قبل عام تقريبا، وفى أيام مماثلة لتلك الأيام، تحديدا فى 6 يوليو 2010، بدأ اعتصام خبراء وزارة العدل على سلالم وزارتهم، احتجاجا على تجاهل ممدوح مرعى وزير العدل آنذاك عددا من مطالبهم المهمة، التى تستلزمها طبيعة عملهم.

كان على رأس تلك المطالب، توفير حماية وحصانة قانونية تقى الخبير من التعرض لضغوط أصحاب النفوذ، خاصة عند نظر قضايا الفساد.

لم يستجب مرعى وقتها، وسايرهم فتحى سرور رئيس مجلس الشعب السابق، واعدا إياهم بخروج مشروع قانونهم إلى النور، فى الدورة البرلمانية المنحلة.

لكن الحقيقة أن الجميع كان يقف ضد حماية الخبير، ولم يكن فى مصلحتهم أن يتمتع تقريره بالنزاهة والاستقلالية، أو أن يستطيع الوصول إلى الحقيقة فى أمان.

سقط النظام، ورحل الوزير، ولم يحصل الخبير على استقلاله ولم يتمتع بالحصانة التى طلبها، حتى حدثت هذه الواقعة التى أكدت أنه لا مفر من توفر تلك الحصانة وتحقيق ذلك الاستقلال.

فى فيللا زكريا عزمى، تعرضت لجنة خبراء الكسب غير المشروع للضرب والإهانة والتهديد بالقتل، لمجرد أنها حاولت معاينة محتويات الفيللا، فى إطار عملها كلجنة لحصر قصور الرئاسة.

«الشروق» التقت المهندس أحمد محمد الصاوى رئيس اللجنة، وسرد لنا تفاصيل ما حدث، قبل أن يقدم بلاغا للنائب العام بالواقعة أمس.

المشهد الأول، اليوم 14 أغسطس، الساعة الواحدة ظهرا تقريبا، تلقى المهندس أحمد الصاوى مدير عام خبراء الكسب غير المشروع، تكليفا مباشرا من نيابة الكسب غير المشروع، بضرورة انتقاله فورا إلى التجمع الخامس حيث فيللا زكريا عزمى رئيس ديوان رئيس الجمهورية المحبوس على ذمة قضايا فساد.

المشهد الثانى، الساعة الثانية ونصف عصرا، وصلت اللجنة المكونة من الصاوى وناهد عبداللطيف الخبيرة بإدارة الكسب، والمصور الفوتوغرافى لوزارة العدل، وموظف من نيابة الكسب وضابط شرطة تابع للإدارة ومسئول عن تأمين اللجنة.

طلب الصاوى من حارس الفيللا الدخول، ودخلت اللجنة بعد استئذان الحارس للسيدة بهية حلاوة زوجة زكريا عزمى، التى سمحت لهم بدورها بالدخول بعد مكالمة هاتفية مع محاميها وشقيق زوجها يحيى عزمى لواء الرقابة الإدارية السابق.

ساعة كاملة مرت على اللجنة وهى تعاين وتفحص محتويات الفيللا من تحف وقطع أثاث، لإثبات ما إذا كانت تابعة لأحد قصور الرئاسة أو لا، وأخذ مصور وزارة العدل فى التقاط صورا للفيللا ومحتوياتها بدقة.

صوت ضجيج وشجار يأتى من الخارج، يلفت انتباه اللجنة، يستشعر معه المهندس الصاوى أن شيئا ما مريبا يحدث.

المشهد الثالث، يدخل يحيى عزمى الفيللا، ويتبين الموجودون بالمكان أن الصوت كان ناتجا عن شجار بين الأخير والحارس بسبب سماحه لأعضاء اللجنة بالدخول.

«دخل علينا وبدأ يسب الدين ويلعن فى الموجودين، ثم سأل بحدة عن كيفية حضور اللجنة دون إخطار أهل البيت»، هكذا يروى أحد أعضاء اللجنة، بينما يؤكد المهندس الصاوى أن الاخطار يكون فى القضايا المدنية، لكن فى القضايا الجنائية تكون المعاينة بمثابة ضبطية، لا ينبغى الاخطار قبلها، وإلا قام أهل المتهم بتهريب محتوياتها وإخفائها، «وكمان تكليف النيابة كان بيقول الانتقال فورا».

أخرج شقيق زكريا عزمى مسدسه، كما يحكى عضو لجنة الكسب غير المشروع، وسحب أجزاءه، وهدد رئيس اللجنة بالقتل، وطالبه بإثبات الشخصية وكارنيه الوزارة، لكن الأخير لم يستجب له، ورفض، فقام عزمى بضربه عدة لكمات فى وجهه، سقط على إثرها الرجل على الكرسى المجاور له.

جذبه اللواء السابق من جاكت بذلته، ليكمل تعديه عليه، إلا أن ما أنقذ المهندس الصاوى من يده كان سماع عزمى للخبيرة ناهد عبداللطيف وهى تستنجد بمكتب مساعد وزير العدل لشئون الكسب غير المشروع.

نظر إليها عزمى وانهال عليها بالسباب والشتائم البذيئة، ثم فوجئ الجميع به يحاول التحرش بها والاعتداء عليها جنسيا، طبقا لرواية الشهود، ولم يمنعه من ذلك سوى عدد من الذين كانوا برفقته، تردد بين الحاضرين أنهم ضباط، طالبوه بارتداء ملابسه، وووقفوا حائلا بينه وبينها. أما ضابط الحراسة الذى كان مصاحبا للجنة، فأكد المهندس أحمد الصاوى أنه لم يكن يحمل سلاحا، ولم تكن معه قوة تسانده، بالإضافة إلى أن المرافقين لعزمى منعوه من التعرض له.

أخذ اللواء السابق كاميرا المصور وتحفظ عليها، كما منع المهندس أحمد الصاوى من الخروج لمدة ساعة، وقام بحبسه داخل غرفة من غرف الفيللا.

الساعة قاربت على السادسة، وشارفت الشمس على الغروب وحان موعد الافطار، وعقب عدة محادثات جانبية دارت بين الضباط وبين عزمى، أخبروه فيها بأنه قد يتعرض للحبس، وأن رئيس اللجنة إذا قدم بلاغا ضده بعد خروجه من الفيللا، فقد يمضى ليلته فى القسم، بدأت تخبو ثورته.

«أنا آسف يا جماعة أنا لما شفتكم بتعاينوا الفيللا اتجننت، يلا يا ابنى هاتلنا ميه عشان نفطر»، هكذا تحول الرجل من الجنون للهدوء، إلا أن المهندس الصاوى كان قد بلغ ذروة الاجهاد والاعياء، حيث إنه لم يمض على خروجه من المستشفى سوى عدة أيام، كان قد دخله إثر نزيف حاد باغته أثناء معاينته أحد قصور الرئاسة.

لم يتمكن الرجل من الاستمرار فى معاينة الفيللا، وبعد دقائق معدودة غادرها غير مصدق لما حدث.

فى اليوم التالى توجه مدير عام خبراء الكسب غير المشروع لمقر وزارة العدل، والتقى بالوزير وبمساعده وأعاد عليهما ما حدث، وقرر الجميع التقدم ببلاغ للنائب العام، مرفق به مذكرة شارحة للواقعة.

صياغة البلاغ استغرقت يومين، توجه بعدهما الصاوى لمكتب النائب العام ومعه البلاغ والمذكرة فى انتظار بدء التحقيق فيها.

مجموعة من المشاهد خلفت وراءها، جرحا عميقا داخل نفس وقلب المهندس المعمارى مدير عام خبراء الكسب غير المشروع وعضو لجنة تقييم القصور الرئاسية، ربما لن يمحوه حتى العقاب القانونى الذى قد يناله شقيق المتهم زكريا عزمى، بناء على البلاغ الذى قدمه الصاوى للنائب العام.

نتج عن تلك المشاهد أيضا تصعيد محتمل يدرسه خبراء وزارة العدل، فى حالة تجاهل المسئولين للواقعة والتعامل معها كأن شيئا لم يكن.

وبرز سؤال مهم فى أذهان الجميع، عن مصدر قوة وثقة يحيى عزمى فى أنه قد يفلت بفعلته تلك دون حساب.

ربما تجيب الأيام القليلة المقبلة عن السؤال، وتكشف عما كان يخشى زكريا عزمى وشقيقه أن تكشفه لجنة الصاوى.


يحيى عزمى يعتذر

تجرى حاليا مفاوضات بين يحيى عزمى، عضو مجلس الشعب السابق، وبين خبراء وزارة العدل للتصالح بينهم وتمكينهم من أداء عملهم مرة أخرى لتنفيذ قرار رئيس الكسب غير المشروع بإجراء معاينة لفيللا زكريا عزمى بالقاهرة الجديدة.

وقدم شقيق رئيس ديوان عام رئاسة الجمهورية اعتذارا مكتوبا إلى الخبيرين وضابط مباحث الأموال العامة لإنهاء المشكلة التى تسببت فى منع اللجنة المشكلة لفحص ومعاينه الفيللا لتقدير القيمة المالية لها وحصر ممتلكات زكريا عزمى المحبوس حاليا على ذمة تحقيقات الكسب غير المشروع واتهامه بالتربح.

المصدر: الشروق / الشيماء عزت وممدوح حسن -

ساحة النقاش

TAHA GIBBA

TAHAGIBBA
الابتسامة هي اساس العمل في الحياة والحب هو روح الحياة والعمل الصادق شعارنا الدائم في كل ما نعمل فية حتي يتم النجاح وليعلم الجميع ان الاتحاد قوة والنجاح لا ياتي من فراغ »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

753,797

السلام عليكم ورحمة الله وبركات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته