إنهم يكررون الخطأ ذاته: مصر ليست ميدان التحرير.. والموجودون فى ميدان التحرير مهما كان عددهم لا يمثلون الشعب المصرى.. هكذا يرى المجلس العسكرى الموجة الثانية من الثورة، وهو الكلام ذاته الذى قيل قبل خلع مبارك، وأنتج لنا موقعة الجمل التى سجلها التاريخ كواحدة من أسوأ المجازر التى نفذتها سلطة بحق شعبها.


ولعل السادة جنرالات المجلس يعلمون جيدا أن مظاهرات غضب الثورة الثانية لم تكن فى ميدان التحرير فقط، بل امتدت بطول خارطة مصر من أقصى الشمال فى الإسكندرية حتى الجنوب فى الصعيد مرورا بالمحلة وطنطا والمنصورة والشرقية والإسماعيلية والسويس، فهل كل هذه المدن أيضا ليست واقعة ضمن الأراضى المصرية؟ وهل المشاركون فيها لا يمثلون الشعب المصرى؟


إن هذه الملايين فى تلك الميادين هى التى وضعت المجلس العسكرى على قمة هرم السلطة السياسية مؤقتا، فشرعية التحرير (كل ميادين التحرير) كانت جسرهم للوصول إلى السلطة، وحين يأتى المجلس الآن ليقول إن الملايين التى نزلت إلى الشوارع على مدى الأسبوع الماضى لا تمثل الشعب المصرى، يكون المعنى المباشر هنا اعترافا بأن المجلس يحكم بلا شرعية، أو أنها شرعية غير حقيقية ولا تعكس موقف الشعب المصرى.


أما الخطأ الأكبر فهو إعادة إنتاج تلك التفرقة العجيبة بين الثوار، من خلال اصطناع فتنة وتصادم بين المتظاهرين فى الميدان، وبين من يحمون الميدان فى شارع محمد محمود، الذين تحملوا القصف بقنابل الغاز والرصاص على مدى ستة أيام مشكلين دروعا بشرية تنقذ باقى الثوار من السحق.


واستغرب حين يجترون المقولات القديمة ذاتها، من نوعية أن الوجوه التى شاهدوها فى شارع محمود تختلف عن وجوه الموجودين بميدان التحرير، بل ويصل أحد اللواءين إلى أبعد من ذلك بتساؤله غير البرئ عن ثوار الصفوف الأولى «هل هؤلاء مصريون مخلصون لبلدهم».. نعم يا سيادة اللواء هم الأكثر إخلاصا وتضحية وأصحاب فضل على كل متظاهر فى قلب الميدان، وبالمناسبة هم لم يكونوا فى محمد محمود من أجل مهاجمة الوزارة واقتحامها، لكنهم كانوا يواجهون بأجسادهم بربرية الهجوم ووحشيته.


إن العودة إلى اصطناع فتنة بين ثوار الميدان وبين باقى المصريين بمثابة لعب بالنار، ونذكر بأن موقعة الجمل كانت التطور الطبيعى لهذا المنحى العجيب، وعلى الثوار الانتباه إلى لعبة «الطرف الثالث» التى اخترعها بعض الإعلام، سواء كان رسميا صريحا، أو رسميا فى ملابس مستقلة، ذلك أنهم بهذه الحيلة يريدون أن ينتهوا إلى أن القاتل والمقتول سواء، وكلاهما ضحية لطرف ثالث مجهول، وبذلك تذهب دماء الشهداء هدرا، لأن هذا «الطرف الثالث» سيبقى قيد المجهول ولن يظهر أبدا.


وليعلم الكل أن ما جرى فى ميادين الثورة طوال الأسبوع الماضى كان أقرب لعملية إبادة كاملة لما تبقى من ملامح الثورة، ولولا تضحيات الشهداء والصامدين تحت القصف فى الميدان لكانت هذه الثورة «المخطوفة» فى ذمة التاريخ.


والأهم أن ينتبه شباب الميدان إلى ما يحاك لهم لاصطيادهم من خلال تعبئتهم فى ائتلافات كرتونية، كما جرى فى الموجة الأولى من الثورة، حين ابتذلوا المشهد باختراع عبوات مقلدة وغير أصلية من الائتلافات.

المصدر: مقال الأستاذ وائل قنديل بجريدة الشروق - الجمعه 25 - 11 - 2011
Ramzy-online

محمد رمزى

  • Currently 5/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 102 مشاهدة
نشرت فى 25 نوفمبر 2011 بواسطة Ramzy-online

ساحة النقاش

محمد رمزى

Ramzy-online
مصرى يملك وطنى فؤادى و أكاد أملكه »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

217,179

مصر



يا حبنا الكبير