مقترح انشاء مركز الدراسات البحرية في مملكة البحرين 

     في ظل الواقع الذي عليه البيئة البحرية ومواردها السمكية فقد بات من المهم إنشاء مركز للدراسات البحرية يعنى بالموارد البحرية الحية وغير الحية. إذ سيكون لهذا المركز اذا ما رأى النور أثرا" فاعلا" في الجهود التي تبذل لتقييم وصيانة البيئة البحرية ومواردها الطبيعية وذلك بالتنسيق مع المؤسسات التي تعنى بشؤون الموارد البحرية، كونه سيمثل الذراع البحثي والاستشاري الذي يمد تلك المؤسسات بالمعلومات الدورية لتأسيس قاعدة بيانات متكاملة عن البيئة البحرية ومواردها الطبيعية.

     ومما تجدر الإشارة اليه إن وضع الحلول الكفيلة للحد من تدهور حالة الموارد السمكية والإستباق لإنعاش هذه الثروة لابد وأن يكون ذا بعداً إستراتيجياً. لذا فإن هكذا مؤسسة علمية من الأجدى أن تقوم على أساس سليم منذ ولادتها لتتابع خطاها بنهج علمي لاتكتنفه العثرات والقفزات غير المنتظمة والحلول ذات المدى القصير. إن تأسيس مركز للدراسات البحرية برؤى إستراتيجية يعد توجهاً صائباً لولادة المركز الجديد ووضع لبناته ليعد إعداداً سليماً يأخذ على عاتقه إعداد برامجه التنموية التي ستشكل بلاشك إحدى دعامات الاقتصاد الوطني. إن هذه السطور قد لا تسعف في الخوض بتفاصيل ذلك الدور الا انه من المتوقع سيكون هناك تخطيط مبرمج لماهية النشاطات التي سيقوم بها من إجراء المسوحات التي ترقب وترصد حالات الإخلال بالتوازن البيئي وتقييم لمخزون الموارد السمكية والمحميات الطبيعية والسياحة البحرية ويمكن ان يتعدى ذلك الى الإسهام في الإستكشافات النفطية البحرية.

وتعد تهيئة الكوادر العلمية والفنية ذات الكفاءة والمقدرة من أولويات ما يلزم إعداده لإنشاء مركز للدراسات البحرية لكي لا يبقى متعكزاً في بناءه على مقدرات مصادر أخرى. ونشير هنا الى أهمية إستحداث قسم يعنى بالعلوم البحرية في كلية العلوم بجامعة البحرين تكون مخرجاته مدداً لدعم الكوادر العلمية العاملة في المركز المقترح ومن ثم زجها بدورات وورش عمل لتطوير قابلياتها بهدف متابعة إنجاز خططه الإستراتيجية.

     واذا ما تطرقنا لواقع الموارد السمكية التي تعد قمة الهرم الغذائي للبيئة المائية فإن من المسلم به تضرر هذه الموارد بالنشاطات التنموية القائمة حالياً في المناطق الساحلية وذلك الضرر سيأخذ مداه في المنظور البعيد في ضوء خطى التنمية الحالية والمستقبلية، ويعد ذلك من أولى التحديات التي سيواجهها المركز المقترح للدراسات البحرية. الا إن ذلك الضرر يشوبه التعقيد من حيث المسببات الأخرى المتداخلة مع أعمال الردم والحفر ونشير هنا الى ما آل اليه الإفراط في عمليات الصيد وما نجم وينجم عنه من إستنزاف لحلقات مهمة من مكونات الثروة السمكية يقف الروبيان في مقدمتها. واذا ما بحثنا عن البيانات المتوفرة حاليا" سنجدها تفتقر الى التقييم السنوي المستمر، إذ كان آخر إصدار يعنى بالموارد السمكية في مملكة البحرين هو التقرير الفني 93 الذي صدر عن الادارة العامة لحماية الثروة البحرية في العام 2006 والذي تضمن بيانات لنشاط تداول الاسماك في الاسواق المحلية للعام 2004. واذا ما أمعنا البحث في النتاج العلمي نجد ان حالة المخزون السمكي تفتقر الى دراسات لتقييمه على غرار ما يجري في الدول المجاورة إذ إن مؤشرات التقييم كما هو معروف للمختصين تعد دليلاً لواقع نمو الاسماك ونفوقها ومعدلات إستغلالها وانماط امدادها وبالامكان من خلاله تحديد الأنواع الواقعة تحت جهد الصيد المفرط، وأيها في طريقها لذلك وماهي الاحجام التي يتوجب أن تدخل المصيد دون ان يكون لذلك أثر على ديمومة مخزونها المستقبلي.

     إن بدء البحث في هذه الجوانب سيقلل بقدر كبير من التعقيد الناشيئ لمسببات تدهور الموارد السمكية ما بين الاضرار الناجمة من أعمال الردم والحفر على التجمعات السمكية وموائلها الطبيعية عن تلك التي يتسبب فيها الصيد الجائر من إفراط في عمليات الصيد للأحجام التي لم تبلغ سن النضج الجنسي أو التي تصاد في موسم التكاثر وهي محملة بمئات الآلاف من البيوض وبالتالي ستحرم البيئة من إستدامة إنتاجيتها. وتبرز هنا مرة أخرى أهمية إنشاء مركز للدراسات البحرية يأخذ على عاتقه مسؤولية ذلك بالتنسيق مع المؤسسات الحكومية والجمعيات التي تعنى بقطاع الصيد من خلال تقدير الإنتاج السمكي بشقيه السطحي والقاعي، المستغل والكامن وجهد الصيد المبذول والمشاركة في التطبيق الصارم لتشريعات الصيد القائمة وإلزام الجهات المستفيدة والمستثمرة للإنشاءات في المناطق البحرية والساحلية التعويض عن الضياعات المتوقعة وتقدير الأمد المتوقع لإستعادة وضعها من جديد.

     ولايفوتنا هنا أن نشير الى دور الإستزراع السمكي كقناة معززة للمورد السمكي، إذ هناك جهود طيبة قام بها المركز الوطني للاسترزاع السمكي في رأس حيان بإطلاق مئات الآلاف من صغار الاسماك في فترات زمنية مختلفة كان آخرها صيف هذا العام ولكن ما يؤاخذ على هذه الجهود الطيبة أنها لا تقترن بدراسات مراقبة لمعرفة مدى ما تسهم به من دعم لمخزون الثروة السمكية وهو ما نأمل أن يؤخذ في الاعتبار مستقبلاً، فمن الضروري معرفة مصير هذه الدفعات من صغار الاسماك وما تشكله من تعزيز للموارد السمكية لتقييم أثر الإطلاق والنتائج المتوخاة منه والمناطق المناسبة لإجراء عملية الاطلاق.

     نأمل ان تكون الحلول التي توضع للحد من تدهور البيئة البحرية ومواردها حلولا" شاملة تضيئ كل زوايا المشكلة لتقصي ما يلزم أن يشرع به وما يتطلب تهيئته نحو عمل جاد ودؤوب لا يقف عند حدود المياه الاقليمية لمملكة البحرين بل يتعداه ليسهم في تنمية هذه الموارد في الخليج العربي كون الكثير منها يعد أرصدة مشتركة مع الدول المتشاطئة الأخرى مما يوفر الفرصة للمشاركة الفاعلة في برامج العمل المشتركة على المستوى الأقليمي.

المصدر: [email protected]
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 273 مشاهدة
نشرت فى 13 يوليو 2011 بواسطة ThamerAlDawood

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,372