لدى كلام كثير فى نقد الفكر السلفى خصوصا فى تركيزه على العقائد والمظاهر، الأمر الذى يجعل كثيرين من اتباعه مشغولين بقضايا الإيمان والكفر وبسلوكيات الناس واخلاقهم. وهو ما يترتب عليهم غيابهم شبه الكامل عن كل ما يتعلق بمقومات نهوض المجتمعات وعمارة الأرض ومصائر الأوطان. بسبب من ذلك فإن أحدا لا يستطيع أن ينكر أن السلفيين أصبحوا «فزاعة» هذه المرحلة فى مصر، وان كثيرين ممن كانوا يبغضون الإخوان أصبحوا الآن أكثر تعاطفا معهم أو قبولا لهم، إن بدوا وكأنهم «أخف الضررين وأهون الشرين».. وبسبب تلك السمعة فان أحدا لم ينتبه إلى التمايزات الحاصلة بين السلفيين، الذين هم أكثر من جماعة فى مصر، تعددت لديها الرؤى والاجتهادات. ولم يلحظ كثيرون أنه إلى جانب جماعاتهم شديدة الانغلاق فثمة جماعات أخرى منفتحة بصورة تثير الانتباه. والأولون نعرفهم جيدا، لكن الأخيرين الذين يمثلون استثناء لهم حضورهم فى الكويت بوجه أخص. ولأحد رموزهم، الدكتور حاكم المطيرى، كتاب فى 300 صفحة يعبر عن رؤيتهم بعنوان «الحرية أو الطوفان» (صدر فى بيروت عام 2004). وهذه الرؤية نلسمها فى سؤالين طرحهما المؤلف فى المقدمة هما، لماذا لم يعد أكثر علماء الإسلام ودعاته اليوم يهتمون بحقوق الإنسان وحريته وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة؟.. وكيف تم اختزال مفهوم الشريعة لتصبح السياسة الشرعية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والمساواة، كل ذلك مقطوع الصلة بالشريعة التى يراد تطبيقها والدين الذى يدعى الناس إليه اليوم؟ تذكرت كتاب الدكتور المطيرى حين قرأت صبيحة يوم أمس الأول 5/12 كلاما على لسان أشرف ثابت عضو اللجنة العليا لحزب النور (السلفى) الذى فاز فى انتخابات المرحلة الأولى بالإسكندرية قال فيه: سأسعى من خلال البرلمان المقبل إلى تنفيذ برنامج الحزب الذى يعتمد على قضايا الإصلاح فى التعليم والصحة، ووضع خطط للارتقاء بالبلاد اقتصاديا وتجاريا، إضافة إلى المشاركة فى إعداد دستور يؤكد الهوية الإسلامية والعربية للدولة. وأشار إلى أن الحزب سيسعى إلى البحث عن تسهيلات للمستثمر الأجنبى.. وأن لديهم خطة لتعديل قانون البنوك يصعب تنفيذه مرة واحدة حتى لا ينهار الاقتصاد. وسيتم تأسيس بنوك إسلامية، وقد تم إعداد مشروع بنك النور الإسلامى الذى تقدم به الحزب إلى المجلس العسكرى كى يسمح له بالعمل إلى جوار البنوك الحالية. وبمجرد نجاح التجربة سنطالب بإلغاء نظام البنوك الحالى.
نفى الرجل أن حزب النور سيمنع عمل المرأة، أو أنه سيلزمها بارتداء الخمار. وقال: نحن نؤمن بعمل المرأة ولن نطالب بقوانين تفرض الحجاب، وسوف ندعو من خلال البرلمان إلى إصلاح الأخلاق، وعدم اختلاط الرجال بالنساء فى الأماكن المغلقة.
لفت نظرى فى الكلام الذى تطرق فيه الرجل إلى أمور أخرى تفصيلية، أنه تحدث عن إصلاح التعليم والصحة وتشجيع الاستثمار. وانهم سيدعون إلى انشاء بنوك إسلامية، لتكون بديلا عن البنوك الحالية. كما أنهم لن يفرضوا قيودا على أزياء النساء. ولكنهم سيدعون من خلال البرلمان إلى إصلاح الأخلاق وعدم اختلاط الرجال بالنساء فى الأماكن المغلقة (للتذكرة فقط فإن الـ88 عضوا الذين مثلوا الإخوان فى مجلس الشعب الذى انتخب عام 2005، أمضوا خمس سنوات فى المجلس لم يتطرقوا خلالها إلى موضوع الحريات الخاصة للناس).
وجدت كلام الرجل هادئا وقابلا للمناقشة. ونفيه لفرض أى زى على النساء واضح، وحديثه عن الأخلاق والاختلاط فى حدود الدعوات التى يمكن أن تطلق فى البرلمان، أما موضوع النظام المصرفى الإسلامى الذى يطرحونه فإنهم سيقدمونه كبديل إذ ثبت نجاحه.
هذا الكلام نشرته صحيفة المصرى اليوم تحت عنوان ينسب إلى أول سلفى فى البرلمان قوله: سنمنع الاختلاط فى العمل وسنلغى النظام الحالى للبنوك(!!) ــ والفرق كبير بين ما قاله الرجل فعلا والعنوان المثير للخوف الذى صاغته الجريدة.
مازلت عند رأيى فى نقد أفكار السلفيين وخطابهم، لكن النموذج الذى بين أيدينا دال على أنهم ليسوا ظالمين فقط ولكنهم مظلومون أيضا، الأمر الذى يثير أكثر من سؤال حول دور الإعلام فى لى الأخبار لتعميق الخوف منهم، فى حين أن التناول المسئول كما يدعونا إلى نقدهم، فإنه يحثنا على تشجيع ما هو إيجابى وبناء فى آرائهم. ليس فقط لأن الأمانة تقتضى ذلك، ولكن أىضا لأن النهوض الحقيقى بالبلد لن يقدر له أن يتحقق إلا إذا كان حاصل جمع العطاء الايجابى لكل فصيل فيه، لكن البعض يفضلون القسمة والطرح، ويحاربون الجمع!
ساحة النقاش