جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
" حميــــــــــدة "
تنويه : القصة مستوحاة من قصيدة " حميدة الشغالة للرائع الشاعر / بهي الدين عبد اللطيف .
أخيرًا تكرم أبنهما الوحيد ، واستقدم خادمةً لتعاون أمه ، فقد أنهكها المرض ، وتدهورت صحتها ، وأبت زوجته الشابة أن تنتقل للإقامة مع والديه ، أبوه موظفٌ كبير أُحيل للتقاعد منذ أعوام ، وتفرغ لكتابة مذكراته ، يمضى نهاره فى مكتبه الصغير ، وليله أمام شاشة التلفاز ، أو الملعون كما اعتاد أن يلقبه ، وحريصًا على متابعة مواعيد جرعات الدواء المخصص لزوجته المريضة ، زوجته كعادتها تؤدى صلاة العشاء ، ثم تخلد للنوم ، بينما يتكئ هو على أريكته الأثرية متنقلاً بين قنوات الملعون ، لا يفتأ يستقر على قناة إلا لينتقل منها لأخرى ، يغلبه النوم فى معظم لياليه ، ممددًا فوق أريكته .
حميدة فتاة نشطة ، بل فى قمة النشاط ، شعلةٌ لا ينطفئ لهيبها ، امتدت نيرانها لتشتعل فى شيبته ، منذ لحظاتها الأولى وهى تتصرف كأن البيت بيتها ، خاصةً عندما يستضيفهم الليل تحت عباءته ، فتخلع حميدة جلبابها المجهد من أعمال المنزل ، وترتدي جلبابًا مزركشًا بألوانٍ زاهية ، كاشفًا عن ذراعيها ونهديها المرمريين، وحاسرًا عن ساقيها العاجيين ، لم تكن من هواة الملعون ، ولم تكن تهدأ ، كقطٍ بري لا يكف عن الحركة ، تعد له كوب الشاي ، وتضعه على المنضدة التى أمامه ، وتصع نهديها أيضًا ، وتعتدل واقفةً وعيناها تبحثان عن عملٍ تؤديه ، وعيناه يلاحقانها جيئةً وذهابًا ، وما أكثر ما فاجأته ، ذات ليلة داست على قدمه الممدودة ، فانحنت كالبرق تمسح بيديها ظاهر قدمه ، فتنساب حرارة يدها لتلهب شعره الأبيض ، وتنهض ونهديها يسابقان عينيها فى التطلع له معتذرةً فى صمت ، لكنه أبلغ من صفحات كتاب ، ليلةٌ أخرى تفاجأ بها بين ذراعيه ، كان على وشك مغادرة غرفة مكتبه ، بينما هى تهم بدخولها ، لبثت بين ذراعيه برهة ، شعر بأنفاسها تخترق مسام صدره ، بينما صوتها الناعم يطيح بما تبقى له من مقاومة
" آسفة ياباشا ، كنت فكراك عند الحاجة "
لم يكن فى حاجة إلى مزيد من البراهين والمقدمات ، وهو الرجل الخبير بكل أنواع النساء ، أمضى نهاره فى غرفة مكتبه ، لم يكتب حرفًا ، وإنما انصب كل تفكيره حول مغامرةٍ جديدة ، وثمرةً أينعت وحان وقت قطافها ، لم يشغله فارق السن الرهيب بينهما ، ولم يهتم ؟ وهى التى تسعى إليه وتريده ، ولم يهتم ؟ فما تزال ذكورته فى أوجها ، هكذا كان يعتقد ، ولكن ظل سؤالاً عالقاً فى ذهنه بلا إجابة .
" كيف وأين ؟ ".
غرفة نومها ! ..استبعدها عن ذهنه ، فغرفة إبنه السابقة تُجاور غرفة نوم زوجته ، لا يفصل بينهما سوى جدارٌ هش ، الصالة حيث أريكته الأثرية ؟...استبعده أيضًا ، فالصالة بكاملها مكشوفةٌ لباب غرفة نوم زوجته ، كما أن زوجته اعتادت ألا تغلق بابها مطلقًا منذ غادر إبنهما منزلهما ليتزوج ، إذن لم يتبق أمامه سوى غرفة مكتبه ، فهى فى الجهة الأخرى من الشقة ، كما أن الضجيج المتصاعد من الشارع المطلة عليه ، كافٍ للتغطية على تأوهاتها التى وبلا شك ستتصاعد مدوية ، ولكن كيف ينفرد بحميدة فيها وهى لا يوجد بها سرير ؟ ، الشمس اختفت وجاء الليل يخطو على عجل ، استقر على غرفة مكتبه ، حيث لاخيار آخر ، فسارع بتهيئة نفسه ، حلق ذقنه ، تعطر ، ارتدى بيجامته الحريرية ، جرس الباب رنينه يتصاعد ، أطل من غرفة نومه ، كانت حميدة قد سارعت بفتحه ، أبوها أتى خصيصًا لإصطحابها معه ، فغدًا سيأتى شابٌ من قريتهم إلى دارهم طالبًا يدها .