رائحة العداء للفلسطينيين
لا أريد أن أصدق أن دولة الإمارات العربية قررت إبعاد 60 فلسطينيا ممن أقاموا على أرضها لفترات تراوحت بين 20 وثلاثين عاما. لكن الخبر الذى أتمنى تكذيبه وصلنى من بعضهم الذين طلب منهم أن يدبروا أمور رحيلهم خلال أسبوع. وليس ذلك أسوأ ما فى الأمر لأن الأسوأ أن هؤلاء جميعا لاجئون ولا يجيز القانون الدولى إبعادهم، فضلا عن أن بعضهم ممن طالت مدة إقامتهم طلب منهم تقديم طلبات الحصول على الجنسية، وحصلوا على جوازات إماراتية لمدة سنتين، وانتهت صلاحيتها بعد ذلك.
وهؤلاء لا يملكون الآن أية أوراق ثبوتية، بحيث لم يعودوا قادرين على الرحيل ولم يعودوا ممكنين من البقاء فى البلد الذى استضافهم فكبروا فيه وتزاوجوا وأنجبوا وتدرج أبناؤهم وبناتهم فى سلك التعليم حتى وصلوا إلى الجامعات.
طلب منهم أن يدبروا حالهم على وجه السرعة، فيحصلون على تأشيرات الدخول إلى دول أخرى ويحجزون بطاقات السفر ويصفّون أعمالهم، وإلا تعرضوا للتوقيف. ولأنهم لا يملكون جوازات سفر فإن تنفيذ هذه التعليمات يبدو مستحيلا.
الإجراء مدهش فى كل ملابساته. فقد فاجأ الجميع ولم يعط له أى تفسير، خصوصا بالنسبة للذين قضوا السنوات الطويلة فى بلد رحب بهم حينا من الدهر حتى صار وطنا بديلا لهم. ثم إن الأسلوب الذى اتبع معهم كان مثيرا للانتباه. ذلك أن ترحيل رب الأسرة يعنى فى حقيقة الأمر اقتلاع الأسرة بأكملها، لأنه لن يغادر وحده، وإنما سوف يصحب معه كل من يعولهم من الزوجة إلى الأبناء غير الأشقاء، إن وجدوا. وهو للمصادفة ذات الأسلوب الذى تتبعه إسرائيل مع الفلسطينيين والفلسطينيات الذين يتزوجون من أبناء جلدتهم الذين لا يقيمون فى الأرض المحتلة. إذ ترفض السلطات الإسرائيلية جمع شملهم وتضطر الطرف الموجود فى الأرض المحتلة لأن يغادرها ويلتحق بشريكه فى الخارج، الأمر الذى يؤدى إلى تصفية الوجود الفلسطينى بالتدريج وبمضى الوقت.
لم يعد سرا أن أمورا كثيرة تغيرت فى دولة الإمارات بعد رحيل الشيخ زايد بن سلطان وأن توسيع نطاق التعاون الأمنى مع الأطراف الخارجية كان من بين تلك المتغيرات، الأمر الذى كان من شأنه زيادة سطوة الأجهزة الأمنية وبروز دورها. وهو ما ترتب عليه تعدد الضغوط فى الداخل، ليس فقط فيما خص الوافدين الذين رحلت أعداد منهم تباعا، بل أيضا بالنسبة للناشطين من المواطنين. وأغلب الظن أن ذلك التشدد الأمنى كان من أصداء ما سمى قبل سنوات بالحرب ضد الإرهاب، خصوصا أن أحد أبناء الإمارات كان من بين الذين اشتركوا فى أحداث 11 سبتمبر، كما أن اسم دبى تردد كثيرا فى التقارير التى تحدثت عن تمويل المنظمات الإرهابية وتحركات المنتسبين إليها. ورغم مضى نحو عشر سنوات على أحداث سبتمبر، إلا أن الضغوط الأمنية لم تتوقف منذ ذلك الحين وحتى اللحظة الراهنة. وكان ترحيل عشرات اللبنانيين من أبوظبى قبل سنتين فى مفاجأة مماثلة من تجليات تلك الضغوط، حيث ذكر آنذاك أنهم من الشيعة الذين يشاركون فى تمويل وتأييد حزب الله والسيد حسن نصر الله.
وأيا كانت الأضرار التى ترتبت على ذلك الترحيل فإنها كانت أقل سوءا من تداعيات الموقف الذى نحن بصدده الآن. واللبنانيون فى نهاية المطاف لهم وطن استقبلهم، ولكن الفلسطينيين العالقين فى أبوظبى الآن اختطف وطنهم وأغلقت أبوابه فى وجوههم.
هناك رأى يقول إن هؤلاء الذين تقرر ترحيلهم من قطاع غزة، وإن عملية الترحيل جزء من الضغوط التى تمارس ضد حركة حماس التى تدير القطاع. يعزز هذا الرأى أن للإمارات دورها المشهود فى تمويل ومساندة السلطة الوطنية فى رام الله، كما أنها لها تمثيلها الدائم فى التنسيقات الأمنية الوثيقة الصلة بالأوضاع فى الأرض المحتلة.
لست متأكدا مما إذا كان قرار الترحيل صادرا عن الاختراقات الأمنية أم أنه قرار سياسى. كما أننى لست متأكدا من إمكانية تدخل رئيس السلطة الفلسطينية لحماية بعض أبناء شعبه من التشريد. ولا أعرف ما إذا كان الأمين العام لجامعة الدولة العربية يستطيع أن يفعل شيئا لحل الإشكال أم لا.
لكن الذى أعرفه جيدا أن رائحة العداء للفلسطينيين تفوح بشكل ملحوظ فى أجواء المنطقة، وأن اضطهادهم لم يعد يمارس من جانب إسرائيل وحدها، وإنما صارت بعض الدول العربية تمارس ذلك الاضطهاد بصورة أو أخرى.
وكان لنظام مبارك دوره البارز فى ذلك. أعرف أيضا أنه منذ عقد بعض العرب تحالفهم الاستراتيجى مع عدوهم الاستراتيجى أصبح الوفاء باستحقاقات ذلك التحالف هو قضية العرب المركزية، ونقلت قضية فلسطين إلى ساحة المزايدات السياسية.
ساحة النقاش