قال تعالي : {{ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثآ وأنكم إلينا لا ترجعون }} .
فتعالي الله الملك الحق لا آله إلا هو رب العرش الكريم ..
إن أعزتي في الحياة وأغلى ثمنآ وأنفس قيمة في هذا الوجود هو الوقت ولربما إستطاع الأنسان بحيله أو بغيرها أن يسترجع مفقودآ , أو يمتلك الدنيا بحذافيرها , لكنه يستحيل عليه أن يمتلك ساعة مرت من عمرة بحال من الأحوال
{{ فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون }}.
والذي صنع بقدرتة الباهرة هذا الكون العجيب وجعل الأنسان خليفة في الأرض , وهيأ له وسائل العيش وسخر الأنهار والكواكب والدواب والفلك تجري بأمره حمله أمانة عرضها على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الأنسان أنه كان ظلومآ جهولآ وأنها كانت ليست سوي المسئولية صغرت أو كبرت , جلت أو حصرت , وكل بني آدم راع ومسئول عن رعيتة والوقت جزء من العمر يذهب وقطعة من الزمان تفني ونحن رعاة عليه ومطالبون بين يدي الله سبحانة بأن لا نكن من الغافلين فيه , ولا تكونوا من الغافلين , ولا نكن كهؤلاء الذين يأكلون ويتمتعون كما تأكل الأنعام ولا نكن من الذين حذرنا القرأن أن نكون مثلهم ... {{ ولا نطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا وأتبع هواه وكان آمره فرضآ }}.
إن الأسلام يؤكد في كل أقواله قيمة الحكمة التي تقول الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك , لأنة يعرف قيمة الوقت ويقدر خطورة الزمن , ويجعل من علامات الإيمان ودلائل التقوي أن يعرف المسلم هذة الحقيقة ويسير علي هديها ..{{ إن في أختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السموات والأرض لآيات لقوم يتقون }}.
والحياة تنقسم الي ثلاثة أقسام : الماضي والحاضر والمستقبل
أما الماضي فهو وحده ذخر ممتنع لا تصل إليه يد الحوادث واما الحاضر فسيان لا يكاد ينجز وأما المستقبل فمجهول في يد القضاء .
أما الماضي فأكثر الناس لا ينتفعون به لأن إنصرافهم الأنصراف كله نحو المستقبل لم يدع لهم مهله النظر فيما خلفوه ورائهم ولو فرضنا أنهم وجدوا مهله ذات مرة للفتهم عنها خوفهم أن يمر علي فكرهم ما فرط منهم فيه مما يجد الأسف والندم ولا يتذكر الأنسان ماضيه إلا مجبرآ بسوء تصرفه فيه وما أرتكبه من الخطأ والذلل ولا يجبر علي النظر فيه إلا من كانت أعماله الماضية موزنه بالقسطاس المسقيم صادرة عن سلامه الحكم وطهارة الضمير وشرف الأخلاق علي أن الماضي هو الكنز الوحيد الذي يملكه الإنسان ويدخره من عمره فيجب عليه دوام النظر فيه للأنتفاع به سواء أكان ممتلأ بصور الحسنات أم مشحونآ بصور السيئات أما صور الحسنات فيتذكرها الأنسان ليستمتع ويتلذذ مرة بعد أخري كصورة الأليف يحفظها الألف عنده فيتمتع برؤيتة بعد زواله وهذة اللذة أن كانت خيالية تمتاز عن الحقيقة بأنها تامة كاملة تقدر عليها وتتمكن من أمتلاكها بخلاف حالتها وهي حقيقية في الحاضر لما يلابسها من الآفات والعوارض والموانع التي ربما حالت دون تمانيها وكمالها وضبطها في الملك بهجوم المستقبل عليها وأقرب شاهد علي ذلك أنك تجد الكبراء من المترفين إذا أرغب أحدهم مرة الي ماضيه فتذكر أكلة حقيرة أكلها في زمانه علي شهوة الطعام أزرت لديه لذتها بما يكون أمامه من صنوف الألوان النفيسة فلا يتشدق بها في مجالسه ولو كان للمسكين من أعماله الماضية ما يدخل في الأعمال الصالحات لكان تذكره لملاذها المعنوية فوق ما يلقاه من لذه التذكر لتلك الأكلة التي لم يبقها منها إلا معناها الرضا .
وأما صور السيئات فينتفع الإنسان من الرجوع إليها للعظة بها وليكون ما يجده من الألام عند تذكرها عقابآ بزجرة عن إستئناف أمثالها , ذلك هو الماضي فما الحاضر , أنه سائل تيار وذاهب طيار لا يتصل إلا ريثما ينفصل لا يقف في حركة كما لا تقف الكواكب في حركتها الأبدية لدوام إنتقالها عن كل حيز , وان كان يخيل لك في رؤية العين أنها ثابتة مستقرة في مكانها أو أعلم أن هذا الحاضر الذي لا تقدر أن تثبت وجودة من سرعة حركتة هو كل ما في ملك الأنسان يعد ذلك الماضي الذي شغلته المشاغل عن الرجوع الي التعلل به .
فأذا أردت أن تعلم مقدار قصر الحياة في إختيار أؤلئك المثقلين بذنبهم , علمته من طول تطلعهم الي طول الحياة كأنهم لم يعيشوا من همومهم يومآ واحدآ .
أما المستقبل فهو بيد الله سبحانه وتعالي {{ وما تدري نفس ماذا تكسب غدآ وما تدري نفس بأي أرض تموت }} .
ولكن من سوء حظ الانسان ونكد عيشه أنه ينسي الماضي ويذهد عن الحاضر ويصرف همه كله الي هذا المستقبل المجهول فيعبث في الوهم الباطل حتي تدركه منيته .
وتري الواحد منا إذا أصطبح فوق فراشه فتح لعينيه باب الخلود فيسبح فيما لا نهايه له من الآمال والأماني , وإنشاء القصور في خياله بعد أن قضي نهارة في هدم بناء العمر ، فيقتل لذة العيش الحاضر ركونآ الي حياة المستقبل , ويحرم نفسه التمتع باللذة القائمة أنتظارآ للذة غائبة فيبيع بماضي آجل وحقيقة بوهم .
{{ إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا وأطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون () أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون }} .
إن الإسلام عندما وزع عباداته الكبري على أجزاء اليوم وفصول العام فالصلوات الخمس تكتنف اليوم كله وأوقاتها تطرد مع سيره , أراد أن يكون لنا نظام محكم دقيق يرتب الحياة ويقسمها بالدقائق من مطلع الفجر الي مغيب الشفق {{ فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون , وله الحمد في السموات والأرض وعشيآ وحين تظهرون }} .
والزمان الذي يطوي بين جوانحة أعمارآ ويكتم أسرارآ هوهو فرصة لذوي الأبصار أن يفعلوا الخير ويقدموا المعروف {{ وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا }}. فالليل يخلف النهار , ويخلفه النهار مع حركات الفلك الدائرة السائرة , ورب العالمين لم يخلق هذا عبثآ .
وقبيح بالناس أن يظنوا أن حياتهم في هذا الوجود الرتيب سوى أنه الميدان الذي أعد للسباق الطويل الذي لا يتقدم فيه إلا من يعرف ربه ويذكر حقه ويشكر نعمه ومن يجعل من تواصل السنين تواصل دأب ونصيب لإحراز الراحة الكبري .
{{ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وأنا له كاتبون }} .
... إن عمر الأنسان هو رأس ماله الضخم ولسوف يسأل عن أنفاقه وكيف تصرفت فيه .. لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتي يسأل عن أربع : عن عمره فيم أفناه ؟ وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين أكتسبه وفيم أنفقه ؟ وعن عمله ماذا عمل فيه ؟ ومن كلمات الحسن البصري " ما من يوم ينشق فجره إلا نادى مناد من قبل الحق , يا أبن أدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني بعمل صالح فإني لا أعود إلي يوم القيامة " .
ساحة النقاش