لا ينكر أحد أن ليبيا بغير القذافى أفضل بكل المعايير، لكن ليبيا المحمية بقوات حلف الناتو والخاضعة لوصاية الأمم المتحدة، ليست تلك التى تمنيناها بعد زوال كابوس الأخ العقيد. ذلك أنه ما خطر لنا أن تستبدل شرا بشر، وأن نتخلص من ولاية القذافى لنركن إلى ولاية حلف الناتو، وإلاّ صرنا كمن خرج من حفرة ليقع فى بئر. وإذا كان سوء ظننا بالقذافى مقطوعا به، فإن حلف الناتو ليس فوق الشبهة. يكفى أنه إحدى الأذرع العسكرية للسياسة الأمريكية.
فى أخبار الخميس الماضى 27/1 أن تحالفا دوليا جديدا منبثقا من حلف الأطلسى (الناتو) أعلن عن تشكيله فى قطر، ضم 13 دولة بينها الولايات المتحدة وإنجلترا وفرنسا. وقد تم الاتفاق على تشكيل ذلك التحالف الذى ستتولى قطر قيادته أثناء انعقاد مؤتمر «أصدقاء ليبيا» الذى عقد بمدينة الدوحة يوم 26/10، ونوقش فيه الوضع فى ليبيا بعد انتهاء دور حلف الناتو يوم 31 من الشهر الحالى. وكان السيد مصطفى عبدالجليل رئيس المجلس الانتقالى الليبى قد دعا أثناء المؤتمر إلى الإبقاء على دور الحلف حتى نهاية العام الحالى. وقال فى هذا الصدد «إن ليبيا مازالت بحاجة إلى معونة الأصدقاء لمساعدتها فى تأمين حدودها، خدمة لها وخدمة لدول الجوار، وخدمة كذلك لدول الجنوب الأوروبى.
نشرت صحف الخميس أيضا تصريحات لرئيس الأركان القطرى قال فيها إن التحالف الجديد سيتولى تقديم الدعم لليبيين فى مجال التدريب وجمع السلاح عقب انتهاء مهمة قوات الناتو. وأضاف ان الدور الذى سيقوم به التحالف سوف يمارس دون إرسال قوات لحفظ الأمن فى ليبيا، حيث تشمل مهماته بناء المؤسسات العسكرية الليبية وترتيب إدخال الثوار فى هذه المنظومة، وفى شرح الدوافع التى دعت رئيس المجلس الانتقالى الليبى إلى الابقاء على دور الحلف قال وزير الدفاع الليبى إن ثمة أوضاعا تستدعى ذلك، ذلك أن النظام الجديد مطالب بالتصدى للطابور الخامس والمرتزقة القادمين من الخارج، ويوقف تسرب الهجرة غير الشرعية التى تؤرق منطقة البحر المتوسط، كما أن النظام الجديد ليس مطمئنا تماما إلى ما يمكن أن تشكله الخلايا النائمة التابعة للنظام السابق والتى تتمثل فى بقايا اللجان الثورية التى شكلها. وإلى جانب هذا كله وذاك، فإن ليبيا بحاجة إلى تأمين حدودها مع جيرانها، لتجنب أية تداعيات يمكن أن تترتب على انهيار المنظومة الأمنية وانفراط عقدها.
لم أجد الكلام المنشور مقنعا أو مريحا فمساعدة النظام الجديد فى التدريب وجمع السلاح لا تحتاج إلى إقامة تحالف دولى يضم 13 بلدا. وتشكيل التحالف برئاسة قطر وعضوية دول أخرى بينها الولايات المتحدة وإنجلترا وفرنسا، يعيد إلى الأذهان صورة التحالف الذى أقامته الولايات المتحدة فى أفغانستان، وأثناء تحرير الكويت من الاحتلال العراقى حيث كان التحالف مجرد واجهة، فى حين أن الدور الأساسى قامت به الولايات المتحدة من وراء الستار. وإذا لاحظنا أن قطر تتولى رئاسة التحالف من الناحية الشكلية، وأن دولا كبرى مثل أمريكا وإنجلترا وفرنسا تعمل تحت تلك الرئاسة، فإن ذلك لا يفسر إلا بأمرين، أولهما أن الولايات المتحدة أرادت أن تقف وراء واجهة عربية، لكى تتجنب نقمة الرأى العام العربى المتوجس والحساس من التدخل الغربى. الثانى أن قطر، الدولة الرئيسة هى التى ستتولى، ربما مع دول خليجية أخرى، تمويل ذلك التحالف وتغطية تكلفة مهماته على الأراضى الليبية.
ما يبعث على الحيرة والقلق أننا نفهم أن الدول الكبرى الثلاث التى سارعت إلى مساندة المجلس الانتقالى الليبى وكان لها دورها فى تحريك قوات حلف الناتو، لم تفعل كل ذلك لوجه الله، ولكنها تنتظر الآن مقابل ما قدمته. من ناحية ثانية، فإن مكتب الأمين العام للأمم المتحدة قام فى وقت مبكر، قبل أكثر من ثلاثة أشهر، بدراسة ترتيبات إقامة النظام الجديد فى ليبيا والدور المنوط بحلف الناتو والأمم المتحدة فى ذلك بعد انتهاء العمليات العسكرية. وهو ما اعتبره زميلنا الأستاذ جميل مطر عودة إلى وضع ليبيا تحت الوصاية الدولية (الشروق 8/9).
أما الأكثر مدعاة للدهشة فهو أن الجامعة العربية غابت عن اجتماع «أصدقاء ليبيا». وكذلك مصر الدولة العربية الأكبر، التى تعد ليبيا عمقا استراتيجيا لها، ويعد استقرارها ضمن معطيات الأمن القومى المصرى، وأرجو ألا يدعى أحد أن الاجتماع كان للأصدقاء فقط وليس للأشقاء!
إن أسئلة كثيرة يثيرها المشهد الليبى الآن، الأمر الذى يسوغ لنا أن نقول إن ليبيا بعد سقوط نظام القذافى قد أصبحت محررة حقا لكنها باتت محيرة أيضا، وتحريرها أسعدنا حقا لكن الحيرة التى أصابتنا سحبت من رصيد السعادة وأزعجتنا ــ طمنونا أثابكم الله.
ساحة النقاش