سيّدنا سليمان
سيدنا سليمان عليه السلام من الأنبياء الذين ذكرهم القرآن الكريم، لكثرة المواقف والعبر المستفادة من قصصه مع قومه، ومراحل دعوته وحياته بجميع تفاصيلها، وقد أعطى الله سبحانه وتعالى لسيدنا سليمان عليه السلام مزايا فريدة، وصفات لم توجد في غيره من الأنبياء والرُّسل؛ حيث كان يتولّى الحكم، وقد فهَّمه الله لغة الطير، قال تعالى: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ)،[١] وكان قادراً على التحكّم بالكثير من المخلوقات والكائنات كالإنس والجن والرياح والنحاس الذي يَلين بين يديه، قال تعالى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ۖ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ ۖ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ* يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)،[٢] وفي هذه المقالة سيتم إيراد بعض قصة نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام وبيان بعض ما يتعلَّق به وبرسالته ودعوته وقومه.[٣]
قصة سليمان مع النمل
كان سليمان يسير بجيشه من الجن والإنس، فسمع صوت نملة تنصح زميلاتها بالابتعاد عن طريق جند سليمان خوفاً من أن يحطمهنَّ الجيش دون أن يرونهنّ، قال تعالى: (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)،[٤] فتبسَّم نبي الله سليمان عليه السلام من قول تلك النملة، وسعادةً بما آتاه الله من فهم كلام الحيوانات والطيور والدواب، ثم رفع يديه إلى السماء داعياً ربه شاكراً له على هذه النعمة،[٥] وجاء في الآية الكريمة: (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ)؛[٦] لأنَّ ضحِكَ الأنبياءِ يكون غالباً تبسُّماً.[٧]
قصة سليمان مع الهدهد
غياب الهدهد وأخباره
كان سليمان عليه السلام يتفقّد جنده باستمرار، وعندما لاحظ غياب الهدهد دون علمه وإذنه أقسم على تعذيبه إن لم يأته بعذرٍ عن تغيبه، وقد كان ما أخَّره عن مجلس سليمان أنّه شاهد خلال طيرانه قوماً يعبدون الشمس، فتقصَّى أخبارهم، ثم بادر إلى سيدنا سليمان ليعلِمه بما سمع ورأى من قوم سبأ. حين أخبر الهدهد سيدنا سليمان بأمر قوم سبأ وصفه له وصفاً دقيقاً، ونقله له بوضوحٍ تام، بعد تيقُّنٍ من المعلومة واطِّلاعٍ على تفاصيلها؛ حيث ساءه ما رأى في هؤلاء القوم من عبادة غير الله، فما زال يراقبهم ويتتبّع أخبارهم حتى أدرك جميع ما يكتنف القوم، وماذا يعبدون، ثم اقترح على سيدنا سليمان الحلَّ بأسلوبٍ لبقٍ مهذب.[٨]
رسالة سليمان إلى ملكة سبأ
بعث سيدنا سليمان عليه السلام كتاباً إلى ملكة سبأ ليرى هل كان الهدهد صادقاً في ادعائه أم لا، وقد تضمّن الكتاب دعوة قوم سبأ إلى الإيمان بالله والخضوع لأمر سليمان، فأخذت ملكة سبأ كتاب سليمان فقرأته ثمّ جمعت وزراء مملكتها وأكابر قومها وشاورتهم فيما استجدّ وما جاء فيه كتاب سليمان، فأخذتهم العزة بالإثم وأشاروا عليها بقتال سليمان وعدم الركون له؛ إلّا أنّ ملكة سبأ كان لها رأيٌ مخالف؛ حيثُ علمت أنّ صاحب الكتاب ليس كأي ملكٍ أو سلطان، وعرضت على وزرائها وحاشيتها أن ترسل هدية لسليمان تستعطفه بها وتستجلب مودته، ومن خلال تلك الهدية تعرف مدى قوة سليمان وجنده بعد أن يحمل تلك الهدية زمرةٌ من رجالها الأشداء، فينظروا ما وصل إليه ملك سليمان، ثم بعد ذلك تُقرّر هي ما سيكون الأمر إليه بشأن كتاب سليمان.[٩]
هدية ملكة سبأ
أرسلت ملكة سبأ الهدية مع قوةٍ من رجالها، وكانت الهدية تتكون من الحليّ والجواهر الثمينة، حتى إذا وضعوا تلك الجواهر والنفائس بين يدي سيدنا سليمان رفضها، وأظهر عدم حاجته لها، ثم توعّد مملكتهم بإرسال جنودٍ لا قِبَلَ لهم بها حتى يُخرجهم من بلادهم صاغرين، فعاد رسل ملكة سبأ وأخبروا بما حصل لهم، ووصفوا لها قوّته وعظمة ملكه ونيته الوشيكة على غزو مملكتهم، فبعثت حينها إليه تُخبره بأنها ستقدم إليه وتنزل تحت إمرته بعد أن تنظر إلى ما يدعو إليه، وسارت نحو سليمان عليه السلام برفقة جيشٍ عظيم.[٩]
عرش ملكة سبأ
لما علم نبي الله بقدومها إليه، أمر رجاله بتشييد قصرٍ لها، ثم أراد أن ياتي بعرشها إلى قصره حتى ترى مظاهر قوة سليمان وعظمة ما وصل إليه ملكه، وليكون جلوسها في الصرح دليلاً على نبوته؛ حيث تركته في قصرها واحتاطت عليه بالحرس والأبواب المؤصدة والجنود، فأمر سيدنا سليمان جنوده وخواصه بأن يأتوه بعرش ملكة سبأ بأقرب فترةٍ ممكنة، فتطوّع عفريت من الجن على إحضاره بمدةٍ قصيرة، فقال آخَر من جند سليمان: (أنا آتيك به قبل أن يرجع إليك بصرك إذا نظرت به إلى أبعد غاية منك ثم أغمضته)، وكان كما قال حيث ظهر عرش ملكة سبأ بعظمته وما به من حليّ أمام سليمان.[٩] أمر سليمان -عليه السلام- جنوده بتغيير بعض المعالم في عرش ملكة سبأ ليمتحنها هل تعرفه أم لا، فلما نظرت إليه قالت كأنّه هو، وهذا من غزارة فهمها؛ حيثُ استبعدت أن يكون هو؛ حيث تركته مشيّداً بالحراس والأبواب شديدة الإغلاق، ويبعد في المسافة عن مكان وجود سليمان؛ مما يعني استحالة نقله بهذه الصورة وبهذه الفترة، فأرضية العرش بلورية، والأسماك تجري من تحته بصورةٍ إبداعية، وهو يشبه عرشها إلى حدٍ كبير، مع أنّها تركت قصرها وفيه عرشها محاطٌ بالجنود والحرس، فلما سألها سليمان عنه قالت: كأنه هو لصعوبة نقله واستحالة ذلك، كما أنّ من الإعجاز أن يكون شبيهاً به لما فيه من تقاربٍ في الشكل والتصميم، فلما تيقنت ملكة سبأ أنّ ذلك عرشها وعلمت بصدق نبوة سليمان آمنت به وتبرأت مما كانت تعبد هي وقومها.[٩]