جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
-------- الاسراء والمعراج
للحافظ
ابن حجر العسقلاني
وهو شرحه لهذا الباب في البخاري
رتبه حسب المعاني والموضوعات
أبو عبدالله القاضي
دار الحديث
القاهرة
سياقة الأحاديث
أحاديث البخاري مختصرة الاسناد
زيادات الحافظ عن غير البخاري
بسم الله الرحمن الرحيم
روى البخاري رضي الله عنه بسنده:
<!--عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول:" لماذ كذبتني قريش قمت في الحجر فجلى الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وانا أنظر اليه".
<!--زاد في رواية: " لما كذبتني قريش حين أسري بي الى بيت المقدس.." نحوه.
<!--وعن أبي هريرة: ( أتى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ليلة أسري به بإيلياء بقدحين من خمر ولبن، فنظر اليهما، فأخذ اللبن. قال جبريل: الحمد لله الذي هداك للفطرة، لو أخذت الخمر غوت أمتك).
<!--عن أنس بن مالك بن صعصعة رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حدثه عن ليلة أسري به قال: " بينما انا في الحطيم ـوربما قال في الحجر ـ مضطجعا، إذ أتاني آت فقد ـ قال: وسمعته يقول: فشق ـ ما بين هذه الى هذه ـ فقلت للجارود وهو الى جنبي: ما يعني به؟ قال: من ثغرة نحره الى شعرته. وسمعته يقول: من قصه الى شعرته ـ فاستخرج قلبي، ثم أتيت بطست من ذهب ملؤه إيمانا، فغسل قلبي ثم، حشى، ثم أعيد. ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار، أبيض فقال له الجارود، وهو البراق يا أبا حمزة؟ قال أنس: نعم ـ يضع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه.
فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل اليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، ففتح. فلما خلصت، فإذا فيها آدم. فقال: هذا أبوك آدم، فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد السلام ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح.
ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية، فاستفتح. قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: و قد أرسل اليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء. ففتح، فلما خلصت إذا بيحيى وعيسى وهما ابنا خالة. قال: هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما. فسلمت فردا. ثم قالا: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح.
ثم صعد بي الى السماء الثالثة، فاستفتح. قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل اليه؟ قال: نعم قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، ففتح. فلما خلصت إذا يوسف. قال: هذا يوسف فسلم عليه فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح.
ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة، فاستفتح. قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أوقد أرسل اليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء. ففتح، فلما خلصت فإذا إدريس، قال: هذا إدريس فسلم عليه. فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح.
ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة، فاستفتح. قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. قيل: وقد أرسل اليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء. فلما خلصت، فإذا هارون. قال: هذا هارون فسلم عليه. فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح.
ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة، فاستفتح قيل من هذا؟ قال: جبريل قيل: من معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل اليه؟ قال: نعم. قال: مرحبا به فنعم المجيء جاء. فلما خلصت فإذا موسى. قال: هذا موسى فسلم عليه. فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح. فلما تجاوزت بكى، قيل: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاما بعث بعدي، يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي.
ثم صعد بي الى السماء السابعة، فاستفتح جبريل. قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث اليه؟ قال: نعم، قال: مرحبا به ونعم المجيء جاء. فلما خلصت، فإذا إبراهيم. قال: هذا أبوك فسلم عليه. قال: فسلمت عليه، فرد السلام، ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح.
ثم رفعت الى سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار: نهران باطنان ونهران ظاهران فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: أما الباطنان، فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات.
ثم رفع لي البيت المعمور ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل، فأخذت اللبن، فقال: هي الفطرة التي أنت عليها وأمتك.
ثم فرضت عليّ الصلاة: حمسين صلاة كل يوم، فرجعت، فمررت على موسى، فقال: بما أمرت؟ قلت: أمرت بخمسين صلاة كل يوم. قال: إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم، وإني والله قد جربت الناس قبلك. وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع الى ربك فاسأله التخفيف لأمتك. فرجعت، فوضع عني عشرا. فرجعت الى موسى، فقال مثله. فرجعت فوضع عني عشرا. فرجعت الى موسى فقال مثله. فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم فرجعت الى موسى فقال: بما أمرت؟ قلت بخمس صلوات كل يوم. قال: إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم، وإني قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائل أشد المعالجة، فارجع الى ربك، فاسأله التخفيف لأمتك. قال: سألت ربي حتى استحييت، ولكن أرضى وأسلم قال: فلما جاوزت، نادى مناد: أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي.
<!--وفي رواية:" بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان ـ وذكر، يعني رجلا بين الرجلين ـ فأتيت بطست من ذهب ملآن حكمة وإيمانا. فشق من النحر الى مراق البطن ثم غسل البطن بماء زمزم، ثم ملئ حكمة وإيمانا.."
ثم ساق نحوه. وحين ذكر البيت المعمور قال:" فسألت جبريل فقال: يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، إذا خرجوا لم يعودوا اليه آخر ما عليهم. ورفعت لي سدرة المنتهى، فإذا نبقها كأنه قلال هجر، وورقها كأنه آذان الفيول.." وقال في آخره:" فنودي: إني قد أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي، وأجزي الحسنة عشرا".
<!--وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى:{ وما جعلنا الرؤيا التي أريناك الا فتنة للناس}. قال: هي رؤيا عين، أريها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليلة أسري به الى بيت المقدس. قال: والشجرة الملعونة في القرآن هي شجرة الزقوم.
<!--وعن أنس بن مالك قال: كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:
" فرج عن سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل، ففرج صدري، ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا، فأفرغه في صدري ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فعرج بي الى السماء الدنيا. فلما جئت الى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء: افتح. قال: من هذا؟ قال: هذا جبريل. قال: هل معك احد؟ قال: نعم، معي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فقال: أرسل اليه؟ قال: نعم. فلما فتح علونا السماء الدنيا، فإذا رجل قاعد، على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة؛ إذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل يساره بكى. فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح. قلت لجبريل: من هذا؟ قال: هذا آدم، وهذه الأسودة عن يمينه وشماله نسم بينه، فاهل اليمين منهم اهل الجنة، والأسودة التي عن شماله اهل النار فإذا نظر عن يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى.
حتى عرج بي الى السماء الثانية، فقال لخازنها: افتح. فقال له خازنها مثل ما قال الأول. ففتح".
قال أنس: فذكر أنه وجد في السماوات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم صلوات الله عليهم. ولم يثبت [ ـ يعني أبا ذر ـ] كيف منازلهم. غير أنه ذكر أنه وجد آدم في السماء الدنيا، وإبراهيم في السادسة.
قال أنس: فلما مر جبريل بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح. فقلت: من هذا؟ قال: هذا إدريس. ثم مررت بموسى فقال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح. قلت: من هذا؟ قال: هذا موسى. ثم مررت بعيسى فقال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح قلت: من هذا؟ قال: هذا عيسى. ثم مررت بإبراهيم فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت: من هذا؟ قال: هذا إبراهيم عليه السلام".
قال ابن شهاب: فأخبرني ابن حزم أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري كانا يقولان: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:" ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام".
قال ابن حزم وأنس بن مالك: قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "ففرض الله على امتي خمسين صلاة. فرجعت بذلك حتى مررت على موسى، فقال: ما فرض الله لك على أمتك؟ قلت: فرض خمسين صلاة. قال: فارجع الى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك. فراجعني، فوضع شطرها. فرجعت الى موسى. قلت: وضع شطرها. فقال: راجع ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك. فراجعت، فوضع شطرها فرجعت اليه فقال: ارجع الى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك. فراجعته فقال: هي خمس وهي خمسون، لا يبدل القول لدي. فرجعت الى موسى فقال: راجع ربك. فقلت: استحييت من ربي، ثم انطلق بي حتى انتهى بي الى سدرة المنتهى وغشيها ألوان لا أدري ما هي، ثم ادخلت الجنة، فإذا فيها حبايل اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك".
<!--وعن شريك بن عبدالله انه قال: سمعت ابن مالك يقول: ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من مسجد الكعبة، أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى اليه وهو نائم في المسجد الحرام. فقال أولهم: أيهم هو؟ فقال أوسطهم: هو خيرهم. فقال أحدهم: خذوا خيرهم، فكانت تلك الليلة. فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى، فيما يرى قلبه وتنام عينه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم. فلم يكلموه، حتى احتملوه، فوضعوه عند بئر زمزم، فتولاه منهم جبريل، فشق ما بين نحره الى لبته، حتى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم بيده، حتى أنقى جوفه، ثم أتى بطست من ذهب، فيه نور من ذهب، محشوا إيمانا وحكمة، فحشا به صدره ولغاديده ـ يعني عروق حلقه ـ ثم أطبقه، ثم عرج به الى السماء الدنيا.
فضرب بابا من أبوابها، فناداه اهل السماء: من هذا؟ فقال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمد. قال: وقد بعث؟ قال: نعم. قالوا: فمرحبا به وأهلا، فيستبشر به أهل السماء، لا يعلم أهل السماء بما يريد الله به في الأرض حتى يعلمهم. فوجد في السماء الدنيا آدم، فقال له جبريل هذا أبوك، فسلم عليه، فسلم عليه، ورد عليه آدم وقال: مرحبا وأهلا بابني، نعم الابن أنت. فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان. فقال: ما هذان النهران يا جبريل؟ قال: هذان النيل والفرات عنصرهما ثم مضى به في السماء، فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وذبرجد، فضرب يده، فإذا هو مسك أذفر. قال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك ثم عرج الى السماء الثانية، فقالت الملائكة له مثل ما قالت الأولى. من هذا؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالوا: وقد بعث اليه؟ قال: نعم. قالوا: مرحبا به وأهلا.
ثم عرج بي الى السماء الثالثة، وقالوا له مثل ما قالت الأولى والثانية، ثم عرج به الى الرابعة، فقالوا له مثل ذلك. ثم عرج به الى السماء السادسة، فقالوا له مثل ذلك. ثم عرج به الى السماء السابعة فقالوا له مثل ذلك. كل سماء فيها أنبياء قد سماهم، فوعيت منهم: إدريس في الثانية، وهارون في الرابعة، وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه، وإبراهيم في السادسة، وموسى في السابعة بفضل كلامه لله. فقال موسى: رب لم أظن أن ترفع عليّ أحدا.
ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه الا الله، حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى الله فيما أوحى: خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة. ثم هبط حتى بلغ موسى فاحتبسه موسى، فقال: يا محمد، ماذا عهد اليك ربك؟ قال: عهد اليّ خمسين صلاة كل يوم وليلة. قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك، فارجع ، فليخفف عنك ربك وعنهم فالتفت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الى جبريل، وكأنه يستشيره في ذلك، فأشار اليه جبريل: أن نعم إن شئت فعلا به الى الجبار، فقال وهو مكانه: يا رب: خفف عنا، فإن أمتي لا تستطيع هذا، فوضع عنه عشر صلوات، ثم رجع الى موسى، فاحتسبه، فلم يزل يردده موسى الى ربه حتى صارت الى خمس صلوات.
ثم احتبسه موسى عند الخمس، فقال: يا محمد، والله لقد راودت بني إسرائل قومي على أدنى من هذا فضعفوا، فتركوه، فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبانا وأبصار وأسماعا، فارجع فليخفف عنك ربك. كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الى جبريل ليشير عليه، ولا يكره ذلك جبريل. فرفعه عند الخامسة، فقال: يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم، فخفف عنا. فقال الجبار: يا محمد. قال: لبيك وسعديك. قال: إنه لا يبدل القول لدي. كما فرضت عليك في أم الكتاب. قال: فكل حسنة عشر أمثالها، فهي خمسون في أم الكتاب، وهي خمس عليك. فرجع الى موسى فقال: كيف فعلت؟ فقال: خفف عنا، أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها. قال موسى: قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه، ارجع الى ربك فليخفف عنك أيضا. قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: يا موسى، قد والله استحييت من ربي مما اختلفت اليه. قال: فاهبط بسم الله. قال: واستيقظ وهو في المسجد الحرام.
زيادات ليست عند البخاري:
قال الحافظ رحمه الله:
(وقع من الزيادات في قصة المعراج) عند مسلم من طريق همام عن قتادة عن أنس رفعه:" بينا أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف، وإذا طينه مسك أذفر. فقال جبريل: هذا الكوثر" وله من طريق شيبان عن قتادة عن أنس: لما عرج بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.. فذكر نحوه.
وعند أبي حاتم وابن عائذ من طريق يزيد بن أبي مالك عن أنس:" ثم انطلق حتى انتهى بي الى الشجرة، فغشيني من كل سحابة فيها من كل لون، فتأخر جبريل، وخررت ساجدا" وفي حديث ابن مسعود عند مسلم: ( وأعطي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الصلوات الخمس وخواتيم سورة البقرة، وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته المقحمات)، يعني الكبائر.وفي هذه الرواية من الزيادة: " ثم انجلت عني السحابة وأخذ بيدي جبريل، فانصرفت سريعا، فأتيت على ابراهم، فلم يقل شيئا، ثم أتيت على موسى فقال: ما صنعت؟.." الحديث.
وفي أيضا:" فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:" مالي لم آت أهل سماء إلا رحبوا بي وضحكوا اليّ، غير رجل واحد، فسلمت عليه، فرد عليّ السلام، ورحب بي، ولم يضحك اليّ؟ قال: يا محمد، ذلك مالك خازن جهنم، لم يضحك منذ خلق، ولو ضحك الى أحد لضحك اليك".
وفي حديث حذيفة عند أحمد والترمذي، ( حتى فتحت لهما أبواب السماء، فرأيا الجنة والنار، ووعد الآخرة أجمع) وفي حديث أبي سعيد: أنه عرض عليه الجنة، وأن رمانها، كأنه الدلاء، وإذا طيرها، كأنه البخت، وأنه عرضت عليه النار، فإذا هي لو طرح فيها الحجارة والحديد لأكلتها. وفي حديث شداد بن أوس:" فإذا جهنم تكشف عن مثل الزرابي، ووجدتها مثل الحمة السخنة". وزاد فيه: أنه رآها في وادي بيت المقدس. وفي رواية يزيد بن مالك عن أنس عند أبي حاتم، أن جبريل قال: يا محمد هل سألت ربك أن يريك الحور العين؟ قال: نعم. قال: فانطلق الى أولئك النسوة فسلم عليهن. قال: فأتيت اليهن، فسلمت، فرددن، فقلت: من أنتن؟ فقلن: خيرات حسان.." الحديث.
وفي رواية أبي عبيدة الله بن عبدالله بن مسعود عن أبيه: ( أن إبراهيم الخليل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: يا بني إنك لاق ربك الليلة، وإن أمتك آخر الأمم وأضعفها، فإن استطعت أن تكون حاجتك أوجلها في أمتك فافعل).
وفي رواية الواقدي بأسانيده في أول حديث الاسراء: ( كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسأل ربه أن يريه الجنة والنار، فلما كانت ليلة السبت لسبع عشرة خلت من رمضان، قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا، وهو نائم في بيته ظهرا، أتاه جبريل وميكائيل فقالا: انطلق الى ما سألت: فانطلقا به الى ما بين المقام وزمزم، فأتى بالمعراج، فإذا هو أحسن شيء منظرا، فعرجا به الى السماوات، فلقي الأنبياء، وانتهى الى سدرة المنتهى، ورأى الجنة والنار، وفرض عليه الخمس). فلو ثبت هذا لكان ظاهرا في أنه معراج آخر، لقوله: إنه كان ظهرا وأن المعراج كان من مكة، هو مخالف لما في الروايات الصحيحة في الأمرين معا. ويعكر على التعدد قوله: إن الصلوات فرضت حينئذ، إلا إن حمل على أنه أعيد ذكره تأكيدا، أو فرغ على أن الأول كان مناما، وهذا يقظة أو بالعكس، والله أعلم.
لماذا بيت المقدس:
قال الحافظ رحمه الله: روى كعب الأحبار أن باب السماء الذي يقال له:
" مصعد الملائكة" يقابل بيت المقدس فأخذ منه العلماء أن الحكمة من الاسراء الى بيت المقدس قبل العروج، ليحصل العروج مستويا من غير تعويج. وفيه نظر لورود أن في كل سماء بيتا معمورا، وأن الذي في السماء الدنيا حيال الكعبة وكان المناسب أن يصعد من مكة ليصل الى البيت المعمور بغير تعويج، لأنه صعد من سماء الى سماء الى البيت المعمور.
وقد ذكر غيره في مناسبات أخرى ضعيفة. فقيل: الحكمة في ذلك أن يجمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تلك الليلة بين رؤية القبلتني. أو لأن بيت المقدس كان هجرة غالب الأنبياء قبله، فحصل له الرحيل اليه في الجملة، ليجمع بين أشتات الفضائل. أو لأنه محشر وغالب ما اتفق له في تلك الليلة يناسب الأحوال الأخروية، فكان المعراج منه أليق بذلك. أو للتفاؤل بحصول أنواع التقديس له حسا ومعنى. أو ليجتمع بالأنبياء جملة، والعلم عند الله.
قد اختلف السلف بحسب اختلاف الأخبار الواردة: فمنهم من ذهب الى ان الاسراء والمعراج وقعا في ليلة واحدة في اليقظة، بجسد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وروحه بعد المبعث. والى هذا ذهب جمهور من علماء المحدثين والفقهاء والمتكلمين، وتواردت عليه ظواهر الأخبار الصحيحة. ولا ينبغي العدول عن ذلك: إذ ليس في العقل ما يحيله، حتى يحتاج الى تأويل.
نعم، جاء في بعض الأخبار ما يخالف بعض ذلك، فجنح لأجل لك بعض أهل العلم منهم الى أن ذلك كله وقع مرتين، مرة في المنام توطئة وتمهيدا ومرة ثانية في اليقظة، كما وقع نظير ذلك في ابتداء مجيء الملك بالوحي.
فقد [ذكر] ابن ميسرة التابعي الكبير وغيره، ان ذلك وقع في المنام وأنهم جمعوا بينه وبين حديث عائشة بأن ذلك وقع مرتين. والى هذا ذهب المهلب شارح البخاري، وحكاه عن طائفة، وأبو نصر ابن القشيري، ومن قبلهم أبو سعيد في " شرف المصطفى" قال: كان للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم معارج، منها ما كان في اليقظة ومنها ما كان في المنام. وحكاه السهيلي عن ابن العربي واختاره.
وجوز بعض قائلي ذلك أن تكون قصة المنام وقعت قبل المبعث لأجل قول شريك في روايته عن أنس: ( وذلك قبل أن يوحى اليه..) وقوله: "قبل أو يوحى اليه". أنكرها الخطابي وابن حزم وعبدالحق والقاضي عياض والنووي وعبارة النووي: وقع في رواية شريك ـ يعني هذه ـ أوهام أنكرها العلماء أحدها: قوله:" قبل أن يوحى اليه" وهو غلط لم يوافق عليه. وأجمع العلماء أن فرض الصلاة كان ليلة الاسراء، فكيف يكون قبل الوحي. انتهى. وصرح المذكورون بأن سريكا تفرد بذلك، وفي دعوى التفرد نظر، فقد وافقه كثير بن خنيس ـ بمعجمه ونون مصغر ـ عن أنس، كما أخرجه سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي في كتاب " المغازي" من طريقه وقال بعض المتأخرين: كانت قصة الاسراء في ليلة والمعراج في ليلة، متمسكا بما ورد في حديث أنس من رواية شريك، من ترك ذكر الاسراء. وكذا في ظاهر. حديث مالك بن صعصعة. ولكن ذلك لا يستلزم التعدد. بل هو محمول على أن بعض الرواة، وذكر ما لم يذكره الآخر كما سنبينه.
وذهب بعضهم الى أن الاسراء كان في اليقظة، والمعراج كان في المنام. أو أن الاختلاف في كونه يقظة أو مناما خاص بالمعراج لا الاسراء. ولذلك لما أخبر به قريشا كذبوه في الاسراء واستبعدوا وقوعه، ولم يتعرضوا للمعراج. وأيضا فإن الله سبحانه وتعالى قال:
{ سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى}.
فلو وقع المعراج في اليقظة لكان ذلك أبلغ في الذكر، فلما لم يقع ذكره في هذا الموضع، مع كون شأنه أعجب من الاسراء وأمره أغرب من الاسراء بكثير، دل على أنه كان مناما، وأما الاسراء فلو كان مناما لما كذبوه ولا استنكروه، لجواز وقوع مثل ذلك وأبعد منه لآحاد الناس.
وقيل: كان الاسراء مرتين في القظة: فالأولى: رجع من بيت المقدس وفي صبيحته أخبر قريشا بما وقع. والثانية أسري به الى بيت المقدس، ثم عرج به من ليلته الى السماء: الى آخر ما وقع، ولم يقع لقريش في ذلك اعتراض، لأن ذلك عندهم من جنس قوله: إن الملك يأتيه من السماء في أسرع من طرفة عين، وكانوا يعتقدون استحالة ذلك، مع قيام الحجة على صدقه بالمعجزات الباهرة، لمنهم عاندوا في ذلك واستمروا على تكذيبه فيه. بخلاف إخباره أنه جاء بيت المقدس في ليلة واحدة ورجع فإنهم صرحوا بتكذيبه فيه، وطلبوا منه نعت بيت المقدس لمعرفتهم به، وعلمهم بأنه ما كان رآه قبل ذلك، فأمكنهم استعلام صدقه في ذلك بخلاف المعراج.
ويؤيد وقوع المعراج عقب الاسراء في ليلة واحدة، رواية ثابت عن أنس عند مسلم، ففي أوله:" أتيت بالبراق، فركبت حتى أتيت بيت المقدس" فذكر القصة الى أن قال:" ثم عرج بنا الى السماء الدنيا"ز وفي حديث أبي سعيد الخدري عند ابن اسحاق:" فلما فرغت مما كان في بيت المقدس، أتى بالمعراج فذكر الحديث. ووقع في أول حديث مالك بن صعصعة: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حدثهم عن ليلة أسري به. فذكر الحديث، فهو وإن لم يذكر فيه الاسراء الى بيت المقدس، فقد أشار اليه، وصرح به في روايته، فهو المعتمد.
واحتج من زعم أن الاسراء وقع مفردا، بما أخرجه البزار والطبراني، وصححه البيهقي في " الدلائل" من حديث شداد بن أوس قال: قلنا: يا رسول الله كيف أسري بك؟ قال:" صليت صلاة العتمة بمكة فأتاني جبريل بدابة.." فذكر الحديث في مجيئه بيت المقدس وما وقع له فيه، قال: "ثم انصرف بي، فمررنا بعير لقريش بمكان كذا.. " فذكرهقال: " ثم أتيا أصحابي قبل الصبح بمكة".
وفي حديث أم هانئ عند ابن اسحاق وأبي يعلى نحو ما في حديث أبي سعيد هذا: فإن ثبت أن المعراج كان مناما، على ظاهر رواية شريك عند أنس، فينتظم من ذلك أن الاسراء وقع مرتين: مرة في المنام على انفراده توطئة وتمهيدا، ومرة في اليقظة مضموما الى الاسراء. وأما كونه قبل البعث فلا يثبت.
وجنح الامام أبو شامة الى وقوع المعراج مرارا، واستند الى ما أخرجه البزار وسعيد بن منصور من طريق أبي عمران الجوني عن أنس رفعه قال: "بينا أنا جالس، إذ جاء جبريل، فوكز بين كتفي، فقمنا الى شجرة فيها مثل وكري الطائر، فقعدت في أحدهما، وقعد جبريل في الآخر، فارتفعت حتى سدت الخافقين.." الحديث، وفيه:" ففتح لي باب من السماء، ورأيت النور الأعظم، وإذا دونه الحجاب رفرف الدر والياقوت.. ورجاله لا بأس فيهم، إلا أن الدارقطني ذكر له علة تقتضي إرساله. وعلى كل حال، فهي قصة اخرى، الظاهر أنها وقعت بالمدينة، ولا بعد في وقوع أمثالها، وإنما المستبعد وقوع التعدد في قصة المعراج، التي وقع فيها سؤاله عن كل نبي، وسؤال أهل كل باب: هل بعث اليه، وفرض الصلوات الخمس.. وغير ذلك فإن تعدد ذلك في اليقظة لا يتجه، فيتيعن رد بعض الروايات المختلفة الى بعض، أو الترجيح، إلا أنه لا بعد في جميع وقوع ذلك في المنام توطئة، ثم وقعه في اليقظة على وفقه كما قدمته.
ومن المستغرب قول ابن عبدالسلام في "تفسيره" كان الاسراء في النوم واليقظة ووقع بمكة والمدينة. فإن كان يريد تخصيص المدينة بالنوم، ويكون كلامه على طريق اللف والنشر غير المرتب فيحتمل، ويكون الاسراء الذي اتصل به المعراج وفرضت فيه الصلوات في اليقظة بمكة، والآخر في المنام بالمدينة. وينبغي أن يزاد فيه: أن الاسراء في المنام تكرر بالمدينة النبوية، وفي " الصحيح" حديث سمرة الطويل في الجنائز، وفي غيره حديث عبدالرحمن بن سمرة الطويل، وفي "الصحيح" حديث ابن عباس في رؤيا الأنبياء، وحديث ابن عمر في ذلك والله اعلم.
[وأسري]: مأخوذ من السرى، وهو سير الليل. تقول: أسرى وسرى إذا سار ليلا بمعنى. هذا قول الأكثر، وقال الحوفي: أسرى: سار ليلا، وسرى سار نهارا. وقيل أسرى: سار من أول الليل، وسرى: سار من من آخره، وهذا أقرب.
والمراد بقوله: { أسرى بعبده}: أي جعل البراق يسري به، كما يقال: أمضيت كذا: أي جعلته يمضي، وحذف المفعول لدلالة السياق عليه، ولأن المراد ذكر المسرى به ذكر الدابة. والمراد بقوله:{ عبده} محمد عليه الصلاة والسلام اتفاقا. والضمير لله تعالى، والاضافة للتشريف. وقوله: {ليلا} ظرف للإسراء وهو للتأكيد، وفائدته رفع توهم المجاز، لأنه قد يطلق على سير النهار أيضا. ويقال: بل هو إشارة الى أن ذلك وقع في بعض الليل لا في جميعه، والعرب تقول: سرى فلان ليلا: إذا اسار بعضه وسرى ليلة: إذا سار جميعها، ولا يقال: أسرى ليلا إذا وقع سيره في أثناء الليل، وإذا وقع في أوله، يقال: . أدلج. ومن هذا قوله تعالى في قصة موسى وبني إسرائيل:{ فأسر بعبادي ليلا..} أي من وسط الليل.
هل تعدد الاسراء؟
قال الحافظ:
وأنكر صاحب "الهدى" أيضا على من زعم أن الاسراء تعدد، واستند الى استبعاد أن يتكرر، قوله: (ففرض عليه خمسين صلاة وطلب التخفيف..) الى آخر القصة، فإن دعوى التعدد تستلزم أن قوله تعالى:" أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي" أن فريضة الخمسين وقعت بعد أن وقع التخفيف، ثم وقع التخفيف والاجابة اليه وأعيد:" أمضيت فريضتي.." الى آخره. انتهى وما أظن أحدا ممن قال بالتعدد يلتزم إعادة مثل ذلك يقظة، بل يجوز وقوع مثل ذلك مناما ثم وجوده يقظة، كما في قصة المبعث ويجوز تكرير إنشاء الرؤية، ولا تبعد العادة تكرير وقوعه، كاستفتاح السماء، وقول كل نبي ما نسب اليه بل الذي يظن أنه تكرر مثل حديث أنس رفعه:" بينا أنا قاعد، إذ جاء جبريل فوكز بين كتفي فقمت الى شجرة فيها مثل وكري الطائر، فقعدت في أحدهما، وقعد جبريل في الأخرى، فسمت وارتفعت، حتى سدت الخافقين، وأنا أقلب طرفي، ولو شئت أم أمس السماء لمسست فالتفت اليّ جبريل، كأنه جلس لأجلي وفتح بابا من أبواب السماء، فرأيت النور الأعظم، وإذا دونه الحجاب، وفوقه الدر والياقوت، فأوحى الى عبده ما أوحى". أخرجه البزار وقال: تفرد به الحارث بن عمير وكان بصريا مشهورا قلت: وهو من رجال البخاري.
المعراج وأحداثه
متى تم المعراج؟
شق صدر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
البراق وأوصافه
السماء الدنيا
متى تم المعراج:
وقد اختلف في وقت المعراج، فقيل: كان قبل البعث، وهو شاذ، إلا إن حمل على أنه وقع حينئذ في المنام، كما تقدم. وذهب الأكثر الى أنه كان بعد المبعث، ثم اختلفوا، فقيل: قبل الهجرة بسنة. قاله ابن سعد وغيره، وجزم به النووي. وبالغ ابن حزم فنقل الاجماع فيه. وهو مردود، فإن في ذلك اختلافا كثيرا، يزيد على عشرة أقوال:
منها ما حكاه ابن الجوزي أنه كان قبلها بثمانية أشهر وقيل: بستةأشهر، وحكى هذا الثاني أبو الربيع بن سالم، وحكى اثنتي عشرة من النبوة. وقيل: بأحد عشر شهرا. جزم به ابراهيم الحربي حيث قال: كان في ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة، ورجحه ابن المنير في "شرح السيرة" لابن عبدالبر وقيل: قبل الهجرة بسنة وشهرين، حكاه ابن عبدالبر. وقيل: قبلها بسنة وثلاثة أشهر، حكاه ابن فارس. وقيل: بسنة وخمسة أشهر، قاله السدي وأخرجه من طريقه الطبري والبيهقي.
فعلى هذا، كان في شوال أو في رمضان، على إلغاء الكسرين منه ومن ربيع الأول، وبه جزم الواقدي، وعلى ظاهره ينطبق ما ذكره ابن قتيبة وحكاه ابن عبدالبر، أنه كان قبلها بثمانية عشر شهرا، وعند ابن سعد: عن ابن أبي سيرة: أنه كان في رمضان، قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا.
وقيل: كان في رجب، حكاه ابن عبدالبر، وجزم به النووي في "الروضة" وقيل: قبل الهجرة بثلاث سنين، حكاه ابن الأثير وحكى عياض وتبعه القرطبي والنووي عن الزهري: أنه كان قبل الهجرة بخمس سنين، ورجحه عياض ومن تبعه، واحتج بأنه لا خلاف أن خديجة صلت معه بعد فرض الصلاة، ولا خلاف أنها توفت قبل الهجرة، إما بثلاث أو نحوها وإما بخمس، ولا خلاف أن فرض الصلاة كان ليلة الاسراء. قلت: في جميع ما نفاه من الخلاف نظر:
أما أولا: فإن العسكري حكى أنه ماتت قبل الهجرة بسبع سنين، وقيل بأربع. وعن ابن الأعرابي أنها ماتت عام الهجرة.
وأما ثانيا: فإن فرض الصلاة اختلف فيه، فقيل: أول البعثة وكان ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي وإنما الذي فرض ليلة الاسراء الصلوات الخمس.
وأما ثالثا: ففي حديث عائشة عند البخاري في بدء الخلق: أن عائشة جزمت بأن خديجة ماتت قبل أن تفرض الصلاة فالمعتمد أن مراد من قال: بعد أن فرضت الصلاة، ما فرض قبل الصلوات الخمس، إن ثبت ذلك. ومراد عائشة بقولها: (ماتت قبل أن تفرض الصلاة): أي الخمس فيجمع بين القولين بذلك، ويلزم منه أنا ماتت قبل الاسراء.
وأما رابعا: ففي سنة موت خديجة اختلاف آخر فحكى العسكري عن الزهري: أنها ماتت لسبع سنين مضين من البعثة، وظاهره أن ذلك قبل الهجرة بست سنين، فرعه العسكري على قول من قال: إن المدة بين البعث والهجرة كانت عشرا.
وأما قوله في رواية شريك عن أنس: ( حتى أتوه ليلة أخرى)، ولم يعين المدة بين المجيئين، فيحمل على أن المجيء الثاني كان بعد أن أوحى اليه وحينئذ وقع الاسراء والمعراج. وإذا كان بين المجيئين مدة، فلا فرق في ذلك بين أن تكون تلك المدة ليلة واحدة أو ليالي كثيرة أو عدد سنين وبهذا يرتفع الاشكال عن رواية شريك، ويحصل به الوفاق أن الاسراء كان في اليقظة بعد البعثة وقبل الهجرة ويسقط تشنيع الخطابي وابن حزم وفيرهما، بأن شريكا خالف الاجماع في دعواه أن المعراج كان قبل البعثة وبالله التوفيق.
وأما ما ذكره بعض الشراح أنه كان بين الليلتين اللتين أته فيهما الملائكة سبع، وقيل: ثمان، وقيل: تسع، وقيل: ثلاث عشر، فيحمل على إرادة السنين، لا كما فهمه الشارح المذكور أنها ليال. وبذلك جزم ابن القيّم في هذا الحديث نفسه.
وأقوى ما يستدل به أن المعراج بعد البعثة، قوله في هذا الحديث نفسه أن جبريل قال لبواب السماء إذ قال له: أبعث؟ قال: نعم فإنه ظاهر في أن المعراج كان بعد البعثة، فيتعين ما ذكرته من التأويل وأقله قوله: ( فاستيقظ وهو عند المسجد الحرام)، فإن حمل على ظاهره، جاز أن يكون نام، بعد أن هبط من السماء، فاستيقظ وهو عند المسجد الحرام. وجاز أن يؤول قوله: استيقظ: أي أفاق مما كان فيه، فإنه إذا أوحى اليه يستغرق فيه، فإذا انتهى رجع الى حالته الأولى، فكنى عنه بالاستيقاظ.
أي أنه أفاق مما كان فيه من شغل البال، بمشاهدة الملكوت، ورجع الى العالم الدنيوي. وقال الشيخ أبو محمد بن أبي حمزة: لو قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إنه كان يقظان، لأخبر بالحق، لأن قلبه في النوم واليقظة سواء، وعينه أيضا، لم يكن النوم تمكن منها، لكنه تحرى صلى الله عليه وعلى آله وسلم الصدق في الإخبار بالواقع فيؤخذ منه أنه لا يعدل عن حقيقة اللفظ للمجاز إلا لضرورة.
أما الشك في رواية مالك بن صعصعة في قوله:" في الحطيم وربما في الحجر، فهو شك من قتادة ـ الراوي عن أنس بن مالك بن صعصعة. كما بينه أحمد عن عفان عن همام، ولفظه:" بينا أنا نائم في الحطيم ـ وربما قال قتادة: في الحجر".
والمراد بالحطيم هنا: الحجر. وأبعد من قال: المراد به: ما بين الركن والمقام، أو بين زمزم والحجر وهو إن كان مختلفا في الحطيم: هل هو الحجر أم لا؟ لكن المراد هنا بيان البقعة التي وقع فيها. ومعلوم أنها لم تتعدد، لن القصة متحدة لاتحاد مخرجها.
وفي سياق آخر في رواية مالك هذه:" بينا أنا عند البيت" وهو أعم ووقع في رواية الزهري عن أنس عن أبي ذر:" فرج سقف بيتي وأنا بمكة" وفي رواية الواقدي بأسانيده: انه أسري به من شعب أبي طالب وفد حديث أم هاني عند الطبراني: أنه بات في بيتها، قالت: فقدته من الليل فقال: "إن جبريل أتاني".
والجمع بين هذه الأقوال، أنه نام في بيت أم هاني، وبيتها عند شعب أبي طالب، ففرج سقف بيته، وأضاف البيت اليه لكونه كان يسكنه، فنزل منه الملك، فأخرجه من البيت الى المسجد، فكان به مضطجعا وبه أثر النعاس. ثم أخرجه الملك الى باب المسجد، فأركبه البراق.
وقد وقع في مرسل الحسن عند ابن اسحاق: أن جبريل أتاه، فأخرجه الى المسجد، فأركبه البراق، وهو يؤيد هذا الجمع. وقيل: الحكنة من نزوله عليه من السقف، الاشارة الى المبالغة في مفاجأته بذلك، والتنبيه على أن المراد منه أن يعرج به الى جهة العلو.
كم مرة شق صدر الرسول صلى الله عليه وعلى آل
المصدر: TAHA GIBBA الاسراء والمعراج :-- للحافظ ابن حجر العسقلاني
ساحة النقاش