وعمامة بنية، إن خلايا القاعدة هاجمت قوات الأمن واستولت على أسلحتها، وإن الخلايا انتقلت إلى بنغازي ودرنة بعدما هاجمت البيضاء.
وفي مدينة بنغازي قام مئات الليبيين الغاضبين أمس، بإحراق نسخ لـ"الكتاب الأخضر" الذي يعرض فيه القذافي أفكاره السياسية.
وقام المتظاهرون الذين رفعوا الأعلام وأطلقوا الشعارات وبينهم نساء محجبات، بإحراق مئات النسخ من الكتاب الأخضر الذي نُشر في 1977، كما رموا صور "قائد الثورة" في رماد لا يزال متوهجاً.
وقال صالح نابوس (40 عاماً) وهو موظف في وزارة الصحة "اليوم (أمس) نحرق النسخ الأخيرة من هذا الكتاب في القطاع الشرقي".
وأسقطت طائرة ليبية قنبلة أمس انفجرت قرب جامعة هندسة النفط في مرسى بريقة الشرقي الذي يبعد نحو كيلومترين عن منشأة لتصدير النفط.
وقال عامل النفط حماد سخيري "شاهدت الطائرة ثم الانفجار بينما كنا نحتفل بانتصارنا في البريقة".
وقال مراسل "رويترز" محمد عباس الذي كان قريباً من المكان إنه سمع الطائرة تحلق ودوي انفجار.
وفي واشنطن، سلط مسؤولون أميركيون كبار الضوء أمس على مخاطر إقامة منطقة حظر طيران فوق ليبيا لمساعدة ثوار يواجهون هجمات مضادة من القوات الموالية للقذافي. وقال المسؤولون إن هذه الخطوة ليست وشيكة.
وقال وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس أمام جلسة بشأن الموازنة في مجلس النواب الأميركي إن "حظر الطيران يبدأ بهجوم على ليبيا لتدمير دفاعاتها الجوية.. ثم يمكن فرض حظر للطيران في مختلف أنحاء البلاد من دون خوف من أن يتعرض رجالنا لإسقاط طائراتهم".
وأوضحت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أن إقامة منطقة حظر طيران ليست أولوية ملحة. وقالت أمام جلسة لمجلس الشيوخ "أعتقد أننا بعيدون عن اتخاذ ذلك القرار".
وشن القذافي هجوماً برياً وجوياً أمس لاستعادة أراضٍ في شرق البلاد، ما دفع الثوار الليبيين إلى الدعوة لتوجيه ضربات جوية تدعمها الأمم المتحدة ضد مرتزقة أفارقة يقول المحتجون إنهم يساعدون القذافي على البقاء في السلطة.
وفي استعراض رمزي للقوة يهدف لمواصلة الضغط على النظام الليبي أرسلت الولايات المتحدة سفناً حربية في اتجاه ليبيا. وقال مسؤول أميركي إن سفينتي الإنزال الأميركيتين "كيرسارج" و"بونسي" وصلتا إلى البحر المتوسط.
وقالت كلينتون "من أكبر مخاوفنا أن تنزلق ليبيا إلى الفوضى وتصير صومالاً كبيراً، هذا أمر لا نتوقعه حالياً لكن كثيراً من نشطاء تنظيم القاعدة في أفغانستان ومن ثم العراق جاؤوا من ليبيا وجاؤوا من شرق ليبيا الذي يسمى الآن منطقة ليبيا الحرة".
وطالب أمس عضوان كبيران في مجلس الشيوخ الأميركي هما جون مكين وجو ليبرمان بفرض منطقة حظر طيران فوق ليبيا.
وقال مكين "أعتقد أن أيام القذافي معدودة وينبغي أن نبذل كل ما بوسعنا لتقليل عدد الأيام حتى نخفف من بؤس الشعب الليبي".
وقال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي جون كيري أمس إن على المجتمع الدولي أن يستعد لفرض منطقة حظر طيران فوق ليبيا لمنع الهجمات التي يشنها القذافي على المدنيين.
أضاف كيري في بدء جلسة للجنة تضمنت شهادة كلينتون "إن فرض حظر للطيران ليس اقتراحاً للأجل الطويل.. وأعتقد أن علينا أن نكون مستعدين لفرضه بحسب الضرورة".
وحذرت طهران من تدخل عسكري غربي في ليبيا وأي محاولة لتحويل هذا البلد الى قاعدة عسكرية.
وقال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد "أحذركم بأنه إذا تدخلتم عسكرياً مرة أخرى في أي من دول شمال افريقيا أو الشرق الأوسط، فإن دول المنطقة ستنتفض وتحفر قبور جنودكم"، في إشارة الى تقارير عن التفكير في الخيار العسكري لإطاحة القذافي.