لكي يفصل الحي الأوروبي عن الحي المغربي بشكل واضح، ومن أجل توفير بنى تقليدية
للمهاجرين، شيد المهندسون المعماريون مدينة نموذجية، مدينة عصرية فاتنة شكلت
استثناء مقارنة بالمدن المغربية الأخرى، هذا الاستثناء الذي يتجلى في جمعها بين
تشكيلات هندسية متنوعة منها ما هو قريب من الطابع الأندلسي وأخرى أوروبية . تقع
المدينة الجديدة في جنوب الدار البيضاء، وتعرف باسم حي الحبوس أو منطقة
القديسين، وقد بناها الفرنسيون في محاولة لحل مشاكل السكن في الثلاثينات،
فانعكس التواجد الفرنسي مابين 1910 و 1914 على حركة العمران وتم بناء العديد من
الأبنية وفقا للطراز الكولونيالي الفريد من نوعه وارتفعت أثمان العقار. في سنة
1923 نشأت هذه المدينة الجديدة / حي الحبوس، ولم يكن الهدف منها الفصل بين
الأحياء المغربية والأوروبية فقط، ولكنها هدفت أيضا لبناء مدينة حديثة على
الطراز المغربي التقليدي، بأبوابه ومساجده وشوارعه الصغيرة. وكان مخطط هذه
المدينة هو المهندس الفرنسي ميشيل إيكوشار، والذي كان قد شارك من قبل في تخطيط
مدينتي بيروت ودمشق. حيث قام بإنجاز تصميم شامل للعاصمة المزدهرة الدار البيضاء
الكبرى ، وأتم البناء في وقت قياسي بين عامي 1946 و .1952 وصدرت تجاربه المعاشة
وتأملاته سنة 1955 بباريس في رواية تحمل عنوان الدار البيضاء: رواية مدينة.وضم
تصميم المهندس ليون هنري بروست شوارع عريضة بشكل نجمة باتجاه المركز، وحط رحال
المناطق الصناعية في شرقها. وقام الفرنسيون بتوسيع شبكة المواصلات، لإكمال صورة
المدينة الحديثة -أمل المستقبل بالنسبة إليهم- ليزيد انتفاعهم من المدينة،
بالرغم من المقاومة التي لاقوها من الشعب المغربي. فأصبح حي الحبوس (الأوقاف)
المشيد في بداية القرن يبدو وكأنه يحكي عن الأزل. أزقة ضيقة بساحات مظللة جميلة
محاطة بأقواس تنفتح على أسواقه العديدة..، وفي هذا الحي شيد مقر الباشوية
الاداري، وغير بعيد عنه توجد كنيسة نوتردام دولورد، وهي نحث أثري رائع من
الاسمنت المقوى يعود إلى الخمسينات، تضيئه واجهات زجاجية ضخمة. وحيث يكون
الزائر عند شارع محمد الخامس وزنقة الأمير مولاي عبد الله والأزقة المجاورة
التي لا تنقطع حركتها ليل نهار، إنما يكون في قلب الدار البيضاء، مدينة البورصة
والتجارة والأعمال والفنادق الفخمة والمطاعم الفاخرة ، فضلا عن عشرات المقاهي
وقاعات السينما والمسرح وغيرها من أماكن اللهو والترفيه..، وقريبا،عند ساحة
محمد الخامس حيث القبة البديعة ذات الشكل الكروي التي يخترقها ممر باطني من
الأسفل مؤديا إلى كل الاتجاهات، توجد حديقة الجامعة العربية التي عمر أشجارها حوالي المئة عام.