إ

سلام العدل

المستبدّ يحكم في أمور المجموع بهوى الفرد, ومن هنا تَبرز أولى إنارات الوحدويَّة فكما يقول الكواكبي: “المستبدّون يحكمهم مستبد والأحرار يحكمهم أحرار, فأفرد في نصفها الأول كلمة مستبد لفرديته في الحكم بهواه ويجمع في نصفها الآخر الأحرار, لأنَّ حكمهم شورى بينهم, لا ينفرد به أحد دون الآخرين.. وتلك الوحدوية تنقسم إلى خمسة مراتب:

  • روح الفرديَّة:

فكما أنَّ المعامل الخارجي تنبض فيه روح الفردية فإنَّها تنبت كذلك في المعامل الداخلي فتراها تنبض في أجساد البشر الذين يمارس المستبد عليهم استبداده, وهم بدورهم يمارسون أنواعًا من الاستبداد الفردي الأصغر على من هم دونهم.

فنجد في مجتمعاتنا مئات الأمثلة من عيَّنة الحل الوحيد, والرأي الوحيد, والمرجعية الوحيدة, والقائد الوحيد, والشيخ الوحيد, والأيدلوجية الوحيدة, حتى صار المجتمع تتنازعه أطراف عديدة, كل منها يزعم – تحت وطأة المعامل الداخلي – أنَّه صاحب الحق الوحيد, وأنَّه وحده يملك الطريق نحو الخلاص.. وبالمناسبة هو الطريق الوحيد.

  • نظرة فوقيَّة:

إذْ يعتبر كل طرف أنه صاحب الحق الوحيد في الحكم على كل من هم دونه وأنَّه قاضي القضاة الذي لا يخطئ ولا يُظلم عنده أحد, فيصدر أحكامه العشوائيَّة يمينًا ويسارًا كيف يشاء, معلنًا أنَّه الأرقى جنسًا والأبعد رؤية والأعمق فكرًا والأكثر علمًا والأعز ولدًا والأقدر مالاً و… و…. الخ.

وللنظرة الفوقيَّة اتجاهين؛ واحد دنيوي, والآخر ديني؛ الديني يتحدث عن الحلال والحرام, عن الجنة والنار, بينما الدنيوي يتحدث عن الخطأ والصواب, مع تحفظي على بعض دعوات التحلل القيمي, وكلاهما على إطلاقه خطأ, خاصة حينما يتعلق الأمر بالصواب والأصوب, وليس بالحق والباطل, والخطأ والصحيح.

  • مفاصلة عقيديَّة:

يبني المستبد نظام أفكاره علي المفاصلة.. قولته الشهيرة (إمَّا / أو) (معي/ ضدّي) ليس هناك حلول وسط, وهكذا يفعل من يرضخون تحت وطأته, ويحوّلون كل قضية إلى صراع حق وباطل, خطأ وصواب, وينتهجون نهج المفاصلة, كأنّهم يتحدثون عن عقيدة لا جدال فيها, أو نصٍّ مقدسٍ لا سبيل لتكذيبه, فيصبح المخالف في الفكر عدوًّا مقاتلاً, أو في أضعف الأحوال كأنَّما انتقص من عقيدتهم المقدسة أو اجترأ عليها.

  • القولبة:

وهي تظهر ابتداءً نتيجة اعتماد المفاصلة كفلسفة أساسيَّة لنظام الأفكار الحاكم, فالمفاصلة تصنع مجموعات أخرى يتم وضعها في قوالب بغية تصنيفها وهدرها مع الوقت, فهذا القالب يعتبر عقبة ما وذاك القالب يعتبر أداة ما, أي أنَّها وسيلة المستبد لتصنيف أعدائه, تمهيدًا لتحديد نوع التعامل معهم, فإذا بالجماهير تتلقف تلك القوالب كما هي, وتسارع في تبني التصنيفات التي وضعها المستبد وروج لها, لتتعامل معها بفكر المستبد.

  • التعميم:

إنَّ استخدام القوالب المصبوبة يعني تحديد مجموعة من المواصفات المشتركة لمجموعة من البشر واستدعائها كلما كانت هناك حاجة لذلك, فلا يتعب الناس أنفسهم في دراسة عقول الآخرين, بل يكتفون بالعناوين التصنيفيَّة التي وضعها عنهم المستبدّ, ويقومون هم بوضع الناس في أحدها دون جهد.

يمكننا أنْ نختصر الخمس نقاط في فقرة واحدة:

إنَّ أحد روافد قابليَّة الاستعباد كمعامل داخلي وهو الوحدوية يعمل على تعميم خاطئ لقوالب صنعها النظام المستبد لتصنيف أعدائه بالأساس بطريقة استدعائيَّة في ظل تبني نظام أفكار أسَّسَت بنيته التحتيَّة على المفاصلة الاستعدائيَّة, وارتسمت على وجهه نظر فوقيَّة استعلائيَّة ونبضت في جسده روح أنانيَّة فرديَّة.

وبذلك يستمر الناس في هدر أنفسهم بكل الطرق, إذ يتم هدر رأي الإنسان بالتعميم, وقيمته بالقولبة, ورغبته بالمفاصلة الاستعدائية, وعقله بالفوقية, وكرامته بالفردية الاستبداديَّة.

  • Currently 16/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 62 مشاهدة
نشرت فى 28 مايو 2011 بواسطة RawdaParadise

ساحة النقاش

bassant

RawdaParadise
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

23,108