" و ليكن ..
لا بدّ لي أن أرفض الموت
و أن أحرق دمع الأغنيات الراعفه
و أعرّي شجر الزيتون من كل الغصون الزائفة "
تنتابنا غصةٌ تتلوها غصة....سائرين نحو المجهول....عابري سبيل في بحارٍ لا ينبت بها شجر...نفتقد رائحة الليمون...
" عندما كنا شهداء ... كنت تحرسنا من هواة الرئاء "
وتقول " تصبحون على وطن "....ونحن نقول سنصبح على ما بقي من وطن....وهل سنجد
بعد حين ذلك الوطن...؟!
سيكثر في هذا المساء الرثاء....وستتزين الكلمات وتلبس أجمل ما لديها من ثياب وحلي...فعريسها شاعر... شهيدها اليوم شاعر ... وستزغرد أمي وتغني أغانينا الشعبية...
لا..لن تبكي لقد أقسمت بكل حرف فيك لن تبكي حتى لا يخجل شهيدها
لكننا نستميحك بأن يبكي القلم
آهاتنا تقتلنا
صرخاتنا...تخرج من حناجرنا دون أنين
ستبكي السماء في آب كل عام ...وتجف دموعنا لتصبح أراضينا جرداء ... صحراء قاحلة ...
ويصبح الشعر في بلدي " جرحا في مدينة .. لوحة برق في ليالينا الحزينة "
لكننا " سنهمس يا أصدقاء اتركوا حائطًا واحدًا ، لحبال الغسيل "
هل حقا ستذهب...!!!
هل حقا ستتركهم يعلقون مشانقنا فوق حبال الغسيل...؟!!
*
*
حَملتَ شعركَ في راحتيك
فكان قلمك في وجوههم أقوى من البندقية
" كلّ الليالي السود تسقط في أغانينا ضحية
و الضوء يشرب ليل أحزاني و سجني
فتعال، ما زالت لقصتنا بقية! "
درويش...والحمد لكَ محمودًا من السماء
درويش....وهل بعد هذا اليوم لنا بقية...وهل ستتركنا بعد أن تَركتنا ... الأبجدية
درويش ...لم يعد بالإمكان بعد الآن ممارسة القضية
سقطنا جميعا في متاهاتنا أمةً عربية
نسينا ماضيا ...صارخين في وجوهنا
ينساب بداخلنا حنين أمك....بقهوتها
نستجدي صوتك قادما من الجنة.....انهضوا ...
احملوا حجراً
احملوا بأيديكم كسرةَ خبزٍ
احملوا بندقية
كونوا امة في قصيدة....كلمة في بيت شعر مات عبر أجسادكم
نستجدي صوتك تنادينا
أنتم...
" أيها المارون بين الكلمات العابرة
احملوا أسماءكم، وانصرفوا
واسرقوا ما شئتم من زرقة البحر ورمل الذاكرة
وخذوا ما شئتم من صور ، كي تعرفوا
إنكم لن تعرفوا
كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء "
أيها المارون فوق رماد أشلائنا احملوا أسمائكم فوق ظهوركم كصليب المسيح ... فلم يعد بيننا
بعد اليوم نبيٌ يعلمنا الديانات....كيف نصلي في اليوم خمس فروض...كيف ننظر في المرايا
لنتعرف على وجوهنا...احملوا أسمائكم فوق ظهوركم وسيروا نحو الوثنية ... إلى تاريخكم قبل
تاريخنا درويش.... كنتم خارج أطار البشرية.
وأوصيكم بأنفسكم....
أوصيكم بكل من حاول جمع الرحيق ليصنع العسل...فربما
" ما زال في صحونكم بقية من العسل
ردوا الذباب عن صحونكم
لتحفظوا العسل ! "
وتبكينا أنت مبكرا ... وترثينا كما نحن تائهين في سواد الشوارع ... نتلمس أصابعنا قطعت تحت أقدامهم ...
نركض في الهواء من وطن ... أجزاء جسدي المحتل فوق تراب شهيد ... نترك خلفنا غصن زيتون..وعوسج
وتبكينا صغيرا...ونبكي...والشمس الغريبة تغادرنا وتبكي
وتخبرنا بك قبل ميعاد... ثم تبكي
" أنا أبكي !
أنا أمضي قبل ميعادي ... مبكر
عمرنا أضيق منا ،
عمرنا أصغر... أصغر
هل صحيح ، يثمر الموت حياة
هل سأثمر
في يد الجائع خبزا ، في فم الأطفال سكّر ؟
أنا أبكي !"
درويش ... عرفنا رائحة الأرض فيك ... وطعم الليالي في صدرها قمر ... والطريق المؤدية
إلى بيوتنا القديمة...أسماء إخواني ... وأمي...وطني ...وهل عاد لنا وطن..؟
درويش...غير قادرين على الصمود أكثر
نعجز عن التظاهر بعدم البكاء...دموعنا بأعيننا ماء نار....دماء فوق جباهنا تزداد بكاء...نعود أطفالاً إلى أمهاتنا....عندما نستحضر لمسات العشق في صدر أمك وتأخذنا بها إلى خجل...
" خذيني ،إذا عدت يوما
وشاحا لهدبك
و غطّي عظامي بعشب
تعمّد من طهر كعبك
و شدّي وثاقي..
بخصلة شعر
بخيط يلوّح في ذيل ثوبك.. "
وتعشق عمرك ..ونعشق عمرك...لأننا سنخجل أيضا كلما نظرنا في وجهها ملاكا قدسيا فقد ملاك...فنعود كصغار العصافير لا نعرف درب الرجوع لعش انتظارك.
عراةً نسير الآن في غابات الزيتون وراء صوتٍ يعود إلينا كصدى ...نعود دون أحذية تبلل أجسادنا قطراتٍ من ندى...وتنتظرنا أنتَ " مع الأمطار ساهد " " مع الأمطار ساهر"
وتعرف قبلهم مقدار عمرك....تخبرك السماء بشعِرك الحزين ... لأنها بنيت من حجارة الوطن
" يخيّل لي أن عمري قصير
و أني على الأرض سائح
يخيل لي أن شعري الحزين
و هذي المراثي، ستصبح ذكرى
و أن أغاني الفرح
وقوس قزح
سينشدها آخرون
و أن فمي سوف يبقى مدمّى
على الرمل و العوسج
فشكرا لمن يحملون
توابيت أمواتهم!
و عفوا من المبصرين "
أعمارنا قصيرة....وكنت بعيد النظر...مراثينا ... توابيتنا...شعرك الحزين...سائحين جميعا بلا وطن... وطنٌ أنت بلا احتلال...ذاكرة لم تختم بالشمع الأحمر...لن يصبح شيئاً...سيكون ... إن فرحنا بعد حين...لن ينشدنا آخر قوسا من قزح...وهل تبصر بعدك العيون..؟
درويش.....يصعب علينا أن نغادر أجسادنا...روحا تسموا فوق ثياب الاحتلال...
قاتل هذا المساء...ونبكي...حبيباً صامداً ...وطنٌ في قصيدة....درويش هل بعد هذا اليوم سأجد أمي...؟ كسرةً من خبز لأبنائي...؟ رصاصةً في بندقية...؟
درويش
نموت ...ويموت الشعر بعد مساء
نسقط واقفين في مقاعدنا الورقية
نبحث عن اسمك في أسمائنا
ثم نبكي
درويش
نموت...ويموت الحلم دون وطن
حسين ابوالعسل
10 - 8 - 2008 م
ساحة النقاش