تمهيد
أطلقت الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2015 ، خطة التنمية المستدامة لعام 2030 التي هي عبارة عن خطة عمل مميزة لتحقيق السلام والرخاء في العالم. وباعتمادها هذه الخطة، أبدت البلدان عزمها اللافت على اتخاذ خطوات جريئة وتحوّلية للانتقال بالعالم نحو مسار قوامه الاستدامة والقدرة على الصمود.
ولكن بعد خمسة أعوام من التقدم المتفاوت، ومع بقاء أقل من عشر سنوات لبلوغ الموعد المحدد، وعلى الرغم من التقدم المحرز في العديد من المجالات، فإنه من الواضح أن العمل الرامي إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشرة لا يمضي قدمًا بالسرعة أو على النطاق المطلوبين. ونتيجة لذلك،دعا الأمين العام للأمم المتحدة خلال مؤتمر القمة الخاص بأهداف التنمية المستدامة الذي عقد في سبتمبر/أيلول 2019 ،جميع قطاعات المجتمع إلى التأهب لعقد من العمل من أجل الإسراع في إيجاد حلول مستدامة لأكبر التحديات التي يواجهها العالم والتي تتراوح بين الفقر وعدم المساواة وتغيّ المناخ وسدّ الفجوة المالية.
لذلك، يأتي تخصيص إصدار عام 2020 من تقرير حالة الموارد السمكية وتربية الأحياء المائية في العالم لموضوع استدامة العمل من باب الضرورة وفي التوقيت المناسب. ويساهم قطاع مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية إلى حد كبير في تحقيق جميع أهداف التنمية المستدامة، وبخاصة الهدف 14 المتمثل في حفظ المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها على نحو مستدام لتحقيق التنمية المستدامة. وتقع على عاتق منظمة الأغذية والزراعة، بوصفها راعية لأربعة من أصل عشرة مؤشرات متعلّقة بالتقدم المحرز نحو بلوغ هدف التنمية المستدامة 14 ، مسؤولية تسريع الزخم العالمي الرامي إلى تحقيق صحة المحيطات وإنتاجيتها، وهو زخم سيتلقى دفعًا إضافيًا خلال مؤتمر الأمم المتحدة الثاني للمحيطات.
ولا يزال إصدار عام 2020 من تقرير حالة الموارد السمكية وتربية الأحياء المائية في العالم يبرز الدور الكبير والمتنامي الذي تؤديه مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية في توفير الأغذية والتغذية وفرص العمل. كما أنه يب يّ أبرز التحديات الماثلة أمامنا رغم التقدم المحرز على جبهات عدّة. وعلى سبيل المثال،هناك أدلة متزايدة على أن الأرصدة تبقى على الدوام عند مستويات أعلى من تلك المستهدفة أو تتجدد عندما تخضع مصايد الأسماك لإدارة سليمة، الأمر الذي يعطي المصداقية لمديري المصايد وحكومات العالم الراغبة في اتخاذ إجراءات حازمة. ولكنّ التقرير يبينّ أيضًا أن النجاحات التي تحققت في بعض البلدان والأقاليم لم تكن كافية لعكس الاتجاه العالمي المتمثل في استغلال الأرصدة استغلالً مفرطًا، الأمر الذي يشير إلى أن حالة الأرصدة السمكية سيئة وآخذة في التدهور في الأماكن التي لا تدار فيها مصايد الأسماك أو التي لا تكون فيها هذه الإدارة فعالة. ويسلّط هذا التقدم المتفاوت الضوء على الحاجة الماسة إلى تكرار السياسات والتدابير الناجحة وإعادة تكييفها في ضوء الواقع السائد والاحتياجات في مصايد محددة. ويستلزم ذلك آليات جديدة لدعم التنفيذ الفعال للوائح السياساتية والإدارية الخاصة بمصايد الأسماك والنظم الإيكولوجية المستدامة، بوصفها الحل الوحيد لضمان استدامة مصايد الأسماك حول العالم.
وتُعد منظمة الأغذية والزراعية وكالة تقنية تم إنشاؤها لمكافحة الجوع والفقر. لكن، في وقت يقترب فيه عدد سكان العالم من بلوغ عتبة عشرة مليارات نسمة، نواجه واقعًا يتمثل في ارتفاع عدد الأشخاص الذين يعانون من النقص التغذوي وسوء التغذية منذ عام 2015 . وفي حين أنه ليس هناك من حل سحري لهذه المشكلة، لا يوجد أدنى شك في أننا سنحتاج إلى إيجاد حلول مبتكرة لإنتاج المزيد من الأغذية وضمان إمكانية الوصول إليها وتحسين التغذية. وبينما ستحافظ مصايد الأسماك الطبيعية على أهميتها، أثبتت تربية الأحياء المائية بالفعل أنها تؤدي دورًا حاسمً في تحقيق الأمن الغذائي العالمي في ظل نمو إنتاجها بنسبة 7.5 في المائة سنويًا منذ عام 1970 .
ويتطلب الاعتراف بقدرة تربية الأحياء المائية على مواصلة النمو وبضخامة التحديات البيئية التي يجب أن يواجهها القطاع في ظل تكثيف الإنتاج، اتباع استراتيجيات جديدة لتنمية تربية الأحياء المائية على نحو مستدام. وتحتاج هذه الاستراتيجيات إلى تسخير التطورات التقنية في مجالات مثل الأعلاف، والانتقاء الوراثي، والأمن الأحيائي ومكافحة الأمراض، والابتكار الرقمي، إلى جانب تطوير الأعمال في مجالي الاستثمار والتجارة. ويجب إسناد الأولوية لمواصلة تنمية تربية الأحياء المائية في أفريقيا وفي أقاليم أخرى سيمثّل فيها النمو السكاني أكبر تحد للنظم الغذائية.
وتشكّل مبادرة منظمة الأغذية والزراعة للعمل يدًا بيد إطارًا مثاليًا للجهود التي تجمع بين الاتجاهات والتحديات السائدة في قطاع مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية في سياق النمو الأزرق. وتهدف المبادرة إلى تسريع وتيرة تحوّل النظم الغذائية من خلال جمع الجهات المانحة بالجهات المستفيدة باستخدام أفضل البيانات والمعلومات المتاحة. وتسند هذه المبادرةالقائمة على الأدلة والتي تقودها البلدان وتعود ملكيتها لها، الأولوية للبلدان التي تعاني من محدودية البنى التحتية والقدرات الوطنية والدعم الدولي والتي يمكنها أن تستفيد بوجه خاص من التعاون الفعال والشراكات لنقل المهارات والتكنولوجيا. وعلى سبيل المثال، يرجّح أن تكون آثار تغيّ المناخ على مصايد الأسماك الطبيعية البحرية أشد في المناطق المدارية في أفريقيا وآسيا حيث يُتوقع أن يتسبّب الاحترار بانخفاض الإنتاجية. ويمكن للتدخلات المستهدفة لتنمية مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية في الإقليمين والتي تعالج الاحتياجات الخاصة لهذين الأخيرين من حيث الغذاء والتجارة وسبل العيش، أن تحقق التغيير التحولي اللازم لإطعام الجميع في كل مكان.
وينطوي جزء من هذه التدخلات المستهدفة على الاعتراف بأن معظم النظم الغذائية تؤثر على البيئة ولكن تحصل تبادلات تضمن تحسين الأمن الغذائي والتغذوي وتقلّل في الوقت نفسه إلى أقصى حدّ من الآثار المترتبة على النظم الإيكولوجية الداعمة لها. ولا يُعترف بالأسماك والمنتجات السمكية على أنها من الأغذية الأكثر سلامة على وجه الأرض فحسب، بل أيضًا على أنها من الأغذية الأقل تأثيرًا على البيئة الطبيعية. ولهذه الأسباب، ينبغي مراعاتها على نحو أفضل في الاستراتيجيات الوطنية والإقليمية والعالمية للأمن الغذائي والتغذية، وضمان مساهمتها في التحوّل الجاري في النظم الغذائية للقضاء على الجوع وسوء التغذية.
وإن عام 2020 هو عام مهم بالنسبة إلى منظمة الأغذية والزراعة لأنه يصادف مرور خمس وسبعين عامًا على تأسيسها. فهذه المنظمة هي الوكالة المتخصصة الأقدم التابعة للأمم المتحدة.
ويصادف هذا العام أيضًا مرور خمس وعشرين عامًا على صدور مدونة السلوك بشأن الصيد الرشيد التي وجّهت تطوير السياسات في قطاع مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية حول العالم. ولكن هذا ليس الوقت المناسب للاحتفال. فالمناسبتان تذكراننا بعلّة وجودنا، وتمثلان نداءً للعمل ونقطة انطلاق لإحداث التغيير في عالم يشهد تحولات سريعة ويحتاج إلى حلول مبتكرة وتحوّلية لمعالجة المشاكل القديمة والجديدة على السواء. وأثناء كتابة هذا التقرير، ظهر فيروس كورونا )كوفيد- 19 ( كواحد من أصعب التحديات التي واجهناها معًا منذ إنشاء منظمة الأغذية والزراعة.
وستزيد التداعيات الاجتماعية والاقتصادية الوخيمة المترتبة عن هذا الوباء من صعوبة نضالنا للقضاء على الجوع والفقر. وبما أنّ قطاعي مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية هما الأشدّ تأثرًا بالجائحة، تساعد المعلومات الأساسية الواردة في هذا التقرير المنظمة على الاستجابة للوضع الراهن من خلال حلول فنية وتدخلات هادِفة.
ويعدّ تقرير حالة الموارد السمكية وتربية الأحياء المائية في العالم المطبوع الوحيد من نوعه الذي وفّر على مدى سنوات عديدة نظرة فنية ومعلومات مستندة إلى الوقائع بشأن قطاع يتسم بأهمية حاسمة لنجاح المجتمعات. ويسلّط التقرير الضوء على أمور عدة من ضمنها الاتجاهات والأنماط الرئيسية الملاحظة في مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية العالمية، ويستكشف المجالات الجديدة والمرتقبة التي ينبغي النظر فيها كشرط لإدارة الموارد المائية على نحو مستدام في المستقبل.
وأتمنى أن تترك هذه الطبعة أثرًا كميًا ونوعيًا أكبر من الطبعات السابقة وأن تشكّل مساهمة قيّمة تساعدنا على مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين.
إعداد الأستاذة/ عزيزة حسن محمد
إشراف م./ زينب عثمان
ساحة النقاش