الغريبان
غريبان أنا و أنتَ
كراهبين بمحرابْ
نرتق جراح وطن
تنهشه الكلاب
ألفنا نسيم الجبال
شموخ الصّقور
ركوب السّحاب
غريبان أنا و أنتَ
والسّفح ما عاد يستهوينا
و أهل السّفح مِن العلوّ
يخشون الرّهاب
أسفي عليك يا وطني
ثلاث آلاف سنة من الحضارة
مزّقت بكلّ بساطة
كصفحة من كتاب
غريبان أنا وأنتَ
فالجهل ضارب الأطناب
و البصائر من حقدهم عميت
فشاعت الفاحشة
و تفشّى في النّاس السّباب
واعتلى الجهلة المنابر
حتى خالوا أنّهم أرباب
قديما كنّا نخشى الدّكتاتور
إن غضب و فقد الأعصاب
مزّق الأوصال
و طيّر الرّقاب
أمّا اليوم -أسفي عليك يا وطني -
صرنا نخشى بائع السّجق
إن تعكّر مزاجه قرّر الإضراب
غريبان أنا و أنت
نجوب الوطن كالغجر
نرسم للعيون أملا
و للشّفاه بسمة
ننثر الحبّ كالدّرر
ولكن مَن يكترث
بالعابرين الغريبين
في مدن المشرّدين
يركبان عربة الورد
و يمسحان دموع القمر
مَن مِن العابثين
الجهلة الثّملين
يتذوّق جمال الحرف
و يفتنه صدق الصّور
مَن منكم أيّها المتملّقوق
المتمسّحون ، باعة الوطن
من منكم شاهد شموخ الحرف
صولة الكلمات و هي
تستقبل الرّصاص
بغصن زيتون و حجر
غريبان أنا و أنت
يقتلنا الضّياع
قد باع السّماسرة
العباءة ، اللّغة
و حتّى قوت الجياع
أهدروا دماء صلاح الدّين
و خالد و القعقاع
و حنوا الرّؤوس
أمام سادتهم
كالضّباع
غريبان أنا و أنت
رغم كلّ العشق الذي
زرعناه على جنبات الطّرقات
كالورد ، كالشجيرات
و ما سقيناه من حبّ و حنين
رغم التّجاهل و النّكران
رغم قسوة الحياة
غريبان أنا و أنت
نسكن ورقة بيضاء
نخطّ عليها أسماء أحبّتنا
و أغلى الأصدقاء
نرسم عليها
أرضا و بحرا و سماء
و تاريخا كلّه مجد
لتونس الخضراء
ثم نُضيف خاصّتنا من الأشياء
حبّ ، باقة ورد
فنجان قهوة ، موسيقى
و طيف أميرة حسناء
كنّا نسمّيها مجازا ميلينا
تبعث في الرّوح سكينة
و في القلب أمل البقاء
غريبان أنا و أنت
يا قلمي ، يا فارس أفكاري
كأسلافنا لن ينصفون
فنحن عليهم مسلّطون
كسيف الأقدار
غريبان أنا و أنت
و سنظلّ كذلك ما حيينا
حتّى نغطى بالتّراب و الأحجار
فيقال من هنا مرّوا
بجبروت و كبرياء الإعصار
من هنا مرّوا
قلم و رجل و دفتر أشعار
بقلمي حسن المستيري
تونس الخضراء