جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
بمناسبة ما يجرى فى السودان الآن من مظاهرات واحتجاجات والمطالبة بسقوط النظام الديكتاتورى، نتذكر الآن سيرة المشير سوار الذهب، وبالتبعية لا بد أن نقارن بين ما فعله المشير السودانى، وما يفعله المشير المصرى محمد حسين طنطاوى.
فى انتفاضة السودانيين فى أبريل عام 1985 ضد حكم جعفر النميرى الفاسد المستبد والتى توافقت جميع القوى السياسية والنقابات المهنية ضده، واستطاعت مظاهرات واعتصامات تلك القوى السياسية أن تخلع نميرى الذى أفسد السودان وصنع الفتنة بين السودانيين، وبين الشمال والجنوب باللعب على الدين، واستخدمه من أجل أن يطيل عمره فى السلطة.
وأمام نجاح القوى السياسية فى خلع نميرى قررت القوات المسلحة الانحياز إلى الشعب، ومن ثم اتفقت القوى السياسية على اختيار المشير سوار الذهب رئيسا للمجلس العسكرى الانتقالى، وتعهد الرجل أمام الشعب والقوى السياسية أن لا تتعدى الفترة الانتقالية عاما واحدا، يتم فيها بناء شرعية الدولة من جديد، وإعادة بناء القوى السياسية.
والتزم المشير سوار الذهب ومن معه فى مجلسه الانتقالى بتعهداته بالفترة الانتقالية وهى السنة التى يتم فيها تسليم السلطات المدنية المنتخبة من رئيس وبرلمان وحكومة.
حتى وإن جرى انقلاب عسكرى بقيادة البشير الذى تخرج الجماهير ضده الآن، فإن التاريخ سيذكر لسوار الذهب ومن معه فى مجلسه الانتقالى احترامه الشعب ووعوده التى جعلته يُسجل فى التاريخ بعدم طمعه وزملائه فى السلطة بعد أن ذاقوا طعمها.. وفضلوا أن يعودوا إلى صفوف الشعب يمارسون حياتهم العادية.. إلا أنهم يقابلون سواء فى السودان أو خارجها باحترام وتقدير شديدين.. فهم رجال جديرون بالاحترام.
أما عن المشير «المصرى» محمد حسين طنطاوى فحدِّث ولا حرج، فقد قامت ثورة 25 يناير بوقود الشباب وساندهم جميع قوى الشعب، دعكم من الأحزاب التى تبحث عن دور الآن وتتصدر المشهد، فهى أحزاب وقوى تخدم أى نظام، فلم يكن لها أى دور فى الثورة.
وبالطبع لم يكن للجيش أى دور.
فقد كان ولاء المشير طنطاوى ومن معه للرئيس المخلوع حسنى مبارك، فقد كانوا رجاله وحُماته.
لكن الشعب أصر على ثورته، وأصر على رحيل مبارك ونظامه، وسقط آلاف الشهداء والمصابين من أجل ذلك.
وأمام هذا الإصرار لم يجد مبارك أمامه إلا الرحيل، خصوصا بعد أن تم فضح استبداده وفساده واستيلائه على أموال البلاد وتهريبها إلى الخارج مع أولاده وأفراد عصابته.
وأمام هذا الفضح الذى كان على الهواء مباشرة وأمام العالم كله، لم يجد الجيش سوى الانحياز للشعب بعد أن أصر على رحيل مبارك، ولم يكن هناك حل إلا رحيله.
ووثق الشعب فى الجيش -بعد أن استقبله فى الميدان والشوارع تحت شعار «الجيش والشعب إيد واحدة»- وسلمه السلطه كوديعة ليستردها منه بعد 6 أشهر، وأكدت بيانات المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة المشير حسين طنطاوى أن الجيش سيحمى الثورة وسيعمل على تحقيق أهدافها ومطالبها، وأنه سيعيد إلى الشعب السلطة من خلال مؤسسات ديمقراطية، وسيعود الجيش إلى ثكناته بعد انتهاء الفترة الانتقالية التى حددوها بستة أشهر.
ومرت الستة أشهر، ومعها ستة أشهر أخرى، ومعها ستة أشهر زيادة، لنصبح بعد عام ونصف العام من الثورة ولم يسلم طنطاوى وجنرالاته المعاشات السلطة.
بل طمع السادة الجنرالات فى السلطة، ويريدون أن يبقوا فيها إلى الأبد، وذلك بعد فشلهم العظيم فى إدارة شؤون البلاد، واستدعائهم لترزية القوانين لتفصيل القوانين على مقاسهم بطريقة أبشع من النظام المخلوع. ولم يفعلوا شيئا فى تحقيق أهداف الثورة، بل يستعيدون النظام القديم بشكل أسوأ وبعسكرته، وأصبح الجنرالات يفهمون فى السياسة والقانون والدستور.. ويستخدمون رجال الأحزاب الذين كانوا يعملون فى خدمة النظام المخلوع للتسويق لهم.
لنصل فى النهاية إلى أن المشير طنطاوى لا يريد تسليم السلطة ويخالف وعده هو ورجاله جنرالات المعاشات. ليبقى المشير سوار الذهب رجلًا صدق مع شعبه، والمشير طنطاوى رجلًا أخلف وعده مع الشعب .
المصدر: الكاتب ابراهيم منصور - جريدة التحرير .
ساحة النقاش