جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
تتوالى الأحداث بأسرع مما نتوقع ، أو تترك مجالا لدراستها و تحليلها .
حتى أصبح السؤال المطروح الآن على الساحة المصرية ، السؤال الذى يجول بخاطر كل مصرى : ماذا يحدث فى مصر ؟ و كيف وصل بنا الحال لكل هذا التخبط و العشوائية ؟
هل قامت ثورة حقيقة بمصر !! و هل مازلنا بسذاجتنا المعهودة عنا لنقبل أن بعض مكاسب الثورة قد تحققت بالفعل !! و هل نأمن الآن بعد كل هذه الشواهد على أن من يتولى مقادير هذا الشعب أمينا على مقدراته ليطلب منا مزيدا من الصبر و التروى حرصا على مصلحة البلاد ؟
حتما .. فالإجابة هى : أنه لم تقم ثورة بعد بالبلاد ! .. و أن ما يدور من حولنا ما هو إلا بمثابة تمثيلية فاشلة قام بإخراجها المخرج " توجو مزراحى " بفكره القديم و لكن فى القرن الواحد و العشرين ! .. تخيلوا معى لو صنعها توجو فى عصرنا هذا ، فسوف تكون النتيجة فشل ذريع ، و لن يقنع بأسلوبه العتيق فى الإخراج إلا متخلف عقلانيا ، فهل نحن شعب من المتخلفين ؟
المكسب الوحيد الذى حققته الثورة حتى الأن هو طرح هذا السؤال : ماذا يحدث فى مصر ؟
لقد توحدت جميع القوى الشعبية فى 25 يناير و ما يليها لمدة 18 يوم ، ثم تفرقت شيعا و مذاهب و طوائف و أحزاب و إئتلافات بعد أكثر من ثمانية أشهر ، لم يتم إحراز أى تقدم ملموس على الأرض خلالها .
من الذى فرقنا ، و جعل كل منا ينسى ما تكبدته فاتورة الثورة من قتلى و مصابين ؟ من الذى جعلنا نبحث وسط حاويات القمامة عن أى مكسب شخصى أو فئوى : تماما كما كان يحدث فى ظل تواجد الفساد و المفسدين ؟ من الذى فرقنا بين مؤيد و معارض لإسترداد الثورة بعدما فطن البعض منا إلى حقيقة المسألة ؟ من الذى أقسم على أن يظل هذا الشعب جيلا بعد جيل يعانى من وطأة فاقدى الوطنية و النخوة و العدالة ؟ من الذى تحالف مع الشيطان لتظل براثن الشيطان مغروزة بلحم أجسادنا العارية ؟ من الذى أوهم أعداءنا أننا قطيع من الإبل نساق كيفما أرادوا و شاءوا ؟ من هو النخاس الجديد الذى باع دماء شهدائنا و أجسادهم الطاهرة مقابل الإبقاء على حياة بضعة سفاحين قتله ؟ الم يكفهم ما أكلوه من اللحم الرخيص عليهم و الغالى عندنا ؟ ألم يشبع أكلة لحوم البشر ليتركونا نقتات الفتات بعد .
خلف قضبانهم يضحكون ، و يراهنون على غباء المصريين !!
خلف قضبانهم الذهبية يتلقون التحية من ضعاف النفوس الخسيسة ، ليذلوا أهالى النفوس الأبيه الذين تقطر قلوبهم دما على أعز ما فقدوه ..
إنه المخطط المرسوم ، و الذى يجب على العبيد أن يكملوه إرضاءا لأسيادهم خارج الحدود ..
و أرى أن كل هذه التساؤلات قد أجاب عليها الفنان الكوميديان القدير " عبد المنعم مدبولى " رحمه الله ، عندما قال : ( كل شئ إنكشفن و بان ) ..
نعم .. فكل شئ قد انحصر عنه الضباب ، و عرف اصغرنا قبل أكبرنا : أنه لا مفر عن الثلاثية المقدسة ، و هى الحرية - الكرامة - العدالة الإجتماعية ، فإما أن نموت ثوارا أو نعيش أحرارا ..
و لقد تخيلت السيناريو منذ قيام ما اسميناه بالثورة المصرية ، على النحو التالى ، و الأوامر هنا يتلقاها المخلوع و أعوانه من رأس الأفعى أمريكا و حليفتها إسرائيل :
1 - حاول يا مبارك مع شعبك ، بعدة بيانات لتهدأ من الوضع المحتقن ، و لما كان اعتمادهم على غبى قد انتهى الدرس معه نتيجة لتخلفه و تأخره فى تحصيل العبرة و الخبرة من الأحداث ، فشل كعادته دائما .
2 - تلقى السيد عنان الأوامر بفرض الخلع على مبارك بعد عودته من امريكا ، و محاولة جذب الشعب إلى المجلس العسكرى القائم بالحكم ، لتهدئة الأوضاع بالبلاد ، و ذلك بالتقرب للشعب عن طريق بث فكرة حماية الثورة عن طريق الجيش ، و ذلك لعلمهم بالعاطفة الجياشة لدى الشعب ، فنحن شعب طيب .
3 - القيام بكل ما أدركناه من تمثيليات ، لتقويض روح الثورة ، و البدء فى فكرة التباطؤ حينا و الإستجابة للمطالب حينا أخر تحت ضغوط المليونيات المتكررة ، و منها طبعا محاكمة المخلوع و اسرته ثم سيفرج عنهم لعدم كفاية الأدلة ، و محاكمة الفاسدين و المتهمين بنهب أموالنا و ليصدر ضد بعضهم أحكاما صورية و البعض الأخر إفراج ، ثم سحب إسم سوزان مبارك من قائمة الممنوعين من السفر ، و غيرها و غيرها من زيف المحاكمات الزائفة ، لنبرد نار الشعب ، فإذا لم تبرد النيران ، سنعود للبلطجية و دسهم بين المتظاهرين و قانون الطوارئ و محاكمة المدنيين عسكريا ، و انعدام الأمن بغياب الشرطة ، و بث روح الفرقة فيما بين الطوائف من سلفى لإخوانى و حزبى و ليبرالى و ناصرى و تقدمى و ثورى مستقل و غيرهم ، و هذا قد حدث بالفعل ، حتى أفراد الشعب العاديين قاموا بمعاداة الثورة و الثوار لإعتقادهم أن الثورة هى ما جلبت عليهم كل هذا الضنك و ضيق العيش و خاصة بعد الغلاء الفاحش الذى استشرى فى السلع الضرورية و غير الضرورية .. ( كله حسب المخطط بالمسطرة ) .
4 - لقد فصلنا رأس الأفعى مبارك و لنصنع لها رأسا جديدة من رجالنا المخلصين ، و ليكن هذا الرأس من المجلس العسكرى ، فإن ارتضى الشعب و سكن ، فخير و بركة ، و الناس بتوعنا برضه ، و إن لم يرضى ، فلا بد من اللجوء للخطة الأخيرة .
5 - و هى التوحد خلف المجلس العسكرى ضد الخطر الخارجى : إذ تدخل إسرائيل سيناء لإحتلالها ، بدعوى الخوف على أمنها القومى من هذه الإضطرابات ، و ساعتها يا حبيبى لا بد لهذا الشعب أن يقدر مدى الخطورة على البلاد ، فينصاع وراء المجلس العسكرى مرغما لطرد هؤلاء الخنازير ، و ينجح الجيش فى طرد إسرائيل من سيناء ، ليحمله الشعب و فى مقدمته المجلس العسكرى على الأعناق و يطوف به طواف الأبطال الفاتحين ، و نرتضى جميعا بحكم العسكر نتيجة لأننا شعب وفى ، لا ينكر جميلا لأحد عليه .
لتكون هذه النهاية الدرامية بداية لعهد جديد قد يطول لخمسين سنة أخرى من حكم العسكر ، و سلم لى على الديموقراطية و الحرية و الكرامة و العدالة الإجتماعية ، و الزمن كفيل بالنسيان لكل ما حدث فى 25 يناير 2011 .
ساحة النقاش