حنين النّاي :

النّاي يعزف ألحانا ويُبكيني

أبكي دياري وأحبابي وخلّاني

أبكي حنينا ونار الهجر تُشْعِلني

كما الرّماد هبوب الرِّيح يَسفيني

والله إن شرّقت شمس ستلذعني

بحرِّها جَمَّرتْ أقسى شراييني

عند المغيب إذا غاصت بمغربها

لهيب شوقيَ بالمقباس يكويني

فغيدهم رحلوا وألهبوا كبدي 

عشقي لهم جامحٌ والشوق يسبيني

فأنت والعزف تقطع جُلَّ أوردتي

لم يبق من أحد منهم يواسيني

من غيث دمعي صحارى البيد قد رُوِيت

زهت ورود بها وحواح تشريني

هل أنت مثلي جريح الغصن مكتئب

فجُدْت في اللّحن أحزانا لتُبكيني ؟

مهما فعلتَ ستبقى عود من قَصَب

لكنْ أنا بَشَر حِسّي وتكويني

أُحِسُّ أبكي وظهري ينحني ألما

حِمْل ثقيل وهذا الحِمْل يُعييني

سحقت ضلعي وأجزلتَ الحشا وجعا

وجرح هجرانهم للعمر يكفيني

حنينُ لحنك أحْسى في مشاعرنا

منك النّواح ، ودع للنَّوح تلحيني

إنّي دَنِفْتُ ولن أُشفى ويُسعدني

إلّا بعودة مَنْ غابوا وعافوني

جعلتُ من حيِّهم حقلا ومزرعة

لأزرع الأرض أزهار الرَّياحين

ومن محاجر دمعي كان مَنْهلها

فأينع الزّهر من كلّ التَّلاوين

بداية العزف لم يُعنى بها شجني

أكُنْتَ تحسبني طفلا لتُلهيني ؟

أما حسِبتَ بأنّي عاشق وله

وليس لحنك للأحباب يُنسيني ؟

أحْبَبتهم في شغاف القلب أحفظهم

وحبُّهم سُوَر التّرتيل في ديني

رسمتهم صورا تزهو بحُلَّتها

بمِرْبَد الكحل للعينين تلويني

مامِنْ عَذول لذِكراهم يؤنِّبني

وليس من شاعر في الغير يقفيني

إنِّي ظميء الهوى والتَّوق يَلْبَسني

فاعزُف ولحنُك يَسقيني ليُرويني

ففي الّدِّيار لهم ذِكْرَى ومأْثرة

وإنْ سألتَ لهم نسيان فاعفيني

.......................................

بقلمي : غسان الضمان